الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ولا بأس ب
قبول هدية العبد التاجر
وإجابة دعوته واستعارة دابته، وتكره كسوته الثوب وهديته الدراهم والدنانير، وهذا استحسان، وفي القياس: كل ذلك باطل؛ لأنه تبرع، والعبد ليس من أهله وجه الاستحسان أنه عليه الصلاة والسلام قبل هدية سلمان رضي الله عنه
ــ
[البناية]
ولنا: «أنه صلى الله عليه وسلم سابق عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وصارع ركانة» . وراوي الحديث أبو هريرة: أنه لا حاجة في المسابقة في الجهاد إلا في هذه الثلاثة.
وقال مالك وأحمد -رحمهما الله-: ممكن أن يكون المراد نفي الجعل، ولا يجوز المسابقة في البغال والحمير.
وبه قال الشافعي في قول وأحمد ومالك رحمهم الله: إذا كان يجعل.
وقال الشافعي في قول: يجوز.
وفي " الذخيرة " و" التتمة ": إذا قال واحد منهم لآخر إن كان الجواب كما قلت أعطيتك كذا، وإن كان الجواب كما قلت فلا آخذ منك شيئا يجوز.
والقياس: كله باطل ويجوز استحسانا لما فيه حيث معنى يرجع إلى الجهاد، وكذا في " التتمة " حث على الجهد في التعلم.
[قبول هدية العبد التاجر]
م: (قال: ولا بأس بقبول هدية العبد التاجر) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، وأراد به الهدية اليسيرة. م:(وإجابة دعوته) ش: أي ضيافته، فأراد به البشيرة.
ولم يقدر محمد مقدار ما يتخذ من الضيافة. وروي عن محمد بن سلمة أنه قال: على قدر مال تجارته، فإن كان مال تجارته مثل عشرة آلاف درهم فاتخذ مقدار ضيافة عشرة دراهم كان يسيرا. وإن كان مال تجارته عشرة دراهم كان دانق كثيرا. وقد مر الكلام فيه في كتاب " المأذون ".
م: (واستعارة دابته) ش: أي دابة العبد التاجر للعرف والعادة.
م: (وتكره كسوته الثوب) ش: أي تمليكه م: (وهديته الدراهم والدنانير) ش: لعدم الضرورة في ذلك م: (وهذا استحسان. وفي القياس: كل ذلك باطل) ش: وبه قالت الثلاثة، إلا أن أحمد يجوز دعوته فقط. م:(لأنه تبرع) ش: أي لأن المذكور في هذه الأشياء تبرع، م:(والعبد ليس من أهله) ش: لعدم ملكه.
م: (وجه الاستحسان: «أنه عليه الصلاة والسلام قبل هدية سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
حين كان عبداً
ــ
[البناية]
حين كان عبدا» ش: حديث سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. رواه ثلاثة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -:
الأول: من نفس سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وله طرق:
منها: ما أخرجه ابن حبان في "صحيحه " عن عبد الله بن رجاء، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي قرة الكندي «عن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: كان أبي من الأساورة وكنت أختلف إلى الكتاب، وكان معي غلامان إذا رجعا من الكتاب دخلا على قس فأدخل معهما، فلم أزل أختلف إليه معهما حتى صرت أحب إليه منهما وكان يقول لي: يا سلمان إذا سألك أهلك: من حبسك؟ فقل: معلمي. وإذا سألك معلمك: من حبسك؟ فقل: أهلي.
فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فلما مات واجتمع إليه الرهبان والقسيسون فسألت فقلت: يا معشر القسيسين، دلوني على عالم أكون معه، قالوا: ما نعلم في الأرض أعلم من رجل كان يأتي بيت المقدس وإن انطلقت الآن وجدت حماره على باب بيت المقدس. قال: فانطلقت فإذا أنا بحمار، فجلست عنده حتى خرج فقصصت عليه القصة فقال: اجلس حتى أرجع إليك.
قال: فلم أره إلى الحول، وكان لا يأتي بيت المقدس في السنة إلا مرة في ذلك الشهر. فلما جاء قلت له: ما صنعت في أمري؟ قال: أنت إلى الآن هاهنا بعد؟ قلت: نعم. قال: والله لا أعلم اليوم أحدا أعلم من يتم خرج من أرض تهامة وإن انطلقت الآن توافيه، وفيه ثلاثة أشياء: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وعند غروة كتفه اليمنى خاتم النبوة مثل البيضة، لونه لون جلده.
قال: فانطلقت ترفعني أرض وتخفضي أخرى حتى أصابني قوم من الأعداء فأخذوني فباعوني حتى وقعت بالمدينة فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم وكان الطعام عزيزا. فسألت قومي أن يهبوني يوما، ففعلوا فانطلقت فاحتطبت فبعته بشيء يسير ثم صنعته طعاما واحتملته حتى جئت به فوضعته بين يديه. فقال صلى الله عليه وسلم:"ما هذا؟ " فقلت: صدقة. فقال لأصحابه: "كلوا" وأبى هو أن يأكله. فقلت في نفسي: هذه واحدة.
ثم مكثت ما شاء الله، ثم استوهبت قومي يوما آخر ففعلوا. فانطلقت، فاحتطبت، فبعته بأفضل من ذلك، فصنعت طعاما وأتيته به فقال:"ما هذا؟ ". فقلت: هدية. فقال بيده "باسم الله، كلوا" فأكل وأكلوا معه. وقمت إلى خلفه، فوضع رداءه على كتفه، فإذا خاتم النبوة كأنه بيضة قلت: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قال: " وما ذاك؟ " فحدثته حديثي، ثم قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم القس الذي أخبرني أنك نبي يدخل الجنة؟ قال: " لن تدخل الجنة إلا نفس مسلمة ". فقلت: إنه زعم أنك نبي. قال: " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» .
ومنها طريق آخر: أخرجه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن علي بن عاصم، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب «عن زيد بن صوجان أنه سأل سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كيف كان بدء إسلامك؟ فقال سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كنت يتيما من رامهرمز فذكره مطولا - إلى أن قال: فقال لي: - يعني الراهب الذي لازمه سلمان -: يا سلمان إن الله عز وجل باعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة، علامته: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه فقد تقارب.
قال: فخرجت في طلبه، فكلما سألت عنه قالوا إلى أمامك، حتى لقيني ركب من كلب فأخذوني فأتوا بي بلادهم فباعوني لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها وقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت شيئا من تمر حائطي فجعلته على شيء وأتيته به، فوضعته بين يديه، وحوله أصحابه وأقربهم إليه أبو بكر رضي الله عنه فقال:" ما هذا " قلت: صدقة. قال للقوم: " كلوا " ولم يأكل.
ثم لبثت ما شاء الله وذهبت وصنعت مثل ذلك، فلما وضعته بين يديه فقال:" ما هذا؟ ". قلت: هدية، قال:" بسم الله " فأكل وأكل القوم.
ودرت خلفه ففطن لي فألقى ثوبه فرأيت الخاتم في ناحية كتفه الأيسر ثم درت فجلست بين يديه وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
قال: " من أنت؟ " قلت: مملوك. قال: " لمن؟ " قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها، فسألني فحدثته بجميع حديثي. فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر. " يا أبا بكر اشتره " واشتراني أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فأعتقني» . مختصرا.
وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه.
قال الذهبي في " مختصره ": بل مجمع على ضعفه، ثم أخرجه الحاكم عن عبد الله بن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
عبد القدوس عن عبيد المكتب، حدثني أبو الطفيل، حدثني سلمان فذكره بزيادات ونقص. وقال: صحيح الإسناد. وقال الذهبي: وابن عبد القدوس ساقط.
ومنها: طريق أخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة "، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا القاسم بن فورك، حدثنا عبد الله ابن أخي زياد، حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي أبو معاذ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن «عن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: ولدت برامهرمز ونشأت بها وكان أبي من أهل أصبهان، وكان لأمي غناء وعيش قال: فأسلمتني إلى الكتاب فكنت أنطلق إليه كل يوم مع غلمان فارس وكان في طريقنا جبل فيه كهف فمررت يوما وحدي. فإذا أنا فيه برجل طوال عليه ثيابه شعر، فأشار إلي فدنوت منه، فقال لي: أتعرف المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام؟. فقلت له: لا ولا سمعت به. فقال: هو روح الله من آمن به أخرجه الله من غم الدنيا إلى نعيم الآخرة وقرأ علي شيئا من الإنجيل. قال: فعلقه قلبي، ودخلت حلاوة الإنجيل في صدري، وفارقت أصحابي، وجعلت كلما ذهبت ورجعت قعدت نحوه. إلى أن قال: فخرجت إلى القدس، فلما دخلت بيت المقدس، إذا أنا برجل في زاوية من زواياه عليه مسوح. قال: فجلست له: وقلت له: أتعرف فلانا الذي كان بمدينة فارس، فقال لي: نعم أعرفه، وأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي. قلت: كيف وصفه لك؟. فقال: وصفه لي فقال له: إن نبي الرحمة يقال له محمد بن عبد الله، يخرج من جبال تهامة. يركب الحمار والبغلة، الرحمة في قلبه وجوارحه، يكون الحر والعبد عنده سواء، ليس للدنيا عنده مكان، بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة الحمامة، مكتوب في باطنه: الله وحده لا شريك له، وفي ظاهره: توجه حيث شئت فإنك منصور، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، ليس بحقود ولا حسود، ولا يظلم مؤمنا ولا كافرا. فمن صدقه ونصره كان يوم القيامة معه من الأمر الذي يعطاه.
قال سلمان: فقمت من عنده وقلت: لعلي أقدر على هذا الرجل. فخرجت من بيت المقدس غير بعيد، فمر بي أعراب من كلب فاحتملوني إلى يثرب وسموني ميسرة. قال: فباعوني لامرأة يقال لها: حليسة بنت فلان حليف بني النجار، بثلاثمائة درهم وقالت لي: سق هذا الجوص واسع علينا فيه.
قال: فمكثت على ذلك ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسمعت به وأنا في أقصى المدينة ألتقط الخلال.
فجئت إليه أسعى حتى دخلت إليه في بيت أبي أيوب الأنصاري فوضعت بين يديه شيئا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
من الخلال فقال لي: " ما هذا؟ ". قلت: صدقة قال: " إنا لا نأكل الصدقة " فرفعته من بين يديه.
ثم تناولت من إزاري شيئا آخر، فوضعته بين يديه، فقال:" ما هذا؟ " قلت: هدية، فأكل منها وأطعم من حوله.
ثم نظر إلي فقال لي: " أحر أنت أم مملوك؟ ". فقلت: مملوك. فقال: " لم وصلتني بهذه الهدية؟ ". قلت: كان لي صاحب من أمره كيت وكيت، وذكرت له قصتي كلها.
فقال لي: " إن صاحبك كان من الذين قال الله في حقهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52]{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ} [القصص: 53] الآية.
قال لي صلى الله عليه وسلم: " هل رأيت فيما قال لك؟ ". قلت: نعم، إلا شيئا بين كتفيك. قال: فألقى صلى الله عليه وسلم رداءه عن كتفيه، فرأيت الخاتم مثلما قاله فقبلته ثم قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال لعلي بن أبي طالب: " يا علي رضي الله عنه اذهب مع سلمان إلى حليسة فقل لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إما أن تبيعي هذا وإما أن تعتقيه فقد حرمت عليك خدمته ".
فقلت: يا رسول الله إنها لم تسلم. فقال: " يا سلمان إنك لم تدر ما حدث بعدك عليها، دخل عليها ابن عم لها يعرض عليها الإسلام، فأسلمت ".
قال سلمان: فانطلقنا إليها أنا وعلي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فرأيناها تذكر محمدا صلى الله عليه وسلم، وأخبرها علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: اذهب فقل له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن شئت فأعتقته وإن شئت فهو لك. قال: فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرت أغدو إليه وأروح» . مختصرا. ثم رواه من طريق آخرى مرسلة فقال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: «أن سلمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كان قد خالط أناسا من أصحاب دانيال عليه السلام بأرض فارس قبل الإسلام فسمع بذكر رسوله صلى الله عليه وسلم وصفته منهم فإذا في حديثهم: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة. فأراد أن يلحق به فسجنه أبوه ما شاء الله، ثم هلك أبوه ثم خرج إلى الشام، فكان هناك في كنيسة. ثم خرج يلتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه أهل تيماء فاسترقوه ثم خرج، ثم قدموا به إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
المدينة، فباعوه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة لم يهاجر إلى المدينة.
فلما قدم المدينة أتاه سلمان بشيء فقال " ما هذا يا سلمان؟ ". قال: صدقة فلم يأكل منه صلى الله عليه وسلم ثم جاء من الغد بشيء آخر فقال: " ما هذا يا سلمان؟ ". قال: هدية، فأكل عليه السلام منه، ونظر سلمان إلى خاتم النبوة بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم فأكب وقبله ثم أسلم.
ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد مملوك فقال له: كاتبهم يا سلمان، فكاتبهم سلمان على مائتين ودية، فرماه الأنصار من ودية ووديتين حتى أوفاهم» وهذا مرسل.
الثاني بريدة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
أخرج حديث الحاكم في " المستدرك " في كتاب " البيوع "، عن زيد بن الحباب رحمه الله، أخبرنا حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه: «أن سلمان الفارسي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لما قدم المدينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائدة عليها رطب فقال له: " ما هذا يا سلمان؟ " قال: صدقة أتصدق بها عليك وعلى أصحابك. قال: " إنا لا نأكل الصدقة ".
حتى إذا كان من الغد جاء بمثلها فوضعها بين يديه وقال: " يا سلمان ما هذا؟ ". فقال: هدية. قال: " كلوا "، وأكل، ونظر إلى خاتم النبوة في ظهره ثم قال له: إنه ملك لقوم قال فاطلب إليهم أن يكاتبوك على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم وتقوم عليها أنت حتى تطعم. قال: ففعلوا.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فغرس النخل كلها بيده وغرس عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - منها نخلة فأطعمت كلها في السنة إلا تلك النخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غرس هذه؟ " فقالوا: عمر رضي الله عنه. فغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فحملت من سنتها» انتهى.
ورواه إسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي والبزار في " مسانيدهم ". قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم رحمه الله. قال البزار: لا نعلمه يروى إلا عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه الطبراني في " معجمه ".
الثالث: ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الحاكم أيضا من طريق ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: حدثني «سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، وكان أبي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
دهقان قريته وكنت أحب الخلق إليه، وكنت أجتهد في المجوسية، أوقد النار لا أتركها تخمد أبدا اجتهادا في ديني.
فأرسلني أبي يوما إلى ضيعة له في بعض عمله، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم وهم يصلون فدخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون، فأعجبني ما رأيت من دينهم، ورغبت عن ديني.
فلما رجعت إلى أبي أخبرته الخبر فأخافني وجعل في رجلي قيدا وحبسني في بيتي أياما، ثم أخبرت بقوم من النصارى خرجوا تجارا إلى الشام، قال فألقيت القيد من رجلي وخرجت معهم حتى قدمت الشام فسألت عن الأسقف من النصارى، فدلوني عليه في كنسية فجئت إليه وخدمته ولازمته وكنت أصلي معه. فلم يلبث أن مات وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة، فإذا جمعوا له شيئا أخذه لنفسه ولم يعط المساكين شيئا. فلما جاءوا ليدفنوه أخبرتهم بخبره ودللتهم على موضع كنزه، فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضة، فصلبوه ورجموه بالحجارة.
ثم جاءوا بآخر فوضعوه مكانه، فما رأيت أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة ولا أدوم في العبادة ليلا ونهارا منه. فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فأوصى بي إلى رجل بنصيبين فلحقت به فلزمته، فوجدته على أمر صاحبه فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فأوصى بي إلى رجل في عمورية من أرض الروم.
فلحقت به فوجدته على هدي أصحابه، فلم يلبث أن حضرته الوفاة، فسألته فقال: والله يا بني ما أعلم أصبح اليوم على أمرنا أحد من الناس ولكنه قد أظللك زمان نبي بأرض العرب يبعث بدين إبراهيم عليه السلام، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. ثم مات ودفن، فمكثت بعمورية ما شاء الله ثم مر بي قوم تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقري وغنمي، فقد اكتسبت بقرا وغنما. فقالوا: نعم.
فأعطيتهم وحملوني حتى إذا قدموا بي على وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده ما شاء الله، إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة فأقمت بها وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأقمت بها ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فذهبت إليه، فدخلت عليه فقلت له: بلغني أنك رجل صالح وأصحابك غر حاجة ومعي شيء عندي للصدقة رأيتك
وقبل هدية بريرة رضي الله عنها وكانت مكاتبة،
ــ
[البناية]
أحق به ثم قربته إليه فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " كلوا " وأمسك يده ولم يأكل. فقلت في نفسي: هذه واحدة ومضيت. ثم جئته من الغد ومعي شيء آخر، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمك بها فأكل صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه، فأكلوا. قال: قلت في نفسي: هاتان ثنتان.
قال: ثم جئت يوما وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصفه لي صاحبي. فعرف الذي أريد فألقى رداءه على ظهره فنظرت الخاتم بين كتفيه فقبلته ثم تحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي، فأعجبني أن يسمعه أصحابه، ثم قال لي:" يا سلمان كاتب عن نفسك "، فقال: فكاتبت هؤلاء عن نفسي بثلاثمائة نخل وأربعين أوقية ورجعت إليه فأخبرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " أعينوا أخاكم " فجعل الرجل يعينني بثلاثين ودية، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشر، والرجل بقدر ما عنده حتى جمعوا إلي ثلاثمائة ودية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي، فجعلت أقرب له الودي وهو يغرسه بيده.
قال: وبقي علي المال. قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من الذهب. وقال لي يا سلمان خذ هذه فأدها بما عليك، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين تقع هذه مما علي؟، قال: خذها فإنها ستؤدي عنك، قال سلمان: فوالذي نفس سلمان بيده لقد وزنت لهم منها بيدي أربعين أوقية وأوفيتهم حقهم. وعتق سلمان.
وشهدت الخندق حرا ثم لم يفتني مشهد» مختصرا من كلام طويل.
ورواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " وابن سعد في " الطبقات " في ترجمة سلمان. ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال "، مختصرا بالإسناد المذكور عن سلمان قال:«أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وأنا مملوك، فقلت له: هذه صدقة، فأمر أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل. ثم أتيته بطعام آخر فقلت: هذا هدية أهديه لك أكرمك به، فإني لا أراك تأكل الصدقة فأمر أصحابه أن يأكلوا وأكل معهم» والله سبحانه وتعالى أعلم.
م: (وقبل هدية بريرة رضي الله عنها وكانت مكاتبة) ش: هذا الحديث في الكتب الستة: عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «كان في بريرة ثلاث سنن، أراد أهلها أن يبيعوها ويشترطوا ولاءها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" اشتريها ثم أعتقيها فإن الولاء لمن أعتق "
وأجاب رهط من الصحابة رضي الله عنهم دعوة مولى أبي أسيد وكان عبدا،
ــ
[البناية]
وعتقت فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم من زوجها، فاختارت نفسها، وكان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هو عليها صدقة، ولنا هدية» . أخرجه البخاري في النكاح والطلاق. ومسلم في العتق. وأبو داود في الطلاق، والنسائي فيه وفي العتق، أربعتهم عن القاسم عن عائشة. والترمذي في الرضاع، وابن ماجه في الطلاق. عن الأسود، عن عائشة وألفاظها متقاربة.
وأخرجا نحوه عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه أخرجه مسلم في الزكاة وليس في شيء من طرق الحديث: أن الهدية وقعت حين كانت مكاتبة. ولكن روى عبد الرزاق في " مصنفه " في الطلاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع عروة بن الزبير رضي الله عنه يقول: «جاءت وليدة لبني هلال يقال لها: بريرة فسألت عائشة في كتابتها، فسامت عائشة بها أهلها، فقالوا: لا نبيعها إلا ولنا ولاؤها، فتركتها.
فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبلون بيعها إلا ولهم الولاء. قال: " لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق "، فابتاعتها عائشة وأعتقتها، وخيرت بريرة فاختارت نفسها، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم شاة فأهدت لعائشة منها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هل عندكم من طعام؟ " قالت: لا، إلا من الشاة التي أعطيت بريرة. ثم نظر ساعة ثم قال:" قد وقعت موقعها هي عليها صدقة ولنا هدية " فأكل منها. قال: وزعم عروة أنها ابتاعتها مكاتبة على ثمانية أواق ولم تعط من كتابتها شيئا.» ورواه البزار في " مسنده " كذلك. وروى عبد الرزاق في المكاتب: أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير، عن عروة: أن «عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ابتاعت بريرة مكاتبة على ثمان أواق لم تعط من كتابتها شيئا» .
م: (وأجاب رهط من الصحابة رضي الله عنهم دعوة مولى أبي أسيد وكان عبدا) ش: أبو أسيد اسمه أسيد بن ربيعة الساعدي رحمه الله الصحابي، ذكره ابن أكول - بضم الهمزة وفتح السين -. ثم قال: ذكر أحمد بن حنبل عن أبي مهدي، عن سفيان عن أبي الزناد عن أبي سلمة، عن أبي أسيد الساعدي رحمه الله يعني بفتح الهمزة وكسر السين -.
وقال أبو عبد الله: قال عبد الرزاق رحمه الله ووكيع رحمه الله: وأبو أسيد، - يعني بضم الهمزة وكسر السين -، وهو الصواب. ومولاه اسمه: أسد بن علي بن عبيدة رحمه الله وقيل: هو أبوه، والأكثر أنه مولاه وهو -بفتح الهمزة وكسر السين - وقيد فيه بالضم. وذكر " شرح الجامع الصغير " عنه أنه قال:«أعرست وأنا عبد، فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فأجابوني» .