الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من القرآن وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ أي: الشرك، وهو وعد مطلق من الله عز وجل وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي: ويظهر الإسلام ويثبته بكلماته بما أنزل من كتابه على لسان نبيّه- عليه الصلاة والسلام وقد فعل- جل جلاله ويفعل. قال ابن كثير: أي: يحقّقه ويثبته ويبيّنه ويوضّحه بكلماته، أي: بحججه وبراهينه. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: بما تكنّه الضمائر وتنطوي عليه السرائر، وبهذا انتهت الفقرة الثانية من المجموعة الثانية من المقطع الثاني.
كلمة في السياق: [حول الربط بين الفقرات الثلاثة للمجموعة الثانية]
رأينا أنّ المجموعة الثانية تتألف من فقرات: الفقرتان الأولى والثانية تبدءان بلفظ الجلالة اللَّهُ*، والفقرتان الثالثة والرابعة تبدءان بقوله تعالى: وَهُوَ*.
وقد رأينا أن الفقرتين الأولى والثانية ذكرتا إنزال الله- عز وجل الكتاب والميزان، ووجوب العمل بالكتاب طلبا للآخرة، وأزاحتا العلل القاطعة عن السير إلى الله، وأنكرتا قضية السير وراء شرائع أخرى، وقد فنّدت الآية الأخيرة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كذب على الله بأن بيّنت أن لو كان شئ من ذلك لعاقبه الله بالختم على القلب فكان كافرا- والعياذ بالله- ولم يكن سيد المؤمنين. كيف والله- عز وجل يؤيّده وينصره وهو العالم بكل شئ؟!. وبعد ذلك تأتي فقرة ثالثة في المجموعة الثانية تحضّ على التوبة، وتبيّن من هم الذين يستجيبون لدعوة الله- عز وجل وتعلّل لسنّة الله- عز وجل في رزقه العباد على ما نراه.
تفسير الفقرة الثالثة من المجموعة الثانية:
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قال ابن كثير: يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه، أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويستر ويغفر وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ قال النسفي: هو ما دون الشرك .. وقال ابن كثير:
أي: يقبل التوبة في المستقبل، ويعفو عن السيئات في الماضي وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ أي: من التوبة والمعصية. قال ابن كثير: أي: هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه. أقول: ومجئ هذه الآية في هذا السياق يفيد مطالبة
بالسير في شريعة الله، ومطالبة بالتوبة عن السير في غيرها أو في المعصية
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ في هذا النصّ اتجاهان، أولهما:
أنّ الله- تعالى- يستجيب دعاء المؤمنين العاملين فيعطيهم مطلوبهم ويزيدهم عليه، وثانيهما: أنّ الذين اجتمع لهم الإيمان والعمل الصالح هم الذين يستجيبون الاستجابة الكاملة لخطاب الشارع، والله- عز وجل يكرمهم بالزيادة من فضله فلا يزالون في ترقّ. وقد رجّح ابن كثير القول الأول. ويبدو لي- والله أعلم- أن القول الثاني هو الأرجح، فسياق السورة يفصّل في موضوع الاتّباع الكامل لشريعة الله، والإقامة الكاملة لدين الله، فمن اجتمع له الإيمان والعمل الصالح فهو المرشّح لكمال العمل
بالشريعة ولإقامة دين الله- عز وجل ومما يرجّح ما ذهبنا إليه أنه قد جاء هذا بعد المنّ بقبول التوبة، فكأن الآية تشير إلى أن المؤمنين العاملين هم التوّابون إلى الله- عز وجل المستجيبون لأمره وَالْكافِرُونَ لَهُمْ في الآخرة عَذابٌ شَدِيدٌ أي:
موجع مؤلم. وأيّ عذاب أشد من عذاب النار؟! نعوذ بالله منها. ولمّا كانت الفقرة الثانية ذكرت بسط الله الرزق لمن يشاء، فإنّ الآية تأتي معلّلة لحجب الله التوسعة في الرزق على كل الخلق، وتأخير التعليل يشعر بوحدة المجموعة، وليدخل الرزق الحسي والمعنوي في التعليل، ولتكون الآية مقدمة للفقرة الرابعة كما سنرى.
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ أي: لظلموا في الأرض لأن الغنى مبطرة مأشرة، أو لتكبّروا في الأرض وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ. قال النسفي: أي: يعلم أحوالهم فيقدر لهم ما تقتضيه حكمته فيفقر ويغني، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط، ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا، وما ترى من البسط على من يبغي. ومن البغي بدون البسط فهو قليل، ولا شك أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب.
وقال ابن كثير: أي: ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي «إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه» .