الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير:
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قال ابن كثير: يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا أي: لم تصلوا إلى مقام الإيمان الحقيقى وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي: دخلنا في الإسلام، وخرجنا من أن نكون حربا للمؤمنين بإظهار الشهادتين وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ قال ابن كثير:(أي لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد، فدلّ هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدّبوا في ذلك .. ) وقال: إنهم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد، فأدّبوا وأعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد .. ثم قال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً أي: لا ينقصكم من أجوركم شيئا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يستر الذنوب رَحِيمٌ بهدايتهم للتوبة عن العيوب،
وبعد أن ردّ الله عز وجل على هؤلاء دعواهم الإيمان عرّف الإيمان الحقيقي من خلال وصفه للمؤمنين الصادقين فقال:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ قال ابن كثير: أي إنما المؤمنون الكمّل الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي: لم يشكّوا ولا تزلزلوا؛ بل يثبتون على حالة واحدة وهي التصديق المخلص. قال النسفي: (والمعنى: أنهم آمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا فيه، ولا اتّهام لما صدقوه
…
) واستعمال حرف العطف (ثم) في هذا المقام يشعر أن
الإيمان في قلوبهم مستقر في الأزمنة المتراخية المتطاولة مع كونه غضا جديدا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال ابن كثير: أي وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي: الذين إيمانهم إيمان صدق وحق.
قال صاحب الظلال في هذه الآية: (فالإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله.
التصديق الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب. التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، ولا تهجس فيه الهواجس، ولا يتلجلج فيه القلب والشعور.
والذي ينبثق منه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله. فالقلب متى تذوّق حلاوة هذا الإيمان، واطمأن إليه وثبت عليه، لا بد مندفع لتحقيق في خارج القلب. وفي واقع الحياة. في دنيا الناس. يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان، وما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور وواقع الحياة. ولا يطيق الصبر على
المفارقة بين الصورة الإيمانية التي في حسه، والصورة الواقعية من حوله؛ لأن هذه المفارقة تؤذيه وتصدمه في كل لحظة. ومن هنا كان هذا الانطلاق إلى الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس. فهو انطلاق ذاتي من نفس المؤمن. يريد به أن يحقق الصورة الوضيئة التي في قلبه؛ ليراها ممثلة في واقع الحياة والناس. والخصومة بين المؤمن وبين الحياة الجاهلية من حوله خصومة ذاتية ناشئة من عدم استطاعته حياة مزدوجة بين تصوره الإيماني، وواقعه العملي. وعدم استطاعته كذلك التنازل عن تصوره الإيماني الكامل الجميل المستقيم في سبيل واقعه العملي الناقص الشائن المنحرف. فلا بد من حرب بينه وبين الجاهلية من حوله، حتى تنثني هذه الجاهلية إلى التصور الإيماني والحياة الإيمانية.
أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. الصادقون في عقيدتهم. الصادقون حين يقولون: إنهم مؤمنون. فإذا لم تتحقق تلك المشاعر في القلب، ولم تتحقق آثارها في واقع الحياة، فالإيمان لا يتحقق. والصدق في العقيدة وفي ادعائها لا يكون).
وبتطبيقنا هذا الميزان الذي ورد في الآية على كل من يقول إنه مسلم نجد أن كثيرين ممن يدّعون الإيمان تشبه دعواهم دعوة الأعراب، ويبدو أن كثيرين من الناس حتى بعد ذكر ميزان الإيمان سيجادلون وسيدّعون، وسيبررون تركهم للجهاد بالمال والنفس، مع رغبتهم بالاحتفاظ باسم الصلاح والصدق والإيمان، ومن ثم جاء بعد ذلك قوله تعالى
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ» قال النسفي: أي أتخبرونه بتصديق قلوبكم، وقال ابن كثير: أي أتخبرونه بما في ضمائركم وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي: لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ومن ذلك علمه بالإيمان والإخلاص وغير ذلك، ثم بيّن تعالى أن من جملة ما يفعله هؤلاء الذين يدّعون مقاما لم يصلوا إليه أنهم يمنّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخولهم في الإسلام، مما يشير إلى أنّ المنّ بالدخول في الإسلام يرافق عدم تمكن الإيمان
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أي: يمنّ هؤلاء الأعراب عليك أَنْ أَسْلَمُوا أي: بأن أسلموا، أي: بإسلامهم. قال النسفي: والمنّ: ذكر الأيادي تعريضا للشكر، يقول الله تعالى ردا عليهم قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ فإنّ نفع ذلك إنما يعود عليكم، ولله المنة عليكم فيه بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ أي: بل لله المنّة عليكم بأن- أو لأن- هداكم للإيمان إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في ادّعائكم الإيمان بالله فلله المنة عليكم، ثم كرر تعالى بهذه المناسبة الإخبار بعلمه بجميع الكائنات وبصره بأعمال المخلوقات، ومن ذلك صدق الصادقين فقال
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ