الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48- باب: في الاستنثار
أي: هذا باب في بيان الاستنثار، وهو استفعال من نثر ينثر- بالكسر-
إذا امتخط، وقد بينا الكلام فيه مستوفى.
129-
ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توضأ أحدُكُم فليجعلْ
في أنْفه ماءً، ثم لينثرْ (1) " (2) .
ش- قوله: " ثم لينتثر " أي: ليمتخط، وهذا يدل على [أن]
الاستنثار غير الاستنشاق، وأنه هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في
الأنف من مخاط وشبهه، وهذا يرد على من ذكر في الروايات المتقدمة أن
الاستنثار والاستنشاق واحد، وقد تمسك به من يقول بوجوب الاستنشاق
لمطلق الأمر. قلنا: الأمر محمول على الندب لقيام الأدلة الدالة عليه.
وأخرجه البخاري، والنسائي، ومسلم أيضاً من وجه آخر.
130-
ص- حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا وكيع قال: نا ابن
أبي ذئب، عن قارظ، عن أبي غطفان، عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله
عليه السلام: " اسْتنْثرُوا مرتين بالغتين أو ثلاثاً "(3) .
ش- إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان (4) قد ذر، وكذا وكيع بن
الجراح، وكذلك ابن أبي ذئب.
وقارظ - بالقاف والظاء المعجمة- ابن شيبة بن قارظ، من بني ليث
(1) في سنن أبي داود: " لينثر ".
(2)
البخاري: كتاب الوضوء، باب: الاستنثار في الوضوء (161)، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار (237)، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الاستنثار (1/65، 66) .
(3)
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (408) .
(4)
في الأصل: " ذان ".
ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة أخو عمرو، من حُلفاء بني زهرة. روى
عن: سعيد بن المسيب، وأبي غطفان. روى عنه: أخوه عمرو، وابن
أبي ذئب. توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك، وكان قليل الحديث.
روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو غطفان بن طريف المُري، ويقال: ابن مالك. روى عن: ابن
عباس، وأبي هريرة. روى عنه: إسماعيل بن أمية، وعمر بن حمزة بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب، وداود بن الحصين، وقارظ بن شيبة. قال
محمد بن سعد: كان قد لزم عثمان، وكتب له، وكتب أيضاً لمروان.
روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بالغتين " أي: كاملتين فيه دليل على أن الاستنثار لا يلزم أن
يكون مع كل استنشاقة. وأخرجه ابن ماجه.
131-
ص- حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: نا يحيى بن سليم،
عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه لقيط بن
صبرة قال: كُنتُ وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم
قال: فلما قدمنا على رسول الله فلمْ نُصادفْهُ في منزله، وصادقْنا عائشة
أمّ المؤمنين- رضي الله عنها قال: فأمرتْ كنا بخزيرة فصُنعتْ لنا. قال:
واتينا بقناع- ولم يُقمْ (3) قتيبة القناع، والقناعُ طبق فيه تمر- ثم جاء
رسولُ الله فقال: هلْ أصبتُمْ شيئاً؟ أوْ أمر لكم بشيء؟ قال: فقلنا: نعم
يا رسول الله، قال: فبيْنا نحنُ مع رسول الله جُلوس إذ دفع الراعي غنمهُ إلى
المُراح، ومعه سخْلة تيْعرُ، فقال: ما ولدت يا فُلانُ، قال: بهْمة، قال:
فاذبحْ لنا مكانها شاة ثم قال: لا تحسبن، ولم يقل: لا تحسبن أنا من أجْلك
ذبحناها، لنا غنم مائة لا نُريدُ أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحْنا مكانها
شاة، قال: قلتُ: يا رسول الله، إن لي امرأة وإن في لسانها شيئاً- يعني:
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4779) .
(2)
المصدر السابق (34/7565) .
(3)
في سنن أبي داود: " ولم يقل ".
البذاء-/قال: فطلّقْها إذاً. قال: قلتُ: يا رسول الله، إن لها صُحْبةً ولي
منها ولدٌ. قال: فمُرْها. يقول: عظها، فإنْ يكُ فيها خيرٌ فستفْعل، ولا
تضربْ ظعينتك كضرْبك أُميّتك. قلت: يا رسول الله، أخبرني عن
الوُضوء. قال: أسْبغ الوُضوء، وخلّلْ بين الأصابع، وبالغْ في الاسْتنشاق إلا
أن تكون صائماً " (1)
ش- يحيى بن سُليم أبو محمد ويقال: أبو زكريا القرشي الطائفي
الخراز- بالخاء المعجمة، والراء وفي آخره زاي- الحذاء المكّي. روى
عن موسى بن عقبة (2)، وسمع: إسماعيل بن أمية، وإسماعيل بن
كثير، وابن جريح، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع،
والشافعي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة
كثير الحديث. روى له الجماعة (3) .
وإسماعيل بن كثير المكي أبو هاشم. روى عن: مجاهد، وسعيد بن
جبير، وعاصم بن لقيط بن صبرة. روى عنه: ابن جريج، والثوري،
ويحيى بن سُليم الطائفي، وداود بن عبد الرحمن العطار. قال أحمد:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث
روي له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وعاصم بن لقيط بن صبرة العُقيلي الحجازي. روى عن أبيه. روي
عنه إسماعيل بن كثير. قال البخاري: هو عاصم بن أبي رزين. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) .
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل الأصابع (38)، وكتاب:
الصوم، باب: ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق (87)، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (407) .
(2)
في الأصل: " عيينة " خطأ.
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6841) .
(4)
المصدر السابق (3/473) .
(5)
المصدر السابق (13/3025) .
ولقيط (1) بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين
العقيلي، عداده في أهل الطائف، ومنهم من يجعل لقيط بن صبرة لقيط
ابن عامر بن صبرة، ومنهم من يجعله غيره. قال ابن عبد البر: وليس
بشيء. وقال أبو محمد عبد الغني: أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر،
وهو لقيط بن صبرة. وقيل: إنه غيره، وليس بصحيح. كان النبي
عليه السلام يكره المسائل، فإذا سأله أبو رزين أعجبه (2) مسألته.
روى عنه: ابن أخيه وكيع بن عُدُس، ويقال: ابن حدس، وابنه
عاصم، وعمرو بن أوس روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (3) .
وصبرة: بفتح الصاد المهملة، وكسر الباء الموحدة، وفتح الراء
المهملة، وبعدها تاء تأنيث، وبعضهم يُسكن الباء.
قوله: " في آخرين " أي: في جماعة آخرين، أشار بهذا إلى أن
أبا داود روى هذا الحديث عن قتيبة وهو بين جماعة كثيرة، وكل واحد
منهم حدّث عن يحيى بن سُليم، وموضعها النصب على الحال،
والتقدير: حدثنا قتيبة بهذا الحديث حال كونه مُحدثاً به في جماعة آخرين.
و" آخرين " جمع " آخر " بفتح الخاء، والفرق بين " الآخر " بالفتح،
و" الآخر" بالكسر: أن المفتوح اسم التفضيل وفيه معنى الصفة؛ لأن
(1) قال الحافظ في " التهذيب "(8/457) : " تناقض في هذا المزي، فجعلهما
هنا واحدا، وفي الأطراف اثنين، وقد جعلهما ابن معين واحداً، وقال: ما
يعرف لقيط غير أبي رزين، وكذا حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل، وإليه
نحا البخاري، وتبعه ابن حبان وابن السكن، وأما عليّ بن المديني وخليفة بن
خياط وابن أبي خيثمة وابن سعد ومسلم والترمذي وابن قانع والبغوي وجماعة
فجعلوهما اثنين. وقال الترمذي: سألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا،
فأنكر أن يكون لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر ".
(2)
كذا، وفي تهذيب الكمال:" أعجبته ".
(3)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/324) ، و (4/71) ، وأسد
الغابة (4/522- 523) ، والإصابة (3/329) .
" أفعل من كذا " لا يكون إلا في الصفة، ومعناه أحد الشيئين، والأنثى منه
أخرى، والجمع " آخرون ". وأما المكسورة فهي صفة، ومعناه: بعد
الأول، تقول: جاء آخر، أي: أخيراً، والأنثى منه: آخرة، والجمع
" أواخر.
فإن قيل: إذا كان آخر- بالفتح- اسم التفضيل، ينبغي أن يستعمل
باللام أو الإضافة، أو " من " كما عرف في اسم التفضيل. قلت: قد
يستعمل اسم التفضيل مجرداً عن هذه الثلاثة نحو: الله أكبر، أي: أكبر
من كل شيء، وهنا أيضاً إذا قلت: حدثني فلان وفلان آخر معناه آخر
من الأول فافهم.
قوله: " كنت وافد بني المنتفق " الوافد واحد الوفد، والوفْد: القوم
الذين يأتون الملوك ركباناً، وقيل: هم القوم يجتمعون ويردُون البلاد،
والذين يقصدون الأمراء للزيارة أو الاسترفاد، تقول: وفد يفد فهو وافد،
وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو مُوفد، والمنتفق: بضم الميم،
وسكون النون، وفتح التاء المثناة من فوق، وكسر الفاء، وبعدها قاف:
هو المنتفق بن عامر بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن
معاوية بن بكر بن هوازن، قبيل مشهور منهم جماعة من الصحابة،
وغيرهم.
قوله: " فلم نُصادفه " أي: لم نجده، قال في " الصحاح ": صادفت
فلاناً وجدته.
قوله: " في منزله " المنزل المنهل، والدار والمنزلة مثله.
قوله: " بخزيرة " الخزيرة من الأطعمة: بفتح الخاء المعجمة، وكسر
الزاي، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها راء مهملة، وتاء تأنيث:
ما اتخذ من دقيق ولحم، يقطع اللحم/صغاراً، ويصب عليه الماء،
فإذا نضج ذُر عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، والحريرة:
بفتح الحاء المهملة، ورائين مهملتين: حساء من دقيق ودسم.
قوله: " بقناع " القناع: بكسر القاف- كذا ذكر في " دستور اللغة " في
باب القاف المكسورة-: وهو الطبق الذي يؤكل عليه.
وقال الخطابي (1) : " سُمي قناعاً لأن أطرافه قد أقنعت إلى داخل،
أي: عُطفت ".
وقال ابن الأثير (2) : " ويقال له: القُنع بالكسر والضم، وقيل:
القناع جمعه، وهو الطبق من عُسُب النخل ".
قوله: " ولم يُقم قتيبةُ القناع " أي: لم يثبته.
قوله: " هل أصبتم شيئاً؟ " أي: هل وجدتم شيئاً مما يؤكل؟
قوله: " فبينا نحن " أصل " بينا ": " بين "، فأشبعت الفتحة وصارت
ألفاً يقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المناجاة، ويضافان إلى
جملة من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتم به
المعنى، والأفصح في جوابهما: أن لا يكون فيه إذ وإذا، وقد جاءا كثيراً
في الجواب تقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه،
وإذا دخل عليه ومنه قول الحرقة بنت النعمان:
بينا نسوس الناس والأمرُ أمرُنا
…
إذا نحن فيهم سوقة تتنصف
وقوله: " نحن " مبتدأ وخبره قوله: " جلوس "، والجلوس جمع
" جالس " كالسجود جمع " ساجد "، وهي جملة أضيفت إليها، فـ " بينا "
وجوابها قوله: " إذ دفع الراعي غنمه "، وفي بعض النسخ:" إذ رفع "
بالراء، والغنم اسم مؤنث موضوع للجنس، يقع على الذكور وعلى
الإناث، وعليهما جميعاً.
قوله: " إلى المُراح " المراح- بضم الميم- الموضع الذي تروح إليه
الماشية، أي: تأوي إليه ليلاً، وأما بالفتح فهو الموضع الذي يروح إليه
القوم، أو يروحون منه، كالمغذى للموضع الذي يُغذى منه.
(1) معالم السنن (1/46) .
(2)
النهاية (4/115) .
قوله: " ومعه سخلة " السخلة- بفتح السين المهملة، وسكون الخاء
المعجمة- وقال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة وضعه من الضأن والمعز
جميعاً، ذكراً كان أو أنثى سخلةٌ، وجمعه سخل وسخالٌ.
قوله: " تيعر " صفة للسخلة، من اليعار وهو صوت الشاة.
وقال ابن الأثير: يقال (1) : " تعرت العنز تيعر- بالكسر- يُعاراً
- بالضم- أي: صاحت ". وفي " الجمهرة ": تيعر وتيعر- بالكسر
والفتح-، وكذا في " الدستور ".
قوله: " ما ولدت ": بتشديد اللام على معنى خطاب الشاهد. وقال
الخطابي (2) : " وأصحاب الحديث يروونه على معنى الخبر، يقولون: ما
ولدت- خفيفة اللام ساكنة التاء- أي: ما ولدت الشاة، وهو غلط،
يقال: وّلدت الشاة إذا حضرت ولادتها فعالجتها حتى يبين منها الولد ".
والمُولِّد والناتج للماشية كالقابلة للنساء، والمولدة القابلة.
قوله: " بهمة " والبهمةُ: ولد الشاة أول ما تولد، يقال للمذكر
والمؤنث، والسخال أولاد المعز، فإذا اجتمع البهائم والسخال قلت لهما
جميعاً بهام وبُهم أيضاً، وجعل لبيد في شعره أولاد البقر بهاماً، وقيل:
البُهمة الذكر والأنثى من أولاد بقر الوحش والغنم والماعز. وقيل: قوله
عليه السلام: " ما ولدت " وجوابه: " ببُهمة " يدل على أن البُهمة
اسم للأنثى؛ لأنه إنما سأله ليُعلمه أذكر ولَّد أم أنثى، وإلا فقد كان يعلم
أنه إنما ولد أحدهما.
قوله: " لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها ": " (3) معناه: ترك الاعتداد
به على الضيف، والتبرؤ من الرياء، و " تحسبن " مكسورة السن إنما هي
لغة عليا مصر، و " تحسبن " بفتحها لغة: سفلاها، وهو القياس عند
النحويين؛ لأن المستقبل من فعل مكسور العين " يفعل " مفتوحها كعلم
(1) النهاية (5/297) .
(2)
معالم السنن (1/46) .
(3)
انظر: معالم السنن (1/47) .
يعْلمُ، وعجل يعْجل، إلا أن حروفاً شاذة قد جاءت نحو: نعم ينعم،
ويئس ييئس، وحسب يحسب، وهذا في الصحيح، فأما المعتل فقد جاء
فيه: ورم يرمُ، ووثق يثقُ، وورع يرعُ ".
قوله: " أنا من أجلك " بالفتح؛ لأن أن مع اسمه وخبره سدّ مسد
مفعولي: " لا تحسين ".
قوله: " لنا غنم مائة " جملة وقعت كالتعليل في ذبح الشاة.
قوله: " فإذا ولد الراعي " بتشديد اللام.
قوله: " البذاء " بالذال المعجمة ممدوداً: الفحش في القول، وقيل فيه:
بالقصر، وليس بالكثير.
/قوله: " عظها " أمر من وعظ يعظ، وأصله أوعظ، فحذفت الواو
تبعاً لمضارعه، واستغنى عن الهمزة بحركة العين، فصار " عظ " على
وزن " علْ "؛ لأن الساقط منه فاء الفعل.
قوله: " فإن يك " أصله: " يكُن " حذفت النون للتخفيف، وهو كثير
في كلام العرب.
قوله: " ولا تضرب ظعينتك " الظعينة- بفتح الظاء المعجمة، وكسر
العين المهملة-: المرأة، سميت بذلك لأنها تظعن مع الزوج، وتنتقل
بانتقاله، وأصله الهوادج التي تكون بها، ثم تسمى النساء كذلك،
وقيل: لا تسمى إلا المرأة الراكبة، وكثر حتى استعمل في كل امرأة،
وحتى سمي الجمل الذي تركب عليه ظعينة، ولا يقال ذلك إلا للإبل التي
عليها الهوادج.
قوله: " كضربك أميتك " الضرب مصدر مضاف إلى فاعله، ومفعوله
" أميتك "، والأمية تصغير أمة، صغرها لتحقير قدرها بالنسبة إلى الحرة.
قوله: " أسبغ الوضوء " أي: أكمله وتممه.
قوله: " وخلل بين الأصابع " التخليل: إدخال الشيء في خلال الشيء،
وهو وسطه، والمعنى: أن يُدخل بعض أصابعه في بعض، مبالغة في
استيفاء الفرض، والنقول عن مشايخنا في التخليل أنه من الأسفل إلى
فوق، لما روي في " شرح مختصر الكرخي " عن أنس: " أنه- عليه
السلام- كان إذا توضأ شبك أصابعه، كأنها أسنان المُشط " (1) ، ولكن
الحديث بعمومه يتناول أي تخليل كان، ويتناول أيضاً تخليل أصابع اليدين
والرجلين.
قوله: " وبالغ في الاستنشاق " والمبالغة فيه: أن يتمخط في كل مرة،
ويقال: يدخل إصبعه في أنفه، وإنما استثنى حالة الصوم؛ لأنه يخاف
عليه دخول الماء من خيشومه إلى حلقه، فيفسد صومه.
فإن قيل: " (1) السائل سأل عن الوضوء بقوله: أخبرني عن الوضوء،
فظاهر هذا السؤال يقتضي الجواب عن جملة الوضوء، ليطابق الجواب
السؤال، ولم يجبه- عليه السلام إلا عن بعض الوضوء، وهو خارج
عن أركانه؟ قلت: اقتصر- عليه السلام في الجواب على تخليل
الأصابع والاستنشاق، لعلمه أنه لم يسأل عن حكم ظاهر الوضوء، وإنما
سأله عما يخفى من حكم باطنه، وذلك لأن غسل باطن الأنف غير
معقول من نص الكتاب في الآية، ثم أوصاه بتخليل الأصابع؛ لأن آخذ
الماء قد يأخذه بجميع الكف، وضم الأصابع بعضها إلى بعض، فيسد ما
بينهما، فربما لا يصل الماء إلى باطنها، وكذلك في أصابع الرجل لأنها
ربما يركبُ بعضها على بعض حتى تكاد تلتحم، فقدم له الوضاءة
بتخليلها، وأكد القول فيها لئلا يغفلها.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا نزل عند أحد
ضيفاً ولم يجده في منزله، فالمستحب لأهله أن يطعموه شيئاً، ولا
يؤخروه إلى حضور صاحب المنزل.
والثانية: يستحب أن يقدم للضيف خيار ما عندهم من المأكول.
(1) انظره في معالم السنن (1/47- 48) ، فقد نقل المصنف معظمه، وزاد عليه.
22.
شرح سنن أبي داوود 1
والثالثة: يستحب للرجل إذا أتى منزله ووجد فيه ضيفاً يسأل عنه، هل
أكل شيئاً؟
والرابعة: يكره للرجل أن يمن على ضيفه، أو يرائي في فعله.
والخامسة: يستحب للرجل أن يفارق المرأة الفحاشة.
والسادسة: يستحب له أن ينصحها ويعظها من الآيات والحديث.
والسابعة: أنه لا يأثم على إمساك امرأة فحاشة؛ لأنه لما قال: " إن لها
صحبة، ولي منها ولد "، ما أمره بالطلاق، بل أمره بالوعظ والنصيحة.
والثامنة: يفهم من صريح النهي عدم جواز ضرب المرأة، وقد استدل
البعض بقوله: " لا تضرب ظعينتك " على عدم جواز ضرب الرجل
امرأته، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى أباح ذلك بقوله:
(واضْربُوهُن)(1) فله أن يضربها عند الحاجة إليه، وإنما المراد من النهي
هاهنا تبريح الضرب، كما تضرب المماليك في عادات من يستجيز ضربهن
ويستعمل سوء الملكة فيهم، وتمثيله بضرب المماليك لا يوجب إباحة
ضربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعالهم، ونهاه عن
الاقتداء بهم، وقد نهى- عليه السلام عن ضرب المماليك إلا في
الحدود،/وأمرنا بالإحسان إليهم وقال: " من لم يوافقكم منهم فبيعوه،
ولا تعذبوا خلق الله "، وأما ضرب الدواب فمباح؛ لأنها لا تنادى
بالكلام، ولا تعقل معاني الخطاب كما يعقل الإنسان، وإنما يكون تقويمها
غالباً بالضرب، وقد ضرب رسول الله- عليه السلام بعيره بمحجنه،
ونخس جمل جابر حين أبطأ عليه فسبق الركب حتى ما ملك رأسه.
والتاسعة: يستحب للرجل أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه.
والعاشرة: يستحب للعالم أن يجيب عن مسائل الناس ولا يكتم علمه،
فإن تعين عليه يحب علي الجواب.
(1) سورة النساء: (34) .
الحادية عشر: فيه دليل على أن إسباغ الوضوء سُنّة.
الثانية عشر: فيه دليل على أن تخليل الأصابع سُنّة.
الثالثة عشر: فيه دليل على أن الاستنشاق سُنة، وقد ذهب بعضهم
إلى أنه واجب بظاهر الأمر، وتخصيصه بالذكر مرتين أفعال الوضوء.
قلنا: قد دلت دلائل أخرى على أنه سُنة، فيحمل الأمر هاهنا كذلك
ولو كان واجباً لكان على الصائم كهو على المفطر، وأما تخصيصه بالذكر
والتحريض عليه، إنما جاء لما فيه من المعونة على القراءة، وتنقية مجرى
النفس الذي يكون به التلاوة، وبإزالة ما فيه من الثقل تصح مخارج
الحروف. وقال ابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهويه: إذا ترك الاستنشاق
في الوضوء أعاد الصلاة، وكذلك إذا ترك المضمضة.
الرابعة عشر: فيه دليل على أن المبالغة في الاستنشاق في حق الصائم
مكروهة، وكذلك المضمضة.
الخامسة عشر: فيه دليل على أنه إذا بالغ فيه ذاكرا لصومه، فوصل الماء
إلى دماغه فقد أفسد صومه " (1) .
132-
ص- وحدثنا عقبة بن مُكْرمٍ قال: نا يحيى بن سعيد قال: نا ابن
جريج قال: حدثني إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن
أبيه وافد بني المنتفق: أنه أتى عائشة، فذكر معناه، قال: فلم ينْشبْ (2) أن
جاء النبيُ- عليه السلام يتقلعُ يتكفأ، وقال:" عصيدة " مكان " خزيرة "(3) .
ش- عقبة بن مكرم بن أفلح أبو عبد الملك العمي البصري. روى عن:
محمد بن جعفر غندر، وربعي ابن عُلية، وأبي عاصم النبيل، وغيرهم.
روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبغوي،
وغيرهم. مات بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين. قال الخطيب: وكان
ثقة (4) .
(1) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(2)
في سنن أبي داود: " ننشب "
(3)
انظر الحديث رقم (131) .
(4)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3988) .
قوله: " فذكر معناه " أي: معنى الحديث المذكور. واختلف في نقل
الحديث بالمعنى، فقالت طائفة من أصحاب الحديث، والفقه،
والأصول: لا يجوز مطلقاً، وجوز بعضهم في غير حديث النبي- عليه
السلام- ولم يجوزوا فيه، وعند الجمهور يجوز في الجميع. إذا جزم بأنه
أدى المعنى، وهذا هو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم
في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة.
قوله: " فلم ينشب " يقال: لم ينشب أن فعل كذا، أي: لم يلبث،
وحقيقته: لم يتعلق بشيء غيره ولا سواه من نشب الشيء ينشبُ- مثل:
علم يعلم- نُشوباً، أي: علق فيه، وأنشبته أنا: أعلقته فانتشب،
وأنشب العابد: أعلق، ونشبت الحرب بينهم: علقت، و " أن " في
قوله: " أن جاء " مفسرة، مثل قوله تعالى:(فأوْحيْنا (1) إليْه أن اصْنع
الفُلك) (2) ، ويجوز أن تكون مصدرية، والمعنى لم يلبث مجيئه.
قوله: " يتقلع يتكفأ " حالان إما من الأحوال المتداخلة، أو من الأحوال
المترادفة، ومعنى " يتقلع: يمشي بقوة، كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً
قويا، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه، فإن ذلك من مشي الشاء،
ويوصفْن به. ومعنى " يتكفأ " يتمايل كما تتمايل السفينة يميناً وشمالاً،
كذا فسره بعضهم. وقال الأزهري: " هذا خطأ، وهذه مشية المختال،
وإنما معناه: يميل إلى جهة ممشاه ومقصده، وقد يكون مذموماً إذا قُصد،
فأما إذا كان خلْقة فلا ". وقال ابن الأثير (3) : " روي غير مهموز،
والأصل الهمز، وبعضهم يرويه مهموزاً، ومعنى " يتكفأ ": يتمايل إلى
قُدام ".
133-
ص- ونا محمد بن يحيى بن فارس قال: نا أبو عاصم قال: نا
ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض "(4) .
(1) في الأصل: " وأوحينا ".
(2)
سورة المؤمنون: (27) .
(3)
النهاية (4/183) .
(4)
انظر الحديث رقم (131) .