الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
70- باب: الوضوء من النوم
أي: هذا باب في بيان الوضوء من النوم.
186-
ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال:
نا ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: نا عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
شُغل عنها ليلة فأخّرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم
استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظرُ الصلاة
غيركُم " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ونافع مولى- ابن عمر.
قوله: " شُغل عنها " أي: عن العشاء الآخرة.
قوله: " الصلاة " أي: صلاة العشاء، والألف واللام فيه للعهد.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن نوم الجالس ممكناً مقعده (2)
لا ينقض الوضوء، ومحمل الحديث هذا وهو مذهب الأكثرين،
والصحيح من مذهب الشافعي.
" (3) وقد اختلف العلماء في النوم، فمذهب البعض: أن النوم لا
ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى الأشعري،
وسعيد بن المسيب، وأبي مجلز، وحميد الأعرج، والشيعة. ومذهب
البعض أنه ينقض بكل حال، وهو مذهب الحسن البصري، والمزني،
وأبي عبيد القاسم بن سلام،- وإسحاق بن راهويه، وهو قول غريب
للشافعي قال ابن المنذر: وبه أقول. قال: وقد روي معناه عن ابن
عباس، وأبي هريرة. ومذهب البعض أن كثيره ينقض بكل حال وقليله لا
ينقض بكل حال، وهو مذهب الزهري، وربيعة، والأوزاعي، ومالك،
وأحمد في رواية. ومذهب البعض: أنه إذا نام على هيئة من هيئات
المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء كان في
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: النوم قبل العشاء لمن غُلب (570) ،
مسلم: كتاب المساجد، باب:- وقت العشاء وتأخيرها (221/639) .
(2)
كذا.
(3)
انظره في: " شرح صحيح مسلم "(4/73- 74) .
الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه انتقض، وهو
مذهب أبي حنيفة، وداود، وقول غريب للشافعي. ومذهب البعض أنه
لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، روي هذا عن أحمد. ومذهب البعض:
أنه لا ينقض إلا نوم الساجد، روي هذا عن أحمد أيضاً. ومذهب
البعض أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال،- وينقض خارج الصلاة،
وهو قول ضعيف للشافعي. ومذهب البعض: أنه إذا نام جالساً ممكناً
مقعدته من الأرض لم يُنقضْ وإلا انتقض سواء قل أو كثر، وسواء كان في
الصلاة أو خارجها، وهو مذهب الشافعي " (1) .
الثانية: أنه يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه، أو جرى منه
ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم، ويقول لهم: لكم في هذا
مصلحة من جهة كذا وكذا، أو كان لي عذر أو نحو هذا.
الثالث: فيه استحباب تأخير العشاء.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم.
187-
ص- حدثنا شاذ بن فياض قال: ثنا هشام الدستوائي، عن قتادة،
عن أنس قال: " كان أصحابُ رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخْفق
رُؤُوسُهم، ثم يصلُون ولا يتوضؤون " (؟) .
ش- شاذ بن فياض أبو عُبيدة اليشكري واسمه: هلال، وشاذ لقب
غلب عليه. سمع: شعبة، وأبا حفص عمر بن إبراهيم العبدي. روى
عنه: عمرو بن علي الصيرفي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومعاذ بن
المثنى، وغيرهم. روى له أبو داود (3) .
(1) إلى ها انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(2)
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء
(376)
، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من النوم
(78)
.
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/2682) .
وهشام بن أبي عبد الله الربعي الدستوائي البصري، وقد ذكر.
قوله: " حتى تخفق رؤوسهم " أي: تسقط أذقانهم على صدورهم،
وهذا لا يكون إلا عن نوم مثقل، وهذا يدل على أن عين النوم ليس
بحدث، ولو كان حدثاً لاستوت فيه الأحوال كسائر الأحداث، ويؤيد
ذلك قوله:/ " كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى
تخفق رؤوسهم " وذلك كثر عندهم حتى صار كالعادة لهم، ولم يكن
نادراً في بعض الأحوال، وفي وصف العشاء بالآخرة دليل على جواز
وصفها بها، وأنه لا كراهة فيه خلافاً لما يُحكى عن الأصمعي من كراهة ذلك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر قال: " كان أصحاب رسول الله ينامون ثم
يصلون ولا يتوضؤون ".
ص- قال أبو داود: زاد قيه شعبة عن قتادة قال: " كُنا على (1) عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر.
ش- أي: زاد في هذا الحديث شعبة بن الحجاج، عن قتادة بن دعامة:
" كنا على عهد رسول الله "، والعهد بمعنى: الزمان والمدة. وقال في
" المطالع ": قولهم: " على عهد رسول الله " أي: على زمانه ومُدته.
قوله: " ورواه " أي: روى هذا الحديث أيضاً ابن أبي عروبة، واسمه:
سعيد، واسم أبي عروبة: مهران، وقد ذكرناه.
188-
ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: نا حماد
ابن سلمة، عن ثابت البناني، أن أنس بن مالك قال: " أقيمت صلاةُ العشاء
فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القومُ أو
بعضُ القوم، ثم صلى بهم ولم يذكروا (2) وضوءا " (3) .
ش- ثابت بن أسلم أبو محمد البناني العابد البصري، وبنانة هم
(1) في سنن أبي داود: " كنا نخفق على ".
(2)
في سنن أبي داود: " يذكر ".
(3)
البخاري: كتاب الأذان، باب: الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة (642) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء (376) .
بنو سعد بن لؤي بن غالب. سمع: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن
الزبير، وأنس بن مالك، وأبا برزة الأسلمي، وعبد الله بن مغفل، ومن
التابعين: أبا رافع الصائغ، وأبا عثمان النهدي، ومطرف بن عبد الله بن
الشخير، وغيرهم. روى عنه: يونس بن عبيد، وحميد الطويل،
والثوري، والحمادان، وشعبة، وغيرهم. قال أحمد وابن معين
وأبو حاتم: إنه ثقة ولا خلاف فيه، وكان من زهده أنه رُؤي يُصلي في
قبره. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " فقام يناجيه " من المناجاة، وهي التحدث سرا.
قوله: " أو بعض القوم " شك من الراوي. ويستفاد من الحديث فوائد،
الأولى: جواز مناجاة الرجل الرجل بحضرة الجماعة، وإنما نُهي عن ذلك
بحضرة الواحد.
الثانية: جواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما في الأمور المهمة،
ولكنه مكروه في غير المهمة.
الثالثة: فيه دليل على تقديم الأهم فالأهم من الأمور عند ازدحامها،
فإنه- عليه السلام إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهم من أمور الدين،
مصلحته راجحة على تقديم الصلاة.
الرابعة: فيه دليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، وهذه هي
المسألة المقصودة من الباب.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب،
عن أنس، وليس في رواية مسلم:" ولم يذكروا وضوءاً ".
189-
ص- حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة
عن عبد السلام بن حرب- وهذا لفظ حديث يحيى- عن أبي خالد
الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/811) .
كان يسجدُ وينامُ وينفخُ، ثم يقومُ فيصلّي ولا يتوضأ. فقلت له: صليت ولم
تتوضأ وقد نمت؟ وقال (1) : " إنما الوضوءُ على من نام مُضطجعاً "(2) .
ش- عبد السلام بن حرب المُلائي أبو بكر الكوفي. سمع أيوب
السختياني، ويونس بن عبيد، وأبا خالد الدالاني، وهشام بن حسان.
روى عنه: عبد الرحمن بن محمد، وأبو نعيم، وأبو سعيد الأشج،
وغيرهم. قال ابن معين: صدوق. وقال أبو حاتم: ثقة. توفي سنة
ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبو خالد يزيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة أبو خالد الأزدي
الدالاني، كان ينزل في بني دالان، ودالان بطن من همدان، ولم يكن
منهم. سمع: قتادة، وأبا عبيدة بن حذيفة، وعون بن أبي جحيفة،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، والثوري، وزهير بن معاوية، وغيرهم.
قال ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وبه استدل أصحابنا أن من نام قائماً أو قاعداً/أو راكعاً أو ساجداً لا
ينقض وضوؤه، وكذا لو نام خارج الصلاة قائماً أو قاعداً. وقال الشافعي:
ينقض في هذه الهيئات، وله قولان في القاعد، وبه قال أحمد في رواية،
وعن مالك: لو طال في الركوع والسجود ينقض. وعن أحمد مثله،
وعن أبي يوسف: إذا تعمد النوم في الصلاة ينقض.
والحديث بإطلاقه حجة عليهم؛ لأنه قصر انتقاض الوضوء على نوم
الاضطجاع بقوله: " إنما الوضوء على من نام مضطجعاً "، وهذا الحصر
في أجناس النوم؛ لأن الوضوء ينتقض بعين النوم أيضاً، والنوم متكئاً أو
(1) كذا، وفي سنن أبي داود:" فقال ".
(2)
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من النوم (77) .
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3418) .
(4)
المصدر السابق (33/7336) .
مستنداً إلى شيء لو أزيل لسقط في معنى النوم مضطجعاً؛ لأن العلة
استرخاء المفاصل، فيوجد ذلك في هذه الهيئات دون غيرها.
وأخرج هذا الحديث الترمذي، وأحمد في " مسنده "، والطبراني في
" معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، والدارقطني في " سننه ".
ص- زاد عثمان وهناد: " فإنه إذا اضطجع- وقد نام (1) - استرختْ
مفاصلُهُ ".
قال أبو داود: قوله: " الوضوء على من نام مضطجعاً " هو حديث منكر،
لا يرويه (2) إلا أبو خالد يزيد الدالاني، عن قتادة. وروى أوله جماعة عن
ابن عباس لم (3) يذكروا شيئاً من هذا. قال: " كان النبيُ- عليه السلام
محفوظاً، وقالت عائشة- رضي الله عنها: قال النبي- عليه السلام:
" تنامُ عيناي ولا ينامُ قلبي ". وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة
أحاديث، حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث
" القضاةُ ثلاثة "، وحديث ابن عباس: " حدثني رجال مرضيون منهم عمر،
وأرضاهم عندي عمر ".
قال أبو داود: " وذكرتُ حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فقال: ما
ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة (4) ؟.
ش- زاد عثمان بن أبي شيبة: وهناد بن السري في حديث ابن عباس:
" فإنه إذا اضطجع وقد نام استرخت مفاصله ". ورواه البيهقي في
" سننه "(5) ولفظه فيه: " لا يحب الوضوء على من نام جالساً أو قائماً أو
ساجداً حتى يضع جنبه، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ". وقال
(1) غير موجود في سنن أبي داود.
(2)
في سنن أبي داود: " لم يروه ".
(3)
في سنن أبي داود: " ولم ".
(4)
في سنن أبي داود: " وذكرت.... لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً،
وقال:
…
على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث ".
(5)
(1/ 121)
ابن عدي مسنداً عن مهدي بن هلال: ثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح،
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ليس على من نام قائماً أو قاعداً وضوء حتى يضطجع جنبه إلى
الأرض " (1) . وأخرج ابن عدي أيضاً ثم البيهقي من جهته عن بحر بن
كنيز السقاء، عن ميمون الخياط، عن أبي عياض، عن حذيفة بن اليمان
قال: " كنتُ في مسجد المدينة جالساً أخفق، فاحتضنني رجل من خلفي
فالتفت، فإذا أنا بالنبي- عليه السلام. فقلت: يا رسول الله، هل
وجب عليّ وضوء؟ قال: لا حتى تضع جنبك ". قال البيهقي: تفرد به
بحر بن كنيز السقاء، وهو ضعيف لا يحتج بروايته (2) .
قوله: " هو حديث منكر " إلى آخره، قد عرفت أن المنكر هو الحديث
الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي
رواه منه ولا في وجه آخر.
قلت: كيف يكون هذا منكراً، وقد استدل به ابن جرير الطبري أنه لا
وضوء إلا من نوم اضطجاع، وصحح هذا الحديث، وقال: الدالاني لا
يرفعه إلا عن العدالة والأمانة، والأدلة تدل على صحة خبره. وروى
مغيرة بن زياد، عن عطاء، عن ابن عباس قال: " من نام وهو جالس
فلا وضوء عليه، ومن اضطجع فعليه الوضوء " (3) . وقال قتادة عن ابن
عباس: " الذي يخفق رأسه لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه ".
وروى هشام بن عروة، عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان يستثقل نوماً
وهو جالس ثم يقوم إلى الصلاة ولا يتوضأ، وإذا وضع جنبه يتوضأ ".
وروى عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: " إذا نام الرجل في
الصلاة قائماً أو قاعداً أو ساجداً أو راكعاً فليس عليه وضوء إلا أن يضع
جنبه ". وروى يزيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول: " من جلس
(1) الكامل (8/229) .
(2)
الكامل (2/235) ، البيهقي (1/120) .
(3)
السنن الكبرى للبيهقي (1/120) .
فنام فليس عليه وضوء حتى يضطجع "./وقال عكرمة وإبراهيم:
" الوضوء حتى يضع جنبه ". وروى أيوب، عن ابن سيرين: " أنه كان
ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ ".
قوله: " كان النبي- عليه السلام محفوظاً " يريد بهذا أن نومه- عليه
السلام- في سجوده ما كان يضره؛ لأنه كان محفوظاً من الله تعالى،
وغيره ليس بمحفوظ، يخاف عليه من خروج ريح ونحوه.
قوله: " وقالت عائشة " إلى آخره دليل آخر على أن نومه- عليه
السلام- ما كان كنوم غيره؛ لأنه- عليه السلام كان ينام عينه ولا ينام
قلبه، بمعنى: أن ذهنه ما كان يغيب عنه، بل كان حاضراً في نومه ويقظته
بخلاف غيره، وأشار بهذين الكلامين أن هذا من خصائص النبي- عليه
السلام-، فلا يبقى وجهٌ للاحتجاج به في عدم انتقاض النوم في الهيئات
التي ذكرناها. قلنا: سلمنا أنه- عليه السلام كان محفوظاً وأنه عينه
تنام ولا ينام قلبه، ولكن لا نسلم ترك الاحتجاج به، وكيف وقد وردت
أدلة أخرى مثلها يؤيد بعضها بعضاً تدل على صحة ما ذهبنا إليه.
قوله: " وقال شعبة " إلى آخره، إشارة إلى أن حديث قتادة منقطع.
وقال الترمذي: وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس
قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه، وقال أبو القاسم البغوي:
يقال: إن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية. وقال الدارقطني:
تفرد به يزيد الدالاني، عن قتادة ولا يصح، وذكر ابن حبان أن يزيد
الدالاني كان كثير الخطأ، فاحش الوهم يخالف الثقات في الروايات،
حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معمولة أو مقلوبة، لا
يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات؟
وقال البيهقي: فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على يزيد الدالاني جميع
الحفاظ، وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهما،
ولعل الشافعي وقف عليه حتى رجع عنه في الجديد. قلنا: ذكر أبو داود
هاهنا ناقلاً عن شعبة: أن قتادة سمع من أبي العالية أربعة أحاديث، وذكر
30.
شرح سنن أبي داوود 1
في كتاب السنة في حديث: " لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس
ابن متى " أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث (1) ، وهذا
اختلاف كما ترى.
فإن قيل: قول من يقول: إن قتادة سمع من أبي العالية حديث ابن
عباس إثبات، وقول من يقول: لم يسمع نفي، والنفي مقدم على
الإثبات. قلنا: هذا لا يمشي في هذا المقام؛ لأن قول مدعي الإثبات قد
تأيد بالأدلة التي ذكرناها. وقول الدارقطني: " تفرد به يزيد الدالاني،
عن قتادة، ولا يصح " غير صحيح؛ لأن مذهب الفقهاء والأصوليين قبول
رفع العدل وزيادته، ويزيد قد وثّقه أبو حاتم وغيره. وقال ابن معين:
ليس به بأس. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لين إلا
أنه مع لينه يكتب حديثه. وروى له أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه. وبهذا يُردُّ قولُ ابن حبان أيضاً. وقول البيهقي: " قد أنكره
على يزيد جميع الحفاظ " مجرد دعوى لا يلتفت إليه. وقوله: " وأنكر
سماعه من قتادة: أحمد بن حنبل، والبخاري " غير صحيح لأن صاحب
" الكمال " ذكر أنه سمع قتادة. وقول أبي داود: " وذكرت حديث يزيد
الدالاني لأحمد بن حنبل فقال: ما ليزيد الدالاني يُدخل على أصحاب
قتادة " لا يدل على رده حديث يزيد، ولا على تضعيفه.
190-
ص- حدثنا حيوة بن شريح في آخرين قالوا: نا بقية، عن
الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن
علي بن أبي طالب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " وكاءُ السه العينان، فمن نام
فليتوضأ " (2) .ً
(1) روى أبو داود الحديث في باب التخيير بين الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-
(4669)
، ولم أجد في نسختنا ما نقله المصنف عنه، وقول أبي داود هذا قد
ذكره الزيلعي في " نصب الراية "(1/44- 45) ، فلعل المصنف قد نقله منه،
والله أعلم.
(2)
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من النوم (477) .
ش- بقية بن الوليد.
والوضين بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع الخزاعي، أبو كنانة،
أو أبو عبد الله الدمشقي. روى عن: بلال بن سعد، ومحفوظ بن
علقمة، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
روى عنه: بقية بن الوليد، وصدقة بن عبد الله السمين، ويحيى بن
حمزة، ومحمد بن عمر الواقدي، والحمادان، وغيرهم. قال: أحمد
ابن حنبل: هو ثقة/. توفي سنة تسع وأربعين ومائة. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (1) .
ومحفوظ بن علقمة أبو جنادة الحضرمي الحمصي. روى عن: أبيه،
وعبد الرحمن بن عائذ. روى عنه: الوضين بن عطاء، وثور بن يزيد،
وأبو يحيى محمد بن راشد الخزاعي. قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعبد الرحمن بن عائذ الثمالي الأزدي أبو عبد الله أو أبو عُبيد الله
الشامي الحمصي، يقال: إن له صحبة. روى عن: عمر بن الخطاب،
وعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وغضيف بن الحارث، وعوف بن
مالك، وأبي ذر الغفاري، وعبد الله بن عمرو، وجماعة آخرين. روى
عنه: محفوظ بن علقمة، وسليم بن عامر، ويحيى بن جابر الطائي،
وسماك بن حرب، وشريح بن عبيد. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (3) .
قوله: " في آخرين " قد مر الكلام فيه مرة.
قوله: " وكاء السه " مبتدأ، و " العينان " خبره. السه: حلقة الدبر،
وهو من الاست، وأصلها سته بوزن فرس، وجمعها أستاه كأفراس
فحذفت الهاء وعوض منها الهمزة فقيل: است، فإذا رددت إليها الهاء
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 6689) .
(2)
المصدر السابق (27/5809) .
(3)
المصدر السابق (17/3863) .
وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء، انحذفت الهمزة التي جيء بها
عوض الهاء، فتقول: سه بفتح السين، ويروى: وكاء الست بحذف
الهاء وإثبات العين، والمشهور الأول، و " الوكاء " بكسر الواو: الحفظ
الذي تُشد به الصُّرة والكيس وغيرهما، ومعنى الحديث: أن الإنسان مهما
كان مستيقظاً كانت إسته كالمشدودة الموكئ عليها، فإذا نام انحل وكاؤها،
كنى بهذا اللفظ عن الحدث وخروج الريح، وهو من أحسن الكنايات
وألطفها، حيث جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة، كما أن الوكاء يمنع
ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة تمنع الاست أن تحدث إلا باجتهاد،
وكنى بالعين عن اليقظة؛ لأن النائم لا عين له تبصر.
" (1) وقد استدل بهذا الحديث من زعم أن قليل النوم وكثيره ناقض،
وعلى أي هيئة كانت. والجواب: أن هذا النوع لا يُسمى نوماً مطلقاً،
وإنما يُسمى نعاساً، وذلك لأنه إذا وُجد منه النوم عُدم معه التماسك
أصلاً، على أن الحديث معلول بوجهين، أحدهما: بقية فيه مقال،
والثاني: الانقطاع، فذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة في كتاب " العلل "
وفي كتاب " المراسيل ": أن ابن عائذ عن علي مرسل، وزاد في " العلل ":
أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بقوي. وأخرج هذا
الحديث ابن ماجه أيضاً، وأخرجه البيهقي عن بقية أيضاً: " العين وكاء
السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء " (2) . ورواه الطبراني في " معجمه "
وزاد: " فمن نام فليتوضأ "، وهو معلول بوجهين أيضاً، أحدهما:
الكلام في أبي بكر بن أبي مريم، قال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس
بالقوي. والثاني: أن مروان بن جناح رواه عن عطية بن قيس، عن
معاوية موقوفاً " (3) .
(1) انظر: نصب الراية (1/45- 46) .
(2)
السنن الكبرى (1/118) .
(3)
إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.