الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتُ: كأنه أشار بهذا إلى ضعف الحديث؛ ولكن ليسَ الأمر كما
زعمه؛ أما أولا: فلأن/محمد بن إسحاق مُوثق عند الجمهور، وأما
ثانيا: فإن الحاكم رواه في " مُستدركه (1) " وقال: صحيح على شرط
مُسلم.
***
6- بَابُ: وَقتِ عشاءِ الآخرة
أي: هذا باب في بيان وقت عشاء الأخرة، وفي بَعض النسخ: " باب
ما جاء في وقت عشاء الآخرة " بالإضافة، وفي بعضها: " العشاء
الآخرة " بالصفة؛ وبالإضافة أصحّ.
403-
ص- ثنا مُسدّد: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن بَشير بن ثابت،
عن حبيب بن سالمٍ، عن النعمان بن بَشير قال: " أنا أعلمُ الناسِ بوقت هذه
الصلاة: صلاة العشاء الآخرة، كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَفَيها لسُقُوطِ اَلقَمرِ
لِثالثة " (2) .ًً
شً- أبو عوانة: الوَضَّاحُ، وأبُو بشر هو: جَعفر بن أبي وَحشية
الواسِطيُّ.
وبَشِير- بفتح الباء- بن ثابت: الأنصاري. روى عن: حبيب
ابن سالم. روى عنه: شعبة وغيره. قال ابن معين: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وحبِيب بن سالم: الأنصاري مولى النعمان بن بَشير. روى عن:
النعمان. روى عنه: محمد بن المُنتشر، وإبراهيم بن مهاجر، وأبو بشر
(1)(1/ 190)
(2)
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة
(165)
النسائي: كتاب المواقيت، باب: ما يستحب من تأخير العشاء
(1/ 264)
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/715) .
جَعفر بن أبي وحشيّة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. وقال البخاري:
فيه نطر. روى له: الجماعة إلا البخاريُّ (1) .
والنعمان بن بَشير بن سَعد بن ثعلبة بن جُلاس- بالجيم المضمومة-
أبو عبد الله، وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد قدوم النبي- عليه
السلام-؛ ولد هو وعبد الله بن الزبير عام اثنتين من الهجرة. رُوِيَ له
عن رسول الله مائة حديث وأربعة عشر حديثا. روى عنه ابنه: محمد بن
النعمان، والشعبي، وحبيب بن سالم مولاه، وعروة بن الزبير،
وغيرهم، وكل غيلةً ما بَين حمص وسلميّة في أول سنة أربع وستين. وقال
في " الكمال ": قتل بقرية من قرى حمص يقال لها: حرب بنفسا (2) .
روى له الجماعة (3) .
قوله: " صلاة العشاء الآخرة " بدل من قوله: " الصلاة " في قوله:
" بوقت هذه الصلاة ".
قوله: " لسُقُوط القمر لثالثة " اللام في الوضعين للتوقيت أي: لوقت
سقوط القمر للَيلة ثالثة من الشهر؛ كما في قوله تعالى: (أقم الصَّلَاةَ
لدُلُوك الشمس) (4) أي: لوقت دلوكها، وسقوط القمرَ: وقوعُه
لَلغروبَ: ويغربُ القمر في الليلة الثالثة من الشهر على مُصي ثِنتين
وعشرين درجةً منِ غروب الشمس. وقال أبو بكر: حدثنا هشيم، عن
أبي بشر، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير قال: أنا من أعلم
الناس، أو كأعلم الناس بوقت صلاة رسول الله العِشاء، كان يُصلِيها بعد
سقوط القمر ليلة الثانية من أول الشهرِ. انتهى.
ويَغربُ القمرُ في الليلة الثانية من الشهرِ على مُضي ست (5) عشرة
درجةَ من غروب الشمس
…
(6) . والحديث: أخرجه الَترمذي، والنسائيّ.
(1) المصدر السابق (5/1085) .
(2)
كذا، وفي " معجم البلدان " (2/236) :" حَر بَنَفسَا ".
(3)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/550) ، أسد الغابة
(5/327) ، الإصابة (3/559) .
(4)
سورة الإسراء: (78) .
(5)
في الأصل: " ستة "، وهو خطأ.
(6)
بياض في الأصل قدر سطرين.
404-
ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن (1)
الحكم، عن نافع، عن عبد الله بن عُمر قال: مَكَثنَا ذاتَ ليلة نَنتظرُ رسولَ اللهِ
صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فخرجَ إلينا حينَ ذَهبَ ثُلُثُ الليلِ، أو بعًدَه، فلا نَدرِي:
أشيء شَغًلَهُ أَم غيَرُ ذلك؟ فقال حينَ خرجَ: " أتنتظِرونَ هذه الصلاةَ؟ لولا
أن يَثقُلَ (2) على أمَّتِي لصلَّيتُ بهم هذه الساعة " ثم أمر المؤذنَ فأقامَ
الصلاة " (3) .
شِ- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر، والحكم: ابن
عتيبة.
قوله: " ذات ليلة " قد مر الكلام فيه غير مرة.
قوله: " لصلاة العشاء " أي: لأجل صلاة العشاء.
قوله: " أو بعده " أي: أو بعد الثلث.
قوله: " أشيءٌ شغله " أي: منعه عن الخروج في أول وقتها.
قوله: " هذه الساعةَ " إشارة إلى الساعة التي تلي الثلث الأول من
الليل، وبهذا استدل أصحابنا في فضل التأخير؛ وهو حجّة على مَن فضل
التقديم، وذلك لأنه نبه على تفضيل التأخير بقوله:" لولا أن يَثقل "
وصرّح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، وأنه- عليه السلام خشي أن
يُواظب عليه فيفرض عليهم، أو يتوهموا إيجابه، فلهذا تركه كما ترك
صلاة التراويح/وعلل تركها بخشية افتراضها والعجز عنها. وقال
الخطابيّ وغيره: إنما استحب تأخيرها لتطول مدة انتظار الصلاة، ومنتظر
الصلاة في صلاةٍ. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
405-
ص- نا عمرو بن عثمان الحمصي، [عن أبيه] ، نا حَريز، عن
راشد بن سَعد، عن عاصم بن حُمَيدَ السَّكوني، أنه سمع معاذَ بن جبل
(1) في الأصل " بن " خطأ.
(2)
في سنن أبي داود: " تثقل ".
(3)
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: وقت العشاء وتأخيره 220
(639)
، النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت العشاء (1/267) .
يَقول: بَقَينَا (1) النبيَ- عليه السلام في صَلاة العَتمة، فتأخرَ (2) حتى ظَنَّ
الظانُ أنه ليسَ بخارج والقائلُ منا يقولُ: صلى، فإنا لكَذلك حتى خَرَج النبيُّ
عليه السلام فقالوا له كما قالوا، فقال (3) : " أَعتمُوا بهذه الصلاة؛
فإنكم قد فُضَلتُم بها على سائر الأمم، ولم يُصَلِّهَا (4) أمة قبلَكم " (5) .
ش- عَمرو بن عثمان القرشي الحمصي. وحَريز: ابن عثمان الحِمصي
الشامي أبو عون، وراشد بن سَعد: المقرائي.
وعاصم بن حُمَيد السكوني- بفتح السين- الحمصي، شهد خطبة
عمر بالجابية. وروى عن: عمر. وسمع: معاذ بن جبل، وعوف بن
مالك الأشجعي، وأزهر بن سَعد وغيرهم. روى عنه: راشد بن سَعد،
وغيره. وقال الدارقطني: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه (6) .
قوله: " بَقَينا النبي- عليه السلام " - بفتح القاف- أي: انتظرناه؛
يقال: بقَيت الرجل أبقيه إذا انتظرتَه؛ قال كثير.
فما زلتُ أَبقي الظُعنَ حتى كأنها
…
أُواقِي سُديً يَغتالُهنّ الحوائلُ
قوله: " في صلاة العتمة " أي: صلاة العشاء الآخرة؛ وإنما قال
" العتمة " لأن العرب يُطلقون العشاء على المغرب، ولو قال في صلاة
العشاء رُبما توهم أن المراد المغرب.
قوله: " فإنا لكذلك " اللام المفتوحة فيه للتأكيد أي: فإنا على هذه
الحالة حتى خرج علينا النبي- عليه السلام.
قوله: " أعتموا بهذه الصلاة " أي: أخروا هذه الصلاة- أي: العشاء
الآخرة.
(1) في سنن أبي داود: " أبقينا "، وفي التحفة (8/11319)" ارتقبنا ".
(2)
في سنن أبي داود: " فأخر ".
(3)
في سنن أبي داود: " فقال لهم "
(4)
في سنن أبي داود: " ولم تصلها ".
(5)
تفرد به أبو داود.
(6)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/3004) .
19 * شرح سنن أبي داوود 2
قوله: " فإنكم "" الفاء " فيه للتعليل.
قوله: " بها " أي: بصلاة العتمة.
فإن قيل: كيف يكون تفضيلهم بهذه الصلاة على سائر الأمم علةَ
للإعتام؟ قلتُ: لأن سائر الأمم لم يُعتموا؛ لأن قوله: " ولم يُصَفها أمة
قبلكم " يحتملُ مَعنيين؛ الأول: أنهم لم يُصلوا العتمة أصلا؛ وهو
الظاهر، والثاني: أنهم لم يُعتموا بها وإن كانوا صلوها، فيكون تفضيل
هذه الأمة على غيرهم، إما بمعنى أن غيرهم لم يُصلوها أصلا، أو بمعنى
أنهم أعتموا وغيرهم لم يُعتموا؛ والقَرينة تُرجح المعنى الثاني،. وأن
تَفضِيلهم على غيرهم بالإعتامَ، وأن الإعتامَ أفضلُ من التقديم.
فإن قيل: قد نهى عن إطلاق اسم العتمة على العشاء، كما في
" صحيح مسلم ": " لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء؛ فإنها في
كتاب الله: العشاء؛ وإنها تعتم بحلاب الإبل " معناه: أن الأعراب
يسمونها العتمة؛ لكونهم يعتمون بحلاب الإبل. أي: يؤخرونه إلى شدة
الظلام؛ وإنما اسمُها في كتاب الله: العشاء، في قوله تعالى: (وَمن
بَعد صَلاة العشَاء) (1) . فينبغي لكم أن تسموها العشاء. قلت: قَد
جاءَ في الَأحاَديثَ الصحيحة تمسيتها بالعتمة؛ كحديث: " لو يَعلمون ما
في الصبح والعتمة لأتوها ولو حَبوا " وغير ذلك.
وأما النهي: فهو للتنزيه؛ لا للتحريم، ويمكن أن يكون استعمالها
- أيضا- لمن لا يَعرف العشاء، فيُخاطب بما يعرفه، أو لأنها أشهر عند
العرب من العشاء.
406-
ص- نا مسدد: نا بشرُ بن المُفضّل: ثنا داود بن أبي هند، عن
أبي نَضرة، عن أبي سَعيد الخدَريّ قال: صَلَّينَا مع رسول الله صَلاةَ العَتمَة
فلم يخرج حتى مَضى نحوٌ من شَطر الليلِ فقال: " خُذُوا مَقاعَدَكُم " فأخذناَ
مَقَاعِدَنَا، فقال: " إن الناس قد صلُوا وأخذُوا مضاجِعَهُم، وإَنكم لن تَزَالُوا
(1) سورة النور: (58) .
في صَلاة ما انتظرتُمُ الصلاةَ، ولولا ضُعفُ الضَّعيفِ، وسِقَمُ السَّقِيم
لأخرتُ هًذه الصلاةَ إلى شَطرِ الليلِ " (1) .
ش- أبو نَضرة: منذرُ بن مالك العَوَقي- بفتح العين وفتح الواو
وبالقاف- العبدي البصري.
قوله: " فلم يخرج " أي: لم يخرج لصلاة العتمة حتى مَضى نحو من
شطر الليل؛ يَدُل عليه ما روى ابن ماجه هذا الحديث من رواية داود بن
أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي- عليه السلام
صلى المغربَ ثم لم يخرج حتى ذهبَ شَطرُ الليل، ثم خرج فصلى
بهم/وقال: " لولا الضَعيفُ والسقيمُ لأحبَبتُ أن أُؤخر هذه الصلاة إلى
شَطر الليل "
قوله: " حتى مضى نحوٌ " أي: مثل " من شطر الليل " أي: نصفه
وارتفاعه على أنه فاعل مضى.
قوله: " مقاعدكم " المقاعد: مواضع قعود الناس في دورهم وغَيرها.
والمضاجع: جمع مضجع، وهو موضع النوم.
قوله: " إن الناس قد صلُّوا " المراد منهم: المسلمون الذين لم يحضروا
صلاة العتمة في هذه الليلة مع النبي- عليه السلام، فلهذا خاطب
الحاضرين بقوله: " إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة " أي:
مادُمتم منتظرين الصلاة.
قوله: " ولولا ضُعف الضعيف وسقم السقيم " أي: لولا الضعف
والسقم مَوجودان بَين الناس لأخرتُ هذه الصلاة- أي: صلاة العتمة-
إلى نصف الليل كل وَقت؛ ولكن تركه لوجود الضعف والسقم؛ لأن
" لولا " لانتفاء الثاني لوجود الأول؛ نحو: لولا زيد لهلك عَمرو؛ فإن
هلاك عَمرو مُنتفٍ لوجود زَيد، وأما " لو " فإنه لانتفاء الثاني لانتفاء
الأول؛ نحو: لو جئتني لأكرمتًك؛ فإن الإكرام منتفٍ لانتفاء المجيء.
(1) النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت العشاء (1/268)، ابن ماجه:
كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة العشاء (693) .