الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضرورة فيما روي لم تندفع في الأنف دونه حيث أنتن. قال رحمه الله: ويكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير؛ لأن التحريم لما ثبت في حق الذكور وحرم اللبس، حرم الإلباس كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها.
قال: وتكره
الخرقة التي تحمل فيمسح بها العرق
؛
ــ
[البناية]
م: (والضرورة فيما روي لم تندفع في الأنف دونه حيث أنتن) ش: يعني لما كانت الإباحة للضرورة، والضرورة لم تندفع في حديث عرفجة رضي الله عنه دونه، أي دون الذهب؛ لأنه أنتن، فلذلك أمره بالذهب.
ومسألة الأنف على الاتفاق إذا أنتن أو خيف ذلك. وأما تضبيب الأسنان فتحال عن هذا القدر.
وقال تاج الشريعة: يعني أن الضرورة لم تندفع بالفضة؛ لما روي من النتن ولو كان كذلك فأبو حنيفة يجوز ذلك أيضا، هكذا أشار إليه محمد رحمه الله في " السير الكبير ".
م: (قال رحمه الله: ويكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": وعن الشافعي رحمه الله: يجوز تحلية الصبيان، وعن بعض الصحابة: لا يجوز كما قلنا. وكذا عندنا: يكره أن يخضب يده أو رجليه بالحناء من غير حاجة، كما يكره للرجل.
وفي " فتاوى العتابي " رحمه الله: في " الدراية ": وعن الثلاثة: لا بأس بتحلية الصبي م: (لأن التحريم لما ثبت في حق الذكور وحرم اللبس، حرم الإلباس كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها) ش: وهذا ظاهر. وفي شرح " الأقطع ": لأن الصبي يجوز أن يعرف ما يجوز في الشريعة دون ما لا يجوز ليألف ذلك، أما ترى إنما يمنعهم من شرب الخمر ويأخذهم بالصوم الصلاة ليألفوا ذلك. وكذلك يمنعهم لبس الحرير والذهب ليألفوا ذلك.
[الخرقة التي تحمل فيمسح بها العرق]
م: (قال: وتكره الخرقة التي تحمل فيمسح بها العرق) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": وصورته محمد عن يعقوب: عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه كان يكره هذه الخرقة التي يمسح بها العرق وهذه من الخواص.
قال فخر الإسلام البزدوي رحمه الله في " شرح الجامع الصغير ": وكذلك الخرقة التي يمسح بها الوضوء محدثة بدعة يجب أن تكره لأنها لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة والتابعين قبل ذلك وإنما كانوا يتمسحون بأطراف أرديتهم.
وقد قال محمد رحمه الله في كتاب " الآثار ": وأخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حماد عن إبراهيم رحمهم الله في الرجل يتوضأ ويمسح وجهه بالثوب، قال: لا بأس، ثم
لأنه نوع تجبر وتكبر. قال: وكذا التي يمسح بها الوضوء أو يتمخط بها وقيل: إذا كان عن حاجة لا يكره وهو الصحيح، وإنما يكره إذا كان عن تكبر وتجبر وصار كالتربع في الجلوس.
ــ
[البناية]
قال: أرأيت لو اغتسل بالماء البارد في ليلة باردة أيقوم حتى يجف قال محمد رحمه الله: وبه نأخذ ولا نرى بذلك بأسا، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
م: (لأنه نوع تجبر وتكبر) ش: لأنه يشبه زي العجم فيكره، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله في شرح " الجامع الصغير "، وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله يقول: إنما يكره ذلك إذا كان شيئا نفيسا؛ لأن في ذلك فخر أو تكبر، وأما إذا لم تكن الخرقة نفيسة فلا بأس؛ لأنه لا يكون فيه كبر.
م: (قال: وكذا التي يمسح بها الوضوء) ش: أي وكذا تكره الخرقة التي يمسح بها الوضوء بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به م: (أو يتمخط بها) ش: أي بالخرقة م: (وقيل: إذا كان عن حاجة لا يكره) ش: أي حمل الخرقة واستعمال المنديل عقيب الوضوء إذا كان عن ضرورة التنشيف لا يكره م: (وهو الصحيح) ش: أي هذا القول هو الصحيح.
وكذا قال في " جامع قاضي خان " و " المحبوبي "، وذلك لأن المسلمين قد استعملوا في عامة البلدان مناديل الوضوء، كيف وقد روى الترمذي في " جامعه ": حديث سفيان بن وكيع، قال حدثنا عبد الله بن وهب رضي الله عنه، عن زيد بن حباب عن أبي معاذ عن الزهري، عن عروة رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء» .
ثم قال: وحديث عائشة رضي الله عنها ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.
ثم قال أبو عيسى: وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كره فإنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري - رحمهما الله - وقال الزهري: إنما أكره المنديل بعد الوضوء فإن الوضوء يوزن.
م: (وإنما يكره إذا كان عن تكبر وتجبر وصار كالتربع في الجلوس) ش: فإن كان يفعله تجبرا أو
قال: ولا بأس بأن يربط الرجل في أصبعه أو خاتمه الخيط للحاجة ويسمى ذلك الرتم والرتيمة، وكان ذلك من عادة العرب، قال قائلهم:
لا ينفعنك اليوم إن هممت بهم
…
كثرة ما توصي وتعقاد الرتم
ــ
[البناية]
تكبرا فيكره، وأن يفعله للضرورة والحاجة فلا يكره.
وقد روى أبو داود مسندا إلى جابر بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس» . وكذلك الاتكاء إن كان تكبرا يكره، وإن كان لضرورة فلا.
م: (قال: ولا بأس بأن يربط الرجل في أصبعه أو خاتمه الخيط للحاجة) ش: هذه من خواص " الجامع الصغير " صورتها فيه محمد عن يعقوب، عن أبي حنيفة: أنه كان لا يرى بأسا بربط الرجل في أصبعه الخيط أو في خاتمه للحاجة انتهى.
وذلك لأنه لو كره إنما يكره لكونه عبثا وهذا ليس بعبث؛ لأنه تعلق به ضرب فائدة وهو التأكيد في رعاية حق المسلمين ليكون ذلك أقرب للذكر وأبعد عن النسيان والتقصير، فلما كان كذلك لم يكن به بأس. م:(ويسمى ذلك الرتم والرتيمة) ش: أي ويسمى ذلك الخيط الذي يعقد على الأصبع للتذكرة الرتم - بفتح الراء وفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره ميم - وهو الجمع رتمة - بالفتحات أيضا - وكذلك سمي رتيمة - بالياء آخر الحروف بع الميم - ويجمع على رتائم، يقال: أرتمت الرجل إرتاما، إذا عقدت في أصبعه خيطا يستذكره حاجة، كذا قال أبو عبيد في " غريب المسند ".
وقال ابن دريد في " الجمهرة ": والرتمة شيء كان يفعله أهل الجاهلية كان الرجل إذا أراد سفرا عمدا إلى شجرتين متقاربتين فعقد غصنين منهما، فإذا رجع من سفره فإذا كان الغصان بحالهما علم أنه لم يخن في أهله، وإن كانا منحلين ظن بأهله ظن السوء يقال ارتمت رتمت إذا فعلت ذلك.
م: (وكان ذلك من عادة العرب) ش: أي ربط الخيط على الأصبع للتذكرة كان من عادة العرب، م:(قال قائلهم) ش: أي قائل العرب، قال الكاكي: قائل شعر الكتاب ابن السكيت وليس كذلك بن قائلة من العرب، وإنما استشهد به ابن السكيت:
م:
(لا ينفعنك اليوم إن هممت بهم
…
كثرة ما توصي وتعقاد الرتم)
وقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بعض أصحابه بذلك.
ــ
[البناية]
استدل أبو عبيد بهذا البيت على أن الرتم. والرتيمة هو الخيط الذي يعقد على الإصبع للتذكرة كما قد ذكره الآن.
وقال ابن السكيت: الرتم شجرة ثم أنشد هذا البيت ثم قال: كان الرجل إذا أراد سفرا عمد إلى هذه الشجرة فعقد بعض أغصانها ببعض فإذا رجع من سفره وأصابها على تلك الحالة قال: لم تخن امرأتي، وإن أصابه قد انحل قال: خانتني امرأتي.
ومعنى البيت: هل منعتك أن همت امرأتك أن تخونك وصيتك لها وإقامتك من يحفظها وبعقادك الشجرة، قوله إن هممت بهم أي بشيء تريده، يعني أنها إن كانت عفيفة حفظت نفسها وإن لم يكن كذلك لا حيلة فيها. كذا قال أبو محمد يوسف بن الحسن بن عبيد الله السيرافي كتاب " الربيع شرح الاصطلاح ".
وقوله: بعقاد الرتم، التعقاد - بفتح التاء - مصدر بمعنى على وزن التفعال كالمتعلقات والتشهاد، وهو مضاف إلى الرتم، والرتم مجرور بالإضافة، ثم البيت المذكور مروي عن الثقات.
هل ينفعنك بلفظ هل الاستفهامية وهو القياس؛ لأن الأصل في نون التأكيد أن لا يدخل النفي. والفقهاء يردونه بحرف النفي كما في رواية المصنف كذلك وقال بعضهم: بالغ الإنكار فيه.
قلت: لا مجال للإنكار في ذلك؛ لأن حرف التوكيد قد يدخل النفي أيضا في الشعر كما في قول العمر بن مولت:
فلا إيجاره الدنيا بها بلحيتها
فهذه نون التوكيد بعد لا النافية.
ثم اعلم أن قوله: إن هممت بتاء التأنيث في رواية الثقاة، وقد رواه بعضهم همت بتاء الخطاب المذكر وحذف أحد الميمين وهمت على لغة من يقول: ظلت من ظللت، ومست من مست وأحست من أحسست. قال الشاعر:
أحسنت إليه سوس
أي أحسن به.
م: (وقد روي أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بعض أصحابه بذلك) ش: أي بالرتم يعني عقد الخيط في الأصبع للتذكرة، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ولكنه قد روي فيه أحاديث كلها ضعيفة.
منها: ما رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من حديث سالم بن عبد الأعلى عن نافع
ولأنه ليس بعبث لما فيه من الغرض الصحيح، وهو التذكر عند النسيان.
ــ
[البناية]
عن ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط في أصبعه خيطا ليذكرها» ، ورواه ابن عدي في " الكامل "، والعقيلي في " الضعفاء "، وابن حبان أيضا في " الضعفاء " وأسند ابن عدي عن ابن معين والبخاري والنسائي: في سالم هذا أنه متروك، وأسنده العقيلي عن البخاري فقط، وقال ابن حبان: كان سالم هذا يضع الحديث، لا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه.
وقال الترمذي في " علله الكبرى ": سألت البخاري عن هذا الحديث: يقال: سالم بن عبد الأعلى، ويقال سالم بن غيلان منكر الحديث. وقال ابن أبي حاتم في " علله ": سألت أبي عن هذا الحديث قال: حديث باطل، وسالم هذا ضعيف وهذا منه.
ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه الأوسط " عن بشر بن إبراهيم الأنصاري: حدثنا الأوزاعي عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطا» .
ورواه ابن عدي في " الكامل "، وأعله ببشر هذا، وقال: إنه عندي ممن يضع الحديث.
ومنها ما رواه الطبراني في " معجمه " عن غياث بن إبراهيم الكوفي، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن سعيد المقبري، عن رافع بن خديج رحمهم الله قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط في أصبعه خيطا، فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: " شيء أستذكر به» .
وذكر ابن الجوزي في " الموضوعات " الأحاديث الثلاثة، ونقل في الأول كلام ابن حبان في سالم، ونقل في الثاني كلام ابن عدي في بشر، ونقل في الثالث عن السعدي وابن حبان في غياث هذا أنه كان يضع الحديث، وعن أحمد والبخاري: أنه متروك الحديث.
فإن قلت: أخرج ابن عدي في " الكامل " عن بشر بن حسين الأصبهاني، عن الزبير بن عدي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حول خاتمه أو عمامته أو علق خيطا لتذكره، فقد أشرك بالله، إن الله هو يذكر الحاجات» .
قلت: هذا أيضا حديث ضعيف؛ لأن ابن عدي أعله ببشر بن الحسين فإذن ليس الدليل إلا ما ذكره بقوله م: (ولأنه ليس بعبث لما فيه من الغرض الصحيح، وهو التذكر عند النسيان) ش: والفعل إذا تعلق بغرض صحيح لا يكره ولا يمنع، وقد جرت بذلك عادة الناس من غير نكير والله أعلم.