الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 -
كتاب الحج
باب استحباب الرمل في الطواف العمرة وفي الطواف الأول من الحج
وحدثني محمد بن رافع، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن عبد الملك بن سعيد بن الأبجر، عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: أراني قد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: فصفه لي. قال: قلت: (رأيته عند المروة على ناقة وقد كثر الناس عليه) قال: فقال ابن عباس: (ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم كانوا لا يدعون عنه، ولا يكرهون) 2/ 922.
ــ
قال القاضي عياض: " وقوله: لا يدعون عنه ولا يكرهون، كذا للفارسي، ولغيره: يكهرون، وهو الصحيح، ومعناه ينتهرون"(1).
ثم قال: "وقوله: "كانوا لا يدعَّون عنه ولا يكهرون"، كذا عن العذري وابن ماهان، وعند الفارسي: "يكرهون"، والأول أصوب"(2).
قال الإمام النووي: "قَوْله: إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يُدَعُّونَ عَنْهُ وَلَا يُكْرَهُونَ
…
وَأَمَّا قَوْله: يُكْرَهُونَ، فَفِي بَعْض الْأُصُول مِنْ صَحِيح مُسْلِم (يُكْرَهُونَ) كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِكْرَاه، وَفِي بَعْضهَا يُكْهَرُونَ بِتَقْدِيمِ الْهَاء مِنْ الْكَهْر، وَهُوَ الِانْتِهَار، قالَ الْقَاضِي: هَذَا أَصْوَب، وَقَالَ: وَهُوَ رِوَايَة الْفَارِسِيّ، وَالأَوَّل رِوَايَة اِبْن مَاهَان وَالْعَذَرِيّ " (3).
وقال السيوطي: "لا يدعون" بضم الياء وفتح الدال وضم العين المشددة: أي يدفعون، "ولا يكهرون" بتقديم الهاء على الراء: أي ينتهرون، وفي رواية ابن ماهان والعذري:"لا يكرهون" من الإكراه (4).
فرواية ابن ماهان "يكهرون" من الإكهار: بمعنى تعكير صفو الوجه بالعبوسة، وغيرها مما يشعر بإستقبال مكره، قال ابن منظور وتبعه الزبيدي: وكَهَرَه يَكْهَرُه كَهْراً: زَبَرَهُ واستقبله بوجه عابسٍ، وانْتَهره تَهاوناً به والكَهْرُ:
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار1/ 340.
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/ 342.
(3)
شرح النووي على مسلم 4/ 374.
(4)
الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 3/ 348.
............................................................................................
ــ
الانْتِهارُ قال ابنُ دارة الثَّعْلَبيّ: فقامَ لايَحْفِلُ ثَمَّ كَهْرا ولا يُبالي لو يُلاقي عَهْرا، قال: الكَهْرُ: الانْتِهارُ، وكَهَرَه وقَهَره بمعنى، وفي قراءة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ (1):"فأَما اليتيم فلا تَكْهَرْ"، وزعم يعقوب أَن كافه بدل من قاف تَقْهَرْ، وفي حديث مُعَاوية بن الحَكَمِ السّلَمِيّ أَنه قال (2):"ما رأَيت مُعَلِّماً أَحْسَنَ تعليماً من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فبأَبي هو وأُمي ما كَهَرني، ولا شَتَمَني، ولا ضَرَبني"، وفي حديث المَسْعى (3):"إنهم كانوا لا يُدَعُّون عنه، ولا يُكْهَرون"(4)، قال ابن الأَثير:"هكذا يروى في كتب الغريب وبعض طرق مسلم قال والذي جاء في الأَكثر يُكْرَهُون بتقديم الراء من الإِكراه"(5).
ورواية ابن سفيان يكرهون فهي من الإكراه بمعنى القباحة والقهر قال الرافعي: "كَرُهَ الأمر والمنظر (كَرَاهَةً) فهو (كَرِيهٌ) مثل قبح قباحة فهو قبيح وزنا ومعنى و (كَرَاهِيَةً) بالتخفيف أيضا و (كَرِهْتُهُ) (أكْرَهُه) من باب تعب (كُرْها) بضم الكاف وفتحها ضد أحببته فهو مكروه و (الكَرْهُ) بالفتح المشقة وبالضم القهر وقيل بالفتح الإكراه وبالضم المشقة و (أَكْرَهْتُهُ) على الأمر (إكْرَاهاً) حملته عليه قهرا يقال فعلته (كَرْها) بالفتح أي (إكْرَاهَا) وعليه قوله تعالى (طَوْعاً أوْ كَرْها) فقابل بين الضدين"(6).
فكلاهما يصح فهم لا يُكرهون على استقباله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا يستقبلونه بوجه عبس، بل كانوا يفدونه بآبائهم وأماهاتهم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. وانفرد الإمام مسلم بهذا الحديث، والله اعلم.
(1) ينظر أوجه القراءة في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)} [الضحى: 9]، في الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل:(تأليف: الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي ت538هـ)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 4/ 773، والتفسير الكبير أو مفاتيح الغيب:(تأليف: الرازي فخر الدين محمد بن عمر التميمي الشافعي ت606هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1،1421هـ - 2000م،1/ 199.
(2)
الآحاد والمثاني: معاوية بن الحكم السلمي ـ رضي الله عنه ـ، الحديث رقم 1398، 3/ 82.
(3)
وهو ما نحن بصدده.
(4)
لسان العرب 5/ 154، وينظر تاج العروس من جواهر القاموس 1/ 3473.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر4/ 395.
(6)
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي 2/ 531 و532.