الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وإن خنقه الكلب ولم يجرحه لم يؤكل؛ لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه، وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر، وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة. وجه الأول: أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق
قال رحمه الله: وإن
شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا
لم يؤكل
ــ
[البناية]
م: (قال: وإن خنقه ولم يجرحه لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في بعض النسخ لا يؤكل م: (لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه) ش: ظاهر الرواية هو رواية: الزيادات، وفي رواية الأصل: يؤكل.
وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي ": وأما إذا خنق الصيد فمات، والمشهور عنهم: أنه لا يؤكل. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤكل، وقوله: على ما ذكرناه إشارة إلى قوله ولا بد من الجرح في ظاهر الرواية م: (وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر) ش: أي ظاهر الرواية يدل على أن الكلب كسر عضوا من الصيد فمات لا يحل.
قال القدوري: أما إذا لم يجرحه ولم يخنقه لكنه كسر عضوا منه فمات فإن أبا الحسن الكرخي ذكر أنه لم يحل عند أبي حنيفة شيئا مصرحا. فقد حكي عن محمد المسألة في الزيادات، وأجاب فيها جوابا مطلقا: أنه إذا لم يجرح لا يؤكل، وهذا يقتضي أنه لا يحل بالكسر.
م: (وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله؛ لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة) ش: قال الكرخي في "مختصره" وذكر أبو يوسف في أثره حكاية عن أبي حنيفة: وأن قتله من غير أن يجرحه بناب ولا مخلب فإنه لا يؤكل، ولذلك لو صدمه فقتله ولم يكسره ولم يجرح، فإن جرح بناب أو مخلب أو كسر عضوا فقتله فلا بأس بأكله.
قال القدوري في "شرحه": وظاهر هذا الكلام يقتضي أن الكسر كالجرح، ووجهه على ما ذكره المصنف.
م: (وجه الأول) ش: وهو أنه لا يحل بالكسر م: (أن المعتبر جرح ينتهض سببا لإنهار الدم، ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق) ش: الإنهار بكسر الهمزة الإسالة من أنهرت الدم إذا أسلته قوله ذلك إلى الإنهار.
[شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا]
م: (قال رحمه الله: وإن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه يريد به عمدا لم يؤكل) ش: أي قال القدوري في "مختصره" وقوله يريد به عمدا من كلام
لما روينا في حديث عدي رضي الله عنه، ولأنه اجتمع المبيح والمحرم، فيغلب جهة الحرمة نصا أو احتياطا. ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه معه ومات بجرح الأول يكره أكله، لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها في الجرح
ــ
[البناية]
المصنف، قيد به لأنه لو تركه ناسيا يؤكل م:(لما روينا في حديث عدي رضي الله عنه) ش: في أول الباب، حيث قال فيه:«وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل» .
م: (ولأنه اجتمع المبيح والمحرم فيغلب جهة الحرمة نصا) ش: أي من جهة النص، قال الشراح أراد به قوله صلى الله عليه وسلم:«ما اجتمع الحلال والحرام إلا قد غلب الحرام الحلال» .
قلت: هذا موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه أخرج حديثه عبد الرزاق في "مصنفه" في الطلاق حدثنا سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: قال عبد الله: ما اجتمع حرام وحلال إلا غلب الحرام الحلال.
قال سفيان: وذلك في الرجل يفجر بامرأة وعنده ابنتها أو أمها: فإنه فارقها. وقال البيهقي في "سننه": رواه جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود وجابر ضعيف، والشعبي عن ابن مسعود منقطع، م:(أو احتياطا) ش: أي من جهة الاحتياط، لأنه لما دار بين كونه حراما وحلالا فالاحتياط في تركه لئلا يستعمل الحرام في وجه، والاحتياط افتعال من الحوط وهو الحفظ، ومنه الحائط لأنه يمنع الغير من الدخول فيه.
م: (ولو رده عليه الكلب الثاني ولم يجرحه ومات بجرح الأول يكره أكله) ش: هذه من مسائل الأصل، ذكره تفريعا، أي ولو رد الصيد على الكلب الأول الكلب الثاني والحال: أنه لم يخرج الصيد معه ومات الصيد بجرح الكلب الأول يكره أكله م: (لوجود المشاركة في الأخذ وفقدها) ش: أي وفقد المشاركة م: (في الجرح) ش: لأن المعلم تعود الجرح فتثبت الكراهة لا غير، ثم قيل: كراهة تنزيه، وقيل: كراهة تحريم، هو اختيار السرخسي والحلواني.
وعند الثلاثة: يحل لانفراد الكلب المسلم بجرحه، ولهذا لو صاد مسلم بكلب مجوسي يحل عند أكثر أهل العلم. وعن أحمد في رواية: لا يباح، وكرهه جابر والحسن والنخعي والثوري ومجاهد لقوله سبحانه وتعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4](سورة المائدة: الآية 4) ، وهذا لم يعلمه.
قلنا: يحل كما لو صاد بقوسه أو سهمه أو ذبح بشفرته، وهاهنا ثلاثة فصول، أحدهم:
وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة وتتحقق بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة. ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه أشد على الأول حتى اشتد على الصيد فأخذه وقتله لا باس بأكله، لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا فكان تبعا لفعله؛ لأنه بناء عليه فلا يضاف الأخذ إلى التبع. بخلاف ما إذا كان رده عليه؛ لأنه لم يصر تبعا فيضاف إليهما. قال رحمه الله: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده، والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه وبالانزجار إظهار زيادة الطلب
ــ
[البناية]
ما اشترك فيه الكلبان في الأخذ والجرح ففيه الكراهة. والثالث: ما لم يشتركا في شيء، لكن الثاني حمل على الأول حتى استدعى الصيد وفيه الإباحة على ما يجيء.
م: (وهذا بخلاف ما إذا رده المجوسي عليه بنفسه حيث لا يكره؛ لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب فلا تتحقق المشاركة) ش: هذا أيضا من مسائل " الأصل "، أي هذا الحكم المذكور بخلاف ما إذا رد الصيد المجوسي على الكلب، والباقي واضح.
م: (وتتحقق) ش: لحينئذ المشاركة م: (بين فعلي الكلبين لوجود المجانسة) ش: أراد الكلب المعلم والكلب الجاهل أو كلب المسلم وكلب المجوسي. م: (ولو لم يرده الكلب الثاني على الأول لكنه اشتد على الأول) ش: أي كلب الثاني وهو كلب المجوسي أو الكلب الجاهل اشتد، أي صال على الكلب الأول حتى ازداد طلبه.
وفي " ديوان الأدب ": اشتد عليه، أي عدا م:(حتى اشتد على الصيد) ش: أي حتى اشتد الكلب الأول على الصيد م: (فأخذه وقتله لا بأس بأكله؛ لأن فعل الثاني أثر في الكلب المرسل دون الصيد، حيث ازداد به طلبا) ش: أي حيث ازداد الكلب المرسل باشتداد الكلب الثاني طلبا للصيد م: (فكان تبعا لفعله) ش: لفعل الأول م: (لأنه بناء عليه) ش: أي لأن فعل الثاني بناء على الأول، أي مؤكدا له م:(فلا يضاف الأخذ إلى التبع) ش: أي أخذ الصيد إلى التبع، وهو فعل الثاني.
م: (بخلاف ما إذا كان رده عليه) ش: أي بخلاف ما إذا كان الكلب الثاني رد الصيد على الأول حيث يكره كما مر م: (لأنه لم يصر تبعا) ش: لأنه غير مؤكد للأول م: (فيضاف إليهما) ش: أي ويضاف القتل إلى الكلبين.
م: (قال رحمه الله: وإذا أرسل المسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر بزجره فلا بأس بصيده) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": يقال: زجر الكلب فانزجر، أي هيجه فهاج م:(والمراد بالزجر الإغراء بالصياح عليه، وبالانزجار إظهار زيادة الطلب) ش: أي طلبا للكلب للصيد، هذا
ووجهه أن الفعل يرفع بما هو فوقه أو مثله كما في نسخ الآي، والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه. قال ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره لم يؤكل، لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا لم تثبت به شبهة الحرمة فأولى أن لا يثبت به الحل، وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي، وإن لم يرسله أحد فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله، لأن الزجر مثل الانفلات؛ لأنه إن كان دونه
ــ
[البناية]
تفسير لأصل الفعل ومطاوعة، ولا شك أن الانزجار مطوع الزجر كالانكسار.
م: (ووجهه) ش: أي وجه جواب المسألة المذكورة وهو كونه لا بأس به م: (أن الفعل يرفع بما هو فوقه) ش: أي بالأقوى نسخ الحكم المفسر م: (أو مثله) ش: أو بالمساوي لنسخ المفسر المفسر م: (كما في نسخ الآي) ش: أي القرآن وهي جمع آية، فإن النسخ فيه إما بالأقوى أو بالمساوي كما عرف في أصول الفقه.
م: (والزجر دون الإرسال لكونه بناء عليه) ش: أي لكون الزجر مبنيا على الإرسال، فكانت العبرة لإرسال المسلم دون صياح المجوسي لبنائه عليه، ونوقض بالمحرم إذا زجر كلب حلال فإنه يجب عليه الجزاء. وأجيب: بأن الجزاء في المحرم بدلالة النص، فإنه أوجب عليه الجزاء بما دونه، وهو الدلالة فوجب بالزجر بطريق الأولى.
م: (قال: ولو أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر بزجره: لم يؤكل؛ لأن الزجر دون الإرسال، ولهذا) ش: أي ولأن الزجر دون الإرسال م: (لم تثبت به) ش: أي بالزجر م: (شبهة الحرمة) ش: يعني في الصورة الأولى مع أن الحرمة أسرع ثبوتا لغلبة الحرمة على الحل دائما م: (فأولى أن لا يثبت به الحل) ش: أي بزجر المسلم م: (وكل من لا تجوز ذكاته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي) ش: في الفصول كلها.
م: (وإن لم يرسله أحد) ش: أي وإن لم يرسل الكلب أحد م: (فزجره مسلم فانزجر فأخذ الصيد فلا بأس بأكله) ش: والقياس أن لا يحل، قال خواهر زاده: وبالقياس أخذ مالك في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره: ثم امتلاه واشتلى وأخذ الصيد: حل وإن لم يقف، لكن زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية.
فإن قلت: لما لا يجعل المحرم غالبا على المبيح؟
قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح هو زاجر ناسخ يجعل ناسخا للأول لا محالة، وهاهنا الزجر متأخر فجعل ناسخا.
م: (لأن الزجر مثل الانفلات) ش: الانفلات خروج الشيء فلتة أي بعضه، والمراد هنا خروج الكلب من يد صاحبه بغتة م:(لأنه إن كان دونه) ش: أي لأن الزجر إن كان دون
من حيث إنه بناء عليه فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف فاستويا فصلح ناسخا. ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه ثم ضربه فقتله أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر أكل لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم فجعل عفوا. ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر أكل لما بينا والملك للأول، لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال
ــ
[البناية]
الانفلات م: (من حيث إنه بناء عليه) ش: أي من حيث إن الزجر بناء على الانفلات م: (فهو فوقه من حيث إنه فعل المكلف) ش: أي الزجر فوق الانفلات من وجه آخر، وهو أنه فعل المكلف، أي الزجر فعل المكلف، بخلاف الانفلات م:(فاستويا) ش: أي الزجر والانفلات م: (فصلح ناسخا) ش: فصلح الزجر ناسخا الانفلات، لأنه متأخر، لأن الزجر أحد المستويين، والنسخ يثبت بما يساويه كما في نسخ الآي، وبقولنا قال مالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي: إن وقف بعده وزجره شدة فاشتد وأخذ الصيد: حل، وإن لم يقف لكل زاد في عدوه بزجره لم يحل، وبه قال مالك في رواية.
فإن قلت: لم يجعل المحرم غالبا على المبيح.
قلت: هذا إذا لم يعلم زاجر المبيح، أما إذا علم أن المبيح يجعل ناسخا للأول لا محالة. وهاهنا الزجر متأخر، فجعل ناسخا.
م: (ولو أرسل المسلم كلبه على صيد وسمى فأدركه فضربه ووقذه) ش: أي أثخنه وأضعفه ووهنه لجراحه، ومنه الموقوذة م:(ثم ضربه فقتله: أكل، وكذا إذا أرسل كلبين فوقذه أحدهما ثم قتله الآخر: أكل؛ لأن الامتناع على الجرح بعد الجرح تحت التعليم فجعل عفوا) ش: لأنه ليس في وسعه تعليمه على وجه يمتنع عن الجرح بعد الجرح، فجعل ذلك عفوا، وقوله:"لأن الامتناع جواب شبهة" تردف المسألتين، وهي أن الضربة الثانية التي قتل الكلب بها إنما حصل بعد الإثخان الذي أخرجه من الصيد، فينبغي أن لا يحل. فأجاب عنه فقال: لأن الامتناع
…
إلخ.
م: (ولو أرسل رجلان كل واحد منهما كلبا فوقذه أحدهما وقتله الآخر: أكل؛ لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم؛ فجعل عفوا م: (والملك للأول؛ لأن الأول أخرجه عن حد الصيدية) ش: لأن جراحته أخرجت من الصيد من خير الامتناع، ثم بعد ذلك لا يزيل جراحة الثاني ملك صاحب الأول.
م: (إلا أن الإرسال من الثاني حصل على الصيد، والمعتبر في الإباحة والحرمة حالة الإرسال)
فلم يحرم، بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول.
ــ
[البناية]
ش: هذا جواب إشكال، وهو: أن الثاني إنما قتله بعد الخروج من الصيد، ينبغي أن يحرم، فأجاب: بأنه صيد بدلالة الإرسال م: (فلم يحرم) .
م: (بخلاف ما إذا كان الإرسال من الثاني بعد الخروج عن الصيدية بجرح الكلب الأول) ش: حيث يحرم، وهذا الذي ذكره بخلاف ما إذا رمى صيدا بسهم فأثخنه بحيث أخرجه عن حيز الامتناع ثم رماه ثانيا فقتله لا يؤكل لأنه لما أثخنه فصار ذكاته ذكاة الأهلي، ويمكنه الاحتراز عن الرمية الثانية فلا يكون عفوا، وفي الكلب ليس كذلك، لأنه لا يمكن تعليمه على وجه لا يجرح ثانيا بعد أن جرح مرة، وما تعذر دفعه، تعذر رفعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.