الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
كتاب الإيمان
باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان
، ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى
حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر ح، وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، وهذا حديثه، حدثنا أبي، حدثنا كهمس، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقتُ أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والأخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا} . قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: {أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره} . قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: {أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك} . قال: فأخبرني عن الساعة. قال: {ما المسؤول عنها بأعلم من السائل} . قال: فأخبرني عن أمارتها. قال: {أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة
رعاء الشاء يتطاولون في البنيان}. قال: ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي:{يا عمر أتدري من السائل} ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: {فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم} 1/ 36.
ــ
قال الإمام المازري: "قوله: ظهر قبلنا أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وفي رواية أخرى: ويتفقرون العلم ويزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُفُ.
ثم قال: تقفرت الشيء إذا قفوته. قال أبو عبيد: يقال: قفوته، إذا اتبعت أثره، واقتفرت الأثر تبعته، قال ابن السكيت: يقال: قفر أثره، واقتفر أثره" (1).
ونسب القاضي عياض الخلاف إلى ابن ماهان فقال: "قوله في حديث القدر: "قبلنا قوم يتفقرون العلم" بتقديم الفاء، ولغيره: "يتقفرون" بتقديم القاف، وهذا أشهر، وهو الذي شرح الشارحون، ومعناه الطلب، يقال تقفرت العلم إذا قفوته، واقتفرت الأثر أتبعته، وقال ابن دريد (2): قفّرت بتشديد الفاء جمعت. ورواه بعضهم يقتفرون بقاف ساكنة مقدمة على التاء، وهو بمعنى الأول. وفي كتاب أبي داود: "يتقفون" بفتح القاف وشد الفاء بغير راء بمعنى الأول. يقال: قفوته إذا اتبغته، ومنه سمى القافة، وأما بتقديم الفاء في الرواية الأولى فلم أرَ من تكلم عليه، وهو عندي أصح الروايات وأليقها بالمعنى المراد، أي أنهم يطلبون غامضة، ويستخرجون خبيئة، ويبحثون عن أسراره، ويفتحون مغلقه كما قال عمر في امرئ القيس: افتقر عن معان عُوْرٍ أصح بصر، ومنه سميت البير الفقير لاستخراج مائها، فلما كان القوم بهذه الصفة من الفهم والعلم، ثم جاءوا بتلك المقالة المنكرة، وقالوا ببدعة القدر استعظمها منهم وارتاب في قولهم ألا تراه كيف وصفهم بقراءة القرآن، وقال: وذكر من شأنهم بخلاف لو سمع هذا القول من غيرهم ممن لا يوصف بعلم، ولا يعرف به لما بالاه، ولعدها من جملة ما عهد من جهالاته، ورأيت بعضهم ذكره في تعليق له على مسلم "يتقعرون" بالقاف بعدها عين، أي
(1) المعلم بفوائد مسلم 1/ 277.
(2)
جمهرة اللغة 2/ 786.
............................................................................................
ــ
يطلبون قعره، وغامضة ومنه التقعير في الكلام" (1).
وقال الإمام النووي: "قوله ظهر قبلنا ناس يقرؤن القرآن ويتقفرون العلم هو بتقديم القاف على الفاء، ومعناه يطلبونه ويتتبعونه هذا هو المشهور، وقيل معناه يجمعونه، ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان: يتفقرون بتقديم
…
الفاء، وهو صحيح أيضا، معناه يبحثون عن غامضة، ويستخرجون خفيه " (2).
وذكر السيوطي ما قاله القاضي عياض، وكذلك ما ذهب إليه من كونه جاءت روايات أخرى بغير ألفاظ، وذكر أيضاً رواية أبي يعلى الموصلي (3).
فراوية المغاربة جاءت بلفظ يتفقرون، ورواية المشارقة بلفظ يتقفرون، وقد سبقنا أهل العلم بتصويب الروايتين، وان احدهما جاءت بلفظ الأصل، وهي رواية ابن سفيان، والأخرى جاءت الرواية بالمعنى، وهي رواية ابن ماهان، ويؤصل القاضي عياض رواية ابن ماهان من حيث مدلولها اللغوي.
فيأتي أصل هذا الفعل "يتقفرون" من جذر الفعل الثلاثي قفر، قال ابن منظور:"واصله من قفرت البئر إذا حفرتها لاستخراج مائها، وقفر الأثر يقفره واقتفره اقتفاراً كله اقتفاه وتتبعه، وفي الحديث انه سئل عمن يرمي الصيد فيقتفر أثره، أي يتبعه. يقال: اقتفرت الأثر وتقفرته اتبعته. [ثم قال]: وفي حديث يحيى بن يعمر: "ظهر قبلنا أناس يتقفرون العلم"، ويروى يقتفرون أي يطلبونه"(4).
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 162 و163.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 155 و156.
(3)
الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 1/ 8.
(4)
لسان العرب: (تأليف: ابن منظور محمد بن مكرم الإفريقي المصري ت 711هـ)، دار صادر، بيروت، ط1، د. ت، 5/ 110. وينظر تاج العروس من جواهر القاموس:(تأليف: الزبيدي محمد مرتضى الحسيني)، تحقيق: مجموعة من المحققين، دار الهداية، د. ط، د. ت، 1/ 3417. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم:(تأليف: أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب بن شهاب الدين البغدادي795هـ)، تحقيق: شعيب الارناؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1417هـ - 1997م، 1/ 24.
............................................................................................
ــ
ويأتي بتقديم الفاء على القاف، قال ابن منظور أيضاً: "الفقير الآبار المتجمعة الثلاث فما زاد، وقيل هي آبار تحفر، وينفذ بالحال بعضها إلى بعض وجمعه قُفُر، والبئر العتيقة فقير وجمعها فُقُر
…
، وفي حديث عمر رضي الله عنه وذكر امرئ القيس فقال:"افتقر عن معانٍ عُورٍ أصح بصر" أي فتح معانٍ غامضة" (1).
فهما في المعنى سواء، وذكر الشراح ألفاظ متعددة كلها زيادة في التصريف منها ما قاله ابن الأثير: "وفي حديث القدر [قبلنا ناس يتفقرون العلم] هكذا جاء في رواية بتقديم الفاء على القاف، والمشهور بالعكس. قال: قال بعض المتأخرين
…
- وهي كناية عن القاضي عياض - (2): هي عندي اصح الروايات وأليقها بالمعنى يعني أنهم يتخذون غامضة ويفتحون مغلقه
…
، فلما كان القدرية بهذه الصفة من البحث، والتتبع لاستخراج المعاني الغامضة بدقائق التأويلات وصفهم بذلك" (3).
ووقع لأبي داود (4) الوجهين، فجاء في رواية اللؤلؤي كما في رواية المغاربة، وجاء برواية ابن العبد وابن الأعرابي (5) كما في رواية المشارقة.
وذكر القاضي عياض ان أبي داود له رواية فيها وجه ثالث "يقتفون" بدون راء، ومعناها كما في رواية ابن العبد وابن الأعرابي.
وممن رواه بلفظ المشارقة الترمذي (6)، وابن حبان (7)، والبيهقي (8).
(1) لسان العرب 5/ 60.
(2)
ينظر مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 163.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 899 و4/ 137.
(4)
سنن أبي داود: رواية اللؤلؤي، كاتب السنة، باب في القدر، الحديث رقم 4695، 2/ 923.
(5)
المصدر نفسه: رواية العبد، الكتاب والباب أنفسهما، الحديث رقم، 4695، 2/ 635، ورواية ابن الأعرابي بالرقم نفسه.
(6)
سنن الترمذي: كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في وصف جبريل للنبي
…
صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام، الحديث رقم 2610، 5/ 6.
(7)
صحيح ابن حبان: كتاب الإيمان، باب فرض الإيمان، الحديث رقم 168، 1/ 389.
(8)
شعب الإيمان: الخامس من شعب الإيمان - وهو باب في ان القدر خيره وشره من الله عز وجل الحديث رقم 180، 1/ 201.