الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قيل: قال الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ ": حديث التغليس
ثابت وإنه- عليه السلام داوَم عليه إلى أن فارق الدنيا، ولم يكن- عليه
السلام- يُداوم إلا على ما هو الأفضل، ثم روى حديث ابن مسعود أنه
عليه السلام صلى الصبح بغلسٍ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها،
ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات- عليه السلام لم يَعُد إلى
أن يُسفِر. رواه أبو داود، وابن حبان في " صحيحه " - كلاهما- من
حديث أسامة بن زيد الليثي.
فلتُ: يَردُ هذا: ما أخرجه البخاريّ، ومسلم، عن عبد الرحمن بن
يزيد، عن ابن مسعود قال: ما رأيتُ رسول الله- عليه السلام صلى
صلاةً لغير وقتها إلا بجَمع، فإنه يَجمعُ بين المغرب والعشاء بَجمع،
وصلى صلاةَ الصُبح من الغد قبل وقتها. انتهى، قالت العلماء: يعني:
وقتها المُعتاد في كل يوم، لا أنه صلاّها قبل الفجر، وإنما غلس بها جدا،
ويوضحه رواية البخاري: " والفجر حين نزع "؛ وهذا دليل على أنه
عليه السلام كان يُسفر بالفجر دائمًا، وقلما صلاّها بغلس. وبه
استدلّ الشيخ في " الإمام " لأصحابنا؛ على أن أسامة بن زَيد قد تكلم
فيه؛ فقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ
به، وقال النسائي، والدارقًطني: ليس بالقوي. فثبت بهذا أن زعم
الطحاوي صحيح، وأن رَد الحَازميِّ كلامَ الطحاويِّ مَردود والحق أحق أن
يتبع؛ وهذه التأويلاتُ البعيدة والدوران البعيدُ كلها من آثارِ التعصب من
المتأخرين.
***
8- بَاب في المحافَظة على الوَقت
(1)
أي: هذا باب في بيان المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.
409-
ص- ثنا عَمرو بن عَون: فنا خالد، عن داود بن أبي هند، عن
أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن فضالة، عن أبيه قال: علَمنِي
(1) في سنن أبي داود: ".. على وقت الصلوات ".
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما علَّمني: " وحَافظ على الصلَوات الخَمسِ ". قال:
قلتُ: إنَ هذه ساعات لي فيها أشغالٌ، فأمرنِي (1) بأمرٍ جَامعٍ إذا أنا فعلته
أجزَأ عنِّي، فقال:" حًافظ عَلَى/العَصرَينِ " - وما كانت من لُغَتِنا- فقلتُ:
وما العَصرانِ؟ قال: " صَلاةٌ قبل طُلوع الشمسِ، وصلاة قبلَ غُروبِهَا "(2) .
ش- عَمرو بن عون: الواسطي البزاز، وخالد: ابن عبد الله
الواسطي، وأبو حرب بن أبي الأسود ظالم بن عمرو الديلي.
وعبد الله بن فضالة الليثي. روى عن: أبيه. روى عنه: أبو حَرب
وغيرُه. روى له: أبو داود (3) .
وفضالة الليثي الصحابيّ، اختلف في اسم أبيه. فقيل: فضالة بن
عبد الله. وقيل: ابن وهب بن بجرة بن يحيى بن مالك الأكبر الليثي.
وقال بعضهم: الزهراني، يُعدّ في أهل البصرة. حديثه عن النبي- عليه
السلام- هذا الذي رواه أبو داود. روى عنه: ابنه: عبد الله. روى له:
أبو داود (4) .
قوله: " إن هذه ساعات " أشار بها إلى أوقات الصلوات الخَمس.
فوله: " فأمرني بأمرٍ جامعٍ " أي: جامع لأشياء كثيرة من الخيرات.
قوله: " إذا أنا فعلته أجزأ عني " أي: إذا فعلتُ ذلك الأمر الجامع أجزأ
عني، أي: كفى عني، يُقال: أجزأني الشيء أي: كفاني، ثم فسّر
ذلك الأمر بقوله: فقال: " حافِظ على العَصرين " أي: واظب عليهما
وأدّهما في وَقتيهما مع الجماعة. وحاصل كلام فضالة ومَعناه: أني إذا
واظبتُ على العَصرين كل واحد في وقته المُستحب مع الأداء بالجماعة أجزأ
عني فيما يقع عني من التقصير في غير الصلاة من طاعة الله تعالى من
أبواب الفضائل والقُربات، ويحتمل أن يكون المعنى: أجزأ عني إذا
(1) في سنن أبي داود: " فمرني ".
(2)
تفرد به أبو داود.
(3)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3482) .
(4)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/198) ، أسد الغابة
(4/364) ، الإصابة (3/208) .
قصرتُ في غير العصرين من الصلوات الخمس بأن أؤديها بغير الجماعة أو
في وقتها المكروه بسبب الاشتغال بالأعمال؛ فإن التقصير الذي يُوجد في
ذلك بهذه الحيثية رُبما يُجبرُ ويُجزئ عني بمُواظبتي على العَصرين في أوقاتهما
المُستحبة مع الجماعة؛ وليس المعنى: أنه يجزئ عنه إقامتهما عن غيرهما؛
فإن ذلك لا يجزئ إلا عنهما؛ لا عن غيرهما؛ وكذا كل صلاة تؤدى لا
تُجزئ إلا عن تلك الصلاة بعَينها؛ لا عن غيرها، فافهم
وإنما خصّ- عليه السلام هذين الوقتين؛ لكثرة وقوع الثواني
والكسل فيهما؛ أما الصبح فلأنه عقيب النوم، والقيام من الفراش،
والاشتغال بالماء البارد، ولا سيما في أيام الشتاء، وأما العصر فلأنه في
وقت اشتغال الناس بالبَيع والشراء، والاشتغال بالأعمال، ولا يقوى
أعمال الناس وبَيعُهم وشراؤهم وسائر معاملاتهم إلا في آخر النهار.
قوله: " وما كانت من لغتنا " أي: لُغة إطلاق العَصرين على الصُبح
والعَصر ما كانت من لغتنا، فلذلك قال:" فقلت: ومَا العَصران "؟
فأجاب- عليه السلام بقوله ت " صلاةٌ " أي: أحدهما: صلاةٌ قبل
طلوع الشمس، وهي صلاة الصبح، والأخرى: صلاة قبلِ غروب
الشمس، وهي صلاة العَصر، والعرب قد تحمل أحد الاسمين على
الآخر، فتجمع بينهما في التسمية طلبا للتخفيف كقولهم: " سنة
العُمَرين " لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما والأسودَين: للتمر والماء،
والأصل في العَصرين عند العرب: الليل والنهار. قال حُميد بن ثور.
ولن يَلبث العصران يومٌ وليلةٌ.... إذا طلبا أن يُدركا ما تيمّما
ويُشبه أن يكون إنما قيل لهاتين الصلاتين: العَصران؛ لأنهما يقعان في
طرفي العَصرين؛ وهما الليل والنهار، ويكون هذا من قبيل ذكر المحل
وإرادة الحال. وفي بعض النسخ هذا الحديث مؤخر عن الحديث الذي
يليه، وكذا في نسخة " مختصر السنن " لزكي الدين.
410-
ص- ثنا محمد بن حرب الواسطي: ثنا يزيد بن هارون: أنا
محمد بن مُطرِّف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن عبد الله
الصُّنَابِحي قال: زعمَ أبو محمدٍ أن الوترَ واجبٌ فقال عبادةُ بنُ الصامت:
كَذَبَ أبو محمد، أشهدُ أني سمعتُ رسولَ اللهِ- عليه السلام يقولُ:
" خمسُ صَلَواتً افترضَهُنَّ اللهُ عز وجل، مَن أحسن وضُوءَهُن وصَلَاّهن
لِوَقتِهِنَ، وأتَمَّ رُكوعَهنَّ وخُشُوعَهنَّ، كان له على الله عَهد أن يَغفرَ له، ومَن
لم يَفعل فليس له على اللهِ عها، إن شَاءَ غَفَرَ له، وإنَ شَاءَ عذبهُ " (1) .
ش- محمد بن حَرب: النشائي الواسطي. روى عن: إسماعيل بن
علية، ومحمد بن ربيعة، ويزيد بن هارون وغيرهم 0 روى عنه:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة/وأبو حاتم. وقال:
صدوق، وغيرهم. قال سليمان بن أحمد الطبراني: كان ثقةَ، مات سنة
خمس وخمسين ومائتين (2) .
ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي. ومحمد بن مطرف- ويقال:
ابن طريف- الليثي المدني. وزيد بن أسلمِ: أبو أسامة القرشي المدني
مولى عمر بن الخطاب. وعطاء بن يَسار: مولى ميمونة زوج النبي- عليه
السلام-.
وعبد الله الصنابحي. ويقال: عبد الرحمن بن عُسَيلة بن علي بن
عَسّال، أبو عبد الله الصُّنابحي المرادي؛ وهو منسوب إلى صُنابح بن
زاهر، بطنٌ من مُراد، رحل إلى النبي- عليه السلام فقبض النبيّ- عليه
السلام- وهو في الطريق وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمس أو ست ثم
نزل بالشام. وسمع: أبا بكر الصديق، وعبادة بن الصامت، وبلال بن
رباح، ومُعاذ بن جبل، وشداد بن أوس، وعائشة أم المؤمنين. روى عنه:
(1) النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على الصلوات الخمس (1/230) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء في فرض
الصلوات الخمس والمحافظة عليها (1401) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5137) .
عبد الله بن محيريز، وعطاء بن يَسار، وربيعة بن يزيد الدمشقي،
وغيرهم. قال ابن سَعد: كان ثقةَ قليل الحديث. روى له الجماعة (1) .
وأبو محمد: اسمه: مَسعود البَدري الأنصاري، وله صُحبة.
وعبادة بن الصامت: ابن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن سالم بن
عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، أحد
النقباء ليلة العقبة، شهد العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرا وأحدا، وبيعة
الرضوان والمشاهد كلها. رُوِيَ له عن رسول الله مائة وأحد وثمانون
حديثا، اتفقا منها على ستة أحاديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم
بآخرين. روى عنه: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وشرحبيل بن
حَسنة، وغيرهم. قال الأوزاعي: أول من وُلي قضاء فلسطين: عبادة بن
الصامت، مات بالشام سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنةَ.
ويقال: قبره ببَيت المقدس. ويقال: مات بالرَّملة روى له الجماعة (2) .
قوله: " زعم أبو محمد " زعم يجيء بمعنى " قال " وبمعنى " ظن ".
قوله: " كذب أبو محمد " يُريد أخطأ أبو محمد، ولم يُرد به تعمد
الكذب الذي هو ضد الصدق؛ لأن الكذب إنما يجري في الأخبار،
وأبو محمد هذا إنما أفتى فتيا، ورأى رأيَا، فأخطأ فيما أفتى به، وهو
رجل من الأنصار له صحبة، والكذب عليه في الإخبار غير جائزِ،
والعرب تضع الكذب في مَوضع الخطإ فتقول: كذب سمعي، وكذب
بصري أي: زلّ ولم يدرك ما رأى وما سمع؛ ومن هذا: قوله- عليه
السلام- للرجل الذي وصَف له العَسل: " صدق الله وكذب بطنُ أخيك ".
وبهذا استدل الشافعية على أن الوتر ليس بواجب. والاستدلال به
ضعيفٌ؛ لأن عبادة إنما أنكر أن يكون الوتر كفرض الصلوات الخمس دون
(1) المصدر السابق (16/3679) .
(2)
انظر ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (2/449) ، أسد الغابة
(3/160) ، الإصابة (2/268) .
أن يكون واجبَا؛ ولذلك استشهد بالصلوات الخمس المفروضة في اليوم
والليلة.
قوله: " مَن أحسن وضوءهن " إحسان الوضوء: إسباغه وإكماله.
قوله: " وصلاهن لوقتهن " أي: في وقتهن؛ " اللام " تجيء بمعنى
" في " كما في قوله تعالى: (وَنَضَعُ المَوَازينَ القسطَ ليَوم القيامَةِ)(1) ،
(لا يُجَلَيهَا لوَقتِهَا إلا هُوَ)(2) قيل: ومنه (يَا لَيتَنِي قًدَّمتُ لَحَيَاتِي)(3)
أي: في حيَاتي. ويجوز أن تكون بمعنى " عند " كقولهم. كتبته لخمسٍ
خلون.
قوله: " وأتم ركوعهن " وإتمام الركوع: أن يطمئن فيه ويأتي بتَسبيحه،
ولم يذكر السجود اكتفاء، أي: وسجودهن، كما في قوله تعالى:
(سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَ)(4) أي: والبَرد.
قوله: " وخشوعهن " الخشوعُ: الخَشيةُ؛ والخشوع يكون في الصوت
والبَصر كالخضوع في البدن؛ وإتمام الخشوع: أن تخافت في الأدعية وفي
القراءة فيما يخافت فيه، وأن يكون بَصرُه في موضع سجوده في القيام،
ولا يلتفتُ يمينا وشمالا، وفي ركوعه إلى أصابع رجليه، وفي سجوده
لطرف أنفه، وفي قعوده: إلى حجره.
قوله: " كان له على الله عَهدٌ " أي: يَمين؛ وليس هذا على الله بطريق
الوجوب؛ لأن العبد لا يجب له على الله شيء، وإنما يذكر (5) مثل هدا
بمعنى أنه متحقق لا محالة، أو يذكر على جهة المقابلة. وبنحوه روى
النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في " صحيحه ".
411-
ص- ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، وعبد الله بن مَسلمة قالا:
ثنا عبد الله بن عمر، عن القاسم بن غنام، عن بعض أمهاته، عن أم فروة
(1) سورة الأنبياء (47)
(2)
سورة الأعراف (187) .
(3)
سورة الفجر: (24) .
(4)
سورة النحل: (81) .
(5)
مكررة في الأصل
20* شرح سنن أبي داوود 2
قالت: سُئلَ رسول الله: أَيُّ الأعمال أَفضلُ؟ قال: " الصلاة ير أول
وَقتِهَا " (1) .ً
ش-/محمد بن عَبد الله: ابن عثمان الخزاعي البصري أبو عبد الله.
روى عن: عبد الله بن عمر العمري، وأبي الأشهب، وحماد بن
سلمة، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وغيرهم. قال البخاري: قال لي علي بن محمد: ثقة.
مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. روى عن: ابن ماجه (2) .
وعبد الله بن عُمر: ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي.
والقاسم بن غنّام: الأنصاري. روى عن: عمته أم فروة، وقيل:
عن بعض أمهاته، عن أم فروة. وقيل: عن جدة له، عن أم فروة.
روى عنه: الضحاك بن عثمان، وعبد الله بن عُمرَ. روى له: أبو داود،
والترمذي (3) .
وأم فروة: الأنصارية الصحابيّة، عمّة القاسم بن غنام، حَديثها عنده
عن بَعض أمهاته، عنها. روى لها أبو داود، والترمذي، لها حديث
في الصلاة (4) .
قوله: " أيُ الأعمال أَفضلُ؟ " قد ذكرتُ لك أَن " أيا " اسم مُبهم يُبيّنُه
ما يُضافُ إليه، وأنها خمسة أنواع: استفهاميّةٌ، نحو: أي الأعمال
أفضلُ؟ والباقي قد ذكرناه.
قوله: " الصلاة في أول وقتها " أي: أداء الصلاة في أول وقتها أفضل
الأعمال؛ وذكر " أوّل " هاهنا لأجل الحثّ والتحضيض، والتأكيد على
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوقت الأوّل من الفضل (170)
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5361) .
(3)
المصدر السابق (23/4811) .
(4)
انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/484) ، أسد الغابة
(7/376) ، الإصابة (4/483) .
إقامة الصلوات في أوقاتها، وإلا فالذي يؤديها في ثاني الوقت أو ثالثه أو
رابعه كالذي يُؤديها في أوّله؛ بل الذي يُسفِر بالصُّبح أو يبرِد بالظهر في
الصَيف أفضلُ من الذي يؤديها في أوّل الوَقت.
فإن قيل: كيف التوفيقُ بَين هذا الحديث وبَين قوله- عليه السلام
حين سُئل: " أفي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله "؟ قلت: دلت
القرينة على أن المراد من قوله: أيُّ الأعمال أفضل أعمال الإيمان؟ أي:
أي أعمال الإيمان أفضل؟ قال: الصلاة، وعلى أن المراد من الحديث
الثاني: أيُ الأعمال التي يدخل بها الرجل في ملة الإسلام؟ قال: " إيمان
بالله " أي: التصديق بقلبه، والإقرار بلسانه (1) ، فعلى هذا يكون الصلاة
لوقتها أفضل الأعمال بَعد الإيمان؛ لأن الإيمان أصل كل عبادة، ولا اعتبار
لجميع العبادات إلا بالإيمان.
وأما الأحاديث التي جعل في بعضها الجهاد أفضل الأعمال، وفي
بعضها: الحج، وفي بعضها: بر الوالدين، وفي بعضها: إطعام الطعام
ونحو ذلك فالتوفيق فيها: أنه لا يُرادُ أن كل واحد منها خير جميع الأشياء
من جميع الوجوه، وفي جميع الأحوال والأشخاص؛ بل في حال دون
حال، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، أو يقدر كلمة " مِن "
ويكون التقديرُ: من أفضل الأعمال: الجهاد، ومن أفضل الأعمال:
الحج، ونحو ذلك فافهم.
ص- قال الخزاعي في حديثه: عن عمة له يقال لها: أم فروة قد بايعت
النبي- عليه السلام " أن النبيّ- عليه السلام سُئِل ".
ش- أي: قال محمد بن عبد الله الخزاعي في روايته الحديث عن عبد الله
ابن عمر، عن القاسم بن غنام، عن عمةٍ له يقال لها أتم فروة،
والحاصل: أنه أشار به إلى الاختلاف الذي ذكرناه في ترجمة القاسم بن
(1) تقدم التعليق على أن الإيمان هو " التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل
بالأركان " عند أول حديث في كتاب الصلاة.
غنام. فإن بعضهم قالوا: روى القاسم، عن عمّته أم فروة أن النبي
سُئِل، ومنهم الخزاعي المذكور. وبعضهم قالوا: عن بعض أمهاته، عن
أم فروة أن النبي سُئل؛ ومنهم: عبد الله بن مَسلمة المذكور في الحديث.
وفِي " مختصر السنن ": وأم فروة هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه،
ومن قال فيها: أم فروة الأنصاريّة فقد وهم. وروى الترمذي حديثها هذا
وقال: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عُمر العُمري؛
وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا (1) في هذا الحديث،
وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه.
412-
ص- نا مسدد: نا يحيى، عنَ إسماعيل بن أبي خالد: نا أبو بكر
ابن عُمارة بن رُؤَيبة، عن أبيه: قال: سألَهُ رجلٌ من أهلِ البَصرةِ قال (2) :
أخبرني ما سمعتَ من رسول الله؟ قال: سمعت رسولَ اللهِ، يقولُ: " لا
يَلِج النارَ رجلٌ صَلَّى قبل طلوع الشمسِ، وقبلَ أن تَغرُبَ " قال: أنت
سمعتَه منه؟ - ثلاث مرات- قال: نعم، كل ذلك يقولُ: سَمعَتهُ أذناي،
وَوَعَاهُ قَلبِي. قال الرجلُ: وأنَا سَمِعتُه يَقولُ ذلك (3) .
(1) في جامع الترمذي (1/323) : " واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو
صدوق، وقد تكلم
…
".
(2)
في سنن أبي داود: " فقال ".
(3)
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر
والمحافظة عليهما 213- (634)، النسائي: كتاب الصلاة، باب: فضل
صلاة العصر (1/236) .
تنبيه: سقط من نسخة المصنف حديثان، وقد جاءا في سنن أبي داود برقم
(429، 430) وهما: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا أبو علي
الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد، حدثنا عمران القطان، حدثنا قتادة وأبان،
كلاهما عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس،
على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصام رمضان،
وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى
الأمانة " قالوا: يا أبا الدرداء، وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة.
حدثنا حيوة بن شريح المصري، حدثنا بقيهَ، عن ضبارة بن عبد الله بن
أبي سليك الألهاني، أخبرني ابن نافع، عن ابن شهاب الزهري، قال: قال
سعيد بن المسيب، إن أبا قتادة بن ربعي، أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:=
/ش- يحيى: القطان
وإسماعيل بن أبي خالد: أبو عبد الله البجلي الأَحمَسي مولاهم
الكوفي؛ واسم أبي خالد: هرمز، ويُقال: سَعد، ويُقال: كثير.،
رأى سلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك. وسمع: عبد الله بن أبي أوفى،
وعمرو بن حريث، وأبا كاهل قيس بن عائذ، وأبا جحيفة، ومن
التابعين: قيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي،
وأبا بكر بن عمارة بن رُؤَيبة وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عُيَينة،
وشعبة، وابن المبارك، ووكيع، ويحيى القطان وغيرهم 0 وقال أحمد بن
عبد الله العجلي: هو كوفي ثقة، وكان رجلا صالحا. سمع من
خمسة (1) من أصحاب النبي- عليه السلام وكان طحانا، توفي سنة
خمس وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو بكر بن عمارة بن رُؤيبة الثقفي البصري. سمع: أباه. روى
عنه: عبد الملك بن عُمَير، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق،
ومسعر بن كدام. روى له: مُسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبوه: عُمارة بن رُؤيبة الثقفي من بني جشم بن قسي- وهو ثقيف-
يكنى أبا زُهيرة. رُوِيَ له عن رسول الله تسعة أحاديث. روى له: مسلم
حديثين. روى عنه: ابنه أبو بكر بن عمارة، وحصين بن عبد الرحمن،
وأبو إسحاق السَبِيعي. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " لا يَلح النارَ " أي: لا يَدخلها، من ولج يلج، أصله:
يولج، كيعد أصله: يَوعدُ.
- " قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي
عهدا أن من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن
فلا عهد له عندي ".
(1)
غير واضحة في الأصل، وأثبتناها من تهذيب الكمال.
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/439) .
(3)
المصدر السابق (33/7250) .
(4)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/20) ، أسد الغابة
(4/138) ، الإصابة (2/515) .