الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- كِتابُ الصَلَاةِ
أي: هذا الباب في أحكام الصلاة بأنواعها. ولما فرغ عن الطهارة
الصغرى والكبرى بأنواعهما التي هي شرط، شرع في بيان الصلاة التي
هي مشروط، والشرط يسبق المشروط. واشتقاقها من تحريك الصَّلَوَين.
وهما: العظمان الناتئان عند العجيزة، وقيل: من الدعاء؛ فإن كانت
من الأول تكون من الأسماء المغيرة شرعا، المقررة لغةَ، وإن كانت من
الثاني تكون من الأسماء المنقولة، ويقال: أصلها في اللغة: الدعاء؛
فسمّيت ببعض أجزائها.
وقيل: أصلها في اللغة: التعظيم، وسميت العبادة المخصوصة صلاة
لما فيها من تعظيم الربّ 0 والصلاة: اسمٌ وُضع مَوضع المصدر حتى
يقال: صليت صلاةَ، ولا يقال: صليت تصليةَ- وإن كان هو القياس.
وفي الشرع: الصلاة عبارة عن الأركان المعلومة، والأفعال
المخصوصة. وسببها: الوقت، وشرائطها وأركانها مذكورة في الفقه،
وحكمها: سقوط الواجب عن الذمة في الدنيا، وحصول الثواب في
العقبى، وحكمتها: تعظيم الله، يعني: بجميع الأركان والأعضاء
ظاهرِها وباطِنها تبرئا عن عبدة الأوثان قولا وفعلا وهيئةَ.
375-
ص- (1) حدثنا عبد الله بنَ مسلمة، عن مالك، عنه عمّه
أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بنَ عُبَيدِ الله يقول: جَاءَ رجل
إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من أهلِ نَجد، ثَائرَ الرأسِ يُسمَعُ دويُ صوتِه، ولا يُفقَهُ ما
يَقُولُ، حتى دنى فإذا هو يَسألُ عن الإسلام؟ فقالَ رسولُ اَلله: " خمسُ
صَلَواتِ في اليوم واللَّيلةِ ". قال: هل عَلىَّ غيرُهُنَّ؟ قال: (لا، إلا أن
تَطَّوَعَ ". قالَ: وذكر له رسولُ الله صيامَ رمضانَ (2) فقال: هل عليَّ غيرُه؟
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث: " باب فرض الصلاة "
(2)
في سنن أبى داود: " صيام شهر رمضان ".
قال: " لا، إلا أن تَطَّوَعَ ". قالَ: وذكر له رسولُ الله الصدقَةَ قالَ: لهل عَليَ
غيرُهَا؟ قال: " لا، إلا أن تَطَّوَّعَ ". قال: فأدبر الرَجلُ وهو يَقُولُ: والله لا
أزِيدُ على هذا ولا أنقُصُ، فقال رسولُ اللهِ:" أفلَحَ إن صَدقَ "(1) .
ش- مالك: ابن أنس بن مالك، وعمُه: أبُو لسُهَيل نافع بن مالك بن
أبي عامر الأصبحي، أَخو أنس وأُوَيس والربيع، حليف بني تميم.
سمع: أنس بن مالك، وأباه، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد
ابن أبي بكر، وسعيد بن المسيّب، وعلي بن الحسين. وروى عن:
عبد الله بن عُمر، وسهل بن سَعد. روى عنه: الزهري، ومالك بن
أنس، وإسماعيل ومحمد ابنا جَعفر، وعبد العزيز الدراورديّ،
وغيرهم 0 قال أحمد بن حنبل: هو من الثقات. روى له الجماعة (2) .
وأبوه (3) : مالك بن عامر، ويقال: ابن أبي عامر، وهو مالك بن
أبي حُمرة- بالحاء والراء المهملتين- أبو عطية الوداعي (4) الكوفي
الهمداني. سمع: عبد الله بن مَسعود وعائشة الصديقة. وقال ابن سَعد:
روى عن: عمر، وعثمان، وطلحة. روى عنه: خيثمة بن عبد الرحمن،
ومحمد بن سيرين، وعمارة بن عمير، والأعمش، وأبو إسحاق
السبيعي. قال ابن معين، وابن سَعد: هو ثقة، توفي في ولاية مُصعب
ابن الزبير على الكوفة. روى له الجماعة (5) .
قوله: " جاء رجل " هو ضمام (6) بن ثعلبة أخو بني سَعد بن بكر.
قوله: " من أهل نَجد " النجد: الناحية التي بين الحجاز والعراق،
ويقال: ما بَين العراق وبَين وَجرة وغمرة الطائف نجدٌ.
(1) البخاري: كتاب الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام (46)، مسلم: كتاب
الإيمان، باب: الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (8/11)، النسائي:
كتاب الصلاة، باب: كم فرضت في اليوم والليلة (1/226) ، وكتاب الصوم
(4/120) ، وكتاب الإيمان (8/118) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6368) .
(3)
كذا ترجم المصنف لراو آخر، وأما صاحبنا وهو أبو مالك فهو مترجم في
تهذيب الكمال (27/5745) .
(4)
كذا، وفي تهذيب الكمال " الوادعي ".
(5)
المصدر السابق (34/7516) .
(6)
بهامش الأصل كلمة غير مقروءة.
قوله: " ثائرَ الرأس " أي: قائم شعره، مُنتفِشُه. وقال ابن الأثير (1) :
" منتشر شعر الرأس قائمه، فحذف المضاف ".
قلت: مادته واويّة من ثار الغبارُ يثورُ ثورا، والثائر سَاعة ما يخرج من
التراب، ويجوز فيه الرفع على أنه صفة لرجل، ويجوز نَصبه على
الحال.
فإن قلت: إذا وقع الحال عن النكرة وجب تقديم الحال على ذي الحال
فكيف يكون هذا حالا؟ قلت: يجوز وقوع صاحبها نكرة من غير تأخيره
إذا اتصف بشيء كما في المبتدإ، نحو قوله تعالى: (يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ
حَكِيمٍ * أمراً مَن عندنَا) (2) أو أضيف نحو: جاء غلام رجل قائما، أو
وقع بعد نفي كقولهَ تعَالى: (مَا أهلكنا مِن قَريَة إلا وَلَهَا كِتَابٌ معلُوم)(3)
وهنا- أيضاً- اتصف النكرة بقوله: " من أهلً نجد " فافهم.
قوله: " يُسمعُ دَوي/صوته ولا يُفقه ما يقولُ ". روي: " نسمع "
و" نفقه ". بالنون المفتوحة فيهما 0. وروي بالياء آخر الحروف المضمومة
فيهما على بناء المجهول؛ والأول أشهر وأكثر. و " دَوي " - بفتح الدال
وكسر الواو وتشديد الياء- بُعده في الهواء، وحكى صاحب " المطالع "
فيه ضم الدال- أيضَا-؛ والأول أشهر، ويشتق منه الفعل يقال: دَوّى
النحل تَدوِيةً إذا سمعت لهديره دويا، والمُدَوي: السحابُ ذو الرَّعد
المرتجس، والفقه: الفهمُ؛ قال تعالى: (يَفقَهُوا قَولِي)(4) أي:
حتى يفهموا.
فوله: " فإذا هو يسأل عن الإسلام " أي: عن أركان الإسلام؛ ولو كان
السؤال عن نفس الإسلام كان الجواب غير هذا؛ لأن الجَواب ينبغي أن
[يكون] مطابقا للسؤال، فلما أجاب النبي- عليه السلام بقوله:
" خمس صلوات " عرف أن سؤاله عن أركان الإسلام وشرائعه، فأجاب
(1) النهاية (1/229) .
(2)
سورة الدخان: (4، 5) .
(3)
سورة الحجر: (4) .
(4)
سورة طه: (28) ، وذكرت في الأصل " حتى يفقهوا قولي " 0
مطابقا لسؤاله؛ لأن الصلوات الخمس وصيام رمضان وإيتاء الصدقة
المذكورة هاهنا ليست عَين الإسلام؛ وإنما هي أركان الإسلام وشرائعُه كما
ورد في حديث آخر: " بني الإسلام على خمس " الحديث؛ والمبنيّ غير
البني عليه. وقد تكلمت الناس في حقيقة الإسلام والإيمان؛ فقال
الزهري: الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل، واحتج بقوله تعالى:
(قَالَت الأعرَابُ آمنا قُل لَّم تُؤمنُوا وَلَكِن قُولُوا (1) أسلَمنَا) (2) . وقال
البغويَ: الإسلام: اسم لما ظَهر من الأعمال، والإيمان: اسم لما بطن
من الاعتقاد؛ لجوابه- عليه السلام في سؤال جبريل عن الإيمان
والإسلام هكذا. وقال أصحابنا: الإيمان هو التصديق بوجود الله تعالى
وكمالاته وبملائكته وكتبه ورُسُله واليوم الآخر؛ قال الله تعالى: (اَمَنَ
الرَسُولُ بمَا أُنزِلَ إِلَيه مَن ربه) الآية (3) ، وقال النبي- عليه السلام
حين سُئلَ عن الإيمانَ: " أنَ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم
الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى " والأعمال غير داخلة في ماهية
الإيمان؛ خلافا للأشعرية والمعتزلة والخوارج، والإيمان والإسلام
متلازمان، لا عبرة للتصديق بدون الانقياد للأوامر والنواهي، وكذا على
العكس. وأما قول النبي- عليه السلام: " أن تشهد بأن لا إله إلا الله
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " الحديث، فالمراد به: شرائع الإسلام؛ لا
نفس ماهية الإسلام- كما ذكرنا-؛ لأن الفاسق مسلم عند أهل السنة.
وقال الشافعي: الإيمان: التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل
بالأركان. ونقل ذلك عن عليّ- رضى الله عنه- (4) . وأما الإسلام:
فهو بمعنى الاستسلام- أي: الانقياد- لغة، وفي الشرع: الخضوع،
(1) في الأصل: " قوالوا ".
(2)
سورة الحجرات: (14) .
(3)
سورة البقرة: (285) .
(4)
ولا شك أن تعريف الإمام الشافعي للإيمان هو التعريف الذي يرتضيه أهل
العلم، ويعتقده أهل السنة والجماعة قاطبة، وانظر: العقيدة الطحاوية
(ص/332: 357) .
وقبول قول الرسول؛ فإن وجد معه اعتقاد وتصديق بالقلب فهو الإيمان،
وإلا فلا؛ فالإيمان أخصّ من الإسلام، وإطلاق أحدهما على الآخر جائز
بطريق التجوز.
قلنا: الإيمان هو التصديق بالله، والإسلام: إما أن يكون مأخوذا من
التسليم؛ وهو تسليم العبد نفسه لله، أو يكون مأخوذا من الاستسلام وهو
الانقياد. وكيف ما كان فهو راجع إلى ما ذكرنا من تصديقه بالقلب
واعتقاده أنه تعالى حالته لا شريك له.
وجواب آخر: قوله تعالى: (وَمَن يَبتَغ غَيرَ الإسلَام دينا فَلَن يُقبَلَ
منهُ) (1) وقوله تعالى: (إِنَّ الدِّين عندَ الله الإِسلَامُ)(2) بينَ أن دين الله
هَو الإسلام، وأن كل دين غير الإسَلامَ غير مقبول؛ والإيمان دين لا
محالة، فلو كان غير الإسلام لما كان مقبولاً؛ وليس كذلك.
وجواب آخر: لو كانا متغايرين لَتُصور أحدهما بدون الأخر، ولتُصور
مسلم ليس بمؤمن. والجواب عن الآية- أعني: قوله تعالى: (قَالَت
الأعرَابُ آمَنَّا) - أن المراد بـ " أسلمنا ": استَسلمنا أي: انقدنا، وسؤالَ
جبريل- عليه السلام ما كان عن الإسلام؛ بل عن شرائع الإسلام.
قوله: " خمسُ صلوات " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو
خمس صلوات، ويجوز الجرّ؛ على أن يكون بدلا من الإسلام،
والنصب- أيضاً- على تقدير: خُذ أو هاك أو نحو ذلك. ثم هاهنا
محذوف تقديره: إقامة خمس صلوات؛ لأن غير الصلوات الخمس ليست
عَين الإسلام؛ بل إقامتها هي من شرائع الإسلام.
/قوله: " إلا أن تطوع " بتشديد الطاء؛ أصله: تتطوع، فأدغمت
إحدى التاءين في الطاء، وهذه قاعدةٌ: أن التاءين إذا اجتمعتا في باب
التفعل تدغم إحداهما في الأخرى طلبا للتخفيف. وقال ابن الصلاح:
محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف، ثم الاستثناء فيه يجوز أن يكون
منقطعا بمعنى " لكن "؛ والأصح أن يكون مُتصلا، ويستدل به على أن من
(1) سورة اَل عمران: (85) .
(2)
سورة آل عمران: (19) .
شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامُه، واستدلت الشافعية
بهذا أن الوتر غير واجب. والجواب عن هذا: أنه كان قبل وجوب الوتر
يدل أنه لم يذكر فيه الحًج، وسنتكلم على وجوبيّة الوتر في موضعه إن
شاء الله تعالى.
قوله: " وذكر له رسول الله الصدقة " المراد منها: الزكاة؛ كما في قوله
تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ) الآية (1) .
قوله: " فأدبر الر جل " أي: وَلَى.
قوله: " وهو يقول " جملة وقعت حالا عن الضمير الذي في " أدبر ".
قوله: " لا أزيد ولا أنقص " أي: لا أزيد على ما ذكرت ولا أنقص منه
شيئاً.
فإن قيل: كيف قال: " لا أزيد على هذا " وليس في هذا الحديث
جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية، ولا السنن المندوبة؟ قلنا: قد
جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث: قال: " فأخبره رسول الله
بشرائع الإسلام، فأدبر الرجل وهو يقولُ: لا أزيد ولا أنقص مما فرض
الله علي شيئاً " فعلى عموم قوله: " بشرائع الإسلام " وقوله: " مما
فرض الله " يزول الإشكال في الفرائض. وأما النوافل: فقيل: يحتمل
أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد أن لا أزيد في الفرض
بتغيير صفته؛ كأنه يقول: لا أصلي الظهر خمسَا، ويحتمل أنه أراد أنه لا
يصلي النافلة مع أنه لا يُخلُّ بشيء من الفرائض.
قوله: " أفلح إن صدق " أي: فاز وظفر بالنجاة إن صدق في قوله.
قيل: هذا الفلاح راجع إلى قوله: (ألا أنقص " خاصةَ.
قلت: الأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يَزد ولم ينقص
كان مفلحا؛ لأنه أتى بما عليه، ومَن أتى بما عليه فهو مفلح، ينتج أن
هذا مفلح، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد لا يكونُ مفلحا؛ لأنه يعرف
بالضرورة أن الذي يفلح بالواجب فبالندب أولى وأجدر.
(1) سورة التوبة: (60) .
فإن قيل: لم يأت فيه ذكَر الحج، قلت: كان هذا قبل فرضية الحج؛
كما لم يذكر في بعض الأحاديث الصوم، ولم يذكر في بعضها الزكاة.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد؛ الأولى: أن الصلاة ركن أركان
الإسلام.
الثانية: أنها خمس مرات في اليوم والليلة.
الثالثة: أن الصوم- أيضاً- ركن من أركان الإسلام؛ وهو في كل سنة
شهر واحد.
والرابعة: أن إيتاء الزكاة- أيضا- ركن من أركان الإسلام.
والخامسة: أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمّة بالإجماع،
واختلف في حقه- عليه السلام؛ والأصح نسخه.
والسادسة: أن صلاة العيد ليست بفريضة؛ خلافا لأبي سعيد
الإصطخري؛ فإنها فرض كفاية عنده.
والسابعة: أن صوم عاشوراء- ولا صومَ غيرِه- ليس بواجب،
واختلفوا أن صوم عاشوراء كان واجبا قبل رمضان أم لا؟ فعند الشافعي
في الأظهر: ما كان واجبا، وعند أبي حنيفة: كان واجبَا؛ وهو وجه
للشافعي.
والثامنة: أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابَا، وتم
عليه الحول.
التاسعة: أن من يأتي بهذه الخصال ويُواظِب عليها صار مفلحا بلا شك.
والعاشرة: أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد لأجل تعلم علم الدين،
والسؤال عن الأكابر أمر مندوب محبوب.
376-
ص- نا سليمان بن داود: نا إسماعيل بن جَعفر المَديني، عن
أبي سُهيل نافع بن مالك بن أبي عامر بإسناده بهذا الحديث قال: " أفلَحَ
وأبِيهِ إن صَدَقَ، دَخَلَ الجَنةَ وأبِيه إن صَدَقَ " (1) .
(1) انظر الحديث السابق.