الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص- قال أبو داود: روى (1) ابن فضيل، عن حصين قال: " وتسوك (2) ،
وتوضأ، وهو يقول:(إن في خلق السموات والأرْض) حتى ختم
السورة.
ش- ابن فضيل هو: محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي
أبو عبد الرحمن مولاهم الكوفي، سمع الأعمش، وحصين بن
عبد الرحمن، وعُمارة بن القعقاع، ومالك بن مغْول، وجماعة آخرين
كثيرة روى عنه: الثوري، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو صدوق من أهل
العلم. توفي سنة أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " وهو يقول ": جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" توضأ "، وهذه الرواية تدل على أنه- عليه السلام قرأ هذه الآيات
والحال أنه يتوضأ.
***
25- باب: فرض الوضوء
أي: هذا باب في بيان فرضية الوضوء. ولما فرغ عن أبواب الاستنجاء
وأبواب السواك، شرع في بيان أبواب الوضوء، والمناسبة بين أبواب
الوضوء والأبواب التي قبلها ظاهرة، والوُضوء- بضم/الواو-: اسم
للفعل من وضُؤ- من باب حسُن- وضاءةً، والوضاءة: الحسن والنظافة،
وسمي وضوء الصلاة وضوء؛ لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه. وفي الشرع:
الوُضوء: غسلٌ ومسح في أعضاء مخصوصة، فالغسل هو الإسالة،
والمسح هو الإصابة.
48-
ص- حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا شعبة، عن قتادة، عن
(1) في سنن أبي داود: " رواه "(2) في سن أبي داود: " فتسوك "
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5548) .
أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقبلُ اللهُ- عز وجل صدقةً من
غُلولٍ، ولا صلاةً بغير طُهُورٍ " (1) .
ش- مسلم بن إبراهيم البصري القصاب، قد مر ذكره، وكذلك ذكر
شعبة وقتادة.
وأبو المليح- بفتح الميم وكسر اللام- اسمه: عامر بن أسامة بن
عمير: وقيل: عمير، وقيل: زيد بن عامر بن عمير بن حُنيف بن ناجية
أبو المليح الهذلي. روى عن أبيه، وبريدة بن الحصيب، وعبد الله بن
عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس،
وواثلة بن الأسقع، وغيرهم. روى عنه: أبو قلابة، وأيوب السختياني،
وقتادة، وغيرهم. وقال أبو زرعة: بصري ثقة. توفي سنة اثنتي عشرة
ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأسامة بن عمير بن عامر بن الأشتر الهذلي البصري، والد أبي المليح
المذكور. روى عنه ابنه أبو المليح، ولم يرو عنه غيره. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " من غُلُول " الغُلُول- بضم الغين- الخيانة في المغنم والسرقة،
من الغنيمة قبل القسمة، يقال: غل في المغنم يغلُّ- من باب ضرب
يضرب- غلولاً فهو غال، وكل من خان في شيء خفية فقد غل،
وسميت غلولاً؛ لأن الأيدي فيها مغلولة، أي: ممنوعة، مجْعول فيها
غُل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: جامعة
أيضاً، والحاصل في ذلك أن كل مالٍ يأخذه الرجل من غير حل، ثم
يتصدق به، لم يقبل عنه، وكذلك إن نوى التصدق عن صاحبه، ولم
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: فرض الوضوء (1/87)، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: لا يقبل الله صلاة بغير طهور (271) . وأخرجه مسلم
(224)
، والترمذي (1) ، وابن ماجه (272) من حديث ابن عمر.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7648) .
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/319) .
تسقط عنه تبعته أبداً، اللهم إلا إذا رضي صاحبه، وجعله في حل من
ذلك، ويدخل فيه صدقة المرأة من مال زوجها بغير رضاه، وصدقة العبد
من مال سيده، وصدقة الوكيل من مال موكله، والمضارب من مال رب
المال، والشريك من مال شريكه، ونحو ذلك، ويدخل فيه الوصيُّ الذي
أوصى إليه رجل بأن يتصدق ببعض (1) ماله، فأنفقه على نفسه، أو
أخرجه في غير مصرفه، ونُظار الأوقاف الذين يتناولون من ريعها من غير
استحقاق، ثم يتصدقون بها، أو يصرفون ريعها في غير ما عينه أصحاب
الوقف، وإذا كان عند رجل مال من حرام، فمات صاحبه يرده على
ورثته، فإن لم يكن له ورثة يتصدق عنه، ويرجى له الخلاص يوم
القيامة، وكذا إذا لم يدْر صاحبه.
قوله: " ولا صلاة " أي: ولا يقبل الله صلاة " بغير طُهور ".
وقوله: " صلاة " نكرة في سياق النفي فتعم، ويشمل سائر الصلوات
من الفرض والنفل. والطُّهور- بضم الطاء- والمراد به الفعل، وهو
قول الأكثرين، وقد قيل: يجوز فتحها، وهو بعمومه يتناول الماء
والتراب. والاستدلال بهذا الحديث على فرضية الطهارة ظاهر؛ لأنه تعالى
إذا لم يقبل الصلاة إلا بالطهارة، تكون صحتها موقوفة على وجود
الطهارة، فالموقوف فرض، وكذا الموقوف عليه، فيكون شرطاً،
والمشروط لا يوجد بدونه.
فإن قلت: ما سبب وجوب الطهارة؟ قلت: إرادة الصلاة بشرط
الحدث، لقوله تعالى:(إذا قُمْتُمْ إلى الصلاة فاغْسلُوا)(2) أي: إذا
أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلواً، لا القيام مطلقاً كما هو
مذهب أهل الظاهر، ولا الحدث مطلقاً كما هو مذهب أهل الطرد،
وفسادهما ظاهر، ثم اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة؟ فذهب ابن
الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سُنة، ثم نزل فرضه في آية
(1) في الأصل: " بعض ".
(2)
سورة المائدة: (6) .
التيمم وقالت الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا، ثم الحكمة في
جمعه- عليه السلام بين الصدقة والصلاة في هذا الحديث، أن العبادة
على نوعين: مالي وبدني، فاختار من أنواع المال الصدقة، لكثرة نفعها،
وعموم خيرها، ومن أنواع البدني الصلاة، لكونها تالية الإيمان في
الكتاب والسُّنّة، ولكونها عماد الدين، والفارقة بين الإسلام والكفر،
ولكون كل منهما محتاجاً إلى الطهارة، أما الصدقة فلاحتياجها إلى طهارة
المال، وأما الصلاة فلاحتياجها إلى طهارة البدن من الحدث./وحديث
أبي المليح هذا أخرجه النسائي وابن ماجه، وأخرجه مسلم والترمذي وابن
ماجه من حديث ابن عمر- رضي الله عنه، و " الصلاة " في حديثهم
الجميع مقدمة على " الصدقة ".
49-
ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال:
أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا يقبلُ اللهُ صلاة أحدكُمْ إذا أحْدث حتّى يتوضّأ "(1)
ش- عبد الرزاق هو ابن همام، وقد ذكرناه، وكذلك معمر بن راشد.
وهمام بن منبه أبو عقبة الصنعاني، أخو وهب، وكان أكبر من وهب،
سمع ابن عباس، وأبا هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، روى عنه أخوه
وهب، ومعمر بن راشد، وعقيل بن معْقل، وعلي بن الحسن بن أتش.
قال ابن معين: ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " لا يقبل الله صلاة أحدكم "، وفي رواية " لا تُقبلُ صلاة أحدكم "،
قوله: " إذا أحدث " أي: إذا أصابه الحدث، أو: إذا وطئ في
الحدث، والحدث من الحدوث، وهو كون الشيء لم يكن.
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور (135)، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: وجوب الطهارة للصلاة (2/225)، الترمذي: كتاب
الظهارة، باب: ما جاء في الوضوء من الريح (76) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6600) .
قوله: " حتى يتوضأ " معناه: حتى يتطهر بماء أو تراب، وإنما اقتصر
عليه السلام على الوضوء، لكونه الأصل، أو لكونه الغالب،
وكلمة " حتى " هاهنا لانتهاء الغاية، والمعنى: عدم قبول الصلاة مُغي
بالتوضؤ. وحديث أبي هريرة هذا أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
50-
ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا وكيع، عن سفيان، عن ابن
عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن علي- رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الصلاة الطهُورُ، وتحريمُها التكْبيرُ، وتحليلُها التسْليمُ "(1)
ش- ابن عقيل هو: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب
أبو محمد الهاشمي المدني، وأمه زينب الصغرى بنت عليّ بن أبي طالب
- كرّم الله وجهه (2) - سمع عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجابر بن
عبد الله، وأنس بن مالك، والرُّبيع بنت مُعوذ، ومحمد ابن الحنفية،
والزهري، وغيرهم. روى عنه: سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري،
وشريك، ومحمد بن عجلان، وجماعة آخرون. وقال الحاكم: كان
أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه، ولكن ليس بالمتين
عندهم. وقال محمد بن سعد: كان منكر الحديث، لا يحتج بحديثه،
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور (3) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور (275) .
(2)
هذه اللفظة قد شاعت وذاعت، وملأت الطروس والأسماع، وهو من فعل
الرافضة، وفيه هضم للخلفاء الثلاثة قبله، فليتنبهْ إلى مسالك المبتدعة
وألفاظهم، فكم من لفظ ظاهره السلامة، وباطنه الإثم، وآخره الندامة. فلم
يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين-
تخصيص علي بن أبي طالب بهذا الوصف أبداً، فلا ينبغي لأهل السُنة أن
يتلفظوا بألفاظ المبتدعة، وانظر تفسير ابن كثير (3/516) ، والسنة للألكائي
(4/1396) ، وجلاء العينين للآلوسي (62) ، والتذكرة التيمورية (282-
283) ، والآداب الشرعية لابن مفلح، مجموع الفتاوى (4/96) ، وفتاوى ابن
حجر الهيتمي (1/42) ، ومعجم المناهي للشيخ بكر أبي زيد (212، 271) .
وكان كثير العلم، مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1)
ومحمد ابن الحنفية هو: محمد بن علي بن أبي طالب القرشي
الهاشمي أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله، المعروف بابن الحنفية،
واسمها: خولة بنت جعفر بن قيس، كانت من سبي اليمامة، دخل على
عمر بن الخطاب، وسمع عثمان بن عفان، وأباه علي بن أبي طالب،
روى عنه بنوه: الحسن وعبد الله وإبراهيم وعون، وسالم بن أبي الجعد،
وأبو يعلى، [و] الثوري، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الأعلى
ابن عامر، وغيرهم. مات سنة ثمانين. روى له الجماعة (2) .
وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه روي له عن رسول الله- عليه
السلام- خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثاً، اتفقا منها على عشرين
حديثاً، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة، روى عنه بنوه:
الحسن، والحسين، ومحمد، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر،
وعبد الله بن قيس، وأبو موسى، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن
جعفر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم من الصحابة والتابعين، ولي
الخلافة خمس سنين، وقيل: إلا أربعة أشهر، وقُتل ليلة الجمعة لسبع
عشرة بقيت من رمضان، سنة أربعين، وهو عام الجماعة، وهو ابن
ثلاث وستين سنة، روى له الجماعة (3) .
قوله: " مفتاح الصلاة " المفتاح مفعال من الفتح، شبه الصلاة بالخزانة
المقفولة على طريق الاستعارة بالكناية، وهي التي لا يذكر فيها سوى
المشبه، ثم أثبت لها المفتاح على سبيل الاستعارة الترشيحية، وهي ما
يقارن ما يلائم المستعار منه، والكلام في " الطهور " قد مر غير مرة،
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3543) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5484) .
(3)
انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/26) بهامش الإصابة، وأسد الغابة (4/91) ،
والإصابة (2/507) .
وهو بعمومه يتناول التراب والماء، وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير
طهارة من ماء أو تراب، أي صلاة كانت، حتى سجدة التلاوة، وسجدة
الشكر، وصلاة الجنازة، وحكى أبن جرير عن الشعبي أن صلاة الجنازة
بغير طهارة جائزة، وهذا مذهب باطل، فلو صلى محدثاً متعمداً بلا عذر
أثم ولا يكفر.
قوله: " تحريمها التكبير " أي: تحريم الصلاة الإتيان بالتكبير، كأن
المصلي بالتكبير والدخول فيها، صار ممنوعاً من الكلام والأفعال الخارجة
عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك،
/ولهذا سميت تكبيرة الإحرام، أي الإحرام بالصلاة، وبهذا استدل
علماؤنا على فرضية تكبيرة الإحرام، واستدل به أبو يوسف على أن
الشروع في الصلاة لا يصح إلا بألفاظ مشتقة من التكبير، وهي ثلاثة:
الله أكبر، الله الأكبر، الله الكبير. واستدل [به] الشافعي ومالك [على]
أنه لا يصير شارعاً إلا بلفظ واحد، وهو: الله أكبر. وقال أبو حنيفة
ومحمد: يصح شروعه في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى،
يراد به تعظيمه لا غير، مثل أن يقول: الله أكبر، أو: الله الأكبر، الله
الكبير، الله أجل، الله أعظم، أو يقول: الحمد لله، أو: سبحان
الله، أو: لا إله إلا الله، وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو أن يقول:
الرحمن أعظم، الرحيم أجل، لقوله تعالى: (وذكر اسْم ربّه
فصلّى) (1) ، والمرادُ ذكرُ اسم الربّ لافتتاح الصلاة؛ لأنه عقبت الصلاة
الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل، والذكر الذي تعقبه الصلاة بلا
فصل هو تكبيرة الافتتاح، فقد شُرع الدخولُ في الصلاة بمطلق الذكر،
فلا يجوز تقييده باللفظ المشتق من الكبرياء بأخبار الآحاد (2) ، وبه تبين أن
الحكم يتعلق بتلك الألفاظ من حيث هي مطلق الذكر، لا من حيث هي
ذكر، بل بلفظ خاص، وأن الحديث معلول به، ولو لم يُعلّل احتجنا
(1) سورة الأعلى: (15) .
(2)
انظر لحجية خبر الآحاد: الرسالة للشافعي (25/175) ، والكفاية للخطيب
(ص/66) ، والموافقات للشاطبي (1/36) ، والاعتصام له (1/109) ،
و (2/252) ، والإحكام لابن حزم (ص 113) ، والفصل له (2/182)
وشرح الطحاوي (ص/307- 308) .