الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعصم الماء يكون إحياء؛ لأنه من جملة البناء، وكذا إذا بذرها. قال: ولا يجوز
إحياء ما قرب من العامر
ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجتهم إليها، حقيقته، أو دلالة على ما بيناه، فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر. وعلى هذا قالوا: لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها لما ذكرنا.
ــ
[البناية]
يعصم الماء يكون إحياء) ش: أي يحفظه من السيلان إلى غيرها.
وفي بعض النسخ: بحيث يعصم الماء أي الذي يمر من الدخول فيها م: (لأنه من جملة البناء) ش: أي لأن لكل واحد من التحويط والسنم من جملة البناء. م: (وكذا إذا بذرها) ش: أي الأرض الموات، ألقى البذار فيها.
وفي " المحيط ": عن أبي حنيفة: إن حفر فيها بئرا أو ساق إليها ماء، فقد أحياها، زرعها ومرعاها.
[إحياء ما قرب من العامر]
م: (قال: ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر) ش: أي قال القدوري: ولا نعلم فيه خلافا لأهل العلم م: (ويترك مرعى لأهل القرية) ش: أي مرعى لمواشيهم م: (ومطرحا لحصائدهم) ش: وهو جمع حصيد، وحصيدة، وهما الزرع المحصود ومطرح الحصائد هو الموضع الذي يلقى فيه الزرع المحصود للدرس م:(لتحقق حاجتهم إليها) ش: أي إلى ما قرب من العامر، والتأنيث باعتبار الأرض.
م: (حقيقته) ش: بالجر على أنه بدل من حاجتهم أي لتحقق حقيقة الحاجة عند محمد رحمه الله.
م: (أو دلالة) ش: عطف عليه أي أو لتحقق دليل الحاجة عند أبي يوسف رحمه الله م: (على ما بيناه) ش: أراد به قوله: ومحمد اعتبر الارتفاق.... إلى آخره.
م: (فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها) ش: أي إذا كان كذلك فيكون ما قرب من العامر مواتا، لتعلق حق أهل القرية، فيكون م:(بمنزلة الطريق والنهر) ش: تعلق بهما حق أهل القرية، فلا يجوز احتجارها. م:(وعلى هذا قالوا) ش: أي على ما ذكرنا من تعلق حق الناس، قالت المشائخ: م: (لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها) ش: أي ما لا بد لهم منه يقال: أقطع السلطان رجلا أيضا إذا أعطاه إياها وخصصه بها.
م: (لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: فتعلق حقهم بها، ولا نعلم فيه خلافا، وروى الترمذي وأبو داود -رحمهما الله - من حديث ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس، عن شمير بن عبد المدان، عن أبيض بن حمال: «أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي
قال رحمه الله: ومن حفر بئرا في برية فله حريمها ومعناه إذا حفر في أرض موات
ــ
[البناية]
بمأرب، فقطعه فلما أن ولى قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد. قال: فانتزع منه» .
وأخرجه البيهقي وغيرهما من حديث ابن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن قيس المازني، عن رجل [يدعى] أبيض:«أنه استقطع النبي صلى الله عليه وسلم الملح الذي بمأرب فأراد أن يقطعه إياه، فقال رجل: إنه كالماء العد فأبى أن يقطعه» .
وقال الأصمعي رحمه الله: الماء العد الدائم الذي لا انقطاع له هو كماء العين، وماء البئر، وعن هذا قال مشائخنا: من السحت ما يأخذه المرعاة، فالولاة على الماء، والكلأ، والجبال، والمردح، والمعادن، والملح، وجميع ذلك ذكره في " التتمة "، و " الغنية "، و " المجتبى " وغيرها.
وأما الحمى: وهو أن يحمي السلطان أرضا من الموات يمنع الناس رعي ما فيها يخص بها نفسه رؤوسهم كالعرب في الجاهلية يفعلون ذلك، فعندنا: لا يجوز. وأما لو حمى مرعى خيل المجاهدين، ونعم الجزية، وأهل الصدقة، وحيوان الناس التي يقوم الإمام بحفظها، وماشية الضعيف من الناس: فيجوز، وبه قال الشافعي في قول، وفي آخر: ليس لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمي لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ورسوله» .
قلنا: إن عمر، وعثمان رضي الله عنهما حميا، واشتهر ذلك في الصحابة، ولم ينكر عليهما أحد فكان إجماعا. وقال مالك: بلغني أن عمر رضي الله عنه كان يحمي في كل عام أربعين ألفا من الظهر، ولأن ما كان من مصالح المسلمين فالأئمة قائمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:«ما أطعم الله لنبي طعمة إلا جعلها طعمة لمن بعده» . وأما الخبر فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم يختص بفعل الحمى لا لكل أحد، والأئمة بعده تقوم مقامه، إذ الحمى لنفسه مخصوص به.
م: (قال: رحمه الله: ومن حفر بئرا في برية فله حريمها) ش: أي قال القدوري رحمه الله: وحريم البئر نواحيها م: (ومعناه) ش: أي معنى كلام القدوري: م: (إذا حفر في أرض موات
بإذن الإمام عنده، أو بإذنه أو بغير إذنه عندهما؛ لأن حفر البئر إحياء. قال: فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا لقوله عليه الصلاة والسلام: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشيته»
ــ
[البناية]
بإذن الإمام عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (أو بإذنه أو بغير إذنه عندهما) ش: أي عند أبي يوسف، محمد - رحمهما الله - م:(لأن حفر البئر إحياء) ش: لأنه يصير منتفعا به، فإذا كان إحياء فقد ملكها، ومن ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته، والحريم من ضرورات الانتفاع بالبئر فيملكه.
م: (قال: فإن كانت للعطن فحريمها أربعون ذراعا) ش: أي قال القدوري: والعطن مناخ الإبل ومبركها حول الماء، والمراد من بئر العطن العطن الذي يستلقي منها بالبدر من بئر الناضح: الذي تسقى منها البعير، كذا قالوا.
وقال أبو يوسف رحمه الله في مصنفه المسمى بكتاب " الخراج ": وتفسير الناضح: الذي تسقى منها البعير للزرع، وبئر العطن وهي: بئر الماشية التي يستقي الرجل منها لماشيته ولا تسقى منها الزرع، وكل بئر يستقي منها الزرع والإبل فهي بئر الناضح م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا طعنا لماشيته» ش: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عبد الوهاب بن عطاء حدثنا إسماعيل بن مسلم المكي، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته» . وأخرجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى، عن إسماعيل بن مسلم به.
فإن قلت: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": هذا ضعيف؛ لأن عبد الوهاب بن عطاء قال الرازي فيه: كان يكذب. وقال النسائي: متروك الحديث.
قلت: قال في " التنقيح ": هذا الذي فعله ابن الجوزي في هذا الحديث من أقبح الأشياء؛ لأن ابن ماجه من رواية اثنين عن إسماعيل بن مسلم، فذكره، وهو من رواية أحدهما، ثم إنه وهم فيه، فإن عبد الوهاب هذا هو الخفاف، مع أن الخفاف لم ينفرد به عن إسماعيل فقد أخرجه ابن ماجه أيضا عن محمد بن عبد الله بن المثنى عن إسماعيل، انتهى.
قلت: وقد صرح بنسبة الخفاف إسحاق بن راهويه في " مسنده " فقال: حدثنا عبد الوهاب بن عطا الخفاف عن إسماعيل بن مسلم، به، ومن طريق إسحاق بن راهويه في " مسنده "، فقال:
ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب.
ــ
[البناية]
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن إسماعيل بن مسلم، به، ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في " معجمه ".
فإن قلت: قال صاحب " التنقيح ": ويكفي في ضعف الحديث إسماعيل بن مسلم المكي.
قلت: قد تابعه أشعث، كما أخرجه الطبراني في " معجمه " عن أشعث عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وروى أحمد في " مسنده ": حدثنا هشيم عن عوف عن رجل حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل والغنم وابن السبيل أو الشارب ولا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ» .
وأخرجه البيهقي أيضا في " سننه "، ومذهب الشافعي ومالك حريم البئر ما لا بد لها منه، وبه قال القاضي، وأبو الخطاب الجيلبان. وعن أحمد: خمسة وعشرون ذراعا، واستدل له ابن الجوزي بما رواه الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري: حدثنا إسحاق بن أبي حمزة، حدثنا يحيى بن أبي الخصيب، حدثنا هارون بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا» .
قلت: قال الدارقطني: الصحيح مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم. وقال صاحب " التنقيح ": قال الدارقطني عن محمد بن يوسف المقري: وضع نحوا من ستين نسخة، ووضع من الأحاديث المسندة، والنسخ ما لا يضبط، وقد رواه أبو داود رحمه الله في " المراسيل " -عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن سعيد مرسلا، وهو الصواب المراد من البدي الذي أحدث في الإسلام، ولم يكن عاديا، والعادي بتشديد الياء ما كان قديما.
م: (ثم قيل: الأربعون من كل الجوانب) ش: يعني من كل جانب عشرة أذرع فظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشيته» فإنه بظاهره يجمع الجوانب الأربع م:
والصحيح أنه من كل جانب؛ لأن في الأراضي رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها. وإن كانت للناضح فحريمها ستون ذراعا، وهذا عندهما، وعن أبي حنيفة رحمه الله أربعون ذراعا. لهما قوله عليه الصلاة والسلام:«حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» .
ــ
[البناية]
(والصحيح أنه من كل جانب) ش: أي أربعون من كل جانب لما روى أبو يوسف من كتاب " الخراج "، وقال: حدثنا أشعث بن قيس، عن الشعبي، أنه قال: حريم البئر أربعين ذراعا، وها هنا لا يدخل أحد في حريمه ولا في مائه.
م: (لأن في الأراضي رخوة ويتحول الماء إلى ما حفر دونها) ش: فيصير حينئذ حريم كل واحد أقل من الأربعين، فيضيق العطن وتدخل الحفر م:(وإن كانت للناضح) ش: أي وإن كانت البئر للناضح وهو البئر الذي يسقي عليه م: (فحريمها ستون ذراعا) ش: هكذا هو في بعض النسخ م: (وهذا عندهما) ش: أي كون حريم بين الناضح ستون ذراعا عند أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله.
م: (وعند أبي حنيفة رحمه الله: أربعون ذراعا) ش: لم يذكر القدوري، ولا الطحاوي في " مختصرهما " الخلاف..... وبين الناضح، بل ذكرا مطلقا أنه ستون ذراعا. وذكر القدوري في كتاب " التقريب "، وشيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه "، والإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": أنه أربعون ذراعا.
م: (لهما قوله عليه الصلاة والسلام: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» ش: هذا الحديث متصلا لم يصح، وإنما رواه أبو يوسف في كتاب " الخراج " عن الحسن بن عمارة، عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم العين خمسمائة ذراع، وحريم البئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا» .
وأخرج أبو داود من " مراسيله " عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حريم البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا» . قال سعيد -من قبل نفسه -: وحريم قليب الزرع ثلاثمائة ذراع. وزاد الزهري: وحريم العين خمسمائة ذراع من كل ناحية. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ". حدثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن الشعبي، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، بدون زيادة الزهري.
رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا محمد بن مسلم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حريم البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر
ولأنه قد يحتاج فيه إلى أن يسير دابته للاستقاء، وقد يطول الرشاء، وبئر العطن للاستقاء منه بيده، فقلت الحاجة فلا بد من التفاوت. وله ما رويناه من غير فصل.
ــ
[البناية]
العادية خمسون ذراعا» . قال ابن المسيب: وأرى أن حريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع.
فإن قلت: أخرج الدارقطني في " سننه " عن الحسن بن أبي جعفر عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضوان الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«حريم البئر البدي خمسة وعشرون ذراعا، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا، وحريم العين السائحة ثلاثمائة ذراع، وحريم عين الزرع ثلاثمائة ذراع» .
قلت: هذا معلول بابن أبي جعفر؛ لأنه ضعيف.
فإن قلت: روى الدارقطني أيضا عن محمد بن يوسف المقري: حدثنا إسحاق بن أبي حمزة، حدثنا يحيى بن أبي الخطيب، حدثنا هارون بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن عبلة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
قلت: قال الدارقطني: الصحيح عن ابن المسيب المرسل، ومن أسنده فقد وهم.
م: (ولأنه قد يحتاج فيه) ش: أي في الناضح م: (إلى أن يسير دابته للاستقاء، وقد يطول الرشاء) ش: وهو الحبل م: (وبئر العطن للاستقاء منه بيده، فقلت الحاجة فلا بد من التفاوت) ش: بين بئر العطن، وبئر الناضح. وعن محمد في " النوادر ": إن كان الحبل سبعون ذراعا، يكون الحريم سبعون ذراعا، لأن في بعض البلاد الناضح لا يدور حول البئر كما في الطاحونة، بل يسد أحد طرفيه على البعير، والآخر على الدولاب فوق الماء، ثم يساق البعير فكل ما سار مقدار الحبل ارتفع الدلو إلى رأس البئر، فلو قدرناه بالسبعين لا يمكنه الانتفاع بها.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (ما رويناه) ش: أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا عطنا لماشية العطن» م: (من غير فصل) ش: أي بين العطن والناضح، احترز بأنه مقيد بقوله: عطنا لماشيته، فيكون قد فصل بين العطن والناضح.
وأجيب: بأن ذكر ذلك اللفظ للتغليب لا للتقييد، فإن الغالب في انتفاع الآبار في الفلوات هذا الطريق ليكون ذكر العطن ذكرا لجميع الانتفاعات، كما في قَوْله تَعَالَى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9](الجمعة: الآية 9) ، قيد بالبيع لما أن الغالب في ذلك اليوم البيع، وكذلك قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10](النساء: الآية 10) ، والوعيد ليس
والعام المتفق على قبوله والعمل به أولى عنده من الخاص المختلف في قبوله والعمل به. ولأن القياس يأبى استحقاق الحريم لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به، ففيما اتفق عليه الحديثان تركناه، وفيما تعارضا فيه حفظناه،
ــ
[البناية]
مخصوصا بالأكل، ولكن الغالب أمره الأكل فأخرجه على ما عليه الغالب. م:(والعام المتفق على قبوله) ش: وهو قوله: من حفر بئرا فله مما حوله أربعون ذراعا، وعمومه مستفاد من كلمة " من " لأنها تفيد العموم، وكونه متفقا على قبوله، لأن له موجبين: أحدهما: أن يكون الحريم أربعون ذراعا، والثاني: أن لا يكون زائدا عليه، لأنه ذكر بكلمة من وهي للتبعيض، والتبيين ممتنع عليه الزيادة، وهي قد عملا بأحد الموجبين.
وإن لم يعملا بالموجب الآخر وهو ممتنع الزيادة، وفي الستين يكون أربعون وزيادة، وهذا كما اعتبر في باب العشر قوله صلى الله عليه وسلم:«ما سقته السماء ففيه العشر» للاتفاق على قبوله، وترك العمل بقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» للاختلاف في قبوله. م: (والعمل به) ش: أي بالعام المتفق على قبوله م: (أولى عنده) ش: أي عند أبي حنيفة رحمه الله م: (من الخاص المختلف في قبوله والعمل به) ش: أراد بالخاص حديث الزهري، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«حريم العين....» إلى آخره.
فإن قلت: لا نسلم عموم الأول، لأن معناه من حفر بئر العطن فله مما حولها أربعون ذراعا، وهو خاص بالعطن كما ترى.
قلت: ليس عطنا صفة لبئر حتى يكون مخصصا، وإنما هو بيان الحاجة إلى الأربعين، فيكون دافعا لمقتضى القياس، فإنه ينافي استحقاق الحريم، لأن عمل الحافر في موضع الحفر استحقاقه بالعمل، ففي موضع الحفر استحقاقه كما تركناه به.
فإن قيل: ما تركه في الناضح أيضا حديث الزهري لئلا يلزم التحكم.
قلنا: حديثه فيه معارض بالعموم، فيجب المعين إلى ما بعده وهو القياس فحفظناه، وهذا كله حاصل معنى قوله: م: (ولأن القياس يأبى استحقاق الحريم لأن عمله في موضع الحفر والاستحقاق به) ش: أي بالحفر م: (ففيما اتفق عليه الحديثان) ش: وهو أربعون ذراعا م: (تركناه) ش: أي القياس م: (وفيما تعارضا) ش: أي الحديثان م: (فيه) ش: أي فيما زاد على الأربعين إلى الستين م: (حفظناه) ش: أي القياس تحقيقه أن الحديثين اتفقا على الأربعين. فترك القياس في هذا القدر. وفيما وراء الأربعين تعارضا، لأن العام ينفيه، والخاص يثبته فتساقطا، فعملنا بالقياس.
ولأنه قد يستقي من العطن بالناضح، ومن بئر الناضح باليد فاستوت الحاجة فيهما،
ويمكنه أن يدير البعير حول البئر، فلا يحتاج إلى زيادة مسافة. قال: وإن كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع لما روينا،
ــ
[البناية]
فإن قلت: كيف يتعارضان، وقد ذكر القبول في أحدهما، والاختلاف في الآخر؟.
قلت: يعني به صورة المعارضة كما يقال: إذا تعارضا المشهور مع خبر الواحد ترجح المشهور، وعدم التعارض معلوم.
م: (ولأنه قد يستقي من العطن بالناضح، ومن بئر الناضح باليد فاستوت الحاجة فيهما) ش: أي في العطن والناضح، وهذا في الحقيقة جواب عما قالا، فلا بد من التفاوت لا يقال: إن بئر الناضح الغالب فيها البعير لا اليد للحرج؛ لأنا نقول: بئر الناضح عندهم لا على حسب ما يكون في بلادنا أن البعير يدور حول البئر كما في الطاحونة، ولكن عندهم بئر الناضح أن يشد الحبل في وسط البعير، ويشد الدلو في الطرف الآخر في الحبل، ثم يساق فإذا ساق مقدار الحبل يقع الدلو في رأس البئر فيؤخذ الماء، فإذا كان بئر الناضح عندهم على هذا التفسير يمكنه نزح الماء باليد، ويمكن في العطن بالناضح أيضا فاستويا، كذا في " المبسوط " و " الذخيرة ".
م: (ويمكنه أن يدير البعير) ش: أي يمكن أن يستقي بإدارة البعير م: (حول البئر، فلا يحتاج إلى زيادة مسافة) ش: لعدم الامتداد، وهذا ظاهر م:(قال: وإن كانت عينا فحريمها خمسمائة ذراع) ش: أي قال القدوري: وعند الأئمة الثلاثة يقدر ما لا بد منه في الارتفاق بحسب العلاة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «حريم العين خمسمائة ذراع» .
ولفظ القدوري مختلف؛ في بعض النسخ: خمسمائة ذراع، وفي بعضها: ثلاثمائة ذراع، وعلى الثاني اعتمد في " شرح الأقطع "، فلأجل اختلاف النسخ قال صاحب " النافع ": وإن كان عينا فحريمها خمسمائة في رواية، وفي رواية ثلاثمائة، وشيخ الإسلام خواهر زاده لم يذكر في " مبسوطه " سوى خمسمائة.
قال الأترازي رحمه الله: والأصح عندي خمسمائة، لأنه يوافق لحديث الزهري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«حريم العين خمسمائة ذراع» وهذا هو التوفيق، نص عليه الطحاوي رحمه الله في " مختصره "، فقال: ومن حفر عينا في أرض موات، وملكها بما يملك مما ذكرنا فله حريمها وهو خمسمائة ذراع من كل جانب من جوانبها، انتهى.
والتقدير بثلاثمائة بالاجتهاد حتى يأمن من الضرر بإثبات هذا القدر من الحريم إذا حفر
ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة؛ لأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من موضع يجري فيه الماء، ومن حوض يجمع فيه الماء، ومن موضع يجري فيه إلى المرزعة، فلهذا يقدر بالزيادة، والتقدير بخمسمائة بالتوقيف. والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب كما ذكرنا في العطن والذراع هو المكسرة، وقد بيناه من قبل.
ــ
[البناية]
إنسان بعينه بئرا أو عينا كيلا يذهب ماءها ولا ينقص، انتهى كلام الأترازي.
قلت: قد روى البيهقي رحمه الله من حديث يحيى بن آدم حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: حريم البئر خمسون ذراعا، وحريم العين مائة ذراع. فكان ينبغي أن يكون هذا هو الأصح، لأنه قول حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
م: (ولأن الحاجة فيه إلى زيادة مسافة؛ لأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من موضع يجري فيه الماء، ومن حوض يجمع فيه الماء) ش: كالغدير م: (ومن موضع) ش: أي ولا بد من موضع م: (يجري فيه إلى المزرعة) ش: أي يجري الماء من ذلك الموضع إلى المزارع، وفي بعض النسخ: إلى المزارعة م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ما ذكرنا من المعاني م: (يقدر بالزيادة، والتقدير بخمسمائة بالتوقيف) ش: على حريم البئر، هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره: أن يقال: لما كان حريم العين محتاجا إلى زيادة لما ذكر من المعاني، فلم قدرت بخمسمائة وعينت بها؟. فأجاب: أن التقدير بها بالتوفيق أي بالأثر الوارد بها، وقد ذكرناه.
م: (والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب) ش: أشار بهذا إلى الاختلاف فيه أنها من كل الجوانب، ومن كل جانب كما اختلفوا في حريم البئر، ونص على أن الصحيح أنها من كل جانب. م:(كما ذكرنا في العطن) ش: أي كما ذكرنا الأصح من العطن أن الأربعين من كل جانب م: (والذراع هو المكسرة) ش: وهي ذراع العامة، وهي ذراع الكرباس أقصر من ذراع المساحة التي هي ذراع الملك، لأن المساحة بيع فيضات بدون ارتفاع الإبهام، وهذا هو اختيار خواهر زاده.
وبعضهم اختار ذراع المساحة، لأنها أليق بالممسوحات، هكذا ذكر أصحابنا ذراع المساحة، ولكن فيه نظر، لأن أصحاب المساحة ذكروا في كتبهم أن الذراع هي الهاشمية وهي ثمان قبضات، والقبضة أربع أصابع، والأصبع شعيرات بطون بعضها ملاصقة لظهور بعض الشعير يثبت شعرات من شعر البرذون.
فإن قلت: ما معنى قول " المكسرة "، وتوصيف الذراع بها لأنها نقضت عن ذراع الملك وهم بعض الأكاسرة بقبضته، وكان ذراعه سبع قبضات م:(وقد بيناه من قبل) ش: أشار به إلى ما ذكره في كتاب الطهارة من قوله: بذراع الكرباس وتوسعة للأمر على الناس فإنها هي المكسرة.