المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1- باب: المواقيت - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٢

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌89- باب: الوضوء بعد الغسل

- ‌90- باب: المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌91- باب: الجنب يغسل رأسه بالخِطمِيِّ

- ‌92- باب: فيما يفيض بين المرأة وبين الرجل

- ‌93- باب: في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

- ‌94- باب: الحائض تناول شيئاً لمن كان في المسجد

- ‌95- باب: في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌96- باب: في إتيان الحائض

- ‌97- باب: في الرجل يصيب من امرأته دون الجماع

- ‌98- باب: المرأة تُستحاض ومن قال: تدع الصلاة فيعدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌99- باب: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌101- باب: من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسلُ لهما غسلاً

- ‌102- باب: من قال: تغتسل مرة

- ‌103- باب: من قال المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر

- ‌104- باب: من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الطهر

- ‌105- باب: من قال: تغتسل في الأيام

- ‌106- باب: فيمن قال: توضأ لكل صلاة

- ‌107- باب: فيمن لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

- ‌108- باب: المرأة ترى الكدرة والصفرة

- ‌109- باب: المستحاضة يغشاها زوجها

- ‌110- باب: وقت النفساء

- ‌111- باب: الاغتسال من المحيض

- ‌112- باب: التيمم

- ‌113- باب: الجنب يتيمم

- ‌114- باب: إذا خاف الجنب البرد تيمم

- ‌115- باب: المجدورُ يَتيمّمُ

- ‌117- باب: الغُسل يَوم الجُمعة

- ‌118- باب: الرخصة في ترك الغسل

- ‌120- بَابُ: المرأةِ تَغسلُ ثوبَها الذِي تَلبَسَهُ في حَيضها

- ‌121- بَابُ: الصلاة في الثوبِ الذِي يُصِيبُ أهله فيه

- ‌122- بَابُ: الصَلاةِ في شُعُر النّسَاء

- ‌123- باب: الرّخصَة

- ‌124- بَاب: المني يصيبُ الثوبَ

- ‌125- بَاب: بَول الصَبِيّ يُصِيبُ الثَّوبَ

- ‌126- باب: الأرض يُصيبها البول

- ‌127- بَاب: طَهُور الأرض إذا يبسَت

- ‌128- باب: الأذى يُصيب الذيل

- ‌129- بَاب: الأذَى يُصِيبُ النَّعل

- ‌130- بَاب: الإِعَادَة منَ النجاسَة تكونُ فِي الثوب

- ‌131- بَاب: البُزاق يُصِيبُ الثَّوبَ

- ‌2- كِتابُ الصَلَاةِ

- ‌1- بَابُ: المَواقيت

- ‌2- بَابُ: وقت صلاة النبي- عليه السلام

- ‌3- بَاب: في وَقت الظُّهرِ

- ‌4- بَابُ: مَا جَاء فِي وَقت العَصرِ

- ‌5- بَاب: فِي وَقتِ المَغرب

- ‌6- بَابُ: وَقتِ عشاءِ الآخرة

- ‌7- بَاب: في وَقتِ الصُّبح

- ‌8- بَاب في المحافَظة على الوَقت

- ‌9- بَاب: إذا أَخّر الإمامُ الصلاة عَن الوَقت

- ‌10- باب: مَن نامَ عَن صَلَاة أو نَسيَها

- ‌11- بَاب: في بناء المَسجد

- ‌12- باب: فِي المسَاجدِ تبنى في الدُّور

- ‌13- بَاب: في السُرُج في المسَاجد

- ‌14- بَاب: في حَصَى المَسجد

- ‌15- بَاب: في كنسِ المسجدِ

- ‌16- بَاب: اعتزالُ النَسَاءِ في المَسَاجد عَن الرجالِ

- ‌17- بَابٌ: فيمَا. يَقُولُ الرَّجُلُ عَندَ دُخُولِه المسجدَ

- ‌18 - بَاب: الصَّلاة عندَ دُخُول المَسجد

- ‌19- بَابُ: فَضلِ القُعُودِ في المَسجدِ

- ‌20- بَابٌ: فِي كرَاهِية إنشَادِ الضَّالَّة في المَسجِد

- ‌21- بَاب: في كرَاهِية البُزَاقِ في المَسجِد

- ‌22- بَاب: في المُشرك يَدخُل المَسجدَ

- ‌23- بَابُ: المَواضِع الّتي لا تَجُوز فيها الصلاة

- ‌24- باب: في الصَّلاة في مَبارِك الإبل

- ‌25- باب: مَتَى يُؤمرُ الغلامُ بالصلاةِ

- ‌26- بَابُ: بَدء الأذَانِ

- ‌27- بَابُ: كيفَ الأذانُ

- ‌28- باب في الإقامةِ

- ‌29- بَابُ: الرَّجلِ يؤذن ويُقيمُ آخرُ

- ‌30- بَابُ رَفع الصَوتِ بالأذَان

- ‌31- بَابُ: مَا يجبُ عَلى المؤذنِ من تعاهُدِ الوَقت

- ‌32- باب: أذان فَوق المنارة

- ‌33- بَابُ: المُؤذّن يَستديرُ في أذانِه

- ‌34- باب: في الدُّعاءِ بَينَ الأذَانِ والإقامَةِ

- ‌35- باب: مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُؤذنَ

- ‌36- بَابُ: الدُّعَاءِ عندَ الأذانِ

- ‌37- بَابُ: أخذِ الأجرِ عَلَى التَأذِين

- ‌38- بَابٌ: فِي الأذَانِ قَبل دُخُول الوَقتِ

- ‌39- بَابُ: الخُرُوج منَ المَسجد بَعد الأذان

الفصل: ‌1- باب: المواقيت

ش- سُليمان بن داود: أبو الرَّبيع الزهراني، وإسماعيل بن جَعفر:

ابن أبي كثير المدني الزرقي مولاهم.

قوله: " أفلح وَأبيه " الواو في " وأبيه " للقسم.

فإن قلت: قد نهى رسول الله- عليه السلام أن يحلف الرجل بأبيه،

فكيف هذا؟ قلت (1) :/ليس هذا حَلفَا؛ إنما هو كلمة جرت عادة

العرب أن تُدخلها في كلامها غير قاصدة بَها حقيقة الحلِف؛ والنهي إنما

ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به، ومُضَاهاته

بالله سبحانه وتعالى، وقد يقال: يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن

الحلف بغير الله تعالى، وقد يحتمل أن يكون- عليه السلام أضمر فيه

اسم الله كاًن قال: " رب أبيه "، وإنما نهاهم لأنهم لم يكونوا يضمرون

ذلك؛ وإنما مذهبهم التعظيم لآبائهم.

فإن قيل: لم قال: " إن صدق " ولم يقل: إذا صدق؟ قلت: لأن

صدقه أمر غير مجزوم، وأصل " إن " عدم جزم القائل بوقوع شرطها

ولا (1) وقوعه؛ بل تجويز كل منهما لكونه غير محقق الوقوع كما في

نحو: " إن تكرمني أكرمك " إذ لم يعلم القائل أيكرمه أم لا؟ وأصل " إذا "

الجزم بوقوع الشرط إما تحقيقا كما في: إذا طلعت الشمس، أو خطابيا

كقولك: إذا جاء مُحبّي، فإن مجيئه ليس قطعيّا تحقيقا كطلوع الشمس؛

بل تقديرا باعتبار خطابي- أي: ظني- وهو أنّ المُحبّ يَزورُ المُحِبّ.

والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.

‌1- بَابُ: المَواقيت

أي: هذا باب في بيان مواقيت الصلاةَ؛ والمواقيت جمع وقت على

غير القياس، وفي الأصل جمع ميقات. وفي بعض النسخ: " باب ما

جاء في المواقيت " (2) ، وفي بعضها: " باب في المواقيت ". ولما كان

الوقت سببَا للصلاة قَدّمه عليها لتوقف صحتها على معرفة الوقت.

(1) مكررة في الأصل.

(2)

كما في سنن أبي داود.

ص: 236

377-

ص- نا مسدد: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني عبد الرحمن

ابن فلان بن أبي ربيعة (1) ، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير بن

مطعم، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللهِ: " أمَّنِي جبريلُ عندَ البيت مَرتينِ،

فصلَّى بِي الظُهرَ حينَ زالتِ الشمسُ، وكانت قَدرًا لشّرَاك، وصَلَى بي

العَصرَ حينَ كان ظلُّهُ مثلَه، وصلى بيَ المغربَ حين أفطرَ الصَائمُ، وصلًّى

بيَ العشَاءَ حين غَابً الَشَّفَقُ، وصَلَّى بي الفجرَ حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ

على الَصائِم، فلما كان الغَدُ صَلَى بيَ الظهرَ حين كان ظلُّهُ مثلَه، وصلَّى بي

العَصرَ حين كان ظلُّهُ مثلَيه، وصلَّى بيَ المغربَ حين أفطًرَ الصائمُ، وصفَى

بيَ العشاءَ إلى ثُلُثَ الليلِ، وصلَّى بيَ الفجرَ فأسفَر، ثم التفتَ إِليَّ فقال: يا

محمدُ! هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِكَ، والوقتُ ما بَين هذينِ الوَقتينِ " (2) .

ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري.

وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش (3) بن أبي ربيعة؛ واسم أبي ربيعة:

عمرو بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني أبو الحارث.

روى عن: حكيم بن حكيم، وعَمرو بن شعيب، وزيد بن علي بن

الحسين. روى عنه: الثوري، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن

محمد، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو حاتم: هو صالح. وقال ابن

سَعد: كان ثقةَ. ولد سنة ثمانين عام الجحاف (4)، ومات سنة: ثلاث

وأربعين ومائة. روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه () .

وحكيم بن حكيم: ابن عباد بن حنيف بن واهب بن العكيم الأنصاري

الأوسي المديني. سمع: أبا أمامة بن سهل، ونافع بن جبير بن مطعم.

روى عنه: عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وسهيل بن

(1) في سنن أبي داود بعد كلمة " ربيعة ": قال أبو داود: هو عبد الرحمن بن

الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ".

(2)

الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في مواقيت الصلاة (149) .

(3)

مكررة في الأصل.

(4)

هو الطاعون الجارف الذي كان في تلك السنة، وهو سنة ثمانين.

(5)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/37877) .

ص: 237

أبي صالح. قال ابن سعد: كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه. وقد

روى عنه الكوفيون. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .

ونافع بن جُبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو. محمد، أو

أبو عبد الله القرشي النوفلي، كان ينزل دار أبيه بالمدينة، وبها مات سنة

تسع وتسعين. سمع: العباس بن عبد المطلب، وابنه: عبد الله،

وعليا، والزبير بن العوام، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: عروة بن

الزبير، وعمرو بن دينار، والزهري، وحكيم بن حكيم، وغيرهم.

قال أبو زرعة وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى له الجماعة (2) .

قوله: " أمني جبريل " جبريل ملك ينزل بالوحي على الأنبياء، وأكثر

نزوله كان علَى نبتنا محمد- عليه السلام، ومعنى " جبر ": عَبد،

و" إيل ": الله، ومعناه: عبد الله؛ وفيه تسع لغات حكاهن ابن

الأنباري: جبريل بفتح الجيم وكسرها- وجَبرئِل- بفتح الجيم وهمزة

مكسورة وتشديد اللام- وجبرائيل- بألفٍ وهمزة بعدها ياء- وجبراييل

- بيائين بعد الألف- وجبرئيل- بهمزة بعد الراء وياء بعد الهمزة

- وجبرئل- بكسر الهمزة وتخفيف اللام، وفتح الجيم والراء، وجبرين

بفتح الجيم وكسرها، وبدل اللام نون.

/قوله: " عند البيت " أي: بحضرة الكعبة، وأطلق البيت على الكعبة

بغلبة الاستعمال، كما أطلق النجم على الثريا، والصعِق على خويلد بن

نُفِيل بن عمرو بن كلاب.

قوله: " حين زالت الشمس " وزوالها: انحطاطها عن كبد السماء يسيرًا.

قوله: " وكانت قدر الشراك " الشراك: أحد سيور النعل التي تكون

على وجوهها؛ " (3) وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد؛ ولكن زوال

الشمس لا يبينُ إلا بأقل ما يُرى من الظل وكان ح (4) بمكة هذا القدرُ،

(1) المصدر السابق (7/1455)

(2)

المصدر السابق (29/6359) .

(3)

انظر: النهاية لابن الأثير (2/467- 468) .

(4)

كذا، وهي بمعنى " حينئذ ".

ص: 238

والظل يَختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من

البلاد التي يقِل فيها الظل، فإذا كان أطول النهار، واستوت الشمس فوق

الكعبة لم يُر لشيء من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقربَ إلى خط

الاستواء، ومعدّل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكلما بَعد عنهما إلى

جهة الشمال يكون الظل فيه أطول ".

قوله: " حين كان ظله مثله " وفي بعض الرواية: " حين صار كل ظل

مثله ".

قوله: " حين غاب الشفق " وهو البياض المعترض في الأفق عند

أبي حنيفة، لأنه من أثر النهار. وبه قال زفر، وداود، والمزني،

واختاره المبرد والفراء، وهو قول أبي بكر الصديق، وعائشة،

وأبي هريرة، ومعاذ، وأبيٍّ، وابن زبير، وعمر بن عبد العزيز،

والأوزاعي. وقال أبو يوسف، ومحمد: هو الحمرة. وهو قول مالك،

والشافعي، وأحمد، والثوري، وابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهويه.

وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وشداد بن أوس، وعبادة بن

الصامت، وحكِي عن مكحول وطاوس، وحكي عن أحمد: إنه البياض

في البنيان، والحمرة في الصحارَى. وقال بعضهم: الشفق: اسم

للحمرة والبياض معا؛ إلا أنه إنما يطلق في أحمر ليس بقانٍ، وأبيض ليس

بناصع.

قوله: " حين حرم الطعام والشراب على الصائم " وهو أول طلوع الفجر

الثاني الصادق.

قوله: " حين كان ظله مثلَيه " وهذا آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة؛

لأنه عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى في الزوال يخرج وقت الظهر،

ويدخل وقت العصر. وقال أبو يوسف، ومحمد: إذا صار ظل كل

شيء مثله يخرج وقت الظهر، ويدخل وقت العصر؛ وهو رواية الحسن

ابن زياد عنه. وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والثوري،

وإسحاق؛ ولكن قال الشافعي: آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء

مثليه لمن ليس له عذر، وأما أصحاب العذر والضرورات فآخر وقتها لهم:

غروب الشمس، قبل أن يصلي منها ركعة.

ص: 239

ثم اعلم أن طريق معرفة الزوال أن يُنصب عود مُستو في أرض مُستوية،

فما دام ظل العُود في النقصان علم أن الشمس في الارتفاع لم نزل بعد،

وإن استوى الظلّ عُلم أنها حالة الزوال، فإذا أخذ الظل في الزيادة علم

أنها زالت، فيخط على رأس الزيادة، فيكون رأس الخط إلى العود في

الزوال، فإذا صار العُود مثليه من رأس الخط، لا من العُود خرج وقت

الطهر عند أبي حنيفة، وعندهما: إذا صار مثله من ذلك الخطِّ.

قوله: " وصلى بي المغربَ حين أفطر الصائم " يعني: حين غابت

الشمس، والإجماع على أن أول وقت المغرب: غروب الشمس.

واختلفوا في آخر وقتها؛ فقال مالك، والأوزاعي، والشافعي: لا وقت

للمغرب إلا وقت واحد. وفي كتب الشافعية: قال الشافعي: وقت

المغرب مقدر بمقدار وقوع فعلها فيه مع شروطها، حتى لو مضى ما يسع

فيه ذلك فقد انقضى الوقت. وقال أبو حنيفة وأصحابه: وقت المغرب:

من غروب الشمس إلى غروب الشفق. وبه قال أحمد، والثوري،

وإسحاق بن راهويه، والشافعي في " القديم " قال الثوري: هو

الصحيح، واختاره البغوي، والخطابيّ، والبيهقي، والغزالي. وعن

مالك ثلاث روايات؛ إحداها: كقولنا، والثانية: كقول الشافعي في

" الجديد "، والثالثة: يبقى إلى طلوع الفجر؛ وهو قول عطاء، وطاوس.

قوله: " وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل " يجوز أن يكون " إلى " هاهنا

بمعنى " في " أي: صلى في ثلث الليل؛ ومنه قوله تعالى: (لَيَجمَعَنَّكُم

إِلَى يَوم القيَامَة) (1) أي: في يوم القيامة؛ وهذا وقت استحباب؛ أما

وقت الجوازَ: َ ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي/، ومالك، وأحمد:

هو وقت الضرورة، والوقت المختار إلى ثلث الليل. وقولنا مروي عن

ابن عباس، وإليه ذهب عطاء، وطاوس، وعكرمة.

قوله: " وصلى بي الفجر فأسفر " أي: نَوّرَ. ولا خلاف في أول وقت

الفجر، وأما آخره: فعند أبي حنيفة وأصحابه: ما لم تطلع الشمس.

(1) سورة النساء: (87) .

ص: 240

وقال الشافعي: إلى الإسفار لأصحاب الرفاهية ولمن لا عذر له. وقال:

من صلى ركعةَ من الصبح قبل طلوع الشمس لم يفته الصبح، وهذا في

أصحاب العُذر والضرورات. وقال مالك، وأحمد، وإسحاق بن

راهويه: من صلى ركعة من الصبح وطلعت الشمس أضاف إليها أخرى

وقد أدرك الصبح.

قوله: " هذا وقت الأنبياء من قبلك " هذا يدل على أن الأنبياء عليهم

السلام كانوا يصلون في هذه الأوقات؛ ولكن لا يلزم أن يكون قد صلى

كل منهم في جميع هذه الأوقات، والمعنى: إن صلاتهم كانت في هذه

الأوقات.

قوله: " والوقت ": مبتدأ، وخبره: قوله: " ما بَين هذين الوقتين "،

والإشارة إلى وقتي اليوم الأول واليوم الثاني الذي أم فيهما جبريلُ النبيَّ

عليه السلام.

فإن قيل: هذا يقتضي أن لا يكون الأول والآخر وقتا لها. قلت: لما

صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان منه فعلا، وبقي الاحتياج إلى بيان

ما بين الأول والآخر فبين بالقول.

وجواب آخرُ: أن هذا بيان للوقت المستحبّ؛ إذ الأداء في أول الوقت

ممّا يتعسر على الناس، ويؤدي- أيضاً- إلى تقليل الجماعة، وفي التأخير

إلى آخر الوقت حسن الفوات، فكان المستحب ما بينهما مع قوله- عليه

السلام-: " خير الأمور أوساطها "(1) .

وهذا الحديث هو العمدة في هذا الباب؛ " (2) رواه جماعة من

الصحابة، منهم: ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو مسعود، وأبو هريرة،

وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر.

أما حديث ابن عباس: فهذا الذي أخرجه أبو داود، وأخرجه- أيضاً-

(1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (3/273) من حديث كنانة بن نعيم، وقال:

هذا منقطع.

(2)

انظر: نصب الراية (1/221: 226) .

16* شرح سنن أبى داوود 2

ص: 241

الترمذي. وقال: حديث حسن. ورواه ابن حبان في " صحيحه "

والحاكم في " المستدرك "(1) . وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه،

وعبد الرحمن بن الحارث تكلم فيه أحمد وقال: متروك الحديث، ولينه

النسائي، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، ووثقه ابن سَعد، وابن

حبان. قال في " الإمام ": ورواه أبو بكر بن خزيمة (2) في

" صحيح "(3) . وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": وقد تكلم بعض الناس

في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له ورواته كلهم مشهورون بالعلم.

وقد أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، وابن أبي سَبرة، عن عبد الرحمن

ابن الحارث بإسناده. وأخرجه- أيضاً- عن العمري، عن عمر بن نافع

ابن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس نحوه.

وأما حديث جابِر: فرواه الترمذي، والنسائي. وقال البخاري:

حديث جابر أصح شيء في المواقيت. ورواه ابن حبان في " صحيحه "

والحاكم في " مُستدركه "(4) .

وأما حديث أبي مسعود: فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده ".

وأما حديث أبي هريرة: فرواه البزار في " مصُنفه ". ورواه الحاكم في

" المستدرك "(5) . وقال: صحيح على شرط مسلم.

وأما حديث عمرو بن حزم: فرواه عبد الرزاق في " مُصنفه " وإسحاق

ابن راهويه في " مسنده ".

(1)(1/193) . وأخرجه كذلك أحمد (1/333) ، والدارقطني (1/258) ،

والبيهقي (1/364) .

(2)

في الأصل: " أبو بكر بن أبي خزيمة " خطأ.

(3)

(1/168) كتاب الصلاة، باب: ذكر مواقيت الصلاة.

(4)

الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في المواقيت (150)، النسائي:

كتاب المواقيت، باب: أول وقت العشاء (1/263) ، الحاكم (1/196) ،

والبيهقي (1/368) .

(5)

(1/194) ، ورواه النسائي (1/249) ، والدارقطني (1/261) ، والبيهقي

(1/369) .

ص: 242

وأما حديث الخدري: فرواه أحمد في " مسنده "(1) . ورواه الطحاوي

في " شرح الآثار "(2) .

وأما حديث أنس: فرواه الدارقطني في " سننه "(3) .

وأما حديث ابن عُمر: فرواه الدارقطني (4) - أيضا- وسنذكر بَعضها

عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي هذا القدر كفايةٌ لمن له إلمامٌ بالحديث،

ومَن لم يَعتن به لم يُفِده ولو رويتُ المسَانيدَ والسَنن كلها.

378-

ص- نا محمد بن سَلمة المُراديُ: نا ابن وهب، عن أسامة بن

زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره، أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على

المنبر فأخر العصر شيئاً فقال له عروة بن الزبير: أما إن جبريل- عليه

السلام- قد أخبر محمدا- عليه السلام بوقت الصلاة، فقال له عُمر:

اعلم ما تقول، فقال له عروةُ: سمِعتُ بشيرَ بن أبي مَسعود يقولُ: سمعتُ

أبا مسعود الأنصاريَّ يقولُ: سمعتُ رسولَ الله يقولُ: " نزلَ جبريلُ- عليه

السلام- فا " خبرَني بوقت/الصلاة، فصليت معه، ثم صليتُ معه، ثمِ

صليتُ معه، ثم صَليتَُ معه، ثم صَليتُ معه " يَحسُبُ بأصابعه خمس

صَلَوات، فرأيتُ رسولَ الله صَلى الظهرَ حين تزولُ الشمسُ، ورَبَّما أخّرَهَا

حين يَشًتدَ الحرُ، ورأيتُه يصلِّي العَصرَ والشمسُ مُرتفعةٌ بيضاءُ قبل أن

تدخلها الصَفراءُ، فيَنصَرِفُ الرجلُ من الصلاة، فيأتيَ ذا الحُلَيفَة قبل غرِوب

الشمسِ، ويُصلِّي المغربَ حين تَسقطُ الشمس، ويُصلِّي العِشَاء حين يسوَدُ

الأفُقُ، وربما أخّرَهَا حتى يَجتمعَ الناسُ، وصلَى الصبحَ مرةً بِغَلَس، ثم

صَلَّى مرةً أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاتُهُ بعدَ ذلكَ التَغلِيسَ حتى مًاتَ،

لم يَعُد إلى أن يُسفِرَ (5) .

(1)(3/30) .

(2)

(1/88) .

(3)

(1/260) .

(4)

(1/259) ، وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(5)

البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: مواقيت الصلاة وفضلها (521) ،

مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلاة الخمس 166

(608)

، النسائي: كتاب المواقيت، باب: أخبرنا قتيبة (1/245) ، ابن

ماجه: كتاب الصلاة، باب: مواقيت الصلاة (688) .

ص: 243

ش- ابن وهب: عبد الله، وابن شهاب: الزهري.

وعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن

عبد شمس القرشي الأموي، أبو حفص، الإمام العادل، والخليفة

الراشد، أمه: أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي

الخلافة بعد ابن عمه: سليمان بن عبد الملك، وكان من أئمة العدل،

وأهل الدين والفضل، وكانت ولايته مثل ولاية أبي بكر الصديق: تسعة

وعشرين شهراً. سمع أنس بن مالك، وصلى أنس خلفه. وقال: ما

رأيت أحداٌ أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى. وسمع السائب بن

يزيد. وروى عن: خولة بنت حكيم. وسمع من: عروة بن الزبير،

وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والربيع بن سبرة،

والزهري، وابن المسيب، وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة، والزهري،

وحُميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وجماعة آخرون. قال

الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر

ابن عبد العزيز. توفي سنة إحدى ومائة، وهو ابن تسع وثلاثين سنةَ

وستة أشهر، وكانت وفاته بدير سمعان، وقبره هناك. روى له

الجماعة (1)

وعروة: ابن الزبير بن العوام.

وبَشير بن أبي مَسعود- عقبة- بن عمرو البَدري الأنصاري، قيل: إنه

صحب النبي- عليه السلام ولا يَثبُت سماعُه منه 0 روى عن: أبيه.

روى عنه: عروة بن الزبير، ويونس بن مَيسرة، وهلال بن جبر. روى

له البخاري، ومسلم، وابن ماجه (2) .

وأبو مَسعود: عقبة بن عَمرو بن ثعلبة البَدري، وقد ذكرناه.

قوله: " اعلم ما تقول " بجزم الميم على الأمر؛ وإنما أنكر عروةُ على

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4277) .

(2)

انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/153) ، أسد الغابة

(1/233) ، الإصابة (1/168) .

ص: 244

عمر بن عبد العزيز محتجا بحديث أبي مسعود الأنصاري، وأما تأخيره

هو فلكونه لم يبلغه الحديث، أو كان يرى بجواز التأخير ما لم يخرج

الوقت كما هو مذهب الجمهور.

قوله: " يَحسُبُ بأصابعه " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في

" يقول، وقد مر غير مرة أن الجملة الفعلية الضارعة المثبتة إذا وقعت حالا لا

تحتاج إلى الواو.

قوله: " قبل أن تدخلها الصَّفراءُ " أي: قبل أن تصفرَّ وتتضيف

للغروب. ومن هذا قالت أصحابنا: يكره تأخير العَصر إلى اصفرار

الشمسِ.

قوله: " فيأتي ذا الحليفة " ذو الحليفة هذا ميقات أهل المدينة، بينه وبن

المدينة ستّة أميال أو سَبعة، وهو ماء من مياه بني جُشم. وأما ذو الحليفة

الذي في حديث رافع بن خديج- رضي الله عنه قال: " كنا مع النبي

عليه السلام بذي الحليفة من تهامة فأصَبنا نَهب إبل " فهي نحو ذات

عرق.

قوله: " ويُصلي المغرب حِين تَسقط الشمسُ " أي: حين تقع للغروب.

قوله: " ويُصلي العشاء حين يَسوَدُّ الأفق " والمعنى: حين يغيب الشفق،

لأن الشفق إذا غاب اسود الأفق.

قوله: " بغَلسٍ " الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح:

وليس المراد منه: قبل طلوع الفجر الصادق؛ بل المراد أنه كان صلى

الصبح في أول وقته، وهو طلوع الفجر الصادق، وهذا الوقت يكون

غلسَا؛ لأن النور لا ينتشر فيه جدا. والحديث أخرجه البخاري،

ومسلم، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، ولم يذكروا رؤيته لصلاة

رسول الله. قال الشيخ زكي الدين: وهذه الزيادة في قضية الإسفار

رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة.

ص: 245

فلتُ: فيهم أسامة بن زيد وهو متكلم فيه، وسنوضح الكلام في " باب

وقت الصبح ".

ص- قال أبو داود: روى هذا الحديث عن الزهري: معمر، ومالك،

وابن عُيَينة، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سَعد، وغيرهم؛ لم يذكروا

الوقتَ/الذي صلى فيه ولم يُفَسروه.

ش- أي: روى الحديث المذكور عن محمد بن مسلم الزهري: معمر

ابن راشد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عُيَينة، وشعيب بن أبي حمزة

القرشي الحمصي. ورواه ابن حبان في " صحيحه " عن ابن خزيمة بسنده

عن أسامة به، قال ابن حبان: " لم يُسفر النبي- عليه السلام بالفجر

إلا مرةَ واحدةَ "، وستأتي الأحاديث التي وردت في الإسناد.

ص- وكذلك- أيضاً- رواه هشام بن عروة، وحبيب بن أبي مرزوق،

عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه؛ إلا أن حبيبا لم يذكر بشيرا.

ش- أي: كذلك روى هذا الحديث هشام بن عروة بن الزبير، وحبيب

ابن أبي مرزوق، عن عروة كرواية معمر بن راشد وأصحابه المذكورين؛

إلا أن حبيب بن أبي مرزوق لم يذكر بشير بن أبي مَسعود.

وحبيب بن أبي مرزوق الرقي سمع: نافعا مولى ابن عمر، وعطاء بن

أبي رباح، وعروة بن الزبير روى عنه: جَعفر بن برقان، وأبو المليح.

قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسَا. وقال ابن معين: مشهور. وقال

هلال بن العلاء: شيخ صالح، بلغني أنه اشترى نفسه من الله عز وجل

ثلاث مرات. روى له: الترمذي، والنسائي (1) .

ص- وروى وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي- عليه السلام:

وقت المغرب قال: ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمسُ- يعني: من

الغد- وقتا واحداً.

شَ- الذي رواه وهبُ بن كيسان: " (2) أخرجه الترمذي (3) ،-

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1098) .

(2)

انظر: نصب الراية (1/222- 223) .

(3)

(150) .

ص: 246

والنسائي (1) - واللفظ له- من طريق ابن المبارك، عن حسين بن علي

ابن الحسين: حدثني وهبُ بن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: جاء

جبريلُ إلى النبي- عليهما السلام حيهما مَالتِ الشمسُ فقال: " قم يا

محمدُ فصلِّ الظهرَ " حين مالت الشمسُ، ثم مكث حتى إذا كان فيءُ

الرَّجُلِ مثله جاءه للعَصر فقال: " قم يا محمد فَصَلِّ العصرَ " ثم مكث

حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: " قم فصل المغربَ " فقامَ فصلاها

حين غابت الشمسُ سواءَ، ثم مكث حتى إذا غاب الشفقُ جاءه فقال:

" قم فصَل العشاءَ " فقامَ فصلَاّها، ثم جاءه حين سَطعَ الفجرُ بالصُّبح

فقال: " قم يا محمدُ فصَلِّ الصُّبحَ " ثم جاءه من الغد حين كان فيءُ

الرَّجُل مثله، فقال:" قم يا محمد فصَل " فصَلَّى الظهرَ، ثم جاءه حين

كان فيء الرجل مثلَيه فقال: قم يا محمد فصَلِّ " فصلى العَصرَ، ثم جاءه

للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدَا لم يزل عنه فقال: " قم يا محمد

فصَل " فصلى الغربَ، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلثُ الليل الأول فقال:

" قم يا محمدُ فصل " فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدًا

فقال: " قم يا محمد فصل " فصلى الصبح، ثم قال: " ما بَين هذين

وقتٌ كله ". قال الترمذي: قال محمد- يعني: البخاري-: حديث

جابر أصح شيء في المواقيت. قال: وفي الباب عن أبي هريرة،

وبريده وبي موسى، وأبي مسعود، وأبي سعيد، وجابر، وعمرو

ابن حزم، والبراء، وأنس.

وقال ابن القطان في كتابه: هذا الحديث يجب أن يكون مُرسلا؛ لأن

جابرا لم يذكر مَن حَدّثه بذلك، وجابرٌ لم يُشاهد ذلك صَبيحة الإسراء

لما عُلم أنه أنصاريّ؛ إنما صحب بالمدينة؛ ولا يلزم ذلك في حديث

أَبي هريرة وابن عباس؛ فإنهمَا رويا إمامة جبريل من قول النبي- عليه

السلام-، وقال في " الإمام ": هذا إرسالٌ غير ضارّ، فيَبعدُ أن يكون

جابرٌ قد سمعه من تابعي غير صحابيّ " (3) .

(1)(1/263) .

(2)

في الأصل: " بريرة ".

(3)

إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

ص: 247

واستدل الشافعي بهذا الحديث على أن وقت المغرب وقت واحدٌ، وهو

عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر، ويستر عورته، ويؤذن ويقيم؛ فإن

أخّر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارَت قضاء، والمحققون

من أصحابه رجحوا قولنَا.

وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وهو الصحيح كما ذكرناه. والجواب

عن هذا من ثلاثة أوجه؛ الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار،

ولم يستَوعب وقت الجواز؛ وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر،

والثاني: أن هذا متقدم في أول الأمر بمكة؛ والأحاديث التي وردت بامتداد

وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرةٌ في أواخر الأمر/بالمدينة، فوجب

اعتمادها، والثالث: أن الأحاديث التي وردت بامتداد وقت المغرب إلى

غروب الشفق أصح إسنادًا من هذا الحديث فوجب تقديمها ".

وتلك الأحَاديث هي: قوله- عليه السلام: " فإذا صليتم المغرب

فإنه وقت إلى أن يَسقط الشفق " وفي رواية: " وقت المغرب: ما لم يَسقط

ثور الشفق " وفي رواية: " ما لم يغب الشفق " وفي رواية: " ما لم

يسقط الشفق " وكل هذه في " صحيح مسلم ".

ووهب بن كيسان: أبو نعيم المدني القرشي مولاهم مولى آل الزبير بن

العوام. سمع: جابر بن عبد الله، وعمر بن أبي سلمة، وعُبَيد بن

عُمير. وروى عن: ابن الزبير، وابن الزبير. روى عنه: عبد الله،

وعبيد الله ابنا عمر العمريّان، وهشام بن عروة، وابن عجلان، ومالك

ابن أنس، وأيّوب السختياني، وغيرهم. وروى عنه ابنه قال: رأيت

سَعد بن أبي وقاص. توفي سنة سبع وعشرين ومائة. قال ابن سَعد:

كان ثقة. روى له الجماعة (2) .

ص- وكذلك رُوي عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام قال: ثم

صلى المغرب- يعني: من الغد- بوقت واحدٍ (3) .

(1) شرح صحيح مسلم (5/111) .

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6765) .

(3)

في سنن أبي داود: " وقتا واحدا ".

ص: 248

ش- الذي رُوِيَ عن أبي هريرة: أخرجه البزار في " مُسنده ": حدثنا

إبراهيم بن نصر أبو نعيم: ثنا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد، عن محمد

ابن عمار بن سَعد، أنه سمع أبا هريرة يذكر أن رسول الله- عليه السلام

حدثهم أن جبريل- عليه السلام جاءه فصلى به الصلوات وقتين وقتين

إلا الغرب، الحديث.

وأخرجه النسائي- أيضاًَ- في " سُننه ": أخبرنا الحُسين بن حريث

أبُو عمار: ثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا جبريل- عليه السلام

جاءكم يعلمكم دينكم، فصلى الصبح حين طلع الفجرُ، وصلى الظهر

حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى

المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين

ذهب شفق الليل، ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر قليلا، ثم

صلى به الظهر حين كان الظل مثله، ثم صلى العَصر حين كان الظل

مثليه، ثم صلى المغرب بوقتٍ واحدٍ حين غربت الشمس وحَلّ فطر

الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل "، ثم قال:

" الصلاة ما بين صلاتك أمسِ وصلاتك اليَوم ".

ورواهُ الحاكم كذلك في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط مسلم.

ص- وكذلك رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان

ابن عطية، عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي- عليه

السلام-.

ش- أي: كذلك رُوي من حديث حسان بن عطية الشامي، عن عمرو

ابن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عبد (1) الله بن عمرو بن العاص،

عن النبي- عليه السلام قال: " ثم صلى الغرب- يعني: من الغد-

بوقت واحد ".

379-

ص- نا مسدد: نا عبدُ الله بن داود، عن بدر بن عثمان: نا

(1) في الأصل: " عن عبد الله بن عمرو " خطأ.

ص: 249

أبو بكر بن أبي موسى، عن أبي موسى، أن سَائلَا سأل النبيَّ- عليه السلام

فلم يَردَ عليه شيئاً، حتى أمَرَ بلالاً فأقام الفجرَ حين انشق الفجرُ، فصلَى

حين كان الرجلُ لا يعرف وَجه صاحبه، أو إن الرجلَ لا يَعرفُ مَن إلى

جنبه، ثم أمَرَ بلالا فأقامَ الظهرَ حًين زالت الشمسُ، حتى قالَ القائِلُ:

انتصًفَ النهارُ- وهو أعلَمُ- ثمِ أمر بلالا فأقام العصرَ والشمسُ بيضاءُ

مُرتفعة، وأمرَ بلالا فأقامَ المغرب حين غابت الشمسُ، وأمر بلالا فأقام

العشاءَ حين غَابَ الشفقُ، فلما كان من الغَد صًلَى الفجرَ فانصرفَ فقلنا:

طلَعت (1) الشمسُ؟ فأقامَ الظهرَ في وقت الَعصرِ الذي كان قبله، وصلى

العصرً وقد اصفرت الشمسُ- أو قال: أَمَسى- وصلَّى المغربَ قبلَ أن

يغيبَ الشفقُ، وصَلًى العشاءَ إلى ثُلُث الليلِ، ثم قالَ: " أينَ السائلُ عن

وقتِ الصلاةِ؟ الوقتُ فيمَا بين هذينِ " (2) .

ش- عبد الله بن داود: الخُرَيبي البصري.

وبدر بن عثمان: القرشي الأموي (3) مولى عثمان بن عفان. روى

عن: الشعبي، وعكرمة، وأبي بكر بن أبي موسى. روى عنه: وكيع،

وأبو نعيم، وعبد الله بن داود الخُرَيبِي، وعثمان بن سعيد بن مرة. قال

ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .

/وأبو بكر بن أبي مُوسى هو ابن أبي مُوسى الأشعري. روى عن:

أبيه، وابن عباس، وعنه: أبو حمزة، وغيره. روى له الجماعة (5) .

وأبو موسى هو: عبد الله بن قَيس الأشعري.

(1) في سنن أبي داود: " وانصرف، فقلنا: أطلعت ".

(2)

مسلم: كتاب المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس (613)، النسائي:

كتاب الصلاة، باب: آخر وقت المغرب (1/260) .

(3)

في الأصل: " الأمواي ".

(4)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/645) .

(5)

المصدر السابق (33/7256) .

ص: 250

قوله: " لم يردّ عليه شيئا " أي: لم يرد جواباً ببيان الأوقات باللفظ؛ بل

قال له: صل معنا لتَعرف ذلك، ويحصل لك البيان بالفعل، واستدلّ به

من يَرى تأخير البيان إلى وقت الحاجة؛ وهو مذهب جمهور الأصوليين.

قوله: " حين كان الرجل لا يَعرفُ [وجه] صاحبه " معناه: أنه صَلى

في الغلس في أول الوقت؛ بدليل قوله: " حين انَشَق الفجر ". أي:

الفجر الصادق؛ لأن الفجر الكاذب من الليل من وقت العشاء والإفطار.

قوله: " مَن إلى جَنبه " كلمة " إلى " في مثل هذا الموضع للمعية

والمصاحبة؛ والمعنى: مَن بجنبه أو مع جَنبه، والحاصل: لا يعرف

مُصاحب جَنبِه مَن هو؟

قوله: " حَتى قال القائل " وفي رواية: " حِين قال القائل " والأول

أصح.

قوله: " وهو أعلم " جملة اسميّة وقعت حالا إما من الضمير الذي في

" فأقام الظهر " أو من الضمير الذي في " أمر بلالا " وهذا أوجه.

قوله: " وقد اصفرت الشمسُ "" الواو " فيه للحال، والمراد منه: وقد

أخذت في الاصفرار ولم يتغيّر قرصها؛ لأن تأخيرها إلى تغير القرص

مكروه لما رُوي " ذلك (1) صلاة المنافقين " 0 وتغير القرص هو أن يصير

بحال لاتحارُ فيه الأعين؛ وهو الصحيح. واعتبر سفيان وإبراهيم النخعي

تغيّر الضوء الذي يبقى على الجدران. ويقال: إذا بَقِيت الشمس للغروب

قدر رمح أو رمحن لم يتغيّر، وإذا صارت أقل من ذلك فقد تغيّر.

ويقال: يُوضعُ في الصحراء طست ماءٍ ويُنظر فيه فإن كان القرص لا يبدُو

للناظر فقد تغيّر.

قوله: " أو قال: أمسى " شك من الراوي أي: أمسى الوقت أي: دخل

في المَساء؛ وهو- أيضاً- عبارة عن تأخيره العصر إلى قريب الاصفرار.

(1) كذا، والحديث بلفظ:" تلك " ويأتي برقم (397)

ص: 251

قوله: " إلى ثلث الليل " قد مر الكلام فيه عن قريب.

قوله: " الوقتُ " مبتدأ، وخبره قوله:" فيما بَين هذَين " أي. هذين

الوقتين أعني: وقت اليوم الأول ووقت اليوم الثاني، وقد بيّن- عليه

السلام- بفعله أول الوقت وآخره وبقوله: " ما بَينهما ". والحديث

أخرجه: مَسلمَ، والنسائي.

ص- قال أبو داود: رواه سليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر، عن

النبي- عليه السلام في المغرب بنحو هذا قال: " ثم صلَّى العشاءَ ". قال

بعضهم: " إلى ثُلُثِ الليلِ "، وقال بعضهم:" إلى شَطرِه ".

ش- أي: روى هذا الحديث سُلَيمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح،

عن جابر- رصي الله عنه- عن النبي- عليه السلام في المغرب بنحو

هذا. وأخرجه أحيد في " مسنده ": ثنا عبد الله بن الحارث قال:

حدثني ثور بن يزيد، عن سليمان بن مُوسى، عن عطاء بن أبي رباح،

عن جابر بن عبد الله قال: سال رجل رسول الله عن وقت الصلاة فقال:

" صلِّ معي " فصلى رسول الله الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الظهر

حين زاغت الشمس، ثم صلى العَصر حين كان فَيءُ الإنسانِ مثله، ثم

صلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم صلى العشاء بَعد غيبوبة الشفق،

ثم صلى الظهر حين كان فَيءُ الإنسان مثلَه، ثم صلى العَصر حين كان

فَيءُ الإنسان مثلَيه، ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق، ثم صلى

العشاء، فقال بعضهم: ثلث الليل. وقال بعضهم: شطره. انتهى.

أي: نصفه وشطر الشيء: نصفُه.

وقال الطحاوي في " شرح الَاثار "(1) كلاما حسنا مُلخصه: أنه قال:

يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء إلى حين يطلع الفجر؛

وذلك أن ابن عباس، وأبا موسى، والخدريّ. رووا أن النبي- عليه

السلام- أخرها إلى ثلث الليل، وروى أبو هريرة، وأنس أنه أخرها حتى

انتصف الليل. وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب ثلث الليل، وروت

(1)(1/93)، وانظر: كذلك في: نصب الراية (1/234- 235) .

ص: 252

عائشة أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل؛ وكل هذه الروايات في

" الصحيح ". قال: فثبت بهذا أن الليل كله وقت لها. ولكنه على أوقات

ثلاثة: فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يَمضي ثلث الليل: فأفضل وقت

صليت فيه، وأما بعد ذلك إلى أن يتم نصف الليل: ففي الفضل دون

ذلك، وأما بعد نصف الليل فدونه، ثم ساق بسنده، عن نافع بن جُبير

قال: كتب عمر إلى أبي مُوسى: " وَصِّل العشاء أيُّ الليل شئت ولا

تغفلها ".

/ولمسلم في قصة التَّعريس (1) ، عن أبي قتادة أن النبي- عليه

السلام- قال: " ليس في النوم تفريط؛ إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى

يدخل وقت الأخرى "؛ فدل على بقاء الأولى إلى أن يدخل وقت

الأخرى؛ وهو طلوع الفجر الثاني " (2) .

وسليمان بن موسى: أبو أيوب الدمشقي الأسدي الأشدق. ويقال:

أبو الربيع، مولى لآل أبي سفيان، فقيه أهل الشام. سمع: عطاء بن

أبي رباح، ونافعا مولى ابن عمر، ونافع بن جبير، وكريبا مولى ابن

عباس، وعبيد بن جريح، والزهري، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي،

وابن جريح، وزيد بن واقد، وجماعة آخرون. قال ابن دحيم: أوثق

أصحاب مكحول: سليمان بن موسى 0 وسئل ابن معين عنه: ما حاله

في الزهري؟ فقال: ثقة. وقال ابن جريج: كان سُليمان يُفتي في

العُضَل، وكان عنده مناكير. وقال ابن عدي: روى أحاديث ينفرد بها لا

يرويها غيرُه، وهو عندي ثبت صدوق. قيل: مات سنة تسع عشرة

ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .

ص- وكذلك رواه ابنُ بُريدة، عَن أبيه، عن النبي- عليه السلام.

(1) قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة،

باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (681 / 311) .

(2)

إلى هنا انتهى الحقل من نصب الراية.

(3)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2571) .

ص: 253

ش- أي: كذلك روى سُليمان بن بُرَيدة بن الحصيب الأسلمي،

وأخرج روايته مُسلم في " صحيحه "(1) أن رجلا أتى النبي- عليه

السلام- يسأله عن مواقيت الصلاة فقال: " اشهد معنا الصلاة " فأمر بلالا

فأذّن بغلسٍ فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت

الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعَصر والشمس مرتفعة، ثم أمره

بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم

أمره الغَدَ فنوَر بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعَصر والشمس

بيضاء نقية لم يخالطها صُفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم

أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو بَعضه- شك حَرميّ- فلما أصبح

قال: " أين السائل؟ ما بَين ما رأيت وقت ".

380-

ص - ثنا عُبيد الله بن معاذ: فال أبي. قال: نا شعبة، عن قتادة.

سمِع أبا أيوب، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي- عليه السلام أنه قال:

" وقتُ الظهرِ ما لم تحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لم تصفرَ الشمس،

ووقت المغرب ما لم يَسقط ثورُ (2) الشفق، ووقتُ العشاء إلى نصف الليل،

ووقتُ صَلاة اَلفجرِ ما لم تطلع الشمسُ، (3) .

ش- عبيدَ الله بن معاذ، أبو عمرو البَصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن

حسّان، قاضي البصرة، وشعبة: ابن الحجاج، وقتادة: ابن دعامة.

وأبو أيوب: اسمه: يحيى بن مالك- ويقال: ابن حبيب بن مالك-

البصري، أبو أيوب الأزدي العتكي المُراغي بضم الميم- نسبة إلى مُراغة،

قبيل من الأزد. وقال الطبري: موضع بناحية عمان. روى عن: عبد الله

ابَن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وسمرة بن

جندب، وجويرية بنت الحارث أم المؤمنين. روى عنه: قتادة،

(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس

(613 / 176) .

(2)

كذا، وفي سنن أبي داود " فور "، وانظر: الشرح.

(3)

مسلم: كتاب المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس 172- (612) ،

النسائي: كتاب المواقيت، آخر وقت المغرب (1/260) .

ص: 254