الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
الباعث على تصنيفه والغرض منه
إن الباعث على تصنيف الصحيح عند الإمام مسلم هو: ما أفصح عنه في مقدمة كتابه إذ يقول:
"فَإِنَّكَ يَرْحَمُكَ الله بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بِالْفَحْصِ عن تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ الْمَاثُورَةِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سُنَنِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ، وما كان منها في الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَغَيْرِ ذلك من صُنُوفِ الْأَشْيَاءِ بِالْأَسَانِيدِ التي بها نُقِلَتْ، وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَأَرَدْتَ أَرْشَدَكَ الله أَنْ تُوَقَّفَ على جُمْلَتِهَا مُؤَلَّفَةً مُحْصَاةً، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أُلَخِّصَهَا لك في التَّالِيفِ بِلَا تَكْرَارٍ يَكْثُرُ، فإن ذلك زَعَمْتَ مِمَّا يَشْغَلُكَ عماله قَصَدْتَ من التَّفَهُّمِ فيها، وَالِاسْتِنْبَاطِ منها، وَلِلَّذِي سَأَلْتَ أَكْرَمَكَ الله حين رَجَعْتُ إلى تَدَبُّرِهِ، وما تؤول بِهِ الْحَالُ إن شَاءَ الله عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ، وَمَنْفَعَةٌ مَوْجُودَةٌ، وَظَنَنْتُ حين سَأَلْتَنِي تَجَشُّمَ ذلك أَنْ لو عُزِمَ لي عليه، وَقُضِيَ لي تَمَامُهُ كان أَوَّلُ من يُصِيبُهُ نَفْعُ ذلك إِيَّايَ خَاصَّةً قبل غَيْرِي من الناس لِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْوَصْفُ إلا أَنَّ جُمْلَةَ ذلك أَنَّ ضَبْطَ الْقَلِيلِ من هذا الشان، وَإِتْقَانَهُ أَيْسَرُ على الْمَرْءِ من مُعَالَجَةِ الْكَثِيرِ منه، ولا سِيَّمَا عِنْدَ من لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ من الْعَوَامِّ إلا بِأَنْ يُوَقِّفَهُ على التَّمْيِيزِ غَيْرُهُ، فإذا كان الْأَمْرُ في هذا كما وَصَفْنَا، فَالْقَصْدُ منه إلى الصَّحِيحِ الْقَلِيلِ أَوْلَى بِهِمْ مِنَ ازْدِيَادِ السَّقِيمِ
…
"
إلى أن قال:"فَلَوْلَا الذي رَأَيْنَا من سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِمَّنْ نَصَبَ نَفْسَهُ مُحَدِّثًا فِيمَا يَلْزَمُهُمْ من طَرْحِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَالرِّوَايَاتِ الْمُنْكَرَةِ وَتَرْكِهِمْ الِاقْتِصَارَ على الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ مِمَّا نقلة الثِّقَاتُ الْمَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقْذِفُونَ بِهِ إلى الْأَغْبِيَاءِ من الناس هو مُسْتَنْكَرٌ، وَمَنْقُولٌ عن قَوْمٍ غَيْرِ مَرْضِيِّينَ مِمَّنْ ذَمَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ الحديث مِثْلُ مَالِكِ بن أَنَسٍ، وَشُعْبَةَ بن الْحَجَّاجِ، وَسُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بن سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرحمن بن مَهْدِيٍّ، وَغَيْرِهِمْ من الْأَئِمَّةِ لَمَا سَهُلَ عَلَيْنَا الِانْتِصَابُ لِمَا سَأَلْتَ من التَّمْيِيزِ وَالتَّحْصِيلِ، وَلَكِنْ من أَجْلِ ما أَعْلَمْنَاكَ من نَشْرِ الْقَوْمِ الْأَخْبَارَ الْمُنْكَرَةَ
بِالْأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْمَجْهُولَةِ، وَقَذْفِهِمْ بها إلى الْعَوَامِّ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ عُيُوبَهَا خَفَّ على قُلُوبِنَا أجابتك إلى ما سَأَلْتَ" (1).
(1) صحيح مسلم: (تأليف: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، المقدمة 1/ 3 و4 و7.