الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ولا بأس بالخليطين لما روي عن ابن زياد أنه قال: سقاني ابن عمر رضي الله عنه شربة، ما كدت أهتدي إلى منزلي فغدوت إليه من الغد فأخبرته بذلك فقال: ما زدناك على عجوة وزبيب.
ــ
[البناية]
وأما الذي فيه اختلاف العلماء -أي علمائنا -: فهو نبيذ التمر إذا طبخ أدنى طبخة ثم اشتد. فإن اشتد قبل الطبخ، فهو نبيذ التمر، وهو السكر، أما إذا طبخ أدنى طبخة، ثم اشتد، فإن في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف -رحمهما الله - الآخر: لا بأس بالقليل لاستمراء الطعام.
وفي قول أبي يوسف الأول، ومحمد الآخر فيه: وبه يأخذ. واتفقوا أنه لو شرب للهو لا يجوز: وهكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله في " الأمالي ". وقال: ولو أراد أن يشرب السكر، فقليله وكثيره حرام. والقعود إليه حرام، ومشيه إليه حرام. وإنما يجوز إذا قصد به استمراء الطعام.
[شرب الخليطان نقيع التمر ونقيع الزبيب]
م: (قال: ولا بأس بالخليطين) ش: أي قال القدوري في " مختصره ": والخليطان عبارة عن نقيع التمر، ونقيع الزبيب، يخلطان فيطبخ بعد ذلك أدنى طبخة، ويترك إلى أن يغلي ويشتد. م:(لما روي عن ابن زياد أنه قال: سقاني ابن عمر رضي الله عنه شربة ماء كدت أهتدي إلى منزلي، فغدوت إليه من الغد فأخبرته بذلك فقال: ما زدناك على عجوة وزبيب) .
ش: وهذا ما رواه محمد بن إياس في كتابه " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن أبي إسحاق سليمان الشيباني عن ابن زياد أن أنه أفطر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فسقاه شرابا، فكأنه أخذ منه، فلما أصبح غدا إليه فقال له:
ما هذا الشراب، ما كدت أهتدي إلى منزلي؟. فقال ابن عمر: ما زدناك على عجوة وزبيب. انتهى.
وابن زياد وهو عبد الله بن زياد، والعجوة: التمر الذي يصب فيه الفرس لجودته. وروى أبو داود عن عبد الله الخريبي، عن مسعر، عن موسى بن عبد الله، عن امرأة من بني أسد، عن عائشة رضي الله عنها:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له نبيذ فتلقى فيه تمرا وتمر فتلقى فيه زبيب» .
وروي أيضا عن زياد الحساني، حدثنا أبو بكر، أخبرنا عتاب بن عبد العزيز «عن صفية -يعني صفية بنت عطية - قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة، فسألنا عن التمر،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
والزبيب؟، فقالت: كنت آخذ قبضة من تمر، وقبضة من زبيب فألقيه في إناء، فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم» .
وفي هذا كله دليل على أن شرب الخليطين لا بأس به، يدل على ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: ما زدناك على عجوة وزبيب. «وقول عائشة رضي الله عنها: فتلقي فيه تمرا، وتمر ليلقي فيه زبيب» . وكذلك قوله: «أخذ قبضة من تمر، وقبضة من زبيب.» الحديث.
وقال تاج الشريعة: والمتقشفة يقولون: لا يحل شربه، وإن كان حلوا؛ لما روي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراب الخليطين، وعن القران بين التمر، وعن الجمع بين اللقمتين» ، وروي:«أنه نهى عن الجمع بين التمر، والزبيب، والرطب، والبسر» . وتأويل ذلك أنه كان في زمن الجدب. وكره الأغنياء الجمع بين اللقمتين، والدليل على أنه لا بأس به في غير زمن القحط: ما روي «عن عائشة رضي الله عنها: كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمر البسرة فأمرني فألقيت فيه زبيبا» . يريد ما ذكرنا بما روي من حديث ابن زياد المذكور، وابن عمر رضي الله عنهما كان معروفا بالزهد، والفقه بين الصحابة رضي الله عنهم فلا نظن به أنه كان يسقي غيره ما لا يشربه. ولا أنه يشرب ما كان يتناوله نص التحريم وقد ذكرناه. إنما سقاه كان مشتدا حتى أثر فيه على وجه ما كان يهتدي إلى أهله، وإنما كان هذا على سبيل المبالغة في بيان التأثير فيه لا حقيقة السكر فإن ذلك لا يحل.
وفي قوله: " ما زدناك على عجوة وزبيب " دليل على أنه لا بأس بشرب القليل من المطبوخ بماء الزبيب والتمر وإن كان مشتدا؛ ولأنه لما جاز اتخاذ الشراب من كل واحد بانفراده جاز الجمع بمنزلة السكر، والعانيد. انتهى كلامه.
وفيه: روي أيضا لقول أصحاب الظواهر بعض الروافض. وأحمد في رواية أنهم لا يحلون شرب الخليطين، وإن كان حلوا، وإن كانوا لا يحلون الجمع بين اللقمتين بخلاف المرقة والإدام. والجمع بين التمرتين بعد الطعام والمستقيم على التعاقب فإنه لا يكره بالإجماع.
ولنا حديث عائشة رضي الله عنها وقوله سبحانه وتعالى: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] بلا تفصيل بين حالة وحالة. والحديث محمول على الشدة والقحط. وكذا روي عن
وهذا نوع من الخليطين وكان مطبوخا؛ لأن المروي عنه حرمة نقيع الزبيب وهو النيء منه، وما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الجمع بين التمر والزبيب، والزبيب والرطب، والرطب والبسر محمول على حالة الشدة وكان ذلك في الابتداء
ــ
[البناية]
إبراهيم النخعي رحمه الله وكان في ابتداء الإسلام.
م: (وهذا نوع من الخليطين وكان مطبوخا) ش: أي: وهذا الذي سقاه ابن عمر لابن زياد كان من الخليطين، والحال أنه كان مطبوخا لا نيئا م:(لأن المروي عنه حرمة نقيع الزبيب وهو النيء منه) ش: أي لأن المروي عن ابن عمر رضي الله عنهما حرمة نقيع الزبيب، والمراد منه هو: النيء منه.
وأشار بذلك إلى ما روي أنه في نقيع الزبيب خمر أحسها، فكذلك يحمل ما روي عن ابن زياد على المطبوخ حتى لا يناقض قول ابن عمر فعله، وهذا تأويل " صاحب الهداية " غير مستقيم؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكرناه الآن صريح على أن ما كان من الخليطين كان نيئا، وما روي عن ابن عمر من حرمة نقيع الزبيب لم يثبت، ولم يذكره أهل النقل، فكيف هذا دليلا على أن المراد ما ذكر من حديث ابن زياد كان مطبوخا لا نيئا؟ م:(وما روي «أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن الجمع بين التمر والزبيب، والزبيب والرطب، والرطب والبسر» محمول على حالة الشدة وكان ذلك في الابتداء) .
ش: هذا جواب عما استدرك به المحرمون الجمع بين التمر، والزبيب، والرطب، والبسر من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين هذه الأشياء وهو ما روي عن البخاري، ومسلم، وبقية الستة، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه نهى أن ينبذ الزبيب والتمر جميعا، ونهى أن يخلط بين البسر، والرطب جميعا» .
وأخرج الجماعة إلا الترمذي عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط الزبيب، والتمر، وعن خليط البسر، والتمر، وعن خليط الزبيب، والتمر، وقال: " انتبذوا كل واحدة على حدة» وفي لفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتبذوا الزهر والرطب والزبيب جميعا ولكن انتبذوا كل واحد على حدته» ولم يذكر البخاري فيه الرطب والبسر.
وأخرج مسلم عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر، والزبيب جميعا، وأن يخلط التمر، والرطب جميعا» . وأخرج أيضا عن نافع بن عمر قال: «نهي أن ينبذ البسر والرطب جميعا، والتمر والزبيب جميعا» . وأخرج أيضا عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخلط بسرا بتمر، وزبيبا ببسر، وقال: من شرب منكم النبيذ فليشرب زبيبا فردا، أو تمرا فردا، أو بسرا فردا» .