الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب قال: كان
أبو عبد الرحمن في المسجد فأتاه مُدرك بن عمارة بلبن فشربه، فقال
مُدرك: هذا ماء فمضمض. قال: من أي شيء؟ أمن السائغ الطيب؟
وفي بعض النسخ على رأس الحديث: " باب الرخصة في ذلك "، أي
في ترك المضمضة عن شرب اللبن.
69- باب الوضوء من الدم
أي: هذا باب في بيان الوضوء من دم يخرج من الرجل.
185-
ص- حدثنا أبو توبة الربيع بت نافع قال: نا ابن المبارك، عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن
جابر قال: " خرجنا مع رسول الله- يعني في غزوة ذات الرقاع- فأصاب
رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دماً في
أصحاب محمد، فخرج يتبعُ أثر النبيّ- عليه السلام فنزل النبيُّ- عليه
السلام- منزلا وقال: منْ رجلٌ يكلؤُنا؟ فانتُدب رجلٌ من المهاجرين ورجل
من الأنصار قال: كونا بفم الشعب. قال. فلما خرج الرجلان إلى فم
الشّعب، اضْطجع المُهاجري، وقام الأنصاريُ يُصلي، واتى الرجلُ، فلما
رأى شخْصهُ عرف أنه ربيئةً للقوم فرماه بسهمٍ، فوضعهُ فيه ونزعهُ حتى
قضى ثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبُهُ، فلما عرف أنه قد
نذرُوا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله
ألا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنتُ في سورةٍ أقراها فلم أحب أن أقطعها " (1) .
ش- ابن المبارك هو عبد الله، ومحمد بن إسحاق بن يسار.
وصدقة بن يسار الجزري المكي، سكن مكة روى عن: عبد الله بن
عمر، والقاسم بن محمد، وطاوس بن كيسان. روى عنه: ابن جريج،
(1) تفرد به أبو داود.
ومالك، والثوري، وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو حاتم: صالح. توفي في أول خلافة بني العباس. روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعقيل- بفتح العين- ابن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
الأنصاري المدني، روى عن: أبيه، روى عنه: صدقة بن يسار، روى
له أبو داود (2)
قوله: " في غزوة ذات الرقاع " كانت في سنة أربع من الهجرة. وذكر
البخاري أنها كانت بعد خيبر؛ لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر،
وسميت الغزوة باسم شجرة هناك، وقيل باسم جبل هناك فيه بياض وسواد
وحمرة، يُقال له الرقاع، فسميت به. وقيل: سميت بذلك لرقاع كانت
في ألويتهم، وقيل: سميت بذلك لأن أقدامهم نُقبت فلفوا عليها الخرق،
وهذا هو الصحيح؛ لأن أبا موسى حاضر ذلك مشاهده، وقد أخبر به.
قوله: " حتى أهريق " أي: أريق، والهاء فيه زائدة.
قوله: " أثر النبي " بفتح الهمزة، والثاء، ويجوز بكسرها وسكون الثاء.
قوله: " من رجل "" من " هاهنا استفهامية، أي: أيُّ رجل يكلؤنا؟
أي: يحرسنا؟ من كلاً يكلاً كلاءةً من باب فتح يفتح، كلأته أكلؤه فأنا
كالىء وهو مكلوء، وقد تخفف همزة الكلاءة وتقلب ياء، فيقال كلاية.
قوله: " فانتدب " يقال: ندبه للأمر فانتدب له، أي: دُعي له
فأجاب، فالرجلان هما عمّار بن ياسر، وعباد بن بشر، ويقال:
الأنصاري هو عمارة بن حزم، والمشهور الأول.
قوله: " بفم الشعب " الشعب بكسر الشين: الطريق في الجبل،
وجمعه " شعاب ".
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2871) .
(2)
المصدر السابق (20/3995) .
قوله: " وقلم الأنصاري ": وهو عباد بن بشر.
وقوله: " فصلى " جملة وقعت حالاً من " الأنصاري ".
قوله: " ربيئة " الربيئة- بفتح الراء وكسر الباء- هو العين والطليعة
الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل أو شرف-
ينظر منه، من ربأ يربأ، من باب فتح يفتح، يقال:/يربأ أهله، أي:
يحفظهم من عدوهم، وارتبأت الجبل، أي: صعدته.
قوله: " فرماه " الضمير المرفوع فيه يرجع إلى الرجل المشرك، والضمير
المنصوب يرجع إلى الأنصاري.
قوله: " حتى قضى ثلاثة أسهم " أي:- حتى كمل ثلاثة أسهم؛ لأن
القضاء في اللغة على وجوه، ومرجع الجمع إلى انقطاع الشيء وتمامه،
وكلما أحكم عمله فقد قضى، ومنه القضاء المقرون بالقدر.
قوله: " قد نذروا به " بفتح النون وكسر الذال المعجمة أي: علموا به،
وأحسوا بمكانه.
قوله: " ألا أنبهتني " يجوز " ألا " بفتح الهمزة والتخفيف، ويكون
بمعنى الإنكار عليه عدم إنباهه، ويجوز بالفتح والتشديد، ويكون بمعنى
" هلا " بمعنى اللوم والعتب على ترك الإنباه.
قوله: " أول " نصب على الظرفية، أي: في أول ما رمى، و " ما "
مصدرية، والمعنى: في أول رميه إياه.
قوله: " كنت في سورة أقرأها " وكانت سورة الكهف- حكاه البيهقي.
وهذا الحديث صحيح رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخمسين من
القسم الرابع. ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه، وعلّقه البخاري
في " صحيحه " في كتاب الوضوء فقال: ويذكر عن جابر بن عبد الله:
" أن النبي- عليه السلام كان في غزوة ذات الرقاع، فرُمي رجل بسهم
فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته ". ورواه الدارقطني في
" سننه "، والبيهقي في كتاب " دلائل النبوة "، واحتج الشافعي ومن معه
بهذا الحديث: أن خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين لا ينقض الوضوء،
فإنه لو كان ناقضاً للطهارة لكانت صلاة الأنصاري تفسد بسيلان الدم أول
ما أصابته الرمية ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد، وهو
محدث.
واحتجت أصحابنا بأحاديث كثيرة، وأقواها وأصحها: ما روى البخاري
في " صحيحه " عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
" جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي- عليه السلام فقالت: يا
رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: " إنما
ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا
أدبرت فاغسلي عنك ". قال هشام: قال أبي: ثم توضئي لكل صلاة
حتى يجيء ذلك الوقت (1) .
فإن قيل: قوله: " ثم توضئي لكل صلاة " من كلام عروة قلنا: بل
هو من كلام النبي- عليه السلام ولكن الراوي علقه، إذ لو كان من
كلام عروة لقال: ثم تتوضأ لكل صلاة. فلما قال: توضئي شاكل ما
قبله في اللفظ، وأيضاً فقد رواه الترمذي فلم يجعله من كلام عروة ولفظه:
" وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك
الوقت " وصحّحه (2) ، وأما احتجاج الشافعي بذاك الحديث مشكل جدا؛
لأن الدم إذا سال أصاب بدنه وجلده، وربما أصاب ثيابه، ومع إصابة
شيء من ذلك وإن كان يسيرًا لا تصح الصلاة عنده، ولئن قالوا: إن الدم
كان يخرج من الجراحة على سبيل الذرق (3) حتى لا يصيب شيئاً من ظاهر
بدنه. قلنا: إن كان كذلك فهو أمر عجب، وهو بعيد جدا.
وقوله: " في الدماء " يدل على أن الدم أصاب ثوبه أو بدنه أو كليهما،
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الدم (228) .
(2)
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة (125) ، وانظر
تعليق الشيخ أحمد شاكر.
(3)
الذرق: خُرءُ الطائر.
ولم يُصب الأرض، والسهام كانت ثلاثة، فالظاهر أنها أصابت ثلاثة
مواضع، وذلك يدل على كثرة الدم، فلما لم يدل مضيه على جواز
الصلاة مع النجاسة، كذلك لا يدل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء،
على أنا نقول: إن هذا فعل واحد من الصحابة، ولعله كان مذهباً له، أو
لم يعلم بحكمه، والله أعلم.
وهاهنا قاعدة وهي: أن تقليد الصحابي واجب أم لا؟ فالشافعي في
قوله الجديد لا يُقلد أحداً منهم أصلاً، سواء كان مما يدرك بالقياس أو لا
يدرك وجوباً ولا جوازا، وجوز بعض الشافعية التقليد من غير وجوب.
وقال أبو سعيد البرذعي من أصحابنا: تقليد الصحابي واجب، يُتركُ به
القياس. وقال الكرخي وجماعة من أصحابنا: يجب تقليده فيما لا يُدركُ
بالقياس، وفيما يدرك بالقياس لا يجب. وهذا كله إنما هو في كل ما
ثبت عنهم من غير خلاف بينهم، وأما إذا ثبت الخلاف بينهم فلا يجب
تقليده إجماعاً، وإذا كان كذلك فكيف يقلد الشافعيُّ الأنصاري في صلاته
بالدم الخارج منه، وقد خالفه في ذلك جماعة من الصحابة مثل عمر،
وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وثوبان،
وأبو (1) الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري رُوي عنهم أنهم
قالوا بمذهبنا، وهؤلاء فقهاء الصحابة متبع لهم في فتواهم فيجب
تقليدهم، وقد قيل: إنه مذهب العشرة/المبشرة، وقد روى مالك في
" الموطأ ": حدثنا نافع عن ابن عمر: " أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ
ولم يتكلم، ثم رجع وبنى على ما قد صلى ".
وروى الشافعي في " مسنده ": حدثنا عبد المجيد، عن ابن جريج،
عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: " أنه كان يقول: من أصابه
رعاف، أو مذي أو قيء انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ". وقال النووي
في " الخلاصة ": ليس في نقض الوضوء وعدم نقضه بالدم والقيء
والضحك في الصلاة حديث صحيح.
(1) كذا.