الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - [كلام ابن كثير عن النهي عن المن بالدخول في الإسلام]
بمناسبة قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ قال ابن كثير: (روى الحافظ أبو بكر البزار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت بنو أسد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن فقههم قليل، وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم» ونزلت هذه الآية يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم قال:
لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه، ولا نعلم روى أبو عون محمد بن عبيد الله عن سعيد ابن جبير غير هذا الحديث.
كلمة أخيرة حول سورة الحجرات:
سورة الحجرات سورة الآداب الإسلامية، فقد وجهت المسلم نحو مجموعة كبيرة من الآداب: 1 - عدم التقدم بين يدي الكتاب والسنة برأي أو قول أو فعل. 2 - خفض الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3 - معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم بكمال الأدب، وعدم رفع حجاب الكلفة معه. 4 - عدم نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان في بيته وانتظاره حتى يخرج. 5 - امتحان خبر الفاسق وعدم التسرع في البناء عليه. 6 - عدم فرض الرأي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 7 - الإصلاح بين المؤمنين. 8 - رد الباغي عن ظلمه ولو بالقتال إن أصر على الظلم. 9 - العدل في الإصلاح. 10 - إعطاء المؤمنين الإخاء. 11 - ترك السخرية بأهل الإيمان. 12 - ترك
طعن أهل الإيمان. 13 - ترك التنابز بالألقاب.
14 -
اجتناب الظن السيئ بأهل الخير بدون مبرر. 15 - ترك التجسس وخاصة على أهل الحق لأهل الباطل. 16 - ترك الغيبة الكامل. 17 - ترك التفاخر في الأحساب والأنساب والقوميات. 18 - النهي عن ادعاء الإيمان. 19 - الصدق مع الله بتحقيق الإيمان وإقامة الجهاد. 20 - عدم المن بالدخول في الإسلام، ورؤية المن لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
فالسورة التي عرضت هذه الآداب كلها هي سورة الآداب، ومن ثم فإن دراستها ودراسة حيثيات هذه الآداب مهمة جدا.
ومن الملاحظات الرئيسية التي نلاحظها في سورة الحجرات أنها علّمتنا أصول التعامل في دوائر ثلاث: دائرة التعامل مع القيادة العليا للمسلمين متمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ودائرة التعامل مع أبناء هذه الأمة المسلمة، ودائرة التعامل مع البشرية كلها، كما أنها حددت في الوقت نفسه للقيادة جوانب ينبغي أن تلتزمها، ولا شك أن هذه الدروس دروس ينبغي أن تلتزم وتطبق في كل عصر، فيأخذ ورّاث النبوة حظّهم من التطبيق، ويأخذ المؤمنون حظهم من التطبيق في التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: مع شخصه، ومع سنته، وفي الكلام عنه، ومع وراثه عليه الصلاة والسلام، كما يأخذ المؤمنون حظهم من التطبيق في التعامل مع بعضهم بعضا.
إن هذا القرآن الذي دلّ الإنسان على طريق الهدى دلّه من جملة ما دله على الطريق الذي يكون به المسلم هو الإنسان الأعلى في هذا الوجود، تطلعات وأخلاقا وقيما ومبادئ وأهدافا، وكما ربّاه على الكمال في الأخلاق الفردية، ربّاه على الكمال في الأخلاق الجماعية، بحيث يكون عضوا كاملا في أمة كاملة، كما ربّى هذه الأمة على الكمال في كل شئ، وعند ما نجد في عصرنا روح الفردية عند بعض المسلمين عاتية، وعند ما نرى عجز بعض المسلمين عن التعامل مع بعضهم الآخر، وعند ما نرى تطلعات المسلم قاصرة وأهدافه غامضة، وتفاعله مع الإسلام جزئيا، وعند ما لا نرى المسلمين جميعا أمة واحدة تتحرك حركة واحدة، وتتجه اتجاها واحدا، عند ما لا نرى هذا كله ندرك البعد الكبير بين ما كلّفنا به وبين واقعنا.
وقد حاولنا خلال عرضنا للسورة أن نذكر وحدتها، وأن نذكر صلتها بما قبلها، وأن نبيّن الروابط التي تربطها مع محورها. وقد يكون من المناسب قبل الانتقال إلى سورة (قاف) أن نعيد إلى الأذهان بعض مظاهر الارتباط، بين سورة الحجرات وسورة الفتح، لنبقى متذكرين الصلات الخاصة التي تربط بين سور هذه المجموعة.
إننا لا نبالغ إذا قلنا إن سورة الحجرات قد ذكرت الطريق العملي لتحقيق المعاني الواردة في سورة الفتح، فقد ورد في سورة الفتح مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (الآية: 29) وسورة الحجرات توجه المؤمنين في الطريق لتحقيق ذلك، فتنهاهم عن الغيبة والتجسس، واللمز والتنابز بالألقاب، لأن هذه المعاني كلها تتنافى مع التراحم. وسورة الفتح تعرضت لقصة الحديبية التي حدث فيها نوع من الاعتراض الصامت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتوقيعه الصلح، وتأتي سورة
الحجرات لتقول في بدايتها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
…
وسورة الفتح تعرضت لموضوع توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأتي سورة الحجرات لتنهى عن رفع الصوت لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
…
وسورة الفتح بشّرت بانتصار عالمي للإسلام، وهذا يقتضي أن تكون قضية الإخاء الإسلامي واضحة، وقضية الصلة بين الشعوب واضحة، ومن ثم نجد في سورة الحجرات إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
…
ونجد يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا
…
وسورة الفتح بيّنت أن الجهاد والمشاركة فيه ميزان من موازين الإيمان، وتأتي سورة الحجرات لتعرّف الإيمان، وتذكر الجهاد كجزء منه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وفيما ذكرناه كفاية لتوضيح هذه القضية، ونخرج من ذلك بوضوح كامل لموضوع تكامل سور المجموعة الواحدة، ولموضوع أن كل مجموعة تفصّل في سورة البقرة إنما تضيف معاني جديدة.
***