الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
كتاب الصلاة
باب التشهد في الصلاة
حدثنا سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، وأبو كامل الجحدري، ومحمد بن عبد الملك الأموي (واللفظ لأبي كامل) قالوا: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرأت الصلاة بالبر والزكاة؟ قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، فقال: لعلك يا حطان قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، فقال رجل من القوم: أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا فقال:{إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا، وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين، يجبكم الله، فإذا كبر وركع، فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فتلك بتلك، وإذا قال سمع الله لمن حمد، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم، فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، إذا كبر وسجد، فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم، ويرفع قبلكم} ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله} 1/ 303.
ــ
قال القاضي عياض: "قوله: لقد خشيت أن تبعكني بها بفتح التاء والكاف كذا لهم، أي تستقبلني بما أكره وتبكتني، وبالبكع التبكيت في الوجه، وفي رواية ابن ماهان: تنكتني بنون قبل الكاف وتاء بعدها، وهو وهم، ولعله مصحف من تبكتني
بباء بواحدة مفتوحة قبل الكاف، أي تستقبلني بما أكره، وتوبخني بمعنى تبعكني،
...........................................................................................
ــ
ورواه بعض رواة مسلم تبعكني بتقديم العين، وكله خطأ إلا ما قدمناه" (1).
وقال أيضاً: "قال ابن الأعرابي: البكع: التبكيت في الوجه، وهكذا روينا هذا الحرف عن جمهور شيوخنا، وكذا كان في كتبهم، وعند ابن ماهان:"تنكتني"، بنون أُولى وبعد الكاف المضمومة تاء باثنتين فوقها مضمومة بعدها نون ثانية قال بعضهم: لعله تبكتني بها بالباء بمعنى الأول"(2).
فرواية المغاربة تنكتني وجعلها القاضي عياض وهم، تصحيف بجعل الباء بواحدة تحتية إلى فوقية (بنون) من تبكتني أي تستقبلني بما اكره، وهو المعنى نفسه الذي ورد عند المشارقة بلفظ تبعكني.
فالبعك والبكت بمعنى واحد: قال ابن منظور: "بَعَّكه، وبَعَكه بَكْعَاً استقبله بما يكره وبَكَّته، وفي حديث أبي موسى قال له رجل: ما قلت هذه الكلمة، ولقد خشيت ان تبكعني بها البكع والتبكيت ان تستقبل الرجل بما يكره، ومنه حديث أبي بكرة ومعاوية رضي الله عنهما فبعكه بها فَزَخَّ في اقفائنا"(3).
ويأتي معنى التبكيت أيضاً بالتفريع بالعذل والتوبيخ، والغلية بالحجة والالزام بالسكوت قال الزبيدي:"بَكّته تبكيتاً: إذا قَرَّعَهُ بالعذل تقريعاً، وفي الحديث: {انه اتي بشارب فقال بَكَّتوه}، التبكيت التقريع والتوبيخ يقال له: يا فاسق اما استحيت؟ اما اتقيت الله؟ قال الهروي: ويكون باليد والعصا ونحوها: التبكيت والبكت: الغلبة بالحجة يقال: بَكَته وبَكَّته حتى أسكته، وفي الأساس: ألزمه بالسكت لعجزه عن الجواب عنه"(4).
فكل هذه المعاني هي قريبة من موضوعنا. اما النكت: ان تنكت بقضيب في
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 88.
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 2/ 297.
(3)
لسان العرب 8/ 19، وينظر القاموس المحيط 1/ 910، وغيرها.
(4)
تاج العروس من جواهر القاموس 1/ 1055.
............................................................................................
ــ
الأرض فتؤثر فيها بطرفه (1). وقال ابن منظور: "والنَكْتَةُ كالنقطة، وفي حديث الجمعة (فإذا فيها نكته سوداء) (2)، أي اثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوها، والنَكته: جمعها نكت وهو البرش، والبُرْشُ الجمع والبَرَش في شعر الفرس: نكتٌ صغار تخالف سائر لونه"(3).
فلعل الرواية التي جاءت عند ابن ماهان أراد بها مجازاً، أي تنكت بي فتؤثر كما يؤثر من ينكت في الأرض بقضيب ونحوها، أو انه أراد به ان تجعلني بين الحاضرين كالنقطة التي في المرآة أو السيف أو الثوب، وغيرها، وهو قريب من النقطة (البرش) في الفرس. والله اعلم.
وبهذا المعنى نبتعد عن القول بالوهم والتصحيف، وتكون الرواية صحيحة المعنى، إلا أني لم أجد من يرويها بهذا اللفظ.
وممن رواه كما رواه مسلم في طريق المشارقة: الإمام احمد (4)، الطيالسي (5).
(1) كتاب العين 5/ 339.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر 5/ 236.
(3)
لسان العرب 2/ 100، و6/ 264 بتصرف.
(4)
مسند الإمام احمد بن حنبل: مسند الكوفيين، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، الحديث رقم 19680، 4/ 409.
(5)
مسند أبي داود الطيالسي: سعيد بن جبير وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه، الحديث رقم 517، 1/ 70.