الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
45 -
كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم
باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه
-
حدثنا هداب بن خالد الأزدي، حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا فنزلنا على خال لنا فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا فحسدنا قومه فقالوا إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له فقلت أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ولا جماع لك فيما بعد فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا ثوبه فجعل يبكي فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين قلت: لمن؟ قال: لله. قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي، ثم جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحر وكان أنيس أحد الشعراء.
قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر قال: فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي فقال الصابئ: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر قال: فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب على أسمختهم فما يطوف بالبيت أحد وامرأتين منهم تدعوان إسافا
ونائلة قال: فأتتا علي في طوافهما فقلت أنكحا أحدهما الأخرى قال: فما تناهتا عن قولهما قال: فأتتا علي فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان ههنا أحد من أنفارنا قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان قال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها قال: ما قال: لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استلم الحجر وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته (قال أبو ذر): فكنت أنا أول من حياه بتحية الإسلام قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله فقال: {وعليك ورحمة الله} ، ثم قال: من أنت؟ قال: قلت: من غفار قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته فقلت: في نفسي كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقد عني صاحبه وكان أعلم به مني، ثم رفع رأسه، ثم قال:{متى كنت ههنا} ؟ قال: قلت: قد كنت ههنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم قال: {فمن كان يطعمك} ؟ قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبدي سخفة جوع قال: {إنها مباركة إنها طعام طعم} .
فقال: أبو بكر يا رسول الله ائذن لي في طعامه الليلة فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وانطلقت معهما ففتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف وكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:{إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك؟ عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم} ، فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت قال: ما بي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا فأسلم نصفهم وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري وكان سيدهم وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله إخوتنا نسلم على الذين أسلموا عليه فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله} 4/ 1919.
............................................................................................
ــ
الحديث فيه خلافان:
الأول:
قال القاضي عياض: "في إسلام أبي ذر "ألقيت كأني جفاء" كذا في رواية بعضهم عن ابن ماهان بالجيم مضمومة، وهو وهم عندهم، والذي للجماعة: "كأني خفاء" بخاء مكسورة معجمة ممدود، قيل وهو الصواب، ومعناه كأني ثوب مطروح والخفاء الغطاء ما كان، وقال ابن الأنباري: الخفاء كساء يغطي به الرطب وأما الجفاء بالجيم، فهو ما ألقاه السيل من غثائه مما احتمله"(1).
قال الإمام النووي: "قَوْله: "حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِر اللَّيْل أَلْقَيْت كَأَنّيَ خِفَاء" هُوَ بِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَتَخْفِيف الْفَاء وَبِالْمَدِّ، وَهُوَ الْكِسَاء، وَجَمْعه أَخْفِيَة، كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْ اِبْن مَاهَان (جُفَاء) بِجِيمِ مَضْمُومَة، وَهُوَ غُثَاءُ السَّيْل، وَالصَّوَاب الْمَعْرُوف هُوَ الْأَوَّل"(2).
وقال الإمام السيوطي: "كأني خفاء، بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف الفاء، والمد وهو الكساء، وروي بجيم مضمومة، وهو غثاء السيل"(3).
وقد رجعت إلى معاني "جفا" فما وجدت معنى ينطبق من معانيها مع خفاء وبالتالي القول قول القاضي بالخطأ في رواية ابن ماهان.
وبالخاء "كأني خفاء" وهي رواية أهل المشرق، فهو مأخوذ من الكساء الذي يخفى به الشيء، قال الزمخشري:"هو الكساء الذي وطب اللبن، من خفي، قال ذو الرمة: عليه زَادٌ وأَهْدَام وأخْفية كأن هي التامة المستغنية عن الخبر"(4).
وقال جلال الدين القزويني: "والخِفَاء الكِساءُ يُلْقَى على الوَطْب وقيل هو الغِطَاء من كِساءٍ أو ثَوْب أو غير ذلك وجمعُه أخْفِيَة وإنما سمى خِفَاءً لأنه يُخْفىِ ما تحتَه قال
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 160.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 236.
(3)
الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 5/ 438.
(4)
الفائق في غريب الحديث والأثر 1/ 125.
............................................................................................
ــ
الفارسي ولذلك الأَجْفُن أخْفِيَةً لأنها أوْعِيَة للنوم وأنشد:
لقد عَلِم الأيقاظُ أخْفِيَة الكَرَى
…
تَزَجُّجَها من حالِكٍ واكْتحِالَها"
…
(1).
وقال ابن الأثير: "الخفاء: الكِساء وكل شيء غَطَّيت به شيئاً فهو خِفاء"(2).
وهذا المعنى يدل على انه يلقي نفسه كما يلقى الغطاء إذا نزل على شيء، فهو ينزل نزلة واحدة.
وممن رواه كما رواه المشرقيون ابن أبي عاصم (3)، في الآحاد والمثاني (4)، والبيهقي (5).
وروى الطبراني (6) بمعناه، وكذلك الحاكم (7)، وأبو نعيم (8).
الثاني:
قال القاضي عياض (9): "وقوله في إسلام أبي ذر: "فتضعفت رجلا منهم" أي استضعفته، أي لم أخشه، قاله ابن قتيبة (10)، وقال بعضهم: تخيرت ضعيفا منهم،
(1) الإيضاح في علوم البلاغة 4/ 101.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 132.
(3)
هو احمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني من أهل البصرة .. من أهل السنة والحديث والنسك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صحب النُّساك منهم أبو قراب، وسافر معه، وكان مذهبه القول الظاهر، وكان ثقة نبيلاً معمراً، ينظر سير أعلام النبلاء 13/ 430.
(4)
الآحاد والمثاني: ومن بني غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، أبو ذر
…
رضي الله عنه،
…
اسم أبي ذر جندب بن جنادة
…
، الحديث رقم 903، 3/ 128.
(5)
دلائل النبوة للبيهقي: باب ذكر إسلام أبي ذر الغفاري رضي الله عنه
…
، الحديث رقم 513، 2/ 84.
(6)
المعجم الكبير للطبراني: باب من اسمه أنيس، أنيس بن جُنادة الغفاري، اخو أبي ذر
…
رضي الله عنه، الحديث رقم 772، 1/ 325، وما بعدها، والمعجم الأوسط: باب الألف، من اسمه احمد، احمد بن إبراهيم
…
، الحديث رقم 1/ 63، وباب من اسمه إبراهيم، الحديث رقم 2871، 6/ 327.
(7)
المستدرك على الصحيحين: كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم
…
، ذكر مناقب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، الحديث رقم 5416، 12/ 319.
(8)
معرفة الصحابة: باب بالجيم: من اسمه جندب، الحديث رقم 1453، 5/ 5، والحديث رقم 148، 5/ 33.
(9)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 61.
(10)
غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 187.
............................................................................................
ــ
وعند ابن ماهان: تضيفت، وهو وهم، ورواه البزار تصفحت (1).
وقال أيضاً: "وقوله: فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت أين هذا الذي تدعونه الصابىء؟ "، كذا رواية الجلودي، وعند ابن ماهان:"تضيفت" بالياء، ولا معنى لها في هذا الحديث، ورواه البزار في مسنده "تصفحت"، والرواية الأولى أوجه، وهي الرواية التي ذكرها الشارحون" (2).
وقال الإمام النووي: "قوله: أتيت مكة فتضعفت رجلا منهم". يعني نظرت إلى أضعفهم، فسألته، لأن الضعيف مأمون الغائلة غالباً، وفي رواية بن ماهان:"فتضيفت بالياء" وأنكرها القاضي وغيره، قالوا: لا وجه له هنا" (3).
ونقل الإمام السيوطي قول الإمام النووي (4).
فرواية ابن ماهان: تضيفت: أي ملت بمعنى ملت إليه اسأله، قال الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاستربادي النحوي ت 686هـ:"تضيفت الشمس: مالت إلى الغروب، ضيف الشيء: أماله"(5)، ثم قال:"وقال الزمخشري في مناهيهه على المفصل: هي من ضاف يضيف، إذا مال والتجأ، وأضافه ألجأه"(6).
ورواية ابن سفيان "تضعفت"، أي اخترت رجلاً ضعيفاً، أي استضعفته، قال الزمخشري: "تضعفته: بمعنى استضعفته كتعجلته وتقصيته وتثبته بمعنى
(1) مسند البزار: ابن عون عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، الحديث رقم 3948، 9/ 367.
(2)
2) إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 506.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 236.
(4)
الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 5/ 438.
(5)
شرح الرضي على الكافية 1/ 225.
(6)
شرح شافيه ابن الحاجب، (تأليف: الاستربادي رضي الدين محمد بن الحسن النحوي ت686هـ)، مع شرح شواهده للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب المتوفي عام 1093 من الهجرة، حققهما وضبط غريبهما، وشرح بهمهما، الأساتذة: محمد نور الحسن محمد الزفزاف، محمد يحيى عبد الحميد المدرس، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1395هـ - 1975م، 4/ 384.
............................................................................................
ــ
استفعلته" (1).
فتكون الروايتان متقاربة المعنى، في رواية ابن ماهان: ملت إلى الرجل اسأله، ورواية ابن سفيان: اخترت رجلاً ضعيفاً اسأله حتى أأمن جانبه وغائلته، وكلاهما يصح والله اعلم.
وممن رواه كما رواه مسلم عند المغاربة: ابن أبي شيبة (2)، وابن أبي عاصم (3)، وابن حبان (4).
وممن رواه كما رواه مسلم عند المشارقة: الإمام احمد في مسنده (5).
(1) الفائق في غريب الحديث 2/ 99، وينظر غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري 2/ 187، والنهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 188، وتاج العروس من جواهر القاموس 1/ 5975.
(2)
مصنف ابن أبي شيبة: كتاب المغازي، إسلام أبي ذر، الحديث رقم 36598، 7/ 338.
(3)
الآحاد والمثاني: ومن بني غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن مناف بن كنانة، الحديث رقم 989، 2/ 232.
(4)
صحيح ابن حبان: كتاب أخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم
…
رضي الله عنهم ذكر البيان بأن أبا ذر كان من المهاجرين الأولين، الحديث رقم 7133، 16/ 77.
(5)
مسند الإمام احمد بن حنبل: مسند الأنصار، هذا حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، 1745.