الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا توجيه كلام ربيعة، ولكن الذكر الذي يضاد النسيان هو بضم الذال؛
لأن ذكر القلب لا يجيء إلا بالضم، والذكر بالكسر يكون باللسان،
والمراد بالذكر المذكور في الحديث هو ذكر اللسان بالكسر، فكيف يلتئم
كلام ربيعة؟ والظاهر أن فيه تعسفاً وتأويلاً بعيداً لا يدل عليه قط قرينة من
قرائن اللفظ، ولا من قرائن الحال، ولا حاجة إلى هذا التكلّف إذا
حملناه على نفي الفضيلة كما ذكرنا.
***
42- باب: في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل إذا أدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها. وفي بعض النسخ: " باب: يدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ ".
92-
ص- حدثنا مسدد قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزين
وأبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام أحدُكُمْ من
الليل فلا يغْمسْ يدهُ في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدْري أين
باتتْ يدُهُ " (1) .
ش- أبو معاوية الضرير، وسليمان الأعمش، وأبو رزين مسعود بن
مالك، وأبو صالح ذكوان السمان، كلهم قد ذكروا.
قوله: " من الليل " أي: من نوم الليل، وإنما قيد الليل لكونه الغالب،
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الاستجمار وتراً (162)، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: كراهية غمس المتوضئ وغير. يده المشكوك في نجاستها في
الإناء قبل غسلها ثلاثاً له (278)، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: إذا استيقظ
أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها (24)، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الوضوء من النوم (1/99)، ابن ماجه: كتاب الطهارة
وسننها، باب: الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ (395) .
وإلا فالحكم ليس بمخصوص بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في
نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كُره له غمسها في الإناء قبل غسلها،
سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار، أو شك في نجاستها من غير
نوم، وهذا مذهب الجمهور. وعن أحمد: أنه إن قام من نوم الليل
كرهه كراهة تحريم، وإن قام من نوم نهار كُره كراهة تنزيه، ووافقه داود
الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت.
والجواب ما ذكرناه.
قوله: " فلا يغمسْ يده في الإناء " " (1) الجمهور على أن هذا نهي تنزيه
لا تحريم حتى لو غمس يده لم يُفسد الماء، ولم يأثم الغامس. وعن
الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري: إنه
ينجس إن قام من نوم الليل، وهذا ضعيف؛ لأن الأصل في الماء واليد
الطهارة، فلا ينجس بالشك، ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة.
وقوله: " في الإناء " محمول على ما [إذا] كانت الآنية صغيرة
كالكُوز، أو كبيرة كالحُب ومعه آنية صغيرة، أما إذا كانت الآنية كبيرة،
وليس معه آنية صغيرة، فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة،
حتى لو أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة في الإناء دون الكف ويرفع الماء
من الحُب، ويصب على يده اليمنى، ويدلك الأصابع بعضها ببعض،
فيفعل كذلك ثلاثاً ثم يدخل يده اليمنى بالغاً ما بلغ في الإناء إن شاء.
وهذا الذي ذكره أصحابنا. وقال الشيخ محي الدين النووي: " وإذا كان
الماء في إناء كبير بحيث لا يمكن الصب منه، وليس معه إناء صغير يغترف
به، فطريقه أن يأخذ الماء بفمه، ثم يغسل به كفيه، أو يأخذه بطرف ثوبه
النظيف، أو يستعين بغيره " (2) .
قلنا: لو فرضنا أنه عجز عن أخذه بفمه، ولم يعتمد على طهارة
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم "(3/180- 181) .
(2)
إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
ثوبه، ولم يجد من يستعين به، ماذا يفعل؟ وما قاله أصحابنا أحسن
وأوسع.
قوله: " فإنه لا يدري أين باتت يده " الفاء فيه للتعليل، وذلك
" (1) لأنهم كانوا يستنجون بالأحجار، وبلادهم حارة،. فإذا نام أحدهم
عرق، فلا يأمن أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس، أو على بثرة أو
قذرٍ [أو] غير ذلك ".
وقوله: " أين باتت يده " كناية عن وقوعها على دبره أو ذكره، أو
نجاسة، أو غير ذلك من القذر (2) ، وإنما ذكر بلفظ الكناية تحاشياً من
التصريح به، وذلك من آداب النبي- عليه السلام، ونظائر ذلك كثيرة
من القرآن والحديث. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة وإن لم تغيره، وهذا حجة
قوية لأصحابنا في نجاسة القلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره، وإلا لا
يكون للنهر فائدة. وجمهور أصحابنا استدلوا على نجاسة القلتين بهذا
الحديث الصحيح، الذي أخرجه الأئمة الستة وغيرهم، ولم يعملوا
بحديث القلتين لكونه ضعيفاً كما ذكرناه.
والثانية:/استحباب غسل النجاسة ثلاثاً لأنه إذا أُمر به في المتوهمة
ففي المحققة أوْلى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب، وقد
ذكرنا فيه أنه- عليه السلام أوجب فيه الثلاث وخيّر فيما زاد.
الثالثة: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالمسح بالأحجار، بل يبقى نجساً
معفواً عنه في حق الصلاة، حتى إذا أصاب موضع المسح بلل وابتل به
سراويله أو قميصه تُنجسه.
الرابعة: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسلُ، ولا يؤثر فيها الرّشُّ،
فإنه عليه السلام قال: " حتى يغسلها "، ولم يقل:" حتى يرُشها ".
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم "(3/179) .
(2)
المصدر السابق (3/179- 181) .
الخامسة: استحباب الأخذ بالاحتياط في باب العبادات.
السادسة: أن الماء يتنجس بورود النجاسة عليه، وهذا بالإجماع، وأما
ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا. وقال الشافعي: لا ينجس. وقال
الشيخ محيى الدين في هذا الحديث: والفرق بين ورود الماء على النجاسة
وورودها عليه: أنها (1) إذا وردت عليه نجسته، وإذا ورد عليها أزالها،
فكأنه مشعر بذلك على الخلاف المذكور. قلنا: سلمنا أنها إذا وردت عليه
نجسته وسلمنا أنه إذا ورد عليها أزالها، ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهراً بعد
أن أزالها.
السابعة: استحباب استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استهجان.
واعلم أن هذا كله إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تيقن طهارتها وأراد
غمسها قبل غسلها ثلاثاً له الخيار، إن شاء غمسها قبل الغسل، وإن شاء
بعده، وهذا مذهب الجمهور؛ لأنه- عليه السلام نبه على العلة وهي
الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، ولو كان النهي عاما لقال: " إذا
أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمسْ يده حتى يغسلها "، وكان أعم
وأحسن. وعن بعض الشافعية: حكمه حكم الشك؛ لأن أسباب
النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فيسد الباب، لئلا يتساهل فيه من
لا يعرف " (2) ، وما ذكرناه يرد هذا.
وروى هذا الحديث البخاريُ من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله وقال: " إذا توضأ أحدُكُم
فليجعل في أنفه، ثم لينتثر (3) ، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ
أحدُكم من نومه فليغسلْ يده قبل أن يُدخلها في الإناء، فإن أحدكم لا
يفري أين باتت يدُهُ ". ورواه مسلم مثل رواية أبي داود، ورواه ابن ماجه
(1) في الأصل: " وأنها ".
(2)
إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(3)
في صحيح البخاري (162) : " ثم لينثر "
من حديث أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً: " إذا قام أحدُكم من النوم،
فأراد أن يتوضأ، فلا يُدخل يده في وضُوئه حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين
باتت يدُهُ، ولا على ما (1) وضعها ". ورواه الترمذي: " إذا استيقظ
أحدُكم من الليل، فلا يُدخلُ يده في الإناء حتى يُفرغ عليها مرتين أو
ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يدُهُ ". وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأما الذي رواه أصحابنا منهم صاحب الهداية: " فلا يغمسن " بنون
التأكيد المشددة لم يقع إلا في " مسند البزار "، فإنه رواه من حديث هشام
ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعاً: " إذا
استيقظ أحدُكم من منامه فلا يغمسن يده في طهُوره حتى يُفرغ عليها
…
"
الحديث.
93-
ص- حدُّثنا مسدد قال: نا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام: " مرتين أو ثلاثا
…
"
نحوه (2) . ولم يذكر أبا رزين.
ش- هذا الطريق فيه مسدد، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي موضع أبي معاوية الضرير، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح
ذكوان السمان. وأسقط أبا رزين، بينهما، وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثاً
نحو ما ذكره في الرواية الأولى. ويستفاد من هذه الرواية: أنه إذا اكتفى
بالغسل مرتين يجوز؛ لأنه مستحب ثلاثاً.
قلنا: إن هذا إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تحقق يجب عليه الغسل
إلى أن يطهر، سواء كان بالثلاث أو بما فوق ذلك.
94-
ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرج، ومحمد بن سلمة المرادي
قالا: نا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي مريم قال: سم ص.-
أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا استيقظ أحدُكُم من نومه
(1) في الأصل: " م ".
(2)
انظر تخريج الحديث (92) .