الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
46 -
كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم
باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه
-
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثني أبي، عن جدي، حدثني خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن أبي هلال، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهجو قريشا فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي} ، فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان {إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله} وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {هجاهم حسان فشفى واشتفى} ، قال حسان (1):
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
…
هجوت محمدا برا تقيا
…
رسول الله شيمته الوفاء
…
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
…
ثكلت بنيتي إن لم تروها
…
تثير النقع من كنفي كداء
…
يبارين الأعنة مصعدات
…
على أكتافها الأسل الظماء
…
تظل جيادنا متمطرات
…
تلطمهن بالخمر النساء
…
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا
…
وكان الفتح وانكشف الغطاء
…
وإلا فاصبروا لضراب يوم
…
يعز الله فيه من يشاء
…
وقال الله قد أرسلت عبدا
…
يقول الحق ليس به خفاء
(1) ديوان حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ ص2.
وقال الله قد يسرت جندا
…
هم الأنصار عرضتها اللقاء
…
4/ 1935.
لنا في كل يوم من معد
…
سباب أو قتال أو هجاء
…
فمن يهجو رسول الله منك
…
ويمدحه وينصره سواء
…
وجبريل رسول الله فينا
…
وروح القدس ليس له كفاء
ــ
الحديث فيه خلافان
الأول:
قال القاضي عياض: "يبارين الأعنة يعني الخيل، هي رواية كافة رواة صحيح مسلم، ومعناه يضاهينها في الجيد لقوة نفوسها وتفسره الرواية الأخرى ينازعن وهي رواية ابن ماهان أو في علك حدائدها ومباراة قوة رؤوسها وصلابة أضراسها لذلك، وقد يكون مباراتها لها مضاهاتها في اللين والانعطاف"(1).
فيبارين مأخوذة من يبري: إذا عارضه، وصنع مثل ما صنع جاء في اللغة:"بَرَى له يَبْرِي بَرْياً إِذا عارضه، وصَنع مثل ما صنع ومثله انْبَرَى له، وهما يتباريان إِذا صنع كل واحد مثل ما صنع صاحبه، وفي الحديث: "نهى عن طعام المُتَبارِيَيْنِ أَن يؤكل" هما المتعارضان بفعلهما ليُعَجِّزَ أَحدُهما الآخَر بصنيعه وإِنما كرهه لما فيه من المباهاة والرياء ومنه شعر حسان:
يُبارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ
…
على أَكْتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ
المُباراة: المُجاراة والمسابقة أَي يُعارِضْنَها في الجَذْب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعَلْكِ حَدائدها، ويجوز أَن يريد مُشابَهَتَها لها في اللِّين وسُرعة الانقياد" (2).
وينازعن: يجاذبن جاء في شرح شافيه ابن الحاجب: "جئن ينازعن أي يجاذبن"(3) فكلاهما بمعنى.
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 87، وينظر إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 530.
(2)
ينظر النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 313، لسان العرب 14/ 69، تاج العروس 14/ 69.
(3)
شرح شافيه ابن الحاجب 4/ 250.
............................................................................................
ــ
الثاني:
قال القاضي عياض: "قوله في شعر حسان: على أكتافها الأسل الظماء، كذا رواية الكافة، وهي الرماح ومعنى الظماء: أي لدنة رقيقة كما قالوا: فيها ذوابل أي أنها للدونتها كالشيء الذابل اللين، ورواه بعضهم عن ابن ماهان: الأسد الظماء: معناها الرجال المشبهون بالأسد العاطشة إلى دمائهم، وقد يتأول مثل هذا في الرماح أيضا، وقد جاء في أشعار العرب كثيراً"(1).
وقال الإمام النووي: "قوْله: عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَل الظِّمَاء أَمَّا أَكْتَافهَا فَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوْقُ. وَالْأَسَلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالسِّين الْمُهْمَلَة وَبَعْدهَا لَام. هَذِهِ رِوَايَة الْجُمْهُور وَالْأَسَل الرِّمَاح، وَالظِّمَاء الرِّقَاق، فَكَأَنَّهَا لِقِلَّةِ مَائِهَا عِطَاش. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالظِّمَاءِ الْعِطَاش لِدِمَاءِ الْأَعْدَاء وَفِي بَعْض الرِّوَايَات "الْأُسْد الظِّمَاء" بِالدَّالِ أَيْ الرِّجَال الْمُشْبِهُونَ لِلْأُسْدِ الْعِطَاش إِلَى دِمَائِكُمْ"(2).
فالقول: "الأسل الرماح، والظماء الرقاق: هو صفة الموصوف، وهو تشبيه قال الزمخشري: "عنده غربال من الأسل، وهو نبات رقيق الأغصان تتخذ من الغرابيل بالعراق، والواحدة أسلة، وقيل للرماح الأسل على التشبيه
…
واسلت السلاح حددته وجعلته كالأسل، قال مزاحم العقيلي (3):
يباري سديساها إذا ما تلمجت
…
شباً مثل إبزيم السلام المؤسل"
…
(4)
وقال الصاحب بن عباد: "الأسلُ: نبات له أغصان كثيرة رقاق لا ورق
…
له، الواحدة أسلة وسُمِّيَ القنا أسلا تشبيهاً بطوله واستوائه، وكل ارقَّ من الحديد
كالأسنان والسيف: اسلٌ، ومنه قول علي بن أبي طالب عليه السلام:"لا تود إلا بالأسلِ"(5).
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 49.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 259.
(3)
منتهى الطلب من أشعار العرب 1/ 305.
(4)
أساس البلاغة 1/ 7/ مادة أسل.
…
=
(5)
= (5) المحيط في اللغة 2/ 276.
............................................................................................
ــ
على ان أبا عبيد القاسم بن سلامجعل المعنى حقيقة ويشبه به غيره فقال: "في حديث عمر رضي الله عنه: هاجروا ولا تهجروا واتقوا الأرنب ان يحذفها أحدكم بالعصا، ولكن ليذك لكم الأسل الرماح والنبل
…
فهذا يرد قول من يقول: ان الأسل الرماح خاصة ألا تراه [قد] جعل النبل من الرماح، وقد وجدنا الأسل في غير الرماح إلا ان أكثر ذلك وأفشاه في الرماح، وبعضهم يقول في هذا النبات الذي قال الله تعالى فيه لأيوب عليه السلام:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44]، إنما قيل له الأسل؛ لأنه شبه بالرماح" (1).
وأيد الزمخشري هذا القول: "الرماح والنبل بدل من الأسل، وتفسير له، قالوا: وهذا دليل على ان الأسل لا ينطلق على الرماح خاصة، ولقائل يقول: الرماح وحدها بدل، والنبل عطف على الأسل"(2).
وأما الرواية عن ابن ماهان: "الأسد الظماء"، فالأسد حيوان معروف، والتشبيه به يدل على شجاعة المشبّه فيه، وقوله الظماء هنا ليس المعنى الأول الذي هو الرقاق، وإنما من الظماء أي العطش.
قال ابن منظور: "الظمأ العطش، وقيل هو أخفه وأيسره، وقال الزجاج: هو أشده والظمآن العطشان، وقد ظمئ فلان يظمأ ظمأً، وظماءً وظماءة: إذا اشتد عطشه، ويقال: ظمئتُ اظمأ ظمأً، فأنا ظامٍ، وقوم ظماء. وفي التنزيل {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} [التوبة: 120]، وهو ظمئ وظمآن، والأنثى ظمأى، وقوم ظماء: أي عطاش، قال الكميت:
…
=
(1) غريب الحديث للقاسم بن سلام 3/ 311، وينظر المخصص 1/ 480.
(2)
الفائق في غريب الحديث 1/ 405.