الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله: ولا بأس برزق القاضي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وفرض له.
ــ
[البناية]
فإن قلت: في الحقيقة كشف العورة؟.
قلت: لا نسلم ذلك فإنها قد تيسر بدون ذلك ولئن سلمنا بكشف العورة فهو يباح للضرورة.
[حكم رزق القاضي]
م: (قال: رحمه الله: ولا بأس برزق القاضي) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م: (لأنه عليه الصلاة والسلام «بعث عتاب بن أسيد إلى مكة وفرض له» .
ش: قلت: صح بعث النبي صلى الله عليه وسلم به إلى مكة، وأما فرضه له فقد قال الزيلعي في " التخريج [الأحاديث الهداية "] : هذا غريب، ثم قال: روى الحاكم في " مستدركه " في كتاب الفضائل من طريق إبراهيم الحربي رحمه الله، حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال:«استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - على مكة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عامله عليها، ومات عتاب رضي الله عنه بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة» .
ثم أسند إلى عمرو بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أبي أسيد وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقدين فكسوتهما مولاي.
وروى ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة عتاب: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، حدثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: سمعت عمر بن عبد العزيز في خلافته يقول: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتاب بن أسيد عامله على مكة كان ولاه يوم الفتح فلم يزل عامله عليها حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأصحابنا هم الذين ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم فرض له أربعين أوقية والأوقية أربعون درهما.
قلت: كيف يقول هذا غريب وقد أخرج البيهقي في " سننه "، من حديث أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، حدثنا إسماعيل بن أمية عن الزهري قال:«رزق رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد حين استعمله على مكة أربعين أوقية في كل سنة» .
فإن قلت: قال الذهبي في " مختصره ": لم يصح هذا؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قلت: روى البيهقي رحمه الله أيضا في " سننه "، من حديث إسحاق بن الحصين الرقي رحمه الله حدثنا سعيد بن مسلم عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد رضي الله عنه على مكة. وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة.»
وينبغي أن لا يشك في صحة هذا فإن الذي يعمل عملا يحتاج إلى كفايته وكفاية عياله، فإن لم يرزق من جهة عمله وإلا يضيع ماله ولا يرضى أحد بعمل على جهة فتفرغ أحوال المسلمين، والدليل على صحة ما ذكره البخاري في باب: رزق الحكام والعاملين عليها. وكان شريح يأخذ على القضاء أجرا قالت عائشة رضي الله عنها: يأكل الوصي بقدر عمالته، وأكل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وفي " مصنف " عبد الرزاق: أخبرنا الحسن بن عمارة، عن الحكم: أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رزق شريحا، وسلمان بن ربيعة الباهلي على القضاء، وروى ابن سعد في " الطبقات " في ترجمة شريح: أخبرنا الفضل بن دكين، حدثنا الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى قال: بلغني أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رزق شريحا خمسمائة. وروى في ترجمة زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخبرنا عفان بن مسلم، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن الحجاج بن أرطاة، عن نافع قال: استعمل عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقا.
وقال أيضا: أخبرنا محمد بن عمر الواقدي، أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: بويع أبو بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وكان رجلا تاجرا يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع فلما بويع للخلافة قال: والله ما يصلح للناس إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ولا بد لعيالي ما يصلحهم فترك التجارة وفرض من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم، وكان الذي فرضه له في كل سنة ستة آلاف درهم، فلما حضرته الوفاة قال لهم: ردوا ما عندنا إلى مال المسلمين، وإن أرضي التي هي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم، فدفع ذلك إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال: لقد والله أتعبت من بعدك.
فإن قلت: من أي مال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يومئذ الدواوين ولا بيت المال وإنما كانت الدواوين في زمان عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وبعث عليا إلى اليمن وفرض له، ولأنه محبوس لحق المسلمين فتكون نفقته في مالهم، وهو مال بيت المال، وهذا لأن الحبس من أسباب النفقة، كما في الوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة، وهذا فيما يكون كفاية،
ــ
[البناية]
قلت: هي له ذلك من الفيء، وقيل: مما أخذه من نصارى نجران ومن الجزية التي أخذت من مجوس هجر. قال أبو يوسف في كتاب " الخراج " بإسناده إلى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس أهل هجر، انتهى. وعتاب: بفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة من فوق، وفي آخره باء موحدة -، وأسيد - بفتح الهمزة وكسر السين المهملة - وهو ابن العيص بن أمية بن عبد شمس وأخوه خالد بن أبي أسيد وهما صحابيان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
م: «وبعث عليا إلى اليمن وفرض له» ش: بعثه صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن صحيح وأما فرضه له فلم يثبت عند أهل النقل، ولكن الكلام فيه كالكلام في قصة عتاب بن أسيد. أما بعثه فقد رواه أبو داود عن شريك عن سماك، عن حسن، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال:«بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟. فقال: " إن الله يستهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يبين لك القضاء " فما زلت قاضيا أو ما شككت في القضاء بعد» . ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي في " مسانيدهم ". ورواه الحاكم في " المستدرك "، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وقد مر الكلام فيه من ذلك في " أدب القاضي ".
م: (ولأنه) ش: أي القاضي م: (محبوس لحق المسلمين فتكون نفقته في مالهم وهو مال بيت المال) ش: قالوا هذا إذا كان بيت المال حلالا، فأما إذا كان حراما جمع بباطل لم يحل أخذه بحال لأن سبل الحرام والغصب رده على أهله وليس ذلك بمال عامة المسلمين.
م: (وهذا) ش: أي كون نفقته منه بحبسه لمصالح المسلمين م: (لأن الحبس من أسباب النفقة، كما في الوصي والمضارب إذا سافر بمال المضاربة) ش: لأنهما يحبسان أنفسهما بمال اليتيم ومال رب المال وكذلك نفقة المرأة سواء كانت في العصمة أو في العدة لأنها محبوسة بحق الزوج.
م: (وهذا فيما يكون كفاية) ش: أي هذا الذي ذكره محمد في " الجامع الصغير " من قوله: ولا بأس برزق القاضي فيما إذا كان كفاية ومؤنة للنفقة.
فإن كان شرطا فهو حرام؛ لأنه استئجار على الطاعة، إذ القضاء طاعة، بل هو أفضلها. ثم القاضي إذا كان فقيرا، فالأفضل، بل الواجب الأخذ؛ لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته. وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع على ما قيل رفقا ببيت المال. وقيل: الأخذ، وهو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان. ونظرا لمن يولي بعده من المحتاجين؛ لأنه إذا انقطع زمانا يتعذر إعادته ثم تسميته رزقا تدل على أنه بقدر الكفاية،
ــ
[البناية]
م: (فإن كان شرطا) ش: ومعاقدة في ابتداء الأمر بأن قال: لا أقبل القضاء إلا إذا رزقني الوالي في كل سنة كذا وكذا بمقابلة قضائي، م:(فهو حرام؛ لأنه استئجار على الطاعة إذ القضاء طاعة، بل هو أفضلها) ش: والقضاء طاعة بل أفضلها، أي أفضل الطاعات لقوله صلى الله عليه وسلم:«القضاء أشرف العبادات» ، فإذا بطل الاستئجار على سائر الطاعات فعلى هذا أولى.
ألا ترى أن حكم القاضي بالرشوة لا ينفذ، وإن كان القاضي لا ينعزل عنها بالجور والفسق والارتشاء، ولكن يستحق العزل فيعزله، خلافا للمعتزلة فإن عندهم يعزل بالفسق، وهو رواية للأصحاب.
م: (ثم القاضي إذا كان فقيرا، فالأفضل بل الواجب الأخذ) ش: أي أخذ رزقه وكفايته م: (لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته) ش: أي يؤخره عن إقامة فرض القضاء ولاشتغاله بالكسب كما ذكرنا في قصة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن قريب. م: (وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع) ش: عن أخذ الرزق في بيت المال م: (على ما قيل رفقا ببيت المال) ش: أي لأجل الرفق ببيت مال المسلمين.
م: (وقيل: الأخذ، وهو الأصح
صيانة
للقضاء عن الهوان) ش: أي
لأجل
صيانة القضاء عن الهوان، أي لأجل صيانة القضاء عن الذلة، لأنه إذا لم يأخذ لا يلتفت إلى أمور القضاء كما ينبغي لاعتماده على غنائه، فإذا أخذ يلزمه حينئذ إقامة أمور القضاء.
م: (ونظرا لمن يولى بعده من المحتاجين) ش: أي ولأجل النظر في حق من يأتي بعده من القضاة الفقراء م: (لأنه إذا انقطع) ش: أي لأن رزق القاضي وهو معلومة إذا انقطع من بيت المال بترك القاضي الغني وامتناعه عنه م: (زمانا يتعذر إعادته) ش: لأن متولي أمور بيت المال يحتج عليه بعدم جري العادة فيه منذ زمان فيتضرر القاضي الفقير.
م: (ثم تسميته رزقا) ش: أي ثم تسميته، قال محمد في " الجامع الصغير ": معلوم القاضي رزقا م: (تدل على أنه بقدر الكفاية) ش: له ولعياله ولا يعطى أكثر من الكفاية لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] الآية، وإن كان نزولها في وصي اليتيم لكون الوصي عليها ليتيم حابسا نفسه، لذلك الحكم لكل من يعمل لغيره بطريق الحسبة.