الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: " الدعاء " مُعرف بالألف واللام بتناول جنس الدعاء، أو
الاستغراق فيتناولُ الدعاء بأمُور الدنيا والآخرة. والحديث: أخرجه
الترمذي، والنسائي في اليوم والليلة، وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه النسائي من حديث بريد بن أبي مريم، عن أنس، وهو أجود من
حديث معاوية بن قُرة. وقد رُوِيَ عن قتادة، عن أنس موقوفًا.
***
35- باب: مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُؤذنَ
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل إذا سمع المؤذن يؤذن.
504-
ص- نا عبد الله بن مَسلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب،
عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا سمعتمُ النداء فقولُوا مثلَ ما يقولُ المؤذنُ "(1) .
ش- النداء: الأذان؛ والفرق بينهما: أن لفظ الأذان أو التأذين أخص
من لفظ النداء لغة وشرعا. وهذا الحديث: خرجه الأئمة الستة. ثم
الذي يستفادُ من عموم هذا الحديث أن يقولَ من يَسمع الأذان مثل ما يقول
المؤذن حتى يفرغ من أذانه كله؛ وهو مذهب الشافعي. وعند أصحابنا:
يقول مثل ما يقول المؤذن في التكبير والشهادتين، ويقول في الحيعلتين: لا
حول ولا قوة إلا بالله؛ لحديث عمر لما يجئ الآن، وقالوا: إن حديث
أبي سعيد مخصوص بحديث عمر- رضي الله عنه.
واختلفوا أن هذا الأمر على الوجوب أو على الندب؟ فقال الشيخ محيى
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: ما يقول إذا سمع المنادي (611)، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل فول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي
على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل له الوسيلة (1-383)، الترمذي: كتاب الصلاة،
باب: ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن (208)، النسائي: كتاب الأذان، باب:
القول مثل ما يقول المؤذن (2/23)، ابن ماجه: كتاب الأذان، بابا: ما
يقال إذا أذن المؤذن (720) .
الدين (1) : يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من
متطهرِ ومُحدث وجُنُب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة؛ فمن
أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها: أن
يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم
يوافقه في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثلهَ، فلو فعله في الصلاة فهل يكره؟
فيه قولان للشافعي؛ أطهرهما: يكره؛ لكن لا تبطل صلاته، فلو قال:
حيّ على الصلاة أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالماً
بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي. ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح
ونحوهما قطع ما هو فيه، وأتى بمتابعة المؤذن، ويُتابعه في الإقامة
كالأذان؛ إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب
المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم قال سامعه: صدقت
وبررت. هذا تفصيل مذهبنا. وقال أصحابنا: الإجابة واجبة على
السامعين؛ لأن الأمر يدل على الوجوب؛ والإجابة أن يقول مثل ما قاله
المؤذن إلا قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول مكان
قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان
قوله: حي على الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن
إعادة ذلك يشبه المحاكاة والاستهزاء؛ وكذا إذا قال المؤذن: الصلاة خير
من النوم لا يقول السامع مثله؛ ولكن يقول: صدقت وبررت، وينبغي
أن لا يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة، ولا يقرأ القرآن، ولا يُسلم،
ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان
في قراءة القرآن ينبغي أن يقطع القراءة ويسمع الأذان ويجيب ".
وفي/ " فوائد الرُستَغفَنِي ": لو سمع وهو في المسجد يَمضي في
قراءته، وإن كان في بَيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده. وعن
الحلواني: لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مُجيئا، ولو
(1) شرح صحيح مسلم (4/88) .
كان في المسجد ولم يُجب لا يكون آثماً، ولا تجب الإجابة على من لا
تجب عليه الصلاة، ولا يُجيب- أيضا- وهو في الصلاة سواء كانت
فرضا أو نفلاً.
" (1) وقال القاضي عياض: اختلف أصحابنا: هل يحكي المصلي لفظ
المؤذن في صلاة الفريضة أو النافلة؟ أم لا يحكيه فيهما؟ أم يحكيه في
النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال، ثم اختلفوا: هل يقوله عند
سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ ".
وسئل ظهير الدين عن هذه المسألة، فقال: يجب عليه إجابة أذان
مسجده؛ بالفعل.
505-
ص- نا محمد بن سلمة: نا ابن وهب، عن ابن لَهِيعة (2)
وحَيوة وسَعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن
جُبَير، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، أنه سمع النبي- عليه السلام
يَقولُ: " إذا سمعتُمُ المؤذنَ فَقُولُوا مثلَ ما يَقولُ، ثم صَلُوا عَليَ؛ فإنه مَن
صَلَّى عَلَيَ صلاةً صَلَى اللهُ عليه بها عَشراً، ثم سَلُوا (3) لي الوَسيلةَ؛ فإنها
مَنزِلةٌ في الجَنَة، لا تَنبغِي إلا لَعَبد من عباد الله عز وجل، وأرجو أَن أكونَ أنا
هو، فَمن سألً (4) ليَ الوسيلةَ حلت عليهَ الشَفاعةُ " (5) .
ش- محمد بن سلمة: الباهلي الحراني، وعبد الله بن وهب، وعبد الله
ابن لهيعة، وحيوة: ابن شريح.
وسعيد بن أبي أيوب- مقلاص- الخزاعي المصري أبو يحيى. روى
(1) المصدر السابق.
(2)
في سنن أبي داود: " أبي لهيعة " خطأ.
(3)
في سنن أبي داود: " سلوا الله عز وجل ".
(4)
في سنن أبي داود: " سأل الله ".
(5)
مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة (11-384)، الترمذي: كتاب
المناقب، باب (1)(3614)، النسائي: كتاب الأذان، باب: الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان (2/25) .
عن: كعب بن علقمة، وعَقيل بن خالد، وجعفر بن ربيعة وغيرهم.
روى عنه: ابن جريح، وابن المبارك، وابن وهب وغيرهم. قال أحمد
ابن حنبل وأبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة.. تودي زمن
أبي جعفر. روى له: الجماعة (1) .
وكعب بن علقمة: ابن كعب بن عدي أبو عبد الحميد التنوخي
المصري، رأى عبد الله بن الحارث بن جَزء الزبيدي. وروى عن: سعيد
ابن المسيب، وعبد الرحمن بن جبير وغيرهم. روى عنه: سعيد بن
أبي أيوب، والليث بن سَعد، ويحيى بن أيوب وغيرهم. توفي سنة سبع
وعشرين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وعبد الرحمن بن جُبير المصري القرشي مولى نافع بن عبد عمير بن
نضلة القرشي العامري، أدرك عمرو بن العاص. وسمع ابنه: عبد الله
ابن عمرو، وعقبة بن عامر، وخارجة بن حذافة 0 روى عنه: كعب بن
علقمة، ودراج أبو السمح، وعبد الله بن هُبَيرة وغيرهم. توفي سنة سبع
وتسعين. روى له. مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
قوله: " فقولوا مثل ما يقول " يقتضي أن يقول مثل ما يقول المؤذن إلى
آخر الأذان؛ ولكنه مخصوص- أيضا- بحديث عمر- رضي الله عنه.
" ومثل " نصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: فقولوا قولا مثل
قول المؤذن، و " ما " مصدرية.
قوله: " ثم صلُّوا عليَ " أي: بعد الفراغ من الإجابة: صلوا علي.
قوله: " فإنه " أي: فإنّ الشأن؛ والفاء فيه للتعليل.
قوله: " صلاةً " أي: صلاةً واحدةً، ونصبها على الإطلاق.
قوله: " بها " أي: بمقابلة صلاته الواحدة؛ و " الباء " تجيء للمقابلة
كقولك: أخذت هذا بهذا.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2241) .
(2)
المصدر السابق (24/4976) .
(3)
المصدر السابق (17/3783) .
31* شرح سنن أبي داوود 2
قوله: " عشرا " أي: عشر صلوات؛ لقوله تعالى: (مَن جَاءَ
بالحَسَنَة فَلَهُ عَشرُ أمثَالِهَا) (1) وصلاة الله على عبده رحمته عليه؛ لأن الصلاة
من اللهَ: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء.
قوله: " ثم سلوا لي الوسيلة " أي: بعد الفراغ من الإجابة، والصلاة
على النبيّ- عليه السلام: سلوا الله لأجلي الوسيلة؛ الوسيلة: فعيلة؛
وهو في اللغة: ما يتقرب به إلى الغير؛ وجمعها: وسُل (2) ووسائلُ؛
يقال: وَسَل فلان إلى ربّه وَسيلةً وتوسل إليه بوَسيلة إذا تقرب إليه بعملِ،
وفسّرها في الحديث بأنها منزلَة في الجنة بالفاء التفسَيرية بقوله: " فإنها "
أي: فإن الوسيلة منزلة في الجنة، والمنزلة مثل المنزل/وهي المنهلُ والدارُ.
قوله: " لا تَنبغي " واعلم أن قولهم: لا تَنبغي، ويَنبغى من أفعال
المُطاوعة يقولُ: بغَيته فانبغى من بغيتُ الشيء طلبتُه، ويقال: انبغى لك
أن تفعل كذا أي: طاوعك وانقادَ لك فعلُ كذا وقوله تعالى: (هَب لِي
مُلكَا لا يَنبَغي لأحَد) (3) أي: لا يحصل ولا يتأتى؛ ولا يُستعملُ فيه
غيرُ هذين الَلفظين. ويُقال: معنى لا ينبغي: لا يَسهلُ ولا يكون، قال:
في رأس حَلقاء عنقاء مُشرفة
…
لا يَنبغي دونها سَهل ولا جبلُ
قوله: " أن أكون أنا هو " أن، مَصدرية، ومحلّه النصبُ على المفعولية،
والتقدير: أرجو كوني إياه أي: ذلك العَبدَ. و " أنا " إما اسمُ " أكونُ "
وليس في " أكون " شيءٌ، وإما تأكيدٌ لـ " أنا " المُستكن فيه 0 وقوله " هُوَ "
ضمير مرفوع وقع موضع الضمير المنصوب، وتقديره: أن أكون إياه.
قوله: " حلت عليه الشفاعة " الألف واللام فيه بدل من المضاف إليه أي:
حلت عليه شفاعتي. " وحلت " من حل يحل- بالكسر- أي: وَجَبَ،
ويحُل- بالضم- أيضًا أي: نزل؛ وقُرِئَ بهما في قوله تعالى: (فَيَحل
عَلَيكم غَضَبِي) (4) ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: وجوب إجاَبة
المؤذن.
(1) سورة الأنعام: (160) .
(2)
في الأصل: " وسيل " خطأ.
(3)
سورة ص: (35) .
(4)
سورة طه: (81) .
الثانية: وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام بعد الإجابة، ولا
سيما قد ذكر النبي- عليه السلام في الأذان؛ فإن الطحاوي أجب
الصلاة- عليه السلام كلما سمع ذكره؛ وهو المختار.
الثالثة: السؤال من الله الوسيلة للنبي- عليه السلام.
الرابعة: إثبات الشفاعة؛ خلافا للمعتزلة.
والخامسة: اختصاصُ النبي- عليه السلام بالوسيلة يوم القيامة.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
506-
ص- ثنا ابن السَّرح ومحمد بن سلمة قالا: نا ابن وهب، عن
حُييَّ، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عَمرو أن رجلاً قال: يا رسول
الله! إن المؤَذنينَ يَفضلُونَنا، فقال رسولُ الله: " قُل كما يَقُولونَ، فإذا انتهَيتَ
فسل تُعطَ (1) " (2) .
ش- ابن السَّرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عَمرو بن السَّرح
أبو الطاهر القرشي المصري. وعبد الله: ابن وهب.
وحُيَيّ: ابن عبد الله المُعَافري أبو عبد الله المصري. روى عن:
أبي عبد الرحمن الحُبلي. روى عنه: الليث بن سَعد، وابن لهيعة،
وابن وهب وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. وقال ابن
مَعين: ليس به بأس- وقال البخاري: فيه نظر. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) . وحُيي: بضم الحاء المهملة
ويجوز كسرها ويائين الآخرة منهما مشددة.
وأبو عَبد الرحمن، اسمُه: عبد الله بن يزيد الحُبلي العامري المصري.
سمع: عبد الله بن عَمرو، وابن عُمَر، وفضالة بن عُبيد، وأبا ذر
الغفاري وغيرهم. روى عنه: أبو هانئ الخولاني، وبكر بن سوادة،
(1) في سنن أبي داود: " تعطه ".
(2)
النسائي في " عمل اليوم والليلة "(44) .
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1585) .
وعقبة بن مسلم وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. توفي بإفريقية سنة
مائة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) . والحُبلي: بضم الحاء المهملة
وسكون الباء الموحدة.
قوله: " يَفضلُوننا " من فَضلتُه إذا غلبتَه بالفضل، وجوابه بقوله: " قل
كما يقولون " يدلّ على أن الرجل إذا أجاب المؤذن يحصل له فضله مثل ما
حصل للمؤذن.
قوله: " تُعط " مجزوم؛ لأنه جوابُ الأمر؛ وإنما حذف مفعول " سَل "
ليدلّ على العموم. والحديث: أخرجه النسائي في " اليَوم والليلة ".
507-
ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن الحُكَيم بن عبد الله بن
فيس، عن عامر بن سَعد بن أبي وِقّاص، عن سَعد بن أبِي وقّاص، عن
رسول الله- عليه السلام قال: " من قالَ حين يَسمعُ المؤذن: وأنا أشهدُ أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن (2) محمدًا عبدُهُ ورسولُه، رضيتُ
باللهِ ربا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دِينًا غُفِرَ له " (3) .
ش-- الحكيم- بضم الحاء المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر
الحروف- بن عبد الله بن قيس: ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
القرشي المصري، أخو محمد بن عبد الله. سمع: ابن عمر، وعامر
ابن سَعد بن أبي وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم. روى عنه: الليث
وغيره. توفي بمصر سنة ثمان عشرة ومائة. روى له: الجماعة إلا
البخاري (4) .
(1) المصدر السابق (16/3663) .
(2)
في سنن أبي داود: " وأشهد أن ".
(3)
مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل الله له الوسيلة (13-386)، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء (210) ،
النسائي: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند الأذان (2/26)، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن (721) .
(4)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1468) .
وعامر بن/ سَعد بن أبي وقّاص القرشي الزهري المدني. سمع:
أباه، وعثمان بن عفان، وجابر بن سمرة وغيرهم. روى عنه: ابنه:
داود، وسعيد بن المسيّب، وسَعد بن إبراهيم، ومجاهد، والزهري
وغيرهم. توفي بالمدينة سنة أربع ومائة. روى له الجماعة (1)
وسعد بن أبي وقاص- واسم أبي وقاص: مالك- بن أُهَيب بن
عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي
الزهري، يلقى رسول الله عند الأب الخامس، أسلم قديما، وهاجر إلى
المدينة قبل رسول الله، وشهد بدرَا والمشاهد كلها مع رسول الله، وكان
مجاب الدعوة، وهو أول مَن رَمَي بسَهم في سَبيل الله تعالى، وكان يقال
له: فارس الإسلام. رُوِيَ له عن رسول الله مائتا حديث وسبعون
حديثًا، اتفقا منها على خمسة عشر، وانفرد البخاريّ بخمسة ومسلم
بثمانية عشر. روى عنه: ابن عُمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة،
وأولاده: محمد، وإبراهيم، وعامر، ومُصعب بنو سَعد، وسعيد بن
المُسيّب وغيرهم. مات بقَصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة،
وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع وصلى عليه مَروان بن
الحكم سنة خمس وخمسين وهو الأصح. روى له الجماعة (2) .
قوله: " رضيتُ بالله ربّا " أي: قنعتُ به، واكتفيتُ به، ولم أطلب
معه غيره.
قوله: " وبمحمد رسولاً " أي: رضيتُ بمحمد رسولا إليّ وإلى سائر
المسلمين.
قوله: " وبالإسلام دينا " أي: رضيت بالإسلام دينا بمعنى: لم أبتَغ في
غير طريق الإسلام ولم أسلك إلا ما يُوافق شرع محمد- عليه السلام،
أو لم أبتغ غير الإسلام دينا.
(1) المصدر السابق (14/ 3038) .
(2)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/18) ، أسد الغابة
(2/366) ، الإصابة (2/33) .
فإن قيل: بماذا انتصب " ربا " و " رسولاً " و " دينا ". قلت: يحوز
أن تكون منصوبات على التمييز، والتمييز وإن كان الأصل فيه أن يكون
فاعلا في المعنى يحًوز أن يكون مفعولا- أيضا- كقوله تعالى: (وَفَجرنَا
الأرضَ عُيُونًا) (1) ويجوز أن تكون مَنصوبَات على المفعولية؛ لأن
" رَضي " إذا عُدي بالباء يَتَعدى إلى مفعول آخر.
فإن قيل: ما المراد من قوله " دينا "؟ قلت: المراد من الدين هاهنا:
التوحيدُ؛ وبذلك فسر صاحب " الكشاف " ' في قوله تعالى: (ومَن
يَبتَغ غَيرَ الإِسلَام دينا) (2) بمعنى التوحيد. وأما في الحديث الصحيح عن
عُمر قال: " بينمَا نحن عند رسول الله ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ
شديدُ بياض الثياب (3) " إلى آخره فقد أطلق رسول الله الدين على
الإسلام والإيمان والإحسان بقوله: " إنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم "
وإنما علمهم هذه الثلاثة؛ والحاصل في هذا: أن الدين تارةً يُطلقُ على
الثلاثة التي سأل عنها جبريل- عليه السلام، وتارةً يُطلق على الإسلامِ
كما في قوله تعالى: (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكم نعمَتي
وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلَامَ دينا) (4) وبهذا يُمنَعُ قولُ مَن يقولُ: بينَ الآية
والحدَيث معارضةٌ، حيثَ أطلق الدين في الحديث على ثلاثة أشياء، وفي
الآية على شيء واحد، واختلاف الإطلاق إما بالاشتراك أو بالحقيقة
والمجاز، أو بالتواطؤ، ففي الحديث أطلق على مجموع الثلاثة وهو أحد
مَدلُولَيه، وفي الآية أطلق على الإسلام وَحده وهو مُسماه الآخر.
فإن قيل: لم قال بالإسلام ولم يَقل بالإيمان؟ قلت: الإسلام والإيمان
واحد فلا يرد السؤال؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (فأخرَجنَا مَن
كَانَ فِيهَا مِنَ المُؤمِنين فمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيتِ مّنَ المُسلِمِينَ) (5) والمراد
(1) سورة القمر: (12) .
(2)
سورة آل عمران: (85) .
(3)
مسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان
…
(1 / 8)
(4)
سورة المائدة: (3) .
(5)
سورة الذاريات: (35، 36) .
بهما: آل لوط- عليه السلام، فوصفهم تارة بأنهم مؤمنون وتارة
بأنهم مسلمون؛ فدلّ على [أن] الإيمان والإسلام شيء واحد
قوله: " غفر له " جوابُ قوله " من قال " أي: غفر له ذنوبه ما دون
الكبائر.
واستفيد من الحديث أن يقول بعد قوله: وأنا أشهد أن محمدا رسول
الله رضيتُ بالله ربّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينا 0 والحديث:
أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
508-
ص- نا إبراهيم بن مَهدي: نا علي بن مسهر، عن هشام، عن
أبيه، عن عائشة أن رسول الله كان إذا سَمِعَ المؤذنَ يتشهّدُ. قال: " وأنَا،
وأنا " (1) .
ش- إبراهيم بن مهدي: المصيصي، بغدادي الأصل، سكن المصيصة
/وقال البخاري: من الأنبار. روى عن: إبراهيم بن سَعد، وحَمّاد بن
زَيد، وأبي المليح الرقي، وعلي بن مسهر وغيرهم. روى عنه: أحمد
ابن حنبل، وأبو داود، وأبو حاتم الرازي- وقال: كان ثقة-،
والحسن بن محمد الصبّاح. مات سنة أربع وعشرين ومائتين (2) .
وعلي بن مسهر: الكوفي قاضي الموصل. وهشام: ابن عروة بن
الزبير بن العوام.
قوله: " يتشهد " أي: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.
قوله: " قال: وأنا وأنا " أي: قال النبي- عليه السلام: " وأنا أشهد
أن لا إله إلا الله، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله " " وأنا " مبتدأ، وخبره
محذوف وهو قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وكذلك " أنا " الثاني كرّره
لَلتأكيد والمبالغة.
509-
ص- نا محمد بن المثنى: نا محمد بن جَهضم: نا إسماعيل بن
(1) تفرد به أبو داود.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/251) .
جَعفر، عن عمارة بن غَزِيًة، عن خُبَيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن
حفص بن عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده: عمر بن الخطاب، أن
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قالَ المؤذنُ: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدُكُم: الله
أكبر الله كبر، فإذا قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله،
فإذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسوِل الله،
ثم قال: حَيَّ على الصلاة، قال: لا حَول ولا قوةَ إلا بالله، ثم قال: حيَّ على
الفلاح قال: لا حول ولَا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله
أكبر الله كبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبِهِ دخلَ الجنة" (1) .
ش- محمد بن جَهضم: الثقفي أبو جَعفر البصري، يعرف
بالخراساني، أصله خراساني، وسكن أبوه اليمامة وسكن هو البصرة.
سمع: إسماعيل لجن جعفر، وأزهر بن سنان. روى عنه: إسحاق بن
منصور، ويحيى بن محمد، ويعقوب بن سفيان وغيرهم. روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
وإسماعيل بن جعفر: ابن أبي كثير الأنصاري المدني.
وعمارة بن غزية: ابن الحارث بن عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة
الأنصاري المازني المدني. روى عن: عباد بن تميم، ويحيى بن عمارة،
وأبي الزبير، وخبيب بن عبد الرحمن وغيرهم. روى عنه: سليمان بن
بلال، والدراوردي، والثوري وغيرهم. قال أبو زرعة وأحمد بن حنبل:
ثقة. وقال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: ما به بأس وكان
صدوقا. توفي سنة أربعين ومائة 0 روى له: الجماعة إلا البخاريّ (3) .
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسال الله له الوسيلة (12-385) ، والنسائي في
" عمل اليوم والليلة ".
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5123) .
(3)
المصدر السابق (21/4195) .
وخُبَيب بن عبد الرحمن: ابن خُبَيب بن إساف الأنصاري الخزرجي،
أبو الحارث المدني، خال عُبيد الله بن عمر. روى عن: أبيه، عن
جده، وعن: عمته: أُنَيسة، وحفص بن عاصم وغيرهم. روى عنه:
يحيى الأنصاري، وعمارة بن غزيّة، ومالك، وشعبة وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له الجماعة (1) . وخُبيب:
بضم الخاء المعجمة 0
وحفص بن عاصم بن عمر: ابن الخطاب القرشي المدني. سمع أباه،
وعمه: عبد الله بن عُمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري وغيرهم.
روى عنه: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وخبَيب بن
عبد الرحمن: قال الطبري: ثقة مجمع عليه. روى له: الجماعة (2) .
قوله: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله كبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر "
إلى آخره؛ كل نوع من هذا مثنى- كما هو المشروع- فاختصر صلى الله عليه وسلم من
كل نوع شطره تنبيهاًَ على باقيه.
قوله: " لا حول ولا قوة إلا بالله " يجوز فيه خمسة أوجه؛ الأول:
فتحهما بلا تنوين، والثاني: فتح الأول ونصب الثاني منونا، والثالث:
رفعهما منوّنين، والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منونا، والخامس:
عكسه. الحول: الحركة؛ أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله،
قاله ثعلب وغيره. وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير
إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على
طاعته إلا بمعونته؛ وحُكِيَ هذا عن ابن مَسعود. وحكى الجوهري لغة
عربيةً ضعيفة أنه يقال: لا حَيل ولا قوة إلا بالله- بالياء- قال: والحول
والحيل بمعنًى. ويقال في التعبير عن قولهم " لا حول ولا قوة إلا بالله ":
" الحوقلة "؛ قاله الأزهري، وقال الجوهري:" الحولقة "، فعلى الأولى
- وهو الشهور- الحاء والواو من الحول، والقاف/من القوة، واللام
(1) المصدر السابق (8/1678) .
(2)
المصدر السابق (7/1392) .
من اسم الله، وعلى الثاني: الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة،
ومثلها: الحيعلة والبسملة والحمدلة والهَيللة والسَّبحلة، في حيّ على الصلاة
وحي على الفلاح، وبسم الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله.
قوله: " من قلبه " متعلق بقوله: " فقال أحدكم " أي: قال ذلك
خالصا مخلصَا من قلبه؛ لا ممن الأصل في القول والفعل: الإخلاص؛ قال
تعالى: (وَمَا أمِرُوا إِلا لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدينَ)(1) .
قوله: " دخل الجنّة " جواب قوله: " فقال أحدكم " في المَعنى، وجزاء
ذلك القائل. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
510-
ص نا (2) سليمان بن داود العتَكي: نا محمد بن ثابت: حدثني
رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامةَ أو عًن بعضِ
أصحاب النبي- عليه السلام، أن بلالا أخذَ في الإقَامة، فلما أن قال: قد
قَامت الصَلاة، قال النبيُ- عليه السلام:" أقَامَها اَللهُ وَأدَامَها ". وقال في
سائرِ اَلإقامةِ كنحوِ حديثِ عُمر- رضي الله عنه في الأذانِ (3) .
ش- سليمان بن داود: أبو الربيع الزهراني (4) العتكي، ومحمد بن
ثابت: العَبدي البصري، وشهر بن حوشب: أبو سعيد الشامي
الدمشقي، وأبو أمامة، صُدفي بن عجلان الباهلي.
قوله: " أخذ في الإقامة " أي: شرع فيها.
قوله: " أقامها الله وأدَامها " دعاء في صورة الإخبار؛ أي: اللهم أقمها
وأدِمها.
قوله: " وقال في سائر الإقامة " أي: في سائر ألفاظ الإقامة " كنحو
حديث عمر " المذكور آنفا في الأذان.
(1) سورة البينة: (5) .
(2)
جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب ما يقول إذا سمع الإقامة "،
وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3)
تفرد به أبو داود.
(4)
في الأصل: " الزاهراني ".