الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضعيف عند أهل الحديث؛ ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقال
أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.
30- بَابُ رَفع الصَوتِ بالأذَان
أي: هذا باب في بيان رفع الصوت بالأذان، وفي بعض النسخ:
" باب رفع الصَوت " فقط، وفي بعضها: " باب ما جاء في رفع الصوت
بالأذان ". الصوتُ زعم قوم أنه اصطكاك أجسام صلبة، وقيل: هو
القَلع، وقيل: هو القرع، وقيل: تموج الهواء. وكل ذًلك باطل؛ لأن
كل ذلك مُبصرٌ لا مَسموع؛ والحق أنه واضح عند العقل، غني عن
التعريف، ومنهم من زعم أن سبَبه/القريب تموج الهواء، وسببَه البعيد:
إمساسٌ عنيف وهو القَرع، أو تفريق عنيف وهو القَلعُ، والصوت القرعيُّ
أشدّ انبساطا من القَلعِيّ.
فإن قلت: ما الفرق بين الصَوت والنطق واللفظ؟ قلت: اللفظ هو
النطق المعتمدُ على مقاطع الفم، فالنطق اللغوي أخصّ من الصوت؛ لأن
الصَوت يكون من حي وغير حيّ، والنطق لا يكون إلا من حيّ؛ واللفظ
أخصّ من النطق، لأنه لا يكون إلا من الإنسان. وإنما ذكرنا هذه الأشياء
وإن كان هذا الموضع ليس محلّها تكثيرا لفائدة المحدّث، وترغيبا له أن لا
يقتصر على معرفة المتون من غير معانيها.
497-
ص- نا حَفص بن عُمر النَّمَريُّ: نا شعبة، عن موسى بن
أبي عثمان، عن أبي يحيِى، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام قال:
" المؤذِّنُ يُغفرُ له مَدى صوته، ويَشهدُ له كلُّ رطب ويابس، وشاهدُ الصلاة
يُكتبُ له خمسٌ وعشرون صَلاة، ويُكفرُ عنه ما بَينهًما " (6) .
ش- مُوسى بن أبي عثمان: التّبَان مولى المغيرة بن شعبة. روى عن:
(1) النسائي: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالأذان (2/12)، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: فضل الأذان وثواب المؤذنين (724) .
أبيه، وأبي يحيى، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير. روى عنه:
أبو الزناد، وشعبة، ومالك بن مغول، والثوري، وقال: وكان مؤذنا،
وكان نعم الشيخ، وكان سمع إبراهيم بن مهاجر. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
وأبو يحيى هذا لم يُنسَب فيُعرف حاله، وفي " الكمال " ذكره في
أبواب الكُنى وقال: أبو يحيى. روى عن: أبي هريرة. روى عنه:
موسى بن أبي عثمان. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " المؤذن " مبتدأ، وخبره:" يُغفر له " وبُني على المجهول لعلم
الفاعل.
قوله: " مَدى صَوته " كلام إِضافي، ومَدَى الشيء: غايته؛ والمعنى:
أنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وُسعَه في رفع الصَوت، فيبلغ الغاية من
المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت، والظاهر: أنه من باب التمثيل
والتشبيه، بمعنى أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدر أن يكون ما بين
أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبٌ تملا تلك المسافة، لغفرها الله له.
قوله: " ويَشهدُ له " أي: للمؤذن يوم القيامة " كل رُطب ويابس " قي
الدنيا، وهذا يتناول الإنس والجن وسائر الحيوانات، وسائر الأشياء
المخلوقة من الرطب واليابس.
فإن قيل: أي شيء يحتاجُ إلى هذه الشهادة وكفى بالله شهيدا؟ قلت:
المرادُ منها: اشتهارُه يومَ القيامة فيما بينهم بالفَضل وعُلو الدرجة، ثم إن
الله تعالى كما يُهين قومًا بشهادة الشاهدين عليهم تحقيقا لفضوحهم على
رءوس الأشهاد، وتَسويدا لوجوههم، فكذلك يكرم قوما بشهادة
الشاهدين، تكميلا لسرورهم،، وتطييبًا لقلوبهم، وبكثرة الشهود نزداد
قرة عيونهم، فأخبر أن المؤذنين كلما كانت أصواتهم أجهر كانت شهودهم
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6281) .
(2)
المصدر السابق (34/7701) .
فإن قيل: أليس قد جُمع بين الحقيقة والجاز في قوله " ويَشهدُ له " لأن
الشهادة حقيقة في حق الإنس والجن، مجاز في حق غيرهما من الأشياء
الرطبة واليابسة؟ قلت: قد عرفتَ أن مَعنى الشهادة كونه مشتهرا بينهم
بالفضل حتى إن كل من شهده عرفه أنه إنما حصل له هذا من أذانه في
الدنيا، فإذن لا شهادة لا حقيقة ولا مجازا.
قوله: " وشاهدُ الصلاة " مبتدأ وخبرُه: " يكتبُ له " والمعنى: حاضِرُ
الصلاة مع الجماعة يكتبُ له أجرُ خمسٍ وَعِشرين صلاةً.
فإن قيل: ما الحكمة في تعبين الخمس والعشرين؟ قلت: الذي ظهر
لي في هذا المقام من الأنوار الإلهية، والأَسرار الربانية، والعنايات
المحمديّة: أن كل حسَنة بعشر أمثالها بالنّص، وأنه لو صلى في بَيته كان
يَحصل له ثواب عشر صلوات، وكذا لو صلى في سُوقه كان يحصل له
ثواب عشر صلوات، كل صلاة بعشرِ، ثم إنه لو صلى بالجماعة يحصل
له ما كان يحصل له/من الصلاة في بَيته وفي سوقه، ويُضاعف له مثله،
فيصير ثواب عشرين صلاةً. وأما زيادة الخمسة؛ فلكونه أدى فرضا من
الفروض الخمسة، فأنعم الله عليه ثواب خمس صلوات أخرى نطير عدد
الفروض الخمسة، زيادة على العشرين، إنعاما وفضلا منه عليه، فيصير
الجملة خمسةً وعشرين. وجواب آخر: أن مراتب الأعداد: آحاد
وعشرات ومئات وألوف: والمائة من الأوساط، وخير الأمور: أوساطها،
والخمسة والعشرون ربع المائة، وللربع حكم الكل.
قوله: " ويكفر عنه ما بَينهما " أي: ما بَين الصلاتين؛ بَين الصلاة التي
صلاّها وبين الصلاة التي تليها؛ والمعنى: تكفر ذنوبه التي ما بينهما غير
الكبائر. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
498-
ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا نُوديَ بالصلاة أدبرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ
حتى لا يَسمعَ التَأذينَ، فإذا قُضِيَ النداءُ أَقبل، حتىَ إذا ثُوِّبَ بالصلاةِ أدبَرَ،
حتى إذا قُضيَ التثويبُ أقيل، حتى بَخطُرَ بين المَرء ونَفسه ويَقول: اذكر كذا،
اذكر كذا، لِمَا لم يكن يَذكُرُ، حتى يَظل (1) الرجل إِن يَدرَي كم صَلَّى " (2) .
ش- عبد الله بن مسلمة القعنبي، ومالك: ابن أنس، وأبو الزناد:
عَبد الله، وعبد الرحمن الأعرج.
قوله: " إذا نودي بالصلاة " أي: إذا أذن بها.
قوله: " أدبر الشيطان وله ضراط " الإدبار: نقيض الإقبال؛ يقال: دَبَر
وأدبر إذا وَلّى؛ والواو في " وله ضراط " للحال. وفي رواية البخاري
ومسلم بدون الواو؛ والجملة الاسمية تقع حالا بلا واو- أيضًا- كما في
قوله: كلمته فوُه إلى فيَّ. وفي رواية مسلم: " وله حصَاص ".
فإن قيل: ما حقيقة هذا الكلام؟ قلت: هذا تمثيل لحال الشيطان عند
هروبه من سماع الأذان بحال مَن حزقه- أمر عظيم، واعتراه خطب
جسيم، حتى لم يزل يحصل له الضُّراط من شدة ما هو فيها؛ لأن الواقع
في شدة عظيمة من خوف وغيره تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يملك
نفسه فينفتح منه مخرج البول والغائط؛ ولما كان الشيطان- عليه اللعنة-
تعتريه شدة عظيمة وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، فيَهرب حتى لا
يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء
الضراط الذي يَنشا من كمال الخوف الشديد؛ وفي الحقيقة: ما ثم
ضراط، ويحوز أن يكون له ريح لأنه روح، ولكن لم نعرف كيفيته (3) .
فإن قيل: ما الحكمة أن الشيطان يهرب من الأذان ولا يَهرب من قراءة
(1) في سنن أبي داود: " يضل " وهى رواية كما سيذكر المصنف.
(2)
البخاري: كتاب الأذان، باب: فضل التأذين (6، 8)، مسلم: كتاب
الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام
والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود
(19/389)، النسائي: كتاب الأذان، باب: فضل التأذين (2/21) .
(3)
بل الظاهر أنه ضراط على وجه الحقيقة، كما قال القاضي عياض وغيره،
وانظر الفتح (2/84) .
القراَن وهي أفضل من الأذان؟ قلت: إنما يفرُ من الأذان وله ضراط لئلا
يسمع فيحتاج أن يَشهد بما سمع إذا استُشهِد يوم القيامة؛ لأنه جاء في
الحديث: " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد
له يوم القيامة (1) " والشيطان- أيضًا- شيء، أو هو داخل في الجنّ لأنه
من الجن والحديث المذكور- أيضًا- " ويَشهد له كل رطب ويابس ".
فإن قيل: الشيطان ليس بأهل للشهادة؛ لأنه كافر، والمراد من
الحديث: يَشهد له المؤمنون من الجن والإنس. قلت: هذا ليس بشيء؛
لأن قوله: " ويَشهد له كل رطب ويابس " يَتناوَله، والأحسن: أن يقال:
إنه يُدبر لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار
شعائر الإسَلام وإعلانه. وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان
بالتوحيد. قال أبو الفرج: فإن قيل: كيف يهرب الشيطان من الأذان،
ويدنو من الصلاة، وفيها القراَن ومُناجاة الحق؟ فالجواب: بُعده عند
الأذان لغيظه من ظهور الدين، وغلبة الحق، وعلى الأذان هَيئة يشتدُ
انزعاجه لها، ولا يكاد يقع فيه رياء ولا غفلة عند النطق به؛ لأن النفس
لا تحضره، وأما الصلاة: فإن النفس تحضر، فيفتح لها الشيطان أبواب
الوساوس.
قوله: " فإذا قضي النداء/أقبل " يعني: إذا فُرغ من الأذان أقبل
الشيطان، لزوال ما يلحقه من الشدة والداهية.
قوله: " حتى إذا ثُوِب بالصلاة " أي: حتى إذا أُقيم لها؛ " (2)
والتثويب هاهنا: الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في
صلاة الفجر: " الصلاة خير من النوم " حسب؛ ومعنى التثويب:
الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه؛ وأصله: أن يلوح الرجل لصاحبه بثَوبه
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالنداء (609) من حديث
أبي سعيد الخدري.
(2)
انظر: معالم السنن (1/134) .
30.
شرخ سنن أبي داوود 2
فيُديرُه عند الأمر يَرهقه من خوف أو عدو، ثم كثر استعماله في كل إعلام
يُجهرُ به صوت؛ وإنما سميت الإقامة تثويبًا؛ لأنه إعلام بإقامة الصلاة،
والأذان إعلام بوقت الصلاة ".
وقيل: سميت الإقامة تثويباً لأنه عود للنداء من ثاب إلى كذا إذا عاد
إليه.
قوله: " حتى يخطر بين المرء ونَفسه " - بضم الطاء وكسرها- قال
عياض: ضبَطناه عن المتقنين بالكسر، وسمعناه من أكثر الرواة بالضم،
قال: والكسر هو الوجه؛ ومعناه: يُوسوس؛ من قولهم: خطر العجل
بذنبه إذا حركه يَضرب به فخذَيه. وأما الضم: فمن السلوك والمرور،
أي: يدنو منه، فيمر بينه وبن قلبه، فيُشغله عما هو فيه، وقال الباجي:
فيحول بين المرء وما يُريده من نفسه من إقباله على صلاته وإخلاصه. وقال
الهجري في " نوادره ": يخطِر بالكسر في كل شيء، وبالضم ضعيف.
قوله: " حتى يظل الرجل إن يدري كم صَلّى " أي: حتى يصير الرجل
ما يَدري كم صلّى من الركعات. و " يطل " بظاء قائمة مفتوحة،
و" الرجل " مرفوع لأن فعله (1) بمعنى يصير كما في قوله تعالى: (ظَل
وَجهُهُ) (2) وقيل: معناه: يبقى ويدوم. وحكى الداوديّ " يضِل "
بالضاد المعجمة المكسورة بمعنى: ينسى ويذهب وهمُه ويَسهو، قال تعالى:
(أن تَضِلَّ إِحدَاهُمَا)(3) . قال ابن قرقول: وحكى الداودي أنه روي
" يضِل " و " يضَل " من الضلال وهو الحَيرة، قال: والكسر في المستقبل
أشهر. قال الحافظ القشيري: ولو روى هذا الرجل " حتى يُضِل الرجلَ "
لكان وَجها صحيحًا، يُريد حتى يُضل الشيطان الرجلَ عَن درايته كم
صلّى، قال: ولا أعلم أحدًا رواه؛ لكنه لو رُوي لكان وَجها صحيحًا في
المعنى غير خارج عَن مراده- عليه السلام، وقوله " إن " بالكسر،
(1) في الأصل: " فاعله ".
(2)
سورة النحل: (58) .
(3)
سورة البقرة: (282) .