المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فتح مكة - رواية صحيح مسلم من طريق ابن ماهان مقارنة برواية ابن سفيان

[مصدق الدوري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولالتعريف بالإمام مسلم وصحيحه

- ‌المبحث الأولالتعريف بالإمام مسلم

- ‌المطلب الثانيولادته ووفاته

- ‌المطلب الثالثرحلاته وسماعاته

- ‌المطلب الرابعأهم شيوخه

- ‌المطلب الخامس

- ‌تلاميذه

- ‌أحمد بن محمد بن الحسن، ابن الشرقي

- ‌عبد الله بن محمد بن ياسين الدوريُّ

- ‌محمد بن عبد الرحمن الدغولي

- ‌أحمد بن حمدون أبو حامد الأعمش

- ‌الترمذي

- ‌محمد بن مخلد بن حفص الدوري

- ‌أبو عوانة الإسفرائيني

- ‌ابن سفيان

- ‌القلانسي

- ‌مكي بن عبدان

- ‌مصنفاته:

- ‌المطلب السادسمكانته بين العلماء

- ‌المبحث الثانيالتعريف بصحيح مسلم

- ‌المطلب الأولاسم الكتاب

- ‌المطلب الثانيالباعث على تصنيفه والغرض منه

- ‌المطلب الثالثمكان وزمن التصنيف

- ‌المطلب الرابعسمات منهجية الصحيح

- ‌المطلب الخامسعلاقة صحيح مسلم بصحيح البخاري، والترجيح بينهما

- ‌المبحث الثالثالعناية بالصحيح

- ‌المطلب الأولنسخ صحيح مسلم المعتمدة المطبوعة

- ‌المطلب الثانيرواة النسخ

- ‌ رواة صحيح مسلم عن ابن سفيان

- ‌1 - الجُلُوديُّ:

- ‌2 - الكسائي:

- ‌رواة صحيح مسلم عن القلانسي:

- ‌المتكلم الأشقر:

- ‌ابن ماهان

- ‌المطلب الثالثأسانيد النسخ

- ‌المطلب الرابعأثر اختلاف النسخ

- ‌المطلب الخامسعدد الشروح على صحيح مسلم وأسماؤها ومؤلفوها

- ‌الشروح التي اعتنت بالروايتين:

- ‌الفصل الثانيالإختلاف في الأسانيد

- ‌ مقدمة الإمام مسلم

- ‌باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان

- ‌باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام

- ‌باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الاسلام

- ‌باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله

- ‌باب التيمم

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

- ‌باب الذكر بعد الصلاة

- ‌باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

- ‌باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في الحضر

- ‌باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح

- ‌باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب

- ‌باب تحريم صوم أيام التشريق

- ‌باب في الوقوف وقوله تعالى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [

- ‌باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه

- ‌باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله صلى الله عليه وسلم لتأخذوا مناسككم

- ‌باب تحريم تولي العتيق غير مواليه

- ‌باب من أدرك ما باعه عند المشتري وقد أفلس فله الرجوع فيه

- ‌باب لعن آكل الربا ومؤكله

- ‌باب السلم

- ‌باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها

- ‌باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه

- ‌باب حكم الفيء

- ‌باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين

- ‌باب كراهة الإمارة بغير ضرورة

- ‌باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله

- ‌باب من قاتل للرياء والسمعة أستحق النار

- ‌باب فضل الغزو في البحر

- ‌باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر

- ‌باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وإطفاء السراج والنار عند النوم

- ‌باب في إباحة الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى

- ‌باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا

- ‌باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه

- ‌باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها

- ‌باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين

- ‌باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار

- ‌باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما

- ‌باب ذكر ابن صياد

- ‌باب ذكر الدجال وصفته وما معه

- ‌باب ذكر الدجال وصفته وما معه

- ‌باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط، وخيف منه فتنة على الممدوح

- ‌باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر

- ‌ كتاب التفسير

- ‌ كتاب التفسير

- ‌الفصل الثالثالاختلافات في المتون

- ‌باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان

- ‌باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام

- ‌باب خصال الفطرة

- ‌باب حكم ضفائر المغتسلة

- ‌باب التشهد في الصلاة

- ‌باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌باب السهو في الصلاة والسجود له

- ‌باب إسلام عمرو بن عبسة

- ‌باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات

- ‌باب ذكر الخوارج وصفاتهم

- ‌باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى

- ‌باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب فضل العمرة في رمضان

- ‌باب استحباب الرمل في الطواف العمرة وفي الطواف الأول من الحج

- ‌باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر والصلاة به

- ‌باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه

- ‌باب استحباب نكاح البكر

- ‌باب في الإيلاء، واعتزال النساء

- ‌ كتاب اللعان

- ‌باب كراء الأرض بالطعام

- ‌باب من أعتق شركا له في عبد

- ‌باب فضل الغرس والزرع

- ‌باب الضيافة ونحوها

- ‌باب استحباب المؤاساة بفضول المال

- ‌باب استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا نورث ما تركنا فهو صدقة}

- ‌باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل

- ‌باب فتح مكة

- ‌باب إباحة الضب

- ‌باب النهي عن الانتباذ في المزفت

- ‌باب النهي عن الانتباذ في المزفت

- ‌باب في شرب النبيذ وتخمير الإناء

- ‌باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال

- ‌باب إثبات حوض نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصفاته

- ‌باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي

- ‌باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة

- ‌باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه

- ‌باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌باب النهي عن الشحناء والتهاجر

- ‌باب النهي عن لعن الدواب وغيرها

- ‌باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده

- ‌باب معنى كل مولود يولد على الفطرة

- ‌باب الحث على ذكر الله تعالى

- ‌باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

- ‌باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف

- ‌ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌باب مثل المؤمن مثل النخلة

- ‌باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا

- ‌باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض

- ‌باب إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال

- ‌باب في حديث الهجرة ويقال له حديث الرحل

- ‌ كتاب التفسير

- ‌ كتاب التفسير

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌باب فتح مكة

34 -

كتاب الجهاد والسير

‌باب فتح مكة

حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة قال: وفدت وفود إلى معاوية وذلك في رمضان فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله فقلت ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع ثم لقيت أبا هريرة من العشي فقلت الدعوة عندي الليلة فقال سبقتني قلت نعم فدعوتهم فقال أبو هريرة ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة فقال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة قال فنظر فرآني فقال (أبو هريرة) قلت لبيك يا رسول الله فقال: {لا يأتيني إلا أنصاري} .

زاد غير شيبان فقال: (اهتف لي بالأنصار) قال: فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم} ، ثم قال: بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال:{حتى توافوني بالصفا} قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم، ثم قال:{من دخل دار أبي سفيان فهو آمن} فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{يا معشر الأنصار} قالوا: لبيك يا رسول الله قال: {قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته} قالوا: قد كان ذاك. قال: {كلا، إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم} ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله

ص: 309

وبرسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم} قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلق الناس أبوابهم قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول:{جاء الحق وزهق الباطل} ، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو 3/ 1405.

ــ

الحديث فيه خلافان:

الأول:

قال القاضي عياض: "وفي مسلم: وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر، ووقع عند بعض رواة ابن ماهان على الجيش، والصواب الحسر أي الذين لا دروع معهم، والمراد هنا الرجالة، كما جاء في غير هذا الحديث، وقد رواه ابن قتيبة على الحبَّس بواحدة مشددة وفسره بالرجالة لتحبسهم عن الركبان"(1).

فالرواية من طريق ابن ماهان "على الجيش" جاءت عامة، ومن طريق المشارقة على الحُسَّر فخص بها بعضهم، وهم من لا دروع لهم، وهم الرجالة. قال ابن منظور: "الحاسر خلاف الدّراع والحاسر الذي لا بيضة على رأسه، قال الأعشى:

وفَيْلَقٍ شهباءَ مَلمومةٍ

تقذِف بالدارع والحاسر (2)

ويروى تَعْصِفُ والجمع حُسَّرٌ

ويقال للرَّجَّالَةِ في الحرب الحُسَّرُ وذلك أَنهم يَحْسُِرُون عن أَيديهم وأَرجلهم وقيل سُمُّوا حُسَّراً؛ لأَنه لا دُرُوعَ عليهم ولا بَيْضَ، وفي حديث فتح مكة أَن أَبا عبيدة كان يوم الفتح على الحُسَّرِ هم الرَّجَّالَةُ، وقيل هم الذين لا دروع لهم ورجل حاسِرٌ لا عمامة على راسه، وامرأَة حاسِرٌ بغير هاء إِذا

(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 167.

(2)

المعاني الكبير ص222، محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ص 155.

ص: 310

............................................................................................

ــ

حَسَرَتْ عنها ثيابها، ورجل حاسر لا درع عليه، ولا بيضة على راسه" (1).

وقال الفيروز آبادي: "الحاسر: خلاف الدارع، وخلاف المقنع أيضاً"(2).

وقال ابن المطرز: "الحاسر: خلاف الدارع، وخلاف المقنع أيضاً"(3).

ولم يرد احد كما جاء اللفظ من طريق المغاربة، وممن رواه كرواية مسلم عند المشارقة: الطيالسي (4)، وابن أبي شيبة (5)، وابن حبان (6)، والبيهقي (7).

والثاني:

قال القاضي عياض: "قوله: حتى توافوني بالصفا، كذا لكافة الرواة يخاطب الأنصار، وعند ابن ماهان: حتى يوافوني بالصغار، بياء الغائب يريد أهل مكة، والصواب الأول بدليل الحديث الآخر موعدكم الصفا"(8).

فالصفا موضع معروف وهو الذي أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالموافاة عنده، أما الصغار فهو بعيد؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم قال:{من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن} .

الخلاصة: وبالتالي يظهر خطأ رواية ابن ماهان.

(1) لسان العرب 4/ 187، وينظر تاج العروس من جواهر القاموس 1/ 2688.

(2)

القاموس المحيط 1/ 480.

(3)

المغرب بترتيب المعرب 1/ 202.

(4)

مسند الطيالسي: ما اسند أبو هريرة من رواية سعيد بن المسيب رضي الله عنهما،

وعبد الله بن رباح رضي الله عنه، الحديث رقم 2442، 1/ 320.

(5)

مصنف ابن أبي شيبة: كتاب المغازي، حديث فتح مكة، الحديث رقم 36899، 7/ 397.

(6)

صحيح ابن حبان: كتاب السير، باب الخروج وكيفية الجهاد، الحديث رقم 4760، 11/ 73.

(7)

سنن البيهقي الكبرى: كتاب السير، باب فتح مكة - حرسها الله تعالى -، الحديث رقم 18052، 9/ 117.

(8)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 51.

ص: 311

35 -

كتاب الجهاد والسير

باب غزوة ذي قرد وغيرها

حدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ، حدثنا هَاشِمُ بن الْقَاسِمِ ح، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ كلاهما، عن عِكْرِمَةَ بن عَمَّارٍ ح، وحدثنا

عبد اللَّهِ بن عبد الرحمن الدَّارِمِيُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، أخبرنا أبو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بن عبد الْمَجِيدِ، حدثنا عِكْرِمَةُ وهو بن عَمَّارٍ، حدثني إِيَاسُ بن سَلَمَةَ، حدثني أبي، قال: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تُرْوِيهَا قال: فَقَعَدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على جَبَا الرَّكِيَّةِ، فَإِمَّا دَعَا، وَإِمَّا بسق فيها قال: فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، قال: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ في أَصْلِ الشَّجَرَةِ.

قال: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ الناس، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حتى إذا كان في وَسَطٍ من الناس قال:{بَايِعْ يا سَلَمَةُ} . قال: قلت: قد بَايَعْتُكَ يا رَسُولَ اللَّهِ في أَوَّلِ الناس قال: وَأَيْضًا. قال: وَرَآنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَزِلًا، يَعْنِي ليس معه سِلَاحٌ، قال: فَأَعْطَانِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَفَةً أو دَرَقَةً، ثُمَّ بَايَعَ حتى إذا كان في آخِرِ الناس قال:{ألا تُبَايِعُنِي يا سَلَمَةُ} قال: قلت: قد بَايَعْتُكَ يا رَسُولَ اللَّهِ في أَوَّلِ الناس، وفي أَوْسَطِ الناس، قال: وَأَيْضًا. قال: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ قال لي:{يا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أو دَرَقَتُكَ التي أَعْطَيْتُكَ} ، قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلًا، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، قال: فَضَحِكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال: {إِنَّكَ كَالَّذِي قال الْأَوَّلُ: اللهم أَبْغِنِي حَبِيبًا هو أَحَبُّ إلي من نَفْسِي} ، ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ حتى مَشَى بَعْضُنَا في بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا قال: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ وَآكُلُ من طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قال: فلما اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا فَاضْطَجَعْتُ في أَصْلِهَا، قال: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ من الْمُشْرِكِينَ من أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ في رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبْغَضْتُهُمْ فَتَحَوَّلْتُ إلى شَجَرَةٍ أُخْرَى، وَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ من أَسْفَلِ الْوَادِي يا لِلْمُهَاجِرِينَ قُتِلَ بن زُنَيْمٍ. قال:

ص: 312

فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي ثُمَّ شَدَدْتُ على أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ، وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا في يَدِي، قال: ثُمَّ قلت: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَاسَهُ إلا ضَرَبْتُ الذي فيه عَيْنَاهُ قال: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إلى رسول اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم قال: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ من الْعَبَلَاتِ يُقَالُ له مِكْرَزٌ يَقُودُهُ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على فَرَسٍ مُجَفَّفٍ في سَبْعِينَ من الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال:{دَعُوهُمْ يَكُنْ لهم بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ} ، فَعَفَا عَنْهُمْ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ الله:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (24)} [الفتح: 24]، قال: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إلى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ بنى لَحْيَانَ جَبَلٌ، وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَغْفَرَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ رقى هذا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ قال سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا، ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِظَهْرِهِ مع رَبَاحٍ غُلَامِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا معه، وَخَرَجْتُ معه بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ مع الظَّهْرِ، فلما أَصْبَحْنَا إذا عبد الرحمن الْفَزَارِيُّ قد أَغَارَ على ظَهْرِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتاَقَهُ أَجْمَعَ، وَقَتَلَ رَاعِيَهُ، قال: فقلت: يا رَبَاحُ خُذْ هذا الْفَرَسَ، فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قد أَغَارُوا على سَرْحِهِ، قال: ثُمَّ قُمْتُ على أَكَمَةٍ فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا يا صَبَاحَاهْ، ثُمَّ خَرَجْتُ في آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ:

أنا بن الْأَكْوَعِ

وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

فَأَلْحَقُ رَجُلًا منهم، فَأَصُكُّ سَهْمًا في رَحْلِهِ حتى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إلى كَتِفِهِ، قال: قلت: خُذْهَا.

وأنا بن الْأَكْوَعِ

وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

قال: فَوَاللَّهِ ما زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فإذا رَجَعَ إلي فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ في أَصْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ حتى إذا تَضَايَقَ الْجَبَلُ، فَدَخَلُوا في تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ قال: فما زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ حتى ما خَلَقَ الله من بَعِيرٍ من ظَهْرِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ثُمَّ

ص: 313

اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حتى أَلْقَوْا أَكْثَرَ من ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَسْتَخِفُّونَ ولا يَطْرَحُونَ شيئا إلا جَعَلْتُ عليه آرَامًا من الْحِجَارَةِ يَعْرِفُهَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حتى أَتَوْا مُتَضَايِقًا من ثَنِيَّةٍ، فإذا هُمْ قد أَتَاهُمْ فُلَانُ بن بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ،"يَعْنِي يَتَغَدَّوْنَ"، وَجَلَسْتُ على رَاسِ قَرْنٍ قال الْفَزَارِيُّ: ما هذا الذي أَرَى؟ قالوا: لَقِينَا من هذا الْبَرْحَ، والله ما فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ يَرْمِينَا حتى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ في أَيْدِينَا. قال: فَلْيَقُمْ إليه نَفَرٌ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ. قال: فَصَعِدَ إلي منهم أَرْبَعَةٌ في الْجَبَلِ قال: فلما أَمْكَنُونِي من الْكَلَامِ قال: قلت: هل تَعْرِفُونِي؟ قالوا: لَا، وَمَنْ أنت؟ قال: قلت: أنا سَلَمَةُ بن الْأَكْوَعِ، وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إلا أَدْرَكْتُهُ ولا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي قال أَحَدُهُمْ: أنا أَظُنُّ. قال: فَرَجَعُوا فما بَرِحْتُ مَكَانِي حتى رأيت فَوَارِسَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، قال: فإذا أَوَّلُهُمْ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ على إِثْرِهِ أبو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بن الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ قال: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الْأَخْرَمِ قال: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، قلت: يا أَخْرَمُ أحذرهم لَا يَقْتَطِعُوكَ حتى يَلْحَقَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ قال يا سَلَمَةُ إن كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فلا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ قال فَخَلَّيْتُهُ فَالْتَقَى هو وَعَبْدُ الرحمن قال: فَعَقَرَ بِعَبْدِ الرحمن فَرَسَهُ وَطَعَنَهُ عبد الرحمن فَقَتَلَهُ وَتَحَوَّلَ على فَرَسِهِ وَلَحِقَ أبو قَتَادَةَ فَارِسُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَبْدِ الرحمن فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو على رِجْلَيَّ حتى ما أَرَى وَرَائِي من أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ولا غُبَارِهِمْ شيئا حتى يَعْدِلُوا قبل غُرُوبِ الشَّمْسِ إلى شِعْبٍ فيه مَاءٌ يُقَالُ له ذا قَرَدٍ لِيَشْرَبُوا منه وَهُمْ عِطَاشٌ قال: فَنَظَرُوا إلى أَعْدُو وَرَاءَهُمْ، فحليتهم عنه يَعْنِي أَجْلَيْتُهُمْ عنه فما ذَاقُوا منه قَطْرَةً قال: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ في ثَنِيَّةٍ قال: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلًا منهم فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ في نُغْضِ كَتِفِهِ قال: قلت: خُذْهَا.

وأنا بن الْأَكْوَعِ

وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ

قال: يا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ قال: قلت: نعم، يا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ قال: وَأَرْدَوْا فَرَسَيْنِ على ثَنِيَّةٍ قال: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: وَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فيها مَذْقَةٌ من لَبَنٍ وَسَطِيحَةٍ فيها مَاءٌ فَتَوَضَّاتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ

ص: 314

أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو على الْمَاءِ الذي حَلَّاتُهُمْ عنه فإذا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قد أَخَذَ تِلْكَ الْإِبِلَ وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ من الْمُشْرِكِينَ وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ وإذا بِلَالٌ نَحَرَ نَاقَةً من الْإِبِلِ الذي اسْتَنْقَذْتُ من الْقَوْمِ وإذا هو يَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّنِي فَأَنْتَخِبُ من الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فلا يَبْقَى منهم مُخْبِرٌ إلا قَتَلْتُهُ قال: فَضَحِكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ في ضَوْءِ النَّارِ فقال: {يا سَلَمَةُ أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا} ؟، قلت: نعم، وَالَّذِي أَكْرَمَكَ. فقال: إِنَّهُمْ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ في أَرْضِ غَطَفَانَ قال: فَجَاءَ رَجُلٌ من غَطَفَانَ فقال: نَحَرَ لهم فُلَانٌ جَزُورًا، فلما كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا فَقَالُوا: أَتَاكُمْ الْقَوْمُ، فَخَرَجُوا هَارِبِينَ، فلما أَصْبَحْنَا قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{كان خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أبو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ} قال: ثُمَّ أَعْطَانِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لي جميعا، ثُمَّ أَرْدَفَنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ على الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إلى الْمَدِينَةِ قال: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ قال: وكان رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا قال: فَجَعَلَ يقول: ألا مُسَابِقٌ إلى الْمَدِينَةِ، هل من مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذلك قال: فلما سمعت كَلَامَهُ قلت: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا ولا تَهَابُ شَرِيفًا قال: لَا إلا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ قال: إن شِئْتَ قال:

قلت: اذْهَبْ إِلَيْكَ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ قال: فَرَبَطْتُ عليه شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي، ثُمَّ عَدَوْتُ في إِثْرِهِ، فَرَبَطْتُ عليه شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ، ثُمَّ إني رَفَعْتُ حتى أَلْحَقَهُ، قال: فَأَصُكُّهُ بين كَتِفَيْهِ قال: قلت: قد سُبِقْتَ والله قال: أنا أَظُنُّ، قال: فَسَبَقْتُهُ إلى الْمَدِينَةِ قال: فَوَاللَّهِ ما لَبِثْنَا إلا ثَلَاثَ لَيَالٍ حتى خَرَجْنَا إلى خَيْبَرَ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: فَجَعَلَ عَمِّي عَامِرٌ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْمِ:

تَاللَّهِ لَوْلَا الله ما اهْتَدَيْنَا

ولا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّيْنا

وَنَحْنُ عن فَضْلِكَ ما اسْتَغْنَيْنَا

فَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إن لَاقَيْنَا

وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا

فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {من هذا} قال: أنا عَامِرٌ. قال: {غَفَرَ لك رَبُّكَ} قال: وما اسْتَغْفَرَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إلا اسْتُشْهِدَ، قال: فَنَادَى عُمَرُ بن

ص: 315

الْخَطَّابِ، وهو على جَمَلٍ له: يا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلَا ما مَتَّعْتَنَا بِعَامِرٍ قال: فلما قَدِمْنَا خَيْبَرَ قال: خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:

قد عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إذا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

قال: وَبَرَزَ له عَمِّي عَامِرٌ فقال:

قد عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ

قال: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ في تُرْسِ عَامِرٍ، وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ له، فَرَجَعَ سَيْفُهُ على نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فيها نَفْسُهُ قال سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فإذا نَفَرٌ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ قال: فَأَتَيْتُ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أَبْكِي فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {من قال ذلك} ؟ قال: قلت: نَاسٌ من أَصْحَابِكَ قال: {كَذَبَ من قال ذلك، بَلْ له أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ} ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي إلى عَلِيٍّ وهو أَرْمَدُ فقال: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أو يُحِبُّهُ الله وَرَسُولُهُ قال: فَأَتَيْتُ عَلِيًّا، فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ، وهو أَرْمَدُ حتى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَسَقَ في عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وَخَرَجَ مَرْحَبٌ فقال:

قد عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ

شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ

إذا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ

فقال عَلِيٌّ:

أنا الذي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ

كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ المنظرة

أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السندرة

قال: فَضَرَبَ رَاسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ كان الْفَتْحُ على يَدَيْهِ، قال إِبْرَاهِيمُ: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الصَّمَدِ بن عبد الْوَارِثِ، عن عِكْرِمَةَ بن عَمَّارٍ بهذا الحديث بِطُولِهِ 3/ 1433.

ــ

قال القاضي عياض: "قوله في حديث ابن الأكوع "رأسونا بالصلح" كذا عند

ص: 316

............................................................................................

ــ

الطبري بسين مضمومة مشددة، ولغيره بفتح السين مخففة، وعند العذري "راسلونا" بلام زائدة من المراسلة، ولبعضهم عن ابن ماهان "وسونا" بالواو، وهذه الوجوه الأول كلها صحيحة. يقال: رس الحديث يرسه إذا ابتدأه، ورسست بين القوم أصلحت بينهم، ورساً الحديث لك رسوا ذكر لك منه طرفاً، وأما "وأسونا" فلا وجه له ها هنا" (1).

فرواية ابن ماهان "واسونا" وجعلها القاضي لا وجه له ها هنا، وروايتي ابن سفيان "راسلونا الصلح"، وهو وجه من إحدى الوجوه الصحيحة، لكن لم تكن رواية ابن ماهان لا وجه لها حقيقية. قال ابن منظور:"يروى "واسونا" بالواو أي: اتفقوا معنا عليه، والواو منه بدل من همزة الأسوة. الصحاح: الرَّس: الإصلاح بين الناس، والإفساد أيضاً، وقد رسست بينهم وهو من الاضداء"(2).

وقال في موضع آخر: "والمواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش

والرزق، واصلها الهمزة فقلبت واواً تخفيفاً، وفي حديث الحديبية "ان المشركين واسونا للصلح" جاء على التخفيف" (3).

وأما رواية ابن سفيان: فذكر القاضي انها من المراسلة. قال ابن سيده: "قال صاحب العين (4): الإرسال: التوجيه، وقد أرسلت إليه، وهي الرسالة، والرسَالة، وقد تراسل القوم - أرسل بعضهم إلى بعض -، والرسول: الرسالة والمرسل، والجمع أرسل ورُسُل. قال ابن جني: وقول الهذلي: قد أتتها أرسُلي، أرْسُل: جمع رسول وقياسه رُسل إلا انه لما أراد بالرسل هناء النساء كسًّره تكسير"(5).

(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 300.

(2)

لسان العرب 6/ 97.

(3)

المصدر نفسه 14/ 34 مادة أسا.

(4)

لم أجد هذا القول في كتاب العين.

(5)

المخصص 3/ 63.

ص: 317

............................................................................................

ــ

وممن رواه كما رواه مسلم عند ابن سفيان الإمام احمد (1).

الثاني:

قال القاضي عياض (2): "وقوله: يكن لهم بدء العقوق وثنياه، كذا لابن ماهان، ولغيره "وثناه" بكسر الثاء مقصورا. أي: عودته ثانية وهو الصواب".

قال الإمام النووي: "قَوْله صلى الله عليه وسلم: {دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْء الْفُجُور وَثِنَاهُ} أَمَّا الْبَدْء: فَبِفَتْحِ الْبَاء وَإِسْكَان الدَّال وَبِالْهَمْزِ، أَيْ اِبْتِدَاؤُهُ، وَأَمَّا "ثِنَاهُ" فَوَقَعَ فِي أَكْثَر النُّسَخ "ثِنَاهُ" مُثَلَّثَة مَكْسُورَة، وَفِي بَعْضهَا: "ثُنْيَاهُ" بِضَمِّ الثَّاء وَبِيَاءٍ مُثَنَّاة تَحْت بَعْد النُّون، وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا الْقَاضِي، وَذَكَرَ الثَّانِي عَنْ رِوَايَة اِبْن مَاهَانَ وَالْأَوَّل عَنْ غَيْره. قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب. أَيْ عَوْدَة ثَانِيَة"(3).

فرواية ابن ماهان: "بدء العقوق وثنياه"، ورواية ابن سفيان "بدء الفجور وثناه" بلا ياء، فالبدء من بدأت جاء في اللغة: "وبدئ من بدأتُ والبدئ الأمر البديع، وابدأ الرجل: إذا جاء به. يقال: أمر بدئ قال عبيد بن الأبرص: فلا بدئ ولا عجيب، والبدء السيد، وقيل: الشاب المستجاد الرأي المستشار، والجمع بدوء، والبدءُ السيد الأول في السيادة، والثنيان الذي يليه في السؤدد.

قال أوس بن عفراء السعدي (4):

ثنياننا ان أتاهم كان بدأهم

وبدؤهم ان أتانا ثنيانا"

(5).

وقال الزبيدي (6): "يقال: هذا ثاني هذا، أي: الذي شفعه .. قال الراغب: يقال ثنيت كذا ثنياً: كنت له ثانياً". وقال الخليل: "يقال: ما هذا الأمر منك بكراً ولا ثنياً،

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل: مسند المدنين، حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، الحديث رقم 16566، 4/ 48.

(2)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 132.

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 267.

(4)

طبقات فحول الشعراء: (تأليف: الجمحي محمد بن سلام ت231هـ)، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة، 1/ 79.

(5)

لسان العرب 1/ 26، وتاج العروس من جواهر القاموس 1/ 8317.

(6)

المصدر نفسه 1/ 8315.

ص: 318

............................................................................................

ــ

أي: ما هو بأول، ولا ثانٍ" (1).

وأما "بدء الفجور وثناه"، فالبدء بان معناه سلفاً، وأما "ثناه" فمعناه: أوله وآخره، قال ذلك القاضي عياض وغيره (2).

ولم يرو أحدكما روى مسلم عند ابن ماهان ما يدل على انها بالمعنى لاسيما أننا عرفنا معناه الثِنيا، والله اعلم.

وممن رواه كما رواه مسلم عند ابن سفيان: أبو عوانه (3)، والبيهقي (4).

الثالث:

قال القاضي عياض: "وقوله فما زلت أرديهم واعقر بهم" بفتح الهمزة "وعلوت الجبل فجعلت أرديهم" وفي رواية أخرى فيهما: أرميهم بالميم وهما بمعنى، يقال: رديت الحجر ورميته، والمرداة بكسر الميم الحجارة والأشبه في الأول: أرميهم، وكذا عند شيوخنا فيه؛ لأنه إنما أخبر عن رميه بالقوس، وفي الثاني: أرديهم؛ لأنه خبر عن رميه من أعلى الجبل، وهي أكثر روايات شيوخنا فيه على هذا الترتيب والترجيح، وقوله في هذا الحديث:"فأرادوا فرسين" بفتح الهمزة وسكون الراء ودال مهملة، كذا روايتنا عن شيوخنا وفي بعض الروايات فيه بالذال المعجمة، وكلاهما صحيح متقارب ومعناه بالمعجمة خلفوهما وتركوهما واستضعفوهما. والرذي بالمعجمة المستضعف من كل شيء، وبالمهملة أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما، وتركوهما، ومنه المتردية. وأرْدَت الخيل الفارس وهو رد، أي: أسقطته وفي بعض الروايات عن ابن ماهان "وإذا فرسان" والصواب =

(1) كتاب العين 5/ 364.

(2)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 132، شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 267، النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 262، لسان العرب 1/ 26.

(3)

مستخرج أبي عوانه: مبدأ كتاب الجهاد، باب عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، الحديث رقم 5468. وبلفظ آخر "دروهم يكن بدء الفجور وثناه"، في الكتاب والباب أنفسهما، الحديث رقم 5467.

(4)

دلائل النبوة: باب إرسال النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه، الحديث رقم 1475.

ص: 319