الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشقائق جمع " شقيقة "، ومنه شقيق الرجل أخوه لأبيه وأمه، ويجمع
على أشقاء بتشديد القاف. وقوله- عليه السلام هذا خارج مخرج
التعليل في وجوب الغسل على المرأة إذا وجدت بللاً ولم تتذكر احتلاماً.
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: وإنما روى هذا الحديث
عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى
ابن سعيد من قبل حفظه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من
أصحاب النبي- عليه السلام والتابعين، أنه إذا استيقظ الرجل فرأى بلة
أنه يغتسل، وهو قول سفيان وأحمد.
قلت: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه أيضاً. وقال بعض أهل العلم من
التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول
الشافعي، وإسحاق. وإذا رأى احتلاماً ولم ير بلة فلا غسل عليه عند
عامة أهل العلم.
***
86- باب: المرأة ترى ما يرى الرجل
أي: هذا باب في بيان حكم المرأة التي ترى في منامها ما يرى الرجل
من الاحتلام.
222-
ص- ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة، عن يونس، عن ابن
شهاب قال: قال عروة، عن عائشة، أن أم سليم الأنصارية- وهي أم أنس
ابن مالك- قالت: " يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة
إذا رأتْ في النوم ما يرى الرجل أتغتسلُ أو لا (1) ؟ قالت عائشةُ: فقال
النبيُ- عليه السلام: " نعم، فلتغتسلْ إذا وجدت الماء "، قالت عائشةُ:
فأقبلتُ عليها فقلت: أف لك، وهل ترى ذلك المرأةُ؟ فأقبل علي رسولُ الله
فقال: " تربتْ يمينُك يا عائشة، ومن أين يكونُ الشبهُ؟ "(2) .
(1) في سنن أبي داود: " أم لا ".
(2)
البخاري: كتاب العلم، باب: الحياء في العلم (130)، مسلم: كتاب-
ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبري.
وعنبسة بن خالد بن يزيد ابن أبي النجاد، الأيلي الأموي مولاهم،
أبو عثمان ابن أخي يونس بن يزيد. روى عن يونس هذا، ورجاء بن
جميل. روى عنه: ابن وهب، وأحمد بن صالح. توفي بأيلة سنة ثمان
وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود (1) .
ويونس بن يزيد بن أبي النجاد بالنون، وقد مر، وعروة بن الزبير.
قوله: " إن الله لا يستحي " من الحياء، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان
من تخوف ما يعاب به ويُذم، واشتقاقه من الحيوة، يُقال: حيى الرجل
كما يقال نسي.
فإن قلت: كيف جاز وصف القديم سبحانه به، ولا يجوز عليه العير
والخوف والذم؟ وورد من حديث سلمان قال: قال رسول الله- عليه
السلام-: " إن الله حيى كريم، يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما
صفراً حتى يضع فيهما خيرا ".
قلت: هذا جار على سبيل الاستعارة التبعية التمثيلية شبه ترك الله
تخييب العبد، ورد يديه إليه صفراً بترك الكريم، ورده المحتاج حياء،
فقيل: ترك الله الرد حياء كما قيل: ترك الكريم رد المحتاج حياءً، فأطلق
الحياء ثمة كما أطلق الحياء هاهنا، فلذلك استعير ترك المستحي لترك
الحق، ثم نفي عنه (2) ، وفي " يستحي " لغتان، أفصحهما باليائين.
الحيض، باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (314)، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل
(122)
، النسائي: كتاب الطهارة، باب: غسل المرأة ترى في منامها ما يرى
الرجل (1/113)، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في المرأة ترى في
منامها ما يراه الرجل (600) من حديث أم سلمة.
(1)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4529) .
(2)
بل وصف الله نفسه بالحياء على سبيل الحقيقة، اعتقاد أهل السنة والجماعة:
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وانظر:" العقيدة الواسطية "
لشيخ الإسلام ابن تيمية.
34.
شرح سنن أبي داوود 1
قوله: " أرأيت " بمعنى: أخبرني، والألف في قوله:" أتغتسل "
للاستفهام.
قوله: " فأقبلت عليها " أي: على أم سليم.
قوله: " فقلت: أفّ لك " معناه: الاستقذار والاحتقار لما قالت، وهي
صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر متكره. وقيل: أصل الأف
من وسخ الإصبع إذا فُتل، وقد أففت بعده تأفيفاً وأففت به، إذا قلت له:
أف لك، وفيها لغات هذه أفصحها وأكثرها استعمالاً، ويقال: أصل
الأف وسخ الأظفار. وقال بعضهم: فيها عشر لغات: أف، وأف،
وأُف (1) بضم الهمزة مع كسر الفاء وفتحها وضمها بغير تنوين،
وبالتنوين، فهذه ست، والسابعة:" إف " بكسر الهمزة وفتح الفاء،
والثامنة: " أفْ " بضم الهمزة وإسكان الفاء، والتاسعة:" أفي " بضم
الهمزة وبالياء، و " أفه " بالهاء، هذه لغات مشهورة/ذكرهن كلهن ابن
الأنباري، فمن كسره بناه على الأصل، ومن فتحه طلب الخفة، ومن
ضم أتبع، ومن نون أراد التنكير، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن
خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفاً، ومن زاد التاء كأنه أضافه إلى
نفسه، ومن زاد الهاء كأنه وقف عليها كما في " قِ " يقال:" قه ".
قوله: " تربت يمينك " من ترب الرجل إذا افتقر، أي: لصق بالتراب،
وأترب إذا استغنى، " (2) وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون
بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله،
وقيل: معناه لله درك. وقيل: أراد بها المثل ليرى المأمور بذلك الجد،
وأنه إن خالفه فقد أساء، وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة، فإنه قد
قال لعائشة: " تربت يمينك "؛ لأنه رأى الحاجة خيراً لها، والأول
الوجه، ويعضده قوله في حديث خزيمة:" أنعم صباحاً، تربت يداك "،
فإن هذا دعاء له، وترغيب في استعماله ما تقدمت الوصية به،
(1) في الأصل: " وأوف ".
(2)
انظر: النهاية (1/184- 185) .
ألا تراه قال: " أنعم صباحاً "، ثم عقبه بقوله:" تربت يداك "؟
وكثيراً يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم، وإنما يريدون بها المدح، كقولهم:
لا أب لك، ولا أم لك، وهوتْ أمُّه، ولا أرض لك، ونحو ذلك " (1) .
قوله: " ومن أين يكون الشبه؟ " بفتح الشين والباء يقال: بينهما شبه
أي: مشابهة. والمعنى: أن ماء الرجل إذا غلب ماء المرأة يكون شبه الولد
للأب وبالعكس للأم، ولو لم يكن للأم ماء ما كان يشبه الولد الأم
أصلاً كما في " صحيح مسلم " من حديث طويل: " ماء الرجل أبيض،
وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله
تعالى، وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرجل أنثا بإذن الله "، وهذا الحديث
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من
حديث أم سلمة- رضي الله عنها.
وهاهنا مسائل فقهية، استيقظ رجل فوجد على فراشه أو فخذه بللاً،
هذا على وجهين، تذكر الاحتلام أم لا، فإن تذكر فعلى أربعة أوجه:
تيقن أنه مني، أو تيقن أنه مذي، أو شك أنه منى أو مذي، ففي الكل
الغسل، وليس في هذا إيجاب الغسل بالمذي، بل بالمني؛ لأن الظاهر أنه
مني ثم رق بطول المدة، وإن تيقن أنه ودي لا غسل عليه، وإن لم يتذكر
الاحتلام فعلى الأوجه الأربعة أيضاً، فإن تيقن أنه ودي، أو تيقن أنه
مذي، لا يجب الغسل، وإن تيقن أنه مني يحب الغسل، وإن شك أنه
مني أو مذي، قال أبو يوسف: لا يجب قياساً حتى يتيقن بالاحتلام،
وقالا: يجب استحساناً.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه عُقيل، والزبيدي، ويونس، وابن أخي
الزهري، وابن أبي الوزير، عن مالك، عن الزهري، ووافق الزهر في مسافع
الحجبي، قال: عن عروة، عن عائشة، وأما هشام بن عروة فقال: عن
(1) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.
عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، أن أم سليم جاءت (1)
رسول الله- عليه السلام.
ش- عُقيل- بضم العين- مولى عثمان بن عفان، وقد ذكر.
والزُّبيدي- بضم الزاي- هو محمد بن الوليد، ويونس بن يزيد
وابن أخي الزهري اسمه: محمد بن عبد الله بن مسلم. روى عن
عمه الزهري. وروى عنه: معقل، والقعنبي، وطائفة. وقال الذهبي:
كذّبه ابن معين، ووثّقه أبو داود وغيره. مات سنة سبع وخمسين ومائة.
روى الجماعة (2)
وابن أبي الوزير: إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي مولاهم المكي،
أبو عمرو بن أبي الوزير، نزل البصرة. سمع: مالك بن أنس،
وشريكاً، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: علي بن المديني، وابن
المثنى، وابن بشار، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا بأس به. مات سنة
ثلاث وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلماً (3) .
ومُسافع- بضم الميم، وبالسين المهملة، وبكسر الفاء- ابن عبد الله
الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان
ابن عبد الدار بن قُصي، أبو سليمان القرشي الحجبي المكي. سمع:
عبد الله بن عمرو، وعروة بن الزبير، وعمته صفية بنت شيبة،
والزهري. روى عنه: مصعب بن شيبة، ورجاء أبو يحيى، ومنصور بن
صفية، والزهري. قال ابن سعد: كان قليل الحديث. وقال أحمد بن
عبد الله: تابعي ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (4)
وزينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وأمها: أم سلمة زوج
النبي- عليه السلام، ولدت بأرض الحبشة، كان/اسمُها برّة،
(1) في سنن أبي داود: " جاءت إلى ".
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5375)
(3)
المصدر السابق (2/218) .
(4)
المصدر السابق (27/5887) .
فسماها رسولُ الله زينب (1) ، روى لها البخاري حديثاً ومسلم آخر،
وقد رويا لها عن أمها وغيرها. روى عنها القاسم بن محمد، وعروة بن
الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، والشعبي.
روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأم سلمة اسمها: هند بنت أبي أمية، واسمه حذيفة، ويقال: سهيل
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أم سلمة المخزومية، أم المؤمنين،
كانت قبل النبي عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد. رُوي لها عن
رسول الله ثلاثمائة وثمانية وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلاثة عشر حديثاً،
ولمسلم مثلها، هاجرت الهجرتين: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة. روى
عنها: ابنها عمر، وابنتها زينب، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن
عبد الرحمن، وكُريب مولى ابن عباس، وجماعة آخرون، توفيت سنة
تسع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة. روى لها الجماعة (3) .
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: ترك الاستحياء لمن تعرض له
مسألة، والامتناع، وقد قالت عائشة: " نعم النساءُ نساءُ الأنصار، لم
يمنعهن الحياءُ أن يتفقهن في الدين ".
والثانية: وجوب الغسل على الرجل والمرأة جميعاً إذا احتلم ووجد الماء.
والثالثة: إثبات أن المرأة لها ماء.
والرابعة: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير.
والخامسة: أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء، إلا
مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها.
(1) البخاري: كتاب الأدب، باب: تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه (6192) ،
مسلم: كتاب الآداب، باب: استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن....
(17/2141) .
(2)
انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/319) ، أسد الغابة
(7/131) ، الإصابة (4/317) .
(3)
المصادر السابقة (4/421) ، (7/289) ، (4/423) .