الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعاً، واحدة منهن تراب مع
الماء، فكان التراب قائم مقام غسلة، فسميت ثامنة لهذا ".
قلت: هذا مخالف لصريح الحديث؛ لأن صريحه يدل على أن يكون
الغسل بالماء سبع مرات، ويكون التعفير بالتراب مرة ثامنة، وكذا روي
عن الحسن البصري أنه قال: يفتقر إلى دفعة ثامنة، وهي رواية عن الإمام
أحمد على ما ذكرناه وأخرج هذا الحديث مسلم والنسائي وابن ماجه.
***
31- باب: سؤر الهر
أي: هذا باب في بيان أحكام سؤر الهر.
64-
ص- حدثنا عبدُ الله بن مسلمة القعْنبي، عن مالك، عن إسحاق
ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة بنت عُبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت
كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة-: أن أبا قتادة دخل عليها (1)
فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى
شربت. قالت كبشة: فرآني انظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي (2) ؟
فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها ليستْ بنجسٍ، إنها من
الطوافين عليكم والطوافات " (3) .
ش- عبد الله بن مسلمة قد ذكر. ومالك هو مالك بن أنس الإمام،
وقد ذكر أيضاً.
وإسحاق بن عبد الله بن زيد أبي طلحة بن سهل الأنصاري النجاري
المدني، سمع أباه، وعمه أنس/بن مالك، وأبا صالح ذكوان، ورافع
ابن إسحاق، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، وابن عيينة،
(1) ساقط من سنن أبي داود. (2) في سنن أبي داود: " يا ابنة أخي ".
(3)
الترمذي: كتاب الطهارة (92)، النسائي: كتاب الطهارة (1/55) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة (367) .
ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو ثقة. توفي
سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحميدة- بفتح الحاء- بنت عُبيد بن رفاعة الأنصارية الزرقية،
روت عن كبشة بنت كعب، روى عنها إسحاق بن عبد الله، روى لها:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وكبشة بنت كعب بن مالك، روت عن أبي قتادة، روت عنها حميدة
المذكورة، روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وابن أبي قتادة اسمه: عبد الله، وأبو قتادة الحارث بن ربعي،
وكلاهما قد ذكرا.
قوله: " وضوءاً " بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: " فأصغى لها الإناء " أي: أماله، ليسْهُل عليها الشربُ.
قوله: " نعم " بفتح النون، وكنانة تكسرها، وبها قراءة الكسائي،
وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر، والثاني بعد " افْعل "
و" لا تفعل "، والثالث بعد الاستفهام.
قوله: " إنها ليست بنجس " بفتح الجيم، يقال لكل مستقذر نجسٌ، قال
الله تعالى: (إنّما المُشْركُون نجس)(4) ، وهذا تعليل لإصغائه الإناء
لها.
وقوله: " إنها من الطوافين عليكم " تعليل لقوله: " إنها ليست بنجس "،
والطوافون هم بنو آدم، يدخل بعضهم على بعض بالتكرار، والطوافات
هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس، مثل الغنم والبقر والإبل،
وجعل النبي- عليه السلام الهر من القبيلين، لكثرة طوافه واختلاطه
بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفعيل؛ لأنه للتكثير والمبالغة،
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/366) .
(2)
المصدر السابق (35/7822) . (3) المصدر السابق (35/7916) .
(4)
سورة التوبة: (28) .
وموصوف كل واحد من الطوافين والطوافات محذوف، أقيمت الصفة
مقام موصوفها، ويقدر ذلك بحسب ما يليق له، مثل ما يقال: خدمٌ
طوافون، وحيوانات طوافات، وقد قال الله تعالى: (طوافُون عليكم
بعْضُكُمْ على بعْض) (1) يعني المماليك والخدم الذين لا يُقْدر على
التحفظ منهم غالبا، ويروى:" والطوافات " بواو العطف كما وقع
هاهنا، ويروى بأو التي للشك وغيره، وروي الوجهان عن مالك- رحمه
الله-، واحتج بذلك أبو يوسف من أصحابنا على أن سؤر الهر طاهر
غير مكروه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة ومحمد:
طاهر مكروه، واحتجا بقوله- عليه السلام:" السنور سبُع " رواه
الحاكم في " مستدركه " من حديث عيسى بن المسيب، ثنا أبو زرعة، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السنور سبُع ". قال الحاكم:
حديث صحيح ولم يخرجاه (2) .
ورواه أيضاً الدارقطني في " سننه " في حديث طويل آخره: " السّنّورُ
سبُع "، ثم أخرجه مختصراً من جهة وكيع ومحمد بن ربيعة كلاهما عن
عيسى بن المسيب (3) ، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
عليه السلام: " السنور سبُع " وقال وكيع: " الهر سبُع "(4) .
ووجه الاستدلال: أن المراد منه بيان الحكم لا بيان الخلقة؛ لأنه- عليه
السلام- مبعوث لبيان الأحكام والشرائع، لا لبيان الحقائق، فيكون
حكم الهر كحكم السباع في النجاسة، ولكن النجاسة سقطت بعلة
الطّوْف، فانتفت النجاسة، وبقيت الكراهة عملاً بالحديثين. وقال بعض
أصحابنا: إن حديث الطوْف محمول على ما قبل التحريم فح (5) يكون
هذا الحديث منسوخا، فلم يبق العمل إلا بالحديث الثاني. وحديث
الطوْف أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا
(1) سورة النور: (58) . (2)(1/183) .
(3)
في الأصل: " سعيد بن المسيب " خطا (4) سنن الدارقطني (1/63) .
(5)
أي: " فحينئذٍ ".
حديث حسن صحيح. وقال: وهذا أحسن شيء في هذا الباب، وقد
جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت
أحد أتم من مالك، وقال البخاري: جود مالك بن أن هذا الحديث،
وروايته أصح من رواية غيره.
65-
ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: [ثنا] عبد العزيز، عن داود
ابن صالح بن دينار التّمار، عن أمه، أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة
رضي الله عنها فوجدتها تُصلي، فأشارت إليّ أن ضعيها، فجاءت هرةٌ
فأكلت منها، فلما انصرفتْ أكلت من حيث أكلت الهرةُ، فقالت: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها ليستْ بنجس، إنما هي من الطّوافين عليكم،
/وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضْلها " (1) .
ش- عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد
الجهني مولاهم المدني، وقد ذكر مرة.
وداود بن صالح الأنصاري مولاهم التمار، قيل: إنه مولى أبي قتادة
الأنصاري، سمع أبا أمامة بن سهل، وسالم بن عبد الله، وأباه صالحاً،
وروى عن أمه. روى عنه: عبد العزيز الدراوردي، وهشام بن عروة،
والوليد بن كثير، وغيرهم. قال أحمد: لا أعلم به بأساً. روى له
أبو داود (2) .
قوله: " بهريسة " الهريسةُ: طعام من قمح ولحم مدقوق، من الهرْس
وهو الدق.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: جواز الإهداء بالطعام وقبوله.
والثانية: جواز إشارة المصلي بيده أو عينه.
والثالثة: جواز أكل سؤر الهرة.
والرابعة: جواز التوضئ بسؤر الهرة.
(1) تفرد به أبو داود.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1764) .