الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42 -
كتاب الفضائل
باب إثبات حوض نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصفاته
حدثنا أبو غسان المسمعي، ومحمد بن المثنى، وابن بشار (وألفاظهم
…
متقاربة) قالوا: حدثنا معاذ (وهو ابن هشام)، حدثني أبي، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن ثوبان: أن نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: {إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم} ، فسئل عن عرضه فقال:{من مقامي إلى عمان} ، وسئل عن شرابه، فقال:{أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يغتُّ فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما: من ذهب، والآخر: من ورق} 4/ 1799*.
ــ
* قال القاضي عياض: "قوله يثعب دما بعين مهملة أي يتفجر ومثله في حديث الحوض ينثعب منه ميزابان وروى يعب ويغت بالغين المعجمة والتاء وسيأتي ومثاعب المدينة بفتح الميم جمع مثعب وهي مسائل مياهها"(1).
وقال أيضاً:" وقوله: "يغت فيه ميزابان"، كذا رويناه من طريق الفارسي والسجزي، بغين معجمة وتاء باثنتين قوقها، وكذا ذكره ثابت والهروي والخطابي (2) وأكثرهم، ومعناه "اتباع" الصب وأصله: اتباع الشرب الشرب، والقول القول، فاراد أن هذين الميزابين يصبان فيه دائماً، واللفظ يدل على أنه دفعة بعد دفعة. وقال الهروي: معناه: يدفقان فيه الماء دفقاً شديداً متتابعاً.
ورويناه من طريق العذري:"يعب" بعين مهملة وباء بواحدة، وكذا ذكره الحربي، وفسره بمعنى ما تقدم، أي لا ينقطع جريهما، قال: والعَبُّ الشرب بسرعة في نفس واحد.
ووقع في رواية ابن ماهان: "يثعب" بثاء مثلثة قبل العين، ومعناه يتفجر، كما قال في الحديث الآخر:"وجرحه يثعب دماً"(3).
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 132 و133.
(2)
غريب الحديث للخطابي1/ 91. والمصدر السابق.
(3)
إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 265.
.............................................................................................
ــ
وأكد الإمام النووي ما قاله القاضي، وقال:(يَغُتُّ) بِفَتْحِ الْيَاء، وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَضْمُومَة وَمَكْسُورَة، ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق مُشَدَّدَة، ونسب ذكر هذا القول إلى من ذكرهم القاضي من أئمة، وبين معناه عندهم.
وقال أيضاً: وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخ بِلَادنَا، وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ:"يَعُبُّ" بِضَمِّ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَة، وذكر ما حكاه القاضي عَنْ رِوَايَة الْعُذْرِيّ. قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَ الْحَرْبِيّ، وَفَسَّرَهُ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ، أَيْ لَا يَنْقَطِعُ جَرَيَانُهُمَا. قَالَ: وَالْعَبُّ: الشُّرْب بِسُرْعَةٍ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ.
وذكر َوَقَوعَ "يَثْعَب" بِمُثَلَّثَةٍ وَعَيْن مُهْمَلَة فِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان، ومعناه: يَتَفَجَّرُ (1).
وبين الإمام السيوطي معاني مفردات هذا الحديث فقال: "لبعقر حوضي" بضم العين وسكون القاف: وهو موضع موقف الإبل من الحوض إذا وردته، وقيل: مؤخره، "أذود": أي أطرد، "ترفض عليهم": أي تسيل، "يغت بفتح أوله وضم الغين المعجمة وكسرها ثم مثناة فوق مشددة": أي يدفق دفقا شديدا متتابعاً، وروي بضم العين المهملة وباء موحدة بمعناه من العب: وهو الشرب بسرعة في نفس واحد، وروي "يثعب بمثلثة وعين مهملة": أي ينفجر، "يمدانه بفتح الياء وضم الميم": أي يزيدانه ويكثرانه (2).
فالعَبُّ: هو التتابع والجريان بسرعة دون توقف. قال ابن دريد: "عَبَّ في الإناء: يَعُبُّ عبّاً، وهو تتابع الجَرعْ. قال الراجز:
يَكْرَع فيها ويَعُب عبّا
…
مُجَبِّياً في مائها مُنكبّا
أي: منَكِّساً رأسَه رافعاً عَجُزَه" (3)، وفي الحديث: "مصوا الماءَ مصاً، ولا
(1) ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 5.
(2)
الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 5/ 315.
(3)
جمهرة اللغة 1/ 12.
.........................................................................................
ــ
تَعبّوه عبًّا، فإن الكُباد من العبّ" (1).
وقال الأزهري: "والعبُّ أن يشرب الماء ولا يتنفّس،
…
وروى أبو العباس، عن عمرو، عن أبيه أنه قال: العبُّ أن يشرب الماء دغرقة بلا غَنْث، والدغرقة: أن يصبَّ الماءَ مرةً واحدة، والغَنْث: أن يقطّع الجَرْع
…
وقال ابن الأعرابيّ: اليعبوب: كلُّ جدول ماءٍ سريع الجري، وبه شبّه الفرس اليعبوب" (2).
والغتُّ: هو التنفس بين الشربتين قال الصاحب بن عباد: "غَتَّ الرَّجُلُ في الماء يَغُتُّ غَتّاً: وهو ما بَيْنَ النَّفَسَيْنِ من الشُّرْب والإِناءُ على فيه"(3).
قال ابن منظور: "وروي في حديث ثوبان أَيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحَوْض: "يَغُتُّ فيه ميزابانِ مِدادُهما من الجنة"، ونسب القول عن معنى يغت إلى الأزهري قال: هكذا سمعته من محمد بن إِسحق يَغُتُّ بضم الغين قال: ومعنى يَغُتُّ: يَجْري جَرْياً له صَوْتٌ وخَريرٌ، وقيل: يَغُطُّ، قال: ولا أَدري ممن حَفِظَ هذا التفسير قال الأَزهري: ولو كان كما قال لقيل يَغُتُّ ويَغِطُّ بكسر الغين، ومعنى يَغُتُّ يُتابعُ الدَّفْقَ في الحوض لا يَنْقَطِعُ، ماخوذ من غَتَّ الشاربُ الماءَ جَرْعاً بعد جَرْع، ونَفَساً بعد نَفَس من غير إِبانةِ الإِناء عن فيه، قال: فقوله: (يَغُتُّ فيه مِيزابانِ)، أَي يَدْفُقانِ فيه الماءَ دَفْقاً مُتتابعاً دائماً مِن غير أَن يَنْقَطِعَ كما يَغُتُّ الشاربُ الماءَ"(4).
وقال ابن الأثير: "أي يدُفِقان فيه الماء دفقاً دائما متتابعان"(5).
وفسر القاضي عياض ما في رواية ابن ماهان انثعب بمعنى: يتفجر (6)، =
(1) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: (تأليف: الهندي علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين)، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419هـ - 1998م، محظورات الشرب، الحديث برقم 41075، 15/ 128، وهو عند البيهقي في السنن الكبرى مرسل: باب الشرب بثلاثة أنفاس الحديث رقم 14436، 7/ 284.
(2)
تهذيب اللغة 1/ 86 بتصرف.
(3)
المحيط في اللغة 1/ 388. وينظر المحكم والمحيط الأعظم 2/ 385. وغيرهما.
(4)
ينظر لسان العرب2/ 63.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 639.
(6)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 132 و133.