الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة فصلت ومحورها:
أول ظاهرة نراها في سورة فصّلت هي التشابه الكبير بينها وبين سورة هود، فنلاحظ ما يلي:
بدأت سورة هود بقوله تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ* أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ.
وبدأت سورة فصّلت بقوله تعالى: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ.
ويأتي في الآية الثالثة في سورة هود قوله تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ .... ونلاحظ أن الآية السادسة في سورة فصّلت فيها: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ
…
والآية السابعة في سورة هود هي: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ....
ونلاحظ أن الآيتين التاسعة والعاشرة من سورة فصّلت: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ.
وتحدثت سورة هود عن عاد وثمود، وقول هود وصالح لهما: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* ونلاحظ أنّ سورة فصّلت ورد فيها قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ* إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ
…
وجاءت في سورة هود قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ .. (الآية: 110) والملاحظ أن هذه الآية وردت في سورة فصلت (الآية: 45).
وقد ورد في سورة هود قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ (الآية:
112).
ونلاحظ أنّه قد ورد في سورة فصّلت قوله تعالى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ (من الآية:
6) وإِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (الآية: 30).
ونجد في سورة هود قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ* إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (الآية: 9 - 11).
ونجد في سورة فصّلت لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ* وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (الآية: 49: 51).
من هذه المقارنة ندرك أن التشابه كبير بين سورة فصّلت وسورة هود، وهذا يفيد أنّ المحور واحد، فإذا كان محور سورة هود هو قوله تعالى من سورة البقرة: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ إذا كان هذا محور سورة هود فإنه هو نفسه محور سورة فصّلت.
لاحظ أن آيتي سورة البقرة فيهما أمر ونهي: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ .. فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
وفي سورة فصّلت نجد قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ (الآية: 6) ونجد قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً (الآية: 9) فالعبادة ونفي الشرك واضحان من بدايات السورة.
وكما أن محور السورة من سورة البقرة فصل في الطريق إلى التقوى، وسورة هود فصّلت في هذا الطريق، فإنّ سورة فصّلت كذلك تفصّل في هذا الطريق.
ولا يظنّنّ ظانّ نتيجة للتشابه الكبير بين سورة هود وسورة فصّلت، ونتيجة لوحدة
المحور أنّ سورة فصّلت نسخة طبق الأصل من سورة هود فذلك خطأ كبير، إن سورة فصّلت ككلّ سورة، لها روحها الخاصة، ووحدتها الخاصة، وسياقها الخاص، ثم هي تفصّل محورها من سورة البقرة تفصيلا جديدا، يبنى على تفصيل سورة هود، فإذا كانت سورة هود فصّلت في أنّ الأمر بالعبادة هو أمر مشترك بين هذه الرسالة وبين كل رسالة لله، وبينت ذلك، ودلّلت عليه، فإنّ سورة فصّلت ينصبّ الكلام فيها على مخاطبة هذه الأمة في هذا الشأن.
تتألف السورة من مقدمة هي: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ. ومن مقطع واحد هو ردّ على موقفهم هذا. ويتألف من ثلاث فقرات، كل فقرة مبدوءة بكلمة قُلْ*: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (الآية: 6) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً .. (الآية: 9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ
…
(الآية: 52) فالسورة عرض لموقف وردّ عليه، ودعوة لما يقابله، من التوحيد والعبادة، والاستقامة على الأمر.
ومن ثمّ فإنّ السّورة كما قلنا تفصيل جديد، بأسلوب جديد، لمحورها من سورة البقرة.
فمحور السورة من سورة البقرة دعا الناس جميعا إلى عبادة الله للوصول إلى التقوى التي من أركانها الإيمان بالقرآن، وعدم الشك فيه، والاهتداء بهديه.
وجاءت سورة النّساء لتفصّل في ماهية التقوى، وجاءت سورة هود ففصّلت في موضوع العبادة، وتأتي سورة فصّلت لتبيّن موقف الكافرين من دعوة الرسول صلّى الله
عليه وسلم عامة.
ثم يأتي الرّد، ومن الرد نعلم أنهم رفضوا الاستقامة والاستغفار، ورفضوا الزكاة، ورفضوا التوحيد، وأصرّوا على الشرك، ومن خلال الردّ يدعونا الله عز وجل للإيمان والتقوى، ومعرفة الله، وعبادته، والاستقامة على أمره.