الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- بفتح العين وكسر الميم- ابن أبي ناجية المصري. روى عن: يزيد بن
أبي حبيب، وجماعة. وروى عنه: بكر بن مضر، وابن وهب،
وجماعة. وقال النسائي: ثقة، وكان عابداَ بكاء، قاله ابن يونس.
مات سنة ثلاث ومائة.
323-
ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: ثنا ابن لهيعة، عن
بكر بن سوادة، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، عن عطاء بن يسار:
" أن رجلين من أصحابِ النبيَ- عليه السلام " بمعناه (1) .
ش- أبو عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، روى عن: عطاء بن
يسار، روى عنه: بكر بن سوادة. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور، وهذا أيضاً مُرسلٌ.
***
117- باب: الغُسل يَوم الجُمعة
أي: هذا باب في بيان الغسل يوم الجمعة.
324-
ص- حدَثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: ثنا معاوية، عن يحيى
قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة أخبره، أن عمر بن
الخطاب بَينا هو يخطُبُ يومَ الجُمُعَة، إذ دَخلَ رجلٌ فقال عُمرُ: أتَحتَبسُون
عن الصلاة؟ فقال الرجلُ: ما هوَ إلا أن سمعتُ النَداءَ فتوضأت، َ فقالَ
عمرُ: والوَضوءُ أيضاً!! أوَلَم تسمعُوا رسولَ الله يقول: " إذا أتَى أحدُكُمُ
الجُمُعَةَ فليغتَسِل "؟ (3) .
(1) انظر الحديث السابق.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7477) .
(3)
البخاري: كتاب الجمعة، باب: فضل الغسل عن عمر، باب: فضل الجمعة
(881)
، مسلم: كتاب الجمعة (4/845)، الترمذي: كتاب الصلاة، باب:
ما جاء في اغتسال الجمعة (493)، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الأمر
بالغسل يوم الجمعة (3/93) .
ش- الربيع بن نافع الحلبي.
ومعاوية بن سلام بن أبي سلام الحبشي الأسود الألهاني، واسم
أبي سلام ممطور. سمع: جده أبا سلام، وأخاه زيد بن سلام،
والزهري، ويحيى بن أبي كثير. روى عنه: الوليد بن مسلم،
وأبو توبة، ويحيى بن يحيى، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. روى له
الجماعة إلا الترمذي (1) .
ويحيى هو يحيى بن أبي كثير اليمامي الطائي.
قوله: " بينا هو يخطب " قد مر الكلام في " بينا " مرةَ.
قوله: " النداء " أي: الأذان. والرجل القائل هو: عثمان بن عفان.
واختلف العلماء في غسل الجمعة، فحكِي وجوبه عن بعض الصحابة،
وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطابي عن
الحسن البصري، ومالك. وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف
وفقهاء الأمصار إلى أنه سُنَة مستحبة ليس بواجب. قال القاضي: وهو
المعروف من مذهب مالك. واحتج من أوجبه بظواهر الأحاديث الواردة
في هذا الباب، واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة، منها حديث هذا
الرجل الذي دخل وعُمر يخطب وقد ترك الغسل، ولو كان واجباً لأمره
عُمر أن ينصرف فيغتسل، فدل سكوت عمر ومَن حضره من الصحابة على
أن الأمر به محمول على معنى الاستحباب دون الوجوب، وليس يجوز
على الرجل الذي دخل- الذي ذكر في هذا الخبر من غير هذا الوجه أنه
عثمان- وعلي وعمر ومَن بحضرته من المهاجرين والأنصار أن يجتمعوا
على ترك الواجب. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه 0
325-
ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن صفوان بن
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6057) .
سُليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: " أن رسولَ الله- عليه
السلام- قال: " غُسلُ يوم الجُمُعُةِ واجبٌ على كلِّ مُحتَلِمٍ "(1) .
ش- مالك بن أنس.
قوله: " مُحتلمٍ " أي: بالغ، والمعنى: أنه متأكد في حقه، كما يقول
الرجل لصاحبه: حقك واجب عليّ، أي: متأكَّد، لا أن المراد الواجب
المحتم المعاقب عليه، وشهد لصحة هذا التأويل الأحاديث الصحيحة،
كحديث عمر وغيره، ومثل هذا الواجب يسمى وجوب الاختيار
والاستحسان. وقد أجاب بعض أصحابنا أن هذه الأحاديث التي ظاهرها
الوجوب منسوخة بحديث: " من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو
أفضلُ ". وقال ابن الجوزي: " أحاديث الوجوب أصح وأقوى،
والضعيف لا ينسخ القوي ".
قلت: هذا الحديث رواه أبو داود في " الطهارة " والترمذي، والنسائي
في " الصلاة "، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في
" سننه "، والبيهقي كذلك، وابن أبي شيبة/في " مصنفه "، وسنتكلم
عليه.
326-
ص- حدَّثني يزيد بن خالد الرملي قال: نا المفضل- يعني: ابن
فضالة- عن عياش بن عباس، عن بكير، عن نافع، عن ابن عمر، عن
حفصة، عن النبي- عليه السلام فال: " على كُلّ محتلم رَواح الجُمُعة (2)
وعلى مَن رَواح الجمُعةَ (3) الغُسل " (4) .ًَ
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان متى يجب عليهم الغسل
والطهور (858)، مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على
كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (5/846)، النسائي: كتاب الجمعة،
باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة (3/93)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة،
باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1089) .
(2)
في سنن أبي داود: " رواح إلى الجمعة ".
(3)
في سنن أبي داود: " وعلى كل من راح إلى الجمعة ".
(4)
النسائي: كتاب الجمعة، باب: التشديد في التخلف عن الجمعة (3/92) .
ش- عياش بن عباس: الأول بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين
المعجمة، والثاني بالباء الموحدة المشددة والسين المهملة، أبو عَبد الرحيم
القِتباني، وبكير بن عبد الله الأشج.
قوله: " رواح الجمعة " الرواح: الذهاب أي وقت كان، والحديث
أخرجه النسائي.
ص- قال أبو داود: إذا اغتسلَ الرجلُ بعدَ طُلوع الفجرِ أجزأه من غسلِ
الجُمُعةِ وإن أجنبَ.
ش- أشار بهذا إلى أن هذا الغسل لليوم لا للصلاة، وهو قول الحسن
ابن زياد من أصحابنا. وقال أبو يوسف: للصلاة. وفائدته طهر فيما
قال أبو داود، فعندهما إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ينال أجر الغسل؛ لأنه
وجد في يوم الجمعة، وعند أبي يوسف لا ينال؛ لأنه لم يصل به
الجمعة، وكذا الخلاف إذا اغتسل بعد صلاة الجمعة.
قوله: " وإن أجنب " يعني: وإن كان جنباً واغتسل لأجل الجنابة بعد
طلوع الفجر، أجزأه من غُسل الجمعة.
327-
ص- حدَثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن مَوهَب الرملي
وعبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: ثنا محمد بن سلمة. ونا موسى بن
إسماعيل قال: نا حماد- وهذا حديث محمد بن سلمة- عن محمد بن
إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
قال: أبو داود: وقال يزيد وعبد العزيز في حديثهما عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن، وأبي أمامة بن سهل، عن أبى سعيد الخدري، وأبي هريرة
قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنِ اغتسَلَ يومَ الجمُعَة، ولَبسَ من أحسنِ ثِيَابِه،
ومَس من طيب إن كان عنده، ثمِ أتى الجُمُعَةَ فلمَ يَتَخطَ أعَناقَ الناسِ، ثَم
صلَّى ما كَتب اللهُ له، ثم أنصت إذا خَرجَ إمامُه حتى يَفرغُ من صَلاته،
كانت كَفارةَ لما بينها وبَين جُمُعَتِهِ التي قَبلَها " (1) .
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: فضل من استمع وأنصت في الخطبة (26/857)
مختصرا.
11* شرح سنن أبي داوود 2
ش- حماد بن سلمة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن
إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي المدني، وأبو سلمة عبد الله بن
عبد الرحمن.
وأبو أمامة: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري المدني، ولد في حياة
النبي- عليه [السلام](1) ، وهو سماه، حدّث عنه مُرسلَا، وسـ[مع
عمر] بن الخطاب، وعثمان، وأبا هريرة، [وزيد] بن ثابت،
وأبا سعيد. روى عنه: ابناه محمد وسهل، والزهري، ويحيى
الأ [نصاري]، وغيرهم. مات سنة مائة. روى له: النسائي، وابن
ماجه عن النبي- عليه السلام، وبقية الجماعة عن الصحابة (2) .
قوله: " ثم أنصت " أي: سكت.
قوله: " إذا خرج إمامه " أي: إذا خرج للخطبة.
قوله: " كانت " أي: الخصال المعدودة " كفارةَ "، الكفارة فعالة
للمبالغة، كقتّالة، وضرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية،
وهي عبارة عن الفَعلة والخَصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة، أي:
تسترها وتمحوها، وأصله من الكَفر- بفتح الكاف- وهو التغطية، وقد
كَفَرتُ الشيءَ أكفِره- بالكسر- كَفراً أي: سترته. وأما الكُفر- بالضم-
فهو ضد الإيمان، وفعله من كفر يكفُر، من باب نصر ينصر.
ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: استحباب الغسل يوم الجمعة.
الثانية: استحباب لبس أحسن الثياب.
الثالثة: استحباب مس الطيب إن وجده، وهو يتناول سائر أنواع الطيب
حتى المسك، وغيره.
الرابعة: ترك تخطي أعناق الناس، وفيه الإشارة إلى استحباب التبكير.
(1) غير واضح في الإلحاق وكذا ما بعده، وأثبتناه من مصادر الترجمة.
(2)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/5) ، وأسد الغابة (6/18) ،
والإصابة (4/9) ، وتهذيب الكمال (2/403) .
الخامسة: استحباب التنفل قبل خروج الإمام.
السادسة: أن النوافل المطلقة لا حد لها، لقوله:" ما كتب الله له ".
السابعة: استحباب الإنصات من حين خرج الإمام إلى أن يفرغ من
صلاته.
واعلم أن قرانه بين غسل الجمعة وبن لُبسه أحسن ثيابه، ومسه الطيب،
يدل على أن الغسل مستحب كاللباس والطيب.
وأخرجه مسلم مختصراً من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة،
وأدرج فيه زيادة " ثلاثة أيام " في الحديث.
ص- قال: ويقول أبو هريرة: " وزيادةُ ثلاثة أيامٍ "، ويقول: " إن الحسنةَ
بعَشرِ أمثالِهَا ".
ش- أي: قال يزيد بن خالد: يقول أبو هريرة في روايته: " كانت
كفارة لما بينها وبن جمعته التي قبلها، وزيادة ثلاثة أيام "، ويقول: " إن
الحسنة بعشر أمثالها "، لقوله تعالى: (مَن جَاءَ بالحَسَنَة فَلَهُ عَشرُ
أمثَالهَا) (1) /. فإن قلت: ما بين الجمعتين ستة أيام، فإذا ضمّيتَ عليه
ثلاثَة تكون تسعة أيام فما صحت العشرة، فإن حَسِبت الجمعتين معها
تكون أحد عشر يوماً فلا يستقيم قوله: " إن الحسنة بعَشر أمثالها " قلت (2)
" المراد ما بين الساعة التي يُصلي فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى
على سبيل التكسير لليوم، فيستقيم الأمر في تكميل العشرة، وقد اختلف
الفقهاء قيمن أقر لرجل بما بَين درهم إلى عشرة دراهم، فقال أبو حنيفة:
يلزمه تسعة دراهم. وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه عشرة. ويدخل فيه
الطرفان والواسطة. وقال أبو ثور وزفر: لا يلزمه أكثر من ثمانية ويسقط
الطرفان، وهو قول الشافعي أيضاً ".
ص- قال أبو داود: حديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام
أبي هريرة.
(1) سورة الأنعام (160) .
(2)
انظر: معالم السنن (1/92)
ش- إنما صار حديث محمد بن سلمة أتم؛ لأنه ذكر في روايته:
" زيادة ثلاثة أيام " عن أبي هريرة، ولم يذكرها حماد بن سلمة.
328-
ص- ثنا محمد بن سلمة المُرادي قال: أنا ابن وهب.، عن عمرو
ابن الحارث: أن سعيد بن أبي هلال، وبُكَير بن الأشج حدّثاه عن أبي بكر
ابن المنكدر، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد
الخدري، عن أبيه، أن رسول الله- عليه السلام قال: " الغُسلُ يوم الجُمُعَة
على كُلِّ مُحتَلِم، والسِّوَاكُ، وَيَمسُّ من الطِّيبِ مَا قُدَرَ لَهُ " إلا أن بكيراَ لمَ
يذكر عبدَ الرحمن، وقال في الطيب:" ولو من طِيبِ المَرأةِ "(1) .
ش- ابن وهب هو: عبد الله بن وهب.
وسعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، ويُقال: المدني.
روى عن: محمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، ونبيه بن وهب،
وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وهشام بن سعد، وخالد بن
يزيد، وعمرو بن الحارث. قال أبو حاتم: لا بأس به. توفي سنة
ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو بكر هذا هو أخو محمد بن المنكدر، ولم يُعرف اسمه، وكنيته
اسمه، ومن لم يُميّز بينهما ربما يعتقد أن المراد من أبي بكر في هذا
الحديث هو: محمد بن المنكدر.
وعمرو بن سليم بن عمرو بن خلدة بن مخلَّد- بالتشديد- ابن عامر
ابن زريق الزرقي الأنصاري المدني. روى عن: عمر بن الخطاب،
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل
والطهور وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم (857) ، وانظر
(895)
، (2665)، مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على
كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (5/846)، النسائي: كتاب الجمعة،
باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة (3/95)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسُّنَة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1089) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2372) .
وسمع أبا قتادة، وأبا سعيد الخدري، وابنه عبد الرحمن بن أبي سعيد،
وأبا حُمَيد الساعدي. روى عنه: سعيد المقبري، وأبو بكر بن المنكدر،
وبكير بن عبد الله الأشج، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل
الحديث. روى له الجماعة (1) .
وعبد الرحمن بن سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي
أبو حفص، أو أبو محمد، أو أبو جعفر المدني، وهو ابن أبي سعيد
الخدري. روى عن: أبيه، وأبي حُميد الساعدي. روى عنه: عطاء بن
يسار، وزيد بن أسلم، وعمرو بن سُليم الزُّرقي، وغيرهم. مات سنة
ثنتي عشرة ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " الغُسل " مبتدأ، و " يوم الجمعة " نصب على الظرف.
قوله: " على كل محتلم " متعلق بمحذوف، وهو مع متعلقه خبر المبتدأ.
فإن قيل: ما متعلقه المحذوف؟ قلت: لفظة " على " يدل على أن المتعلق
" واجب " أي: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. وذلك لا في
" على " للإيجاب.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكون غسل يوم الجمعة واجباً؟ قلت:
قد مر الكلام فيه مستوفى، ويجوز أن تكون " على " هاهنا بمعنى " من "
نحو قوله تعالى: (إِذَا اكتَالُوا عَلَى النَاسِ يَستَوفُونَ)(3) ، ويكون
المعنى: الغسل يوم الجمعة من كل محتلم مستحب أو فضيلة.
قوله: " والسواكُ " قال الشيخ محيي الدين في " شرح مسلم "(4) :
أي: ويُسَن له السواك. قلت: الأولى أن يكون هذا عطفاً على الغسل،
ويكون التقدير: والسواك أيضاً على كل محتلم. ويكون الكلام فيه مثل
الكلام في الغسل.
قوله: " ويَمسّ من الطيب " يجوز فيه الرفع، ويكون هذا كلاماً بذاته
(1) المصدر السابق (22/4379) .
(3)
سورة المطففين: (2) .
(2)
المصدر السابق (17/3829) .
(4)
(6/135) .
منقطعاً عما قبله، ويحوز النصب بتقدير " أن "، ويكون حينئذ في قوة
المصدر، والتقدير: ومَسُّه من الطيب، ويكون عطفاً على قوله:
" والسواك ".
قوله: " ما قدر له " في محل النصب على أنه مفعول " يَمسُّ ". قال
القاضي: هذا الكلامُ محتمل لتكثيره، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله/بما
أمكنه، ويؤيده قوله:" ولو من طيب المرأة " وهو المكروه للرجال، وهو
ما ظهر لونه وخفي ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره. وهذا
يدل على تأكده.
قوله: " إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن " أي: إلا أن بكير بن
عبد الله الأشج لم يذكر في روايته عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري،
ولكن قال في الطيب: " ولو من طيب المرأة " أي: ولو كان الطيب من
طيب المرأة.
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وأخرجه البخاري من حديث
عَمرو بن سليم الزرقي، عن أبي سعيد الخدري بنحوه.
329-
ص- حدثنا محمد بن حاتم الجَرجرائي (1) قال: ثنا ابن المبارك،
عن الأوزاعي قال: نا حسان بن عطية قال: حدَثني أبو الأشعث الصَنعانِي
قال: حدَّثني أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من
غسل يومَ الجُمُعة واغتسلَ، ثم بكر وابتكَرَ، ومَشَى ولم يركَب، ودَنا من
الإمام فاستمعَ، ولم يَلغُ، كان له بكل خُطوة عملُ سنة اجرُ صيامِها
وقيَامِها " (2) .
(1) في سنن أبي داود: "
…
الجرجرائي، حدثنا حِبي " وهو خطأ، وإنما محمد
الجرجرائي معروف ب " حبي "، وهو مترجم في تهذيب الكمال (25/5128) .
(2)
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل غسل يوم الجمعة (496) ،
النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95)، وباب:
الفضل من الدنو هن الإمام (3/102)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسُنَة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1087) .
ش- ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك.
وأبو الأشعث شَرَاحيل بن شُرحبيل بن آدة الصنعاني، صنعاء دمشق،
وكانت قرية بالقرب من دمشق، وهي الآن أرض فيها بساتين تقرب من
الربوة، وقيل: إنه من صنعاء اليمن، و " آدة " ممدودة. سمع: عبادة
ابن الصامت، وابن عَمرو، وأبا هريرة، وثوبان، وأوس بن أوس
الثقفي، وغيرهم. روى عنه: مسلم بن يسار، وحسان بن عطية،
والوليد بن سليمان، وجماعة آخرون. قال أحمد بن عبد الله العجلي:
تابعي ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " من غسل يوم الجمعة واغتسل " رُوي مخففاً ومشدداً، ومن
خفف قال: معناه وطئ امرأة قبل الخروج إلى الصلاة؛ لأنه يجمع غض
البصر، يقال: غسل الرجل امرأته، وغسلها- مخففاً ومشدداً- إذا
جامعها، وفحل غُسَله: إذا كان كثير الضراب، ومن شدد قال: معناه:
غسل غيره؛ واغتسل هو؛ لأنه إذا جامع امرأته أحوجها إلى الغُسل.
وقيل: أراد بـ " غسل " غَسل أعضائه للوضوء، ثم اغتسل بعد ذلك
للجمعة. وقيل: معنى " غسل " غسل الرأس خاصة؛ لأن العرب لهم
لمم وشعور، وفي غسلها مؤنة، فأفرد ذكر الرأس لذلك. و " اغتسل "
غسل سائر جسده. وقيل: معناهما واحد، وكررهما للتأكيد، كما قال:
" مشى ولم يركب ".
قوله: " ثم بكر وابتكر " قيل: معنى " بكر " يعني إلى الصلاة فأتاها
في أول وقتها، وكل مَن أسرع إلى شيء فقد بكر إليه، " وابتكر ":
أدرك أول الخطبة، وأولها باكورتها، كما يقال: ابتكر الرجل، إذا أكل
باكورة الفاكهة. وابتكار الجارية: أخذُ عذرتها. وقيل: " بكر " تصدق
قبل خروجه، وتأول في ذلك قوله في الحديث: " باكروا بالصدقة، فان
البلاء لا يتخطاها ". وقيل: معنى اللفظتين واحد من " فعل، وافتعل "
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2712) .
وإنما كرر للزيادة في المبالغة والتأكيد، ولأن العرب إذا بالغت في الشيء
اشتقت من اللفظة الأولى لفظةً على غير بنائها، ثم اتّبعوها إعرابها،
فيقولون: جَاد مجد، وليل لائل.
قوله: " ولم يركب " تأكيد لقوله: " ومشى "، ويحتمل أن لا يكون
تأكيداً ويكون المعنى: ولم يركب بالكلية في الذهاب والإياب؛ لأنه إذا
مشى في الذهاب فقط، أو في الإياب فقط، أو مشى شيئاً يسيراً في
الذهاب، أو الإياب، يصدق عليه أنه مشى، ولم يصدق عليه أنه لم
يركب، فح (1) لا يكون قوله:" ولم يركب " تأكيداً، فافهم.
قوله: " فاستمع " أي: إلى الخطبة.
قوله: " ولم يلغ " من اللَّغو، يقال: لغى الإنسان يلغو، ولغَى يلغَى،
ولغي يَلغَى، إذا تكلم بالمطرّح من القول وما لا يُعنى، وألغى إذا أسقط،
فالأول من باب: نصر ينصر، والثاني من باب: فتح يفتح، والثالث من
باب: علم يعلم.
قوله: " بكل خطوة " الخُطوة- بالضم- بُعدُ ما بين القدمَين في المشي
- وبالفتح- للمرة، وجمع الخطوة في الكثرة خُطى، وفي القلة
خُطوات- بسكون الطاء وضمها وفتحها-.
قوله: " عملُ سُنَة " بالرفع على أنه اسم " كان ".
قوله: " أجر صيامها " بالرفع أيضاً على أنه بدل من العمل/.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي:
حديث أوس بن أوس حديث حسن.
330-
ص- حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن خالد بن يزيد،
عن سعيد بن أبي هلال، عن عبادة بن نُسن، عن أوس الثقفي، عن رسول
الله- عليه السلام أنه قال: " من غسَّلَ رأسَه يومَ الجُمُعة واغتسلَ " ثم
ساق نحوه (2) .
(1) أي: " فحينئذ ".
(2)
انظر الحديث السابق.
ش- خالد بن يزيد المصري أبو عبد الرحيم الإسكندراني، مولى
أبي الصنيع، وقيل: ابن أبي الصنيع الجمحي مولى عمير بن وهب،
وكان فقيهاً مفتياً. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وأبي الزبير، وسعيد
ابن أبي هلال، والزهري. روى عنه: الليث بن سَعد، وحيوة بن
شريح، والمفضل بن فضالة، وابن لهيعة. قال أبو زرعة: مصري ثقة.
وقال أبو حاتم: لا بأس به 0 توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. روى
الجماعة (1) .
فوله: " ثم غسل رأسه " بالتشديد، وقد قلنا: إنه عليه السلام
حرضهم بذلك لكونهم أصحاب لمم وشعور.
قوله: " ثم ساق " أي: ثم ساق قتيبةُ الحديث نحو ما ذكر.
331-
ص- حدَثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المصريان (2) قالا:
ثنا ابن وهب، فال ابن أبي عقيل: فال (3) : أخبرني أسامة- يعني: ابن
زيد- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص،
عن النبي- عليه السلام أنه فال: " مَنِ اغتسلَ يَومَ الجُمُعَة، ومَسَّ من
طِيب امرأته إن كان لها، ولَبِسَ من صَالح ثيابه، ثم لم يَتَخَطَّ رِقَابَ الناسِ،
ولمَ يَلغُ عَنَدَ المَوعظة، كانت كفارةً لما بَينهَمَا، ومن لَغَى وتَخَطَّى رِقابَ
الناسِ كانت له ظُهراً " (4) .
ش- اسم ابن أبي عقيل: عبد الغني، وقد مر بيانه.
قوله: " عند الموعظة " أي: الخطبة؛ لأن فيها الموعظة وغيرها.
قوله: " لما بينهما " أي: لما بين الجمعتين.
قوله: " كانت له ظهراً " أي: كانت جمعته له ظهراَ، بمعنى: أن
الفضيلة التي كانت تحصل له من الجمعة لم تحصل له، لفوات شروط هذه
الفضيلة. وهذا الحديث فيه عمرو بن شعيب، وقد تقدم الخلاف فيه.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1666) .
(2)
في الأصل: " البصريان " خطأ
(3)
كذا، والجادة حذفها.
(4)
تفرد به أبو داود.
332-
ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا محمد بن بشر قال: ثنا
زكرياء قال: ثنا مصعب بن شيبة (1) ، عن طلق بن حبيب العنزي، عن عبد الله
ابن الزبير، عن عائشةَ أنها حدثته: " أن النبيَ- عليه السلام كان يَغتسلُ
من أربعٍ: من الجنابةِ، ويومَ الجُمُعةِ، ومن الحِجَامةِ، ومن غَسلِ المَيتِ " (2) .
ش- محمد بن بشر العَبدي، وزكرياء بن أبي زائدة.
قوله: " من أربع " أي: من أربع خصال. وقال الخطابي (3) : " قد
يجمع النظم قرائن الألفاظ والأسماء الَمختلفة الأحكام، والمعاني تُرتبها
وتنزلها منازلها، فأما الاغتسال من الجنابة فواجب بالاتفاق، وأما
الاغتسال للجمعة فقد قام الدليل على أنه كان يفعله ويأمر به استحباباً،
ومعقول أن الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى، ولما لا يؤمن أن
يكون قد أصاب المحتجم رشاش من الدم، فالاغتسال منه استظهار
بالطهارة، واستحباب للنظافة، وأما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق
أكثر العلماء على أنه على غير الوجوب، وقد رُوي عن أبي هريرة عن
النبي- عليه السلام قال: " مَن غسل ميتاً فليغتسل "(4) ، ورُوي عن
ابن المسيب، والزهري معنى ذلك، وقال النخعي، وأحمد، وإسحاق:
يتوضأ غاسلُ الميت. ورُوي عن ابن عمر، وابن عباس أنهما قالا: ليس
على غاسل الميت غسل. وقال أحمد: لا يثبت في الاغتسال من غسل
الميت حديث ".
وأبو داود أخرج هذا الحديث في الجنائز وقال: هذا منسوخ. وقال
أيضاً: وحديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليه. ورُوي عنه أيضاً:
حديث مصعب بن شيبة ضعيف. وقال البخاري: حديث عائشة من هذا
(1) في سنن أبي داود: " مصعب بن أبي شيبة " خطأ، وهو مترجم في تهذيب
الكمال (28/5985) .
(2)
تفرد به أبو داود، وسيأتي في كتاب الجنائز، باب: في الغسل من غسل
الميت.
(3)
معالم السنن (1/94) .
(4)
يأني في كتاب الجنائز، باب: في الغسل من غسل الميت.
الباب ليس بذاك. وقال ابن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء،
وكذا قال أحمد. وقال محمد بن يحيى: لا أعلم فيمن غسل ميتاً
فليغتسل حديثاً ثابتاً، ولو ثبت لزمنا استعماله.
333-
ص- حدَثنا محمود بن خالد الدمشقي قال: ثنا مروان قال: ثنا
علي بن حوشب قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: " غسَّلَ واغتسلَ "،
فقال: غسلَ رأسَه وجسَده " (1) .
ش- مروان بن معاوية/الكوفي.
وعلي بن حوشب الدمشقي أبو سليمان الفزاري، ويُقال: السَّلمي.
سمع: مكحولاً، وأبا سلام الأسود، وأباه حوشباً 0 روى عنه: مروان
ابن معاوية، والوليد بن مسلم، وأبو توبة، وغيرهم. قال أبو زرعة عن
عبد الرحيم بن إبراهيم إنه ثقة. روى له أبو داود (2) .
ومكحول بن زيد الدمشقي.
قوله: " غسل " بالتشديد، جعل مكحول " غسَّل " راجعاً إلى غسل
الرأس والبدن جميعاً كما ذكرناه.
334-
ص- حدَّثنا محمد بن الوليد الدمشقي قال: ثنا أبو مسهر قال:
قال سعيد بنِ عبد العزيز في قوله: " غسَّلَ واغتسلَ " قال: " غَسَّلَ رأسَه
وغَسلَ سائر جسَدهِ " (3) .
ش- محمد بن الوليد بن هُبيرة: أبو هبيرة القلانسي الهاشمي
الدمشقي. روى عن: أبي مسهر الدمشقي، ويوسف بن السَفر. روى
عنه: أبو داود تفسير حديث، وهو هذا الحديث، وعبد الله بن محمد بن
مسلم المقدسي (4) .
وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الغَسَاني
(1) النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4062) .
(3)
تفرد به أبو داود.
(4)
المصدر السابق (26/5677)
الدمشقي. سمع: مالك بن أنس، وسعيد بن عبد العزيز، ويحيى بن
حمزة، وجماعة آخرين 0 روى عنه: ابن معين، وأبو نعيم،
وأبو حاتم، والبخاري، وجماعة آخرون كثيرة. توفي ببغداد يوم
الأربعاء ليومين مضيا من رجب، سنة ثمان عشرة ومائتين، وهو ابن
سبعين سنة، ودفن بباب التين. روى له الجماعة إلا البخاري (1)
وسعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي أبو محمد، ويقال:
أبو عبد العزيز الدمشقي، فقيه أهل الشام ومُفتِيهم بعد الأوزاعي، سأل
عطاء بن أبي رباح عن مسألة. وسمع: الزهري، وعبد العزيز بن
صهيب، وزيد بن أسلم، ومكحولاً، وعطاء الخراساني، وغيرهم.
روى عنه: الثوري، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد الطاطري،
وأبو مسهر، ومحمد بن إسحاق الرافعي، وغيرهم. قال ابن معين
وأبو حاتم: ثقة. مات سنة سبع وستين ومائة، وهو ابن بضع وسبعين
سنة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قال: غسّل رأسه " أي: قال سعيد بن عبد العزيز: معنى قوله
عليه السلام: " غسل واغتسل " غسل رأسه، وغسل سائر جسده.
335-
ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سُمى، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام قال: " مَنِ
اغتسلَ يومَ الجُمُعَة غسل الجنابَةِ، ثم رَاح، فكأنما قَرَبَ بَدنة، ومَن راح فيِ
الساعة الثانية، فكَأنما قَربَ بَقرةً، ومن رَاح في الساعة الثالثة فكأنما قَرَّب
كبشاً أقرنَ، وَمن راح في الساعةِ الرابعة، فكأنما قَرَّبَ دَجَاجةً، َ ومن راح في
الساعةِ الخامسة فكأنما قَرَّبَ بَيضَةً، َ فإذا خَرجَ الإمامُ حَضَرَت الملائكةُ
يَستَمِعُونَ الذكر " (3) .
(1) المصدر السابق (16/3691) .
(2)
المصدر السابق (10/2320) .
(3)
البخاري: كتاب الجمعة، باب: فضل الجمعة (1 88)، مسلم: كتاب
الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة (24/850)، الترمذي: كتاب
الجمعة، باب: ما جاء في التبكير إلى الجمعة (499)، النسائي: كتاب
ش- مالك بن أنس، وسُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن،
وأبو صالح ذكوان السمان.
قوله: " غُسل الجنابة " منصوب بنزع الخافض، أي، غسلا كغسل
الجنابة في الصفات، هذا هو المشهور. وقيل: المراد غسل الجنابة حقيقةَ،
فلذا قالوا: يستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض لبصره، وأسكن
لنفسه. وهذا ضعيف، والصواب ما قدمناه.
قوله: " ثم راح " المراد بالرواح الذهاب أول النهار. وقال مالك:
المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، وبه قال القاضي
حسين، وإمام الحرمين. والرواح عندهم بعد الزوال، وادَّعوا أن هذا
معناه في اللغة. وقال جماهير العلماء باستحباب التبكير إليها أول النهار،
وبه قال الشافعي، وابن حبيب المالكي، والساعات عندهم من أول
النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره. وقال الأزهري: لغة العرب أن
الرواح الذهاب، سواء كان أول النهار وآخره أو في الليل. وهذا هو
الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى؛ لأن النبي- عليه السلام أخبر
أن اللائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى، وهو كالمُهدِي بدنة، ثم
من جاء في الساعة الثانية، ثم في الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة،
وفي رواية النسائي: " السادسة "، فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم
يكتبوا بعد ذلك/واحداَ، ومعلوم أن النبي- عليه السلام كان يخرج
إلى الجمعة متصلَا بالزوال؛ وهو بعد انقضاء الساعة السادسة؛ فدل على
أنه لا شيء من الهدي، والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولاشك ذكر
الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها، والترغيب في فضيلة السبق،
وتحصيل الصف الأول وانتظارها، والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه،
وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال؛
لأن النداء يكون حينئذ، ويحرم التخلف بعد النداء.
الجمعة، باب: ما جاء في التبكير إلى الجمعة (3/97)، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: ما جاء في التهجير إلى الجمعة (1092) .
قوله: " فكأنما قرب " أي: تصدق.
قوله: " بدنةً " البدنة تطلق على الإبل والبقر، وخصّصها مالك بالإبل،
وتقع على الذكر والأنثى، و " الهاء " فيها للوحدة كقمحة وشعيرة
ونحوهما من أفراد الجنس؛ سميت بذلك لعظم بدنها؛ ولكن المراد هاهنا
من البدنة الإبل بالاتفاق؛ لتصريح الحديث بذلك.
قوله: " كبشاً أفرن " وصفه بأقرن؛ لأنه أكملُ وأحسن صورة؛ ولأن
القرن ينتفع به.
قوله: " دجاجةً " بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان، وتقع على
الذكر والأنثى، فإن قيل: كيف التقرب بالدجاجة والبيضة؟ قلنا: قد
ذكرنا أن معنى قوله: " قرب ": تصدّق: ويحوز التصدق بالدجاجة
والبيضة ونحوهما؛ وفيه دليل على أن التقرّب والصدقة يقع على القليل
والكثير، وقد جاء في رواية النسائي بعد " الكبش ":" بطة " ثم
" دجاجة " ثم " بيضةَ "، وفي رواية: بعد " الكبش ": " دجاجة " ثم
" عُصفور " ثم " بيضة ". وإسناد الروايتين صحيح.
قوله: " فإذا خرج الإمام " أي: إلى الخطبة " حضرت الملائكة " بفتح
الضاد وكسرها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح وأشهر، وبه جاء القرآن؛
قال الله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ القسمَةَ)(1)، ثم قالوا: إن هؤلاء
الملائكة غير الحفظة، ووظيفتهم: كتَابة حاضري الجمعة.
قوله: " يستمعون الذكر " أي: الخطبة؛ لأن فيها ذكر الله تعالى،
والثناء عليه، والموعظة والوصيّة للمسلمين. والحديث أخرجه البخاري
ومسلم والترمذي والنسائي. وأخرجه ابن ماجه والنسائي من حديث سعيد
ابن المسيّب، عن أبي هريرة بنحوه.
***
(1) سورة النساء: (8) .