الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 -
كتاب الفضائل
باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة
وحدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عمرو قال: قلت لعروة: كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرا. قلت: فإن ابن عباس يقول: بضع عشرة قال: فغفره وقال: إنما أخذه من قول الشاعر 4/ 1825*.
ــ
= ومعنى انجلى: "أزيل وزال عنه"(1).
فتكون الروايتان بمعنى فراغ الوحي، والله اعلم.
وانفرد الإمام مسلم بهذا الحديث، فلم يروه غيره باللفظين، ورواية انجلى عند ابن ماهان أيدتها رواية البخاري (2) من حديث عبد الله بن مسعود، وفيه قصة، وفيها: "
…
فقال: يا أبا القاسم: ما الروح؟ فسكت، فقلت: انه يوحى إليه، فقمت فلما انجلى عنه".
* قال القاضي عياض: "وفي مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة، قلت: فإن ابن عباس قال: بضع عشرة سنة، قال - يعني عروة -: فصغره كذا بتشديد الغين المعجمة عند بعض الرواة (3) وعند السمرقندي فغفره بغين معجمة وفاء مشددة، وللعذري فغفروه مثله لكن بزيادة الواو، كل له معنى صحيح إن شاء الله تعالى، أما الأول: فكأنه استصغر سن ابن عباس عن ضبط ذلك، أي كأنه قال: كان صغيرا ولم يدرك الأمر، ولا شاهده، إذ مولده قبل الهجرة بيسير على خلاف في ذلك، وقوله: فغفره: أي قال له: يغفر الله لك كأنه وهمه فيما قاله، وكذلك بزيادة الواو كأن الحاضرين قالوا ذلك له، ويدل على ما تأولناه قوله بأثر هذا إنما أخذه من قول الشاعر يريد أنه لم يدرك ذلك ولا شاهده، وإنما قلد فيه الشاعر يريد قول صرمة بن
(1) المصدر نفسه10/ 519.
(2)
صحيح البخاري: كتاب العلم / باب قول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}
…
[الإسراء: 85]، الحديث رقم 125، 1/ 58.
(3)
أراد بها ابن ماهان.
.........................................................................................
ــ
أنس: ثوى في قريش بضع عشرة حجة" (1).
وقال في موضع آخر: "وفي لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة: وإن ابن عباس قال: ثلاثة عشرة سنة فغفره، كذا للسمرقندي والسجزي معناه قال: غفر الله له، ولابن ماهان: "فَصَغَّرَهُ" أي وصفه بالصغر وعدم الضبط إذ ذاك"(2).
وقال الإمام النووي: "هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ بِلَادنَا: "فَغَفَّرَهُ" بَالِغَيْنِ وَالْفَاء، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْجُلُودِيّ، وَمَعْنَاهُ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّه لَهُ، وَهَذِهِ اللَّفْظَة يَقُولُونَهَا غَالِبًا لِمَنْ غَلِطَ فِي شَيْء، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَخْطَأَ غَفَرَ اللَّه لَهُ، وذكر الإمام النووي ما قَاله الْقَاضِي عياض لما وقع في رواية ابن ماهان، وقال: أَيْ اِسْتَصْغَرَهُ مَعْرِفَته هَذَا، وَإِدْرَاكه ذَلِكَ، وَضَبْطه، وَإِنَّمَا أَسْنَدَ فِيهِ إِلَى قَوْل الشَّاعِر، وَلَيْسَ لَهُ عِلْم بِذَلِكَ، وَيُرَجِّحُ الْقَاضِي هَذَا الْقَوْل، وذكر اسم الشاعر. وشعره:
ثَوَى فِي قُرَيْش بِضْع عَشْرَة حُجَّة
…
يَذْكُرُ لَوْ يَلْقَى خَلِيلًا مُوَاتِيا (3)
وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْت فِي بَعْض نُسَخ صَحِيح مُسْلِم، وَلَيْسَ هُوَ فِي عَامَّتهَا" (4).
فالصِغَر: هو سن الصبية، قال الأزهري (5) يقال: هو صغر ولد أبيه أي أصغرهم، وهو كبرة ولد أبيه أي أكبرهم، وكذلك فلان صغرة القوم وكبرتهم، أي أصغرهم وأكبرهم. ويقول الصبي من صبيان العرب - إذا انهى عن اللعب -: اني من الصغرة، أي من الصغار.
قال ابن منظور: "المرْء بِأَصْغَرَيْهِ، وأَصْغَراه قلْبُه ولسانه. وأَصْغَرَه غيره، وصَغَّره تَصْغِيراً، وتَصْغِيرُ الصَّغِير: صُغَيِّير الأُولى على القياس، والأُخرى على
(1) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 2/ 48 و59.
(2)
المصدر نفسه 2/ 138.
(3)
المعارف: (تأليف: ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم)، تحقيق: دكتور ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، ص14، و (الحماسة المغربية) مختصر كتاب صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب:(تأليف: الجراوي أبو العباس أحمد بن عبد السلام التادلي ت609هـ)، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1991م.
(4)
ينظر شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 68.
(5)
تهذيب اللغة 3/ 50.
.............................................................................................
ــ
غير قياس حكاها سيبويه، واسْتَصْغَره عَدَّه صَغِيراً، وصَغَّرَه وأَصْغَرَه: جعلَه صَغِيراً" (1).
وقال الزبيدي: "وفي حديث عمرو بن دينار قال: قلت لعروة كم لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة؟ قال: عشراً، قلت: فابن عباس يقول: بضع عشرة سنة، قال عروة: فصغره: أي استصغر سنة عن ضبط ذلك، وفي رواية فغفره، أي قال: غفر الله له"(2). وقال ابن الأثير: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضْعَ عشرةَ سنةً قال عُروة: فصَغَّره أي استصْغَر سنَّه عن ضبط ذلك، وفي رواية: فغَفَّره: أي قال: غَفَر الله له وقد تكرر في الحديث (3).
وأيد هذا القول ابن منظور فقال: "وفي رواية فغفره، أي قال: غفر الله له"(4).
ومعنى الغفر: "التغطية والستر، غفر الله ذنوبه أي سترها، والغَفْر
…
وقد غفر يغفر ستره، وكل شيء سترته فقد غفرته، ومنه قيل للذي يكون تحت بيضه الحديد على الرأس مِغْفَر، وتقول العرب: اصبغ ثوبك بالسواد فهو اغفر لوسخه أي احمل له وأغطى له، ومنه غفر الله ذنوبه أي سترها" (5).
وكأن الرواية تصح بقوله: غفر الله له كان صغيراً.
وانفرد مسلم بهذا الحديث.
(1) لسان العرب 4/ 458.
(2)
تاج العروس من جواهر القاموس 4/ 458.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 63.
(4)
تاج العروس 4/ 458 و5/ 25.
(5)
المصدر نفسه/458 و5/ 25.