الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن إزالة جناية حفره به كما في الكناسة يلقيها في دار غيره، فإنه يؤخذ برفعها، وقيل: يضمنه النقصان ثم يكبسه بنفسه، كما إذا هدم جدار غيره. وهذا هو الصحيح ذكره في " أدب القاضي " للخصاف، وذكر طريق معرفة النقصان، وما عطب في الأولى؛ فلا ضمان فيه؛ لأنه غير متعد إن كان بإذن الإمام فظاهر، وكذا إن كان بغير إذنه عندهما، والعذر لأبي حنيفة رحمه الله: أنه يجعل الحفر تحجيرا، وهو بسبيل منه بغير إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه.
وما عطب في الثانية ففيه الضمان؛ لأنه متعد فيه
ــ
[البناية]
حفرها وإزالة الجناية حفره م: (لأن إزالة جناية حفره به) ش: أي بالكبس م: (كما في الكناسة) ش: بضم الكاف، وهي الزيادة م:(يلقيها في دار غيره، فإنه يؤخذ برفعها) ش: أي فإن الملقي يؤاخذ برفع الكناسة لإزالة الضرر.
م: (وقيل: يضمنه النقصان) ش: أي يضمن الأول الثاني نقصان حريمه م: (ثم يكبسه) ش: أي ثم يكبس الأول بنفسه ما حفر الثاني م: (كما إذا هدم جدار غيره) ش: حيث يلزم نقصان الهدم ثم سببه بنفسه م: (وهذا هو الصحيح) ش: أي القول الثاني هو الصحيح م: (ذكره في " أدب القاضي " للخصاف) ش: أراد أن الخصاف ذكره في كتابه " أدب القاضي " رحمه الله، م:(وذكر طريق معرفة النقصان) ش: أي وذكر الخصاف كيفية معنى فيه النقصان، وهو أن يقوم ما قبل الحفر، ويقوم ما بعد الحفر فيضمن نقصان ما بينهما م:(وما عطب في الأولى فلا ضمان فيه) ش: أي والذي هلك في البئر الأولى لا ضمان فيه م: (لأنه غير متعد إن كان بإذن الإمام فظاهر، وكذا إن كان بغير إذنه عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله - لأن له أن يحفر بغير إذن الإمام عندهما، ولهذا ملك البئر في الحالتين، فإذا كان له ولاية الحفر لا يكون متعديا فلا يضمن ما تولد من حفره، كما لو حفر في داره.
م: (والعذر لأبي حنيفة رحمه الله) ش: أراد بذلك جواب الإشكال الذي يرد على قول أبي حنيفة رحمه الله إذا كان الأول حفرها بلا إذن الإمام، والإشكال لا يرد إلا على هذا الوجه؛ لأنه إذا كان بإذن الإمام لا يرد شيء م:(أنه يجعل الحفر تحجيرا) ش: أي أن أبا حنيفة رحمه الله يجعل الحفر تحجيرا م: (وهو بسبيل منه) ش: أي من التحجير م: (بغير إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه) ش: أي بدون الإذن. الحاصل: أن له ولاية التحجير بغير إذن الإمام، وإن لم يكن له الإحياء بغير إذنه، فيجعل حفره بغير إذن الإمام تحجيرا لا إحياء، فإذا كان كذلك فقد فعل ما له فعله فلا يكون متعديا فلا يضمن ما تولد فيه.
[حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى]
م: (وما عطب في الثانية) ش: أي والذي هلك في البئر الثانية م: (ففيه الضمان، لأنه متعد فيه
حيث حفر في ملك غيره. وإن حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى فلا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في حفرها، وللثاني الحريم في الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك الحافر الأول فيه والقناة لها حريم بقدر ما يصلحها. وعن محمد رحمه الله: أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم.
ــ
[البناية]
حيث حفر في ملك غيره) ش: فصار كما إذا حفر على قارعة الطريق م: (وإن حفر الثاني بئرا وراء حريم الأولى فذهب ماء البئر الأولى فلا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في حفرها) ش: لأن له أن يحفر بئرا خارج حريم الأولى، والحافر مسبب، فإذا لم يكن متعديا في السبب لا ضمان عليه.
والأصل فيه: أن الماء تحت الأرض غير مملوك لأحد فليس له أن يخاصمه في تحويل ماء بئره إلى بئر الثاني كالتاجر إذا كان له حانوت وآخر أخذ بجنبه حانوت آخر مثل تلك الحانوت فكسد من تجارة الأول لم يكن له أن يخاصمه. وكذا لو حفر بئرا في ملكه أعمق من البئر التي في دار جاره فجرى إليها الماء. أما لو بنى في داره حماما فضر الجار بدخانه، أو حفر بئرا مزبلة في جنب دار جاره يتضرر برائحته، أو جعل داره مخبزا في وسط العطاوس ونحوه مما يؤذي جاره منه خلافا للشافعي، وأحمد -رحمهما الله - في رواية. وعنه في رواية كقولنا، الشافعي رحمه الله: أنه تصرف في ملكه فأشبه بنائه ونقضه.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر، ولا ضرار في الإسلام» وهو إضرار بجاره فيمنع كمنع الدق الذي يهز الحيطان ويخربها، وكإلقاء السماد، والرماد، والتراب ونحوه في أصل حائطه على وجه يضر به.
م: (وللثاني الحريم من الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك الحافر الأول فيه) ش: لأن ذلك القدر ملكه لسبق يده وحيازته بإذن الإمام م: (والقناة) ش: وهي مجرى الماء تحت الأرض وارتفاعها بالابتداء وخبرها الجملة، أعني قوله م:(لها حريم) ش: والضمير العائد، أي القناة باعتبار المجري م:(بقدر ما يصلحها) ش: أي بقدر ما يصلح القناة، هذا من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، ذكر فيه: إذا خرج قناة في أرض فرات فهي بمنزلة البئر فلها من الحريم ماء للبئر ولم يزد على هذا. وقال في " الشامل ": القناة لها حريم مفوض إلى رأي الإمام، لأنه لا نص في الشرع.
م: (وعن محمد رحمه الله: أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم) ش: وبه قال الشافعي رحمه الله في وجه. وفي " شرح الوجيز ": حريمه المقدار الذي لو حفر نقض ماءه أو جفت
وقيل: هو عندهما، وعنده لا حريم لها ما لم يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق، فيعتبر بالنهر الظاهر قال: عند ظهور الماء على الأرض هو بمنزلة عين فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع
والشجرة تغرس في أرض موات لهم حريم أيضا، حتى لم يكن لغيره أن يغرس شجرا في حريمها؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره، ويضعه فيه، وهو مقدر بخمسة أذرع من كل جانب، به ورد الحديث.
ــ
[البناية]
أنهاره والكناسة، ويختلف ذلك باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها. م:(وقيل: هو عندهما) ش: أي الذي ذكره في " الأصل " هو قول أبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله -، م:(وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة رحمه الله: م: (لا حريم لها ما لم يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق) ش: أي لأن القناة نهر في الحقيقة، ولا حريم للنهر عنده، أشار إليه بقوله: م: (فيعتبر بالنهر الظاهر) ش: حيث لا حريم له.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (عند ظهور الماء على الأرض فهو بمنزلة عين فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع) ش: وقال أبو يوسف رحمه الله في كتاب " الخراج ": وأجعل للقناة من الحريم ما لم يمسح عل وجه الأرض، مثل ما أجعل للآبار، فإذا ظهر الماء على وجه الأرض جعلت حريمه كحريم النهر. وقال أيضا في كتاب " الخراج ": ولو أن رجلا له قناة فاحتفر رجل بجنبها قناة فأجراهما من تحتها أو من فوقها كان لصاحب القناة أن يمنعه من ذلك ويأخذه لطمها، فإذا كان أذن له في احتفارها فحفرها فله أن يمنعه بعد ذلك إن شاء، ولا غرم عليه في الإذن ما خلا خصلة أن يكون أذن له ووقت وقتا ثم منعه من ذلك قبل أن يجيء الوقت، فإذا كان على هذا: ضمن له قيمة البناء، ولم يضمن قيمة الحفر.
م: (والشجر تغرس في أرض موات لها حريم أيضا، حتى لم يكن لغيره) ش: أي لغير الغارس م: (أن يغرس شجرا في حريمها؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره ويضعه فيه) ش: أي لأن الغارس يحتاج إلى حريم يقطع فيه ثمرة الشجرة ويضعه فيه م: (وهو مقدر بخمسة أذرع من كل جانب) ش: أي حريم الشجرة مقدر بخمسة أذرع م: (وبه ورد الحديث) ش: أي بهذا المقدار ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو ما رواه أبو داود رضي الله عنه في " سننه " - في آخر الأقضية " عن عبد العزيز بن محمد، عن أبي طوالة، عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلان في حريم نخلة. في حديث أحدهما: فأمر بها فذرعت فوجدت سبعة أذرع، وفي حديث آخر: فوجدت خمسة أذرع، فقضي بذلك، قال عبد العزيز: فأمر بجريدة من جريدها فذرعت» انتهى. سكت عليه أبو داود رحمه الله ثم المنذري بعده.
قال: وما ترك الفرات أو الدجلة، وعدل عنه الماء، ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه
لحاجة
العامة إلى كونه نهرا. وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر لأنه ليس في ملك أحد؛ لأن قهر الماء يدفع قهر غيره
ــ
[البناية]
ورواه الطحاوي رحمه الله في " شرح الآثار " ولفظه قال: «اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في نخلة فقطع منها جريدة ثم ذرع بها النخلة فإذا فيها خمسة أذرع فجعلها حريمها» .
ومن جهة الطحاوي رحمه الله ذكره عبد الحق في " أحكامه " قال: قال أبو داود: خمسة أذرع أو سبعة.
وروى الحاكم رحمه الله في " مستدركه " في كتاب " الأحكام " عن موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في النخلة أن حريمها مبلغ جريدها» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه الطبراني في " معجمه " عن محمد بن ثابت العبدي عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حريم النخلة مد جريدها» وأخرجه أبو داود في " المراسيل " عن عروة بن الزبير قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حريم النخلة طول عسيبها» .
م: (قال: وما ترك الفرات أو الدجلة) ش: أي قال القدوري رحمه الله: الفرات نهر أصله في شمالي أرض الروم من جهة الشرق يسير منها إلى أن يجاوز قلعة الروم من جهة شمال حصنها وشرقيها ثم يسير إلى البئر قبلها، ثم يشرق إلى بالس وقلعة حصن، ثم الرقة، ثم الرحبة، ثم إلى عانة، ثم هيت، ثم إلى الكوفة، ثم يخرج إلى قضاء العراق ويصب في بطائح كبار.
وأما دجلة فهي بكسر الدال مخرجه من بلاد الروم، ثم يمر في آمن وحصن كيفا وجزيرة ابن عمر، والموصل، وتكريت، وبغداد، وواسط، والبصرة، ثم يصب في بحر خراسان م:(وعدل عنه الماء) ش: أي ما ترك الفرات أو دجلة، ومعنى عدل عنه: انكشف عنه وأخذ موضعا غيره.
م: (ويجوز عوده إليه) ش: أي والحال أنه يجوز عوده إليه، أي إلى ما ترك عنه، ومعنى يجوز: يمكن، م:(لم يجز إحياؤه لحاجة العامة إلى كونه نهرا، وإن كان لا يجوز) ش: أي لا يمكن م: (أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر؛ لأنه ليس في ملك أحد؛ لأن قهر الماء يدفع قهر غيره)
وهو اليوم في يد الإمام.
قال: ومن كان له نهر في أرض غيره، فليس له حريم عند أبي حنيفة رحمه الله إلا أن يقيم بينة على ذلك. وقالا: له مسناة النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه. قيل: هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده، وعندهما يستحقه؛
ــ
[البناية]
ش: لأن شرط الإحياء أن تكون الأرض في قهر آدمي م: (وهو اليوم في يد الإمام) ش: أي متروك الفرات ودجلة اليوم في يد الإمام فيقف إحياؤه على إذن الإمام.
وقال أبو يوسف في كتاب " الخراج ": إذا نضب الماء عن جزيرة في دجلة فليس لأحد أن يحدث فيها شيئا ما؛ ولأن رمال يسع مثل هذه الجزيرة إذا خصصت وزرعت كان ذلك ضررا على أهل المنازل، فلا يسع الإمام أن يفعل شيئا من هذه، ولا يحدث فيه حدث، فأما إن كان خارجا عن المدينة فهي بمنزلة يجنبها الرجل ويؤدي عنها حق السلطان.
ولو أن رجلا أتى طائفة في البطيحة مما ليس فيه ملك لأحد قد غلب عليه الماء فضرب عليه المنيات واستخرجه وأحياه وقطع ما فيه من القصب فإنها بمنزلة الأرض الميتة، وكذا كل ما عالج في أجمة أو بحر أو بر بعد أن لا يكون فيه ملك لإنسان فاستخرجه رجل وعمره فهو له وهو بمنزلة الموات.
ولو أن رجلا أحيا من ذلك ما كان له مالك قبله رددت ذلك إلى الأول ولم أجعل للثاني فيه حقا، فإن كان الثاني قد زرع فيه قبله نزعه وهو ضامن لما نقص من الأرض، وليس عليه أجر وهو ضامن لما قطع من قصبها، فكذلك ولو كانت هذه الأرض في البرية فيها نبات؛ لأنها بمنزلة القصب، إلى هنا لفظ كتاب " الخراج ".
م: (قال: ومن كان له نهر في أرض غيره، فليس له حريم عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: أي قال القدوري رحمه الله: فمن كشف الغوامض الخلاف في نهر كبير لا يحتاج إلى كريه في كل وقت. أما إذا كان صغيرا بحيث يحتاج إلى كريها في كل وقت فله حريم بالاتفاق اعتبارا بالبراء م: (إلا أن يقيم بينة على ذلك) ش: أي على أن له حريما.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف، ومحمد -رحمهما الله -: م: (له مسناة النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه) ش: قال في " الصحاح ": المسناة العرم وهو ما يبنى على حافة المسيل لرد الماء م: (قيل: هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده، وعندهما يستحقه) ش: قال فخر الإسلام وغيره في " شرح الجامع الصغير " من أصحابنا: من قال أصل هذه المسألة أن من أحيا نهرا في أرض موات هل يستحق له حريمها؟ قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يستحقه.