الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخفى على الفطن الذكي، وإنما خص العقب بالعذاب؛ لأنه العضو الذي
لم يغسل، وقيل: أراد صاحب العقب فحذف المضاف، وإنما قال ذلك
لأنهم كانوا لا يستقْصُون غسل أرجلهم في الوضوء.
قوله: " أسبغوا الوضوء " أي: أكملوه وأتموه كما مر أن الإسباغ الإتمام
وإنما ترك العاطف؛ لأن هذه الجملة وقعت كالبيان للجملة الأولى، فلا
يحتاج إلى العاطف. وأخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، واتفق
البخاري ومسلم على إخراجه من حديث يوسف بن ماهك عن عبد الله بن
عمرو بنحوه (1) .
**
39- باب: الإسراف في الوضوء
(2)
أي: هذا باب في بيان الإسراف في ماء الوضوء. و " الإسراف ":
التبذير. وفي بعض النسخ: " باب الإسراف في الماء "، وكلاهما قريب.
86-
ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أخبرنا سعيد
الجريري، عن أبي نعامة: أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: " اللهمّ إني
اً سْألُك القصْر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها. قال: يا بُنيّ (3) سل الله
عز وجل الجنة، وتعوذ به من النّار، فإنّي سمعتُ رسول الله يقول: " إنه
سيكونُ في هذه الأمّة قوم يعْتدُون في الطُّهُور والدُعاء " (4) .
ش- سعيد الجُريري- بضم الجيم- نسبة إلى جُرير- بالضم- هو
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين
(163)
، مسلم: كتاب الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما
(27/241) .
(2)
في سنن أبي داود: " باب الإسراف في الماء "، وهي نسخة كما أوضحها
المصنف.
(3)
في سنن أبي داود: " أي بني ".
(4)
ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: كراهية الاعتداء في الدعاء (3864) .
ابن إياس أبو مسعود الجُريري البصري، وجُرير هو ابن عُباد- بضم العين
وتخفيف الباء- اخو الحارث بن عباد بن ضُبيْعة، ويقال: جُرير بن عبادة
ابن ثعلبة. روى عن: أبي الطفيل، وأبي نضرة، وأبي عثمان النهدي،
وعبد الله بن شقيق، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة،
والحمادان، وابن علية، وابن المبارك، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديماً فهو صالح،
وهو حسن الحديث. توفي سنة أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو نعامة- بفتح النون- اسمه قيس بن عباية البصري الحنفي. روى
عن: أنس بن مالك، وابن عبد الله بن مغفل (2) . روى عنه: الجُريري،
وزياد بن مخراق، وعثمان بن غياث، وأيوب السختياني، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (3) .
وابن عبد الله بن مغفل هو سعيد وقيل زياد، ولم يُبين هاهنا. وذكر
المزي يحتمل أن يكون الداعي بهذا الدعاء يزيد، ويحتمل أن يكون غيره،
فقد ذُكر عن الحسن البصري أنه كان لعبد الله بن مغفل سبعة أولاد أسمى
بعضهم كلهم زياداً أو سعيداً.
قوله: " اللهم " معناه: يا الله، وقد ذكرناه.
قوله: " عن يمين الجنة " كلمة " عن " هاهنا ليست على حقيقته، وهو
إما بمعنى " على " نحو (فإنما يبْخلُ عن نفسه)(4) أي: على نفسه.
والمعنى: القصر الأبيض الذي على يمين الجنة، وإما بمعنى " في " كما في
قول الشاعر:
ولا تك عن حمل الرباعة وانياً
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2240) .
(2)
في تهذيب الكمال: " وابنٍ لعبد الله بن مغفل ".
(3)
المصدر السابق (24/4913) .
(4)
سورة محمد: (38) .
قوله: " يا بني " تصغير الشفقة كما في قوله تعالى: (وإذْ قال لُقْمانُ
لابْنه وهُو يعظُهُ يا بُنيّ) (1) ، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، وأصل ابن
بنوً، فلما جيء بالهمزة في أوله حذفت الواو، وإنما صُغر على هذه
الصيغة لأن الهمزة غير معتد بها، فيبقى الاسم بعد التصغير على بنيو،
واجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فأبدلت الواو ياء،
وأدغمت الياء في الياء، وصار " بُني "، فإن قيل: لم وجب حذف
الهمزة؟ قلت: لأنها إما أن تثبت وصلاً أو تحذف، فإن حذفت أُقبل بياء
فُعيل، فإن بقيت رجعت همزة الوصل قطعية، فإن قيل: من أين قلت:
إن أصل ابن بنو؟ قلت: لأنك تقول في مؤنثه بنت كما تقول في مؤنث
الأخ أخت، ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثاً إلا ومذكره محذوف الواو،
يدل على ذلك أخوات، فافهم.
قوله: " سل اله " أصله " اسأل " فخفف بحذف الهمزة في الموضعين،
وحركت السن لتعذر الابتداء بالساكن، يقال: سألته الشيء، وسألته
عن الشيء سؤالاً ومسألة، وهو يتعدى إلى مفعولين؛ لأن الفعل لا يخ (2)
إما أن يتعدى إلى واحد أو اثنين أو ثلاثة كما عرف في موضعه. والجنة في
اللغة: البستان، سميت داراً لبقائها إما لاشتمالها على الجنان وهي
البساتين، أو لاستتارها عن أعين الناس.
قوله: " وتعوذ به " أي: بالله، من قولك: عُذت بفلان، واستعذت
به أي: لجأت إليه.
قوله: " فإني " الفاء فيه للتعليل.
قوله: " يقول " جملة حالية من الرسول.
قوله: " إنه " أي: إن الشأن.
قوله: " في هذه الأمة " الأمة في الأصل: الجماعة. قال الأخفش:
هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس/في الحيوان أمة.
(1) سورة لقمان: (13) .
(2)
كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".
وفي الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها "(1) .
والأمة: الطريقة والدين، يقال: فلان لا أمة له. أي: لا دين له.
والأمة: الحين. قال تعالى: (وادّّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)(2) والإمة بالكسر:
النعمة، والإمة أيضاً لغة في الأمة، وهي الطريقة.
قوله: " قوم " القوم: الرجال دون النساء، لا واحد له من لفظه.
وقال تعالى: (لا يسْخرْ قوْم مّن قوْم) ، (ولا نساءٌ من نساء)(3) ،
وربما دخل النساء فيه على سبيل الجمع؛ لأن قوم كل نبي رجال ونساء،
وجمع القوم " أقوام "، وجمع الجمع " أقاويم "، والقوم يذكر ويؤنث؛
لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين يذكر
ويؤنث، مثل: رهط، ونفر، وقوم. قال الله تعالى: (وكذب به
قوْمُك) (4)، وقال:(كذبتْ قوْمُ نُوج)(5) .
قوله: " يعتدون " من الاعتداء، وهو التجاوز عن الحد. وقال ابن
الأثير (6) : " ومعنى يعتدون في الدعاء: هو الخروج فيه عن الوضع
الشرعي والسُّنّة المأثورة ".
وأما الاعتداء في الطهور أن يسرف في الماء، بأن يكثر صبه أو يزيد في
الأعداد، والطهور يحتمل فيه وجهان: ضم الطاء بمعنى الفعل، ويكون
المعنى: يعتدون في نفس الطهور بأن يزيدوا في أعداده، وذلك إما من
الإسراف وهو حرام، وإما من الوسوسة وهي من الشيطان. وفتحها
(1) أبو داود في: كتاب الصيد، باب: في اتخاذ الكلب للصيد وغيره (845) ،
والترمذي في: كتاب الأحكام، باب: ما جاء في قتل الكلاب (1486) ،
والنسائي في: كتاب الصيد والذبائح، باب: صفة الكلاب التي أمر بقتلها
(7/185)، وابن ماجه في: كتاب الصيد، باب: النهي عن اقتناء الكلب
إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية (3205) من حديث عبد الله بن مغفل.
(2)
سورة يوسف: (45) .
(3)
سورة الحجرات: (11) .
(4)
سورة الأنعام: (66) .
(5)
سورة الشعراء: (105) .
(6)
النهاية (3/193) .