الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقول:
1 - [كلام صاحب الظلال عن الشورى كصفة من أهم صفات الجماعة المسلمة]
قدّم صاحب الظلال للفقرة التي مرّت معنا بقوله: (وهنا في هذه الآيات يصور خصائص هذه الجماعة التي تطبعها وتميزها. ومع أن هذه الآيات مكية، نزلت قبل قيام الدولة المسلمة في المدينة، فإننا نجد فيها أن من صفة هذه الجماعة المسلمة:
وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ .. مما يوحي بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظاما سياسيّا للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم عليه أمرها كجماعة، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة، بوصفها إفرازا طبيعيا للجماعة.
كذلك نجد من صفة هذه الجماعة: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ.
مع أن الأمر الذي كان صادرا للمسلمين في مكة هو أن يصبروا وألا يردوا العدوان بالعدوان؛ إلى أن صدر لهم أمر آخر بعد الهجرة وأذن لهم في القتال، وقيل لهم:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. وذكر هذه الصفة هنا في آيات مكية بصدد تصوير طابع الجماعة المسلمة يوحي بأنه صفة الانتصار من البغي صفة أساسية ثابتة؛ وأن الأمر الأول بالكف والصبر كان أمرا استثنائيا لظروف معينة. وأنه لما كان المقام هنا مقام عرض الصفات الأساسية للجماعة المسلمة ذكر منها هذه الصفة الأساسية الثابتة، ولو أن الآيات مكية، ولم يكن قد أذن لهم بعد في الانتصار من العدوان.
وذكر هذه الصفات المميزة لطابع الجماعة المسلمة، المختارة لقيادة البشرية وإخراجها من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام، ذكرها في سورة مكية وقبل أن تكون القيادة العملية في يدها فعلا، جدير بالتأمل. فهي الصفات التي يجب أن تقوم أولا، وأن تتحقق في الجماعة لكي تصبح بها صالحة للقيادة العملية. ومن ثم ينبغي أن نتدبرها طويلا .. ما هي؟ ما حقيقتها؟ وما قيمتها في حياة البشرية جميعا؟.
إنها الإيمان، والتوكل، واجتناب كبائر الإثم والفواحش، والمغفرة عند الغضب، والاستجابة لله، وإقامة الصلاة، والشورى الشاملة، والإنفاق مما رزق الله، والانتصار من البغي، والعفو، والإصلاح، والصبر).
2 - [كلام الألوسي وصاحب الظلال عن الشورى بمناسبة آية وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ
.. ]
وعند قوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ قال الألوسي: (قد كانت الشورى بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب، وكذا بين الصحابة-
رضي الله تعالى عنهم- بعده- عليه الصلاة والسلام، وكانت بينهم أيضا في الأحكام كقتال أهل الرّدة وميراث الجد وعدد حدّ الخمر وغير ذلك. والمراد بالأحكام ما لم يكن لهم فيه نص شرعي فالشورى لا معنى لها، وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله- عز وجل إلى آراء الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير. ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن علي- كرم الله تعالى وجهه- قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن، ولم يسمع منك فيه شئ قال: اجمعوا له العابدين من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد، وينبغي أن يكون المستشار عاقلا كما ينبغي أن يكون عابدا، فقد أخرج الخطيب أيضا عن أبي هريرة- مرفوعا-:
«استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا» . والشورى- على الوجه الذي ذكرناه- من جملة أسباب صلاح الأرض، ففي الحديث «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» . وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان إفساد الدين والدنيا أكثر من إصلاحها).
وقال صاحب الظلال عند الآية نفسها: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ:
والتعبير يجعل أمرهم كله شورى؛ ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة. وهو- كما قلنا- نص مكي، كان قبل قيام الدولة الإسلامية. فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمين. إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد.
والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية. والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.
ومن ثم كان طابع الجماعة في الشورى مبكرا، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشئون الحكم فيها. إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية، وهي من ألزم صفات القيادة.
أما الشكل الذي تتم به الشورى فليس مصبوبا في قالب حديدي، فهو متروك للصورة الملائمة لكل بيئة وزمان؛ لتحقيق ذلك الطابع في حياة الجماعة الإسلامية.
والنظم الإسلامية كلها ليست أشكالا جامدة، وليست نصوصا حرفية، إنما هي-