الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو
طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة، ثم أنقع فيه تمرا أو زبيبا
، إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله لا بأس به، وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل كما إذا صب في المطبوخ قدح من النقيع، والمعنى تغليب جهة الحرمة ولا حد في شربه؛ لأن التحريم للاحتياط، وهو للحد من درئه. ولو
طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه
لم يحل؛ لأن الحرمة قد تقررت، فلا ترتفع بالطبخ.
قال: ولا بأس ب
الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير
؛
ــ
[البناية]
قال شيخ الإسلام: وهذا إذا كان التمر المطبوخ غالبا، والعنب مغلوبا به، فأما إذا كان العنب غالبا على التمر فإنه يجب الحد، كما لو خلط الخمر بالماء اعتبر الغالب والمغلوب، فكذا هذا، قال: أرأيت الرجل يخلط الخمر بعينها مع النبيذ ثم يشرب منه جميعا ولا يسكر أيجب الحد؟.
والجواب: فيما لو خلط بالماء إن كان الخمر غالبا وجب الحد، وإن كان النبيذ غالبا لم يجب ما لم يسكر، قال: أرأيت التمر والعنب يخلطان جميعا في قدر ثم يطبخان جميعا، حتى يذهب ثلثا العنب فيمرسان وينبذان؟، قال: لا بأس بذلك إذا كان قد ذهب من ماء العنب يحل إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه.
[طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة ثم أنقع فيه تمرا أو زبيبا]
م: (ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة، ثم أنقع فيه تمرا أو زبيبا إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله لا بأس به) ش: هذه المسائل كلها ذكرت تفريعا على مسألة " المختصر " من قوله كما هو، م:(وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل) ش: لأنه في معنى نقيع ومطبوخ.
م: (كما إذا صب في المطبوخ قدح من النقيع) ش: لأنه أفسده كله م: (والمعنى تغليب جهة الحرمة) ش: يعني الوجه في تحريمه تغليب جهة الحرمة على جهة الحل احتياطا م: (ولا حد في شربه؛ لأن التحريم للاحتياط، وهو للحد في درئه) ش: أي رفعه؛ لأن مبناه على الدرء والسقوط.
[طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه] 1
م: (ولو طبخ الخمر أو غيره) ش: أي غير الخمر من الأشربة المحرمة م: (بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه لم يحل؛ لأن الحرمة قد تقررت، فلا يرتفع بالطبخ) ش: لأن النار أثرها في دفع الحرمة لا في رفعها، ولكن مع هذا لا يجب الحد في شربه قبل السكر؛ لأن الخمر هي التي من ماء العنب، وهذا مطبوخ لا نيئ، فلا يكون شاربه شارب خمر.
[الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير]
م: (قال: ولا بأس بالانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير) ش: أي قال القدوري في "مختصره": والدباء القرع جمع دباه، والحنتم: بفتح الحاء المهملة، وسكون النون، وفتح التاء المثناة من فوق: وهو جرار حمر، وقال أبو عبيد خضر: وقد يجوز أن يكونا جميعا، وهو جمع حنتمة، والمزفت المطلي بالزفت، وهذا الذي ذكره القدوري، وهو قول أكثر أهل العلم.
لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث فيه طول بعد ذكر هذه الأوعية: «فاشربوا في كل ظرف، فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر» .
ــ
[البناية]
وعن أحمد في رواية: كره الانتباذ فيها؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم، وقال مالك: أكره أن ينتبذ في الدباء والمزفت، وأباح الجر كله غير المزفت، والحنتم، والنقير.
م: (لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث طول بعد ذكر هذه الأوعية: «فاشربوا في كل ظرف، فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر» ش: أراد بهذا الحديث الذي فيه طول، وفيه: النهي عن الانتباذ في الظرف المذكور.
ثم الأشربة فيها هو ما رواه محمد بن أساس في " كتاب الآثار " أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله قال: حدثنا علقمة بن مزيد عن أبي بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وهؤلاء يقولوا هجرا، وقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه، وعن لحوم الأضاحي أن يمسكوها فوق ثلاثة أيام فأمسكوها ما بدا لكم، وتزودوا فإنما نهيتكم ليوسع موسعكم على فقيركم، وعن النبيذ في الدباء والحنتم، والمزفت، فاشربوا في كل ظرف، فإن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولا تشربوا المسكر» . وفي بعض الروايات جاء النقير بعد المزفت.
وأخرج الجماعة إلا البخاري عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكرا» وفي لفظ لمسلم: «نهيتكم عن الظروف، وإن الظرف، أو ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام» .
وأخرج ابن حبان في "صحيحه" عن مسروق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني نهيتكم عن نبيذ الأوعية، ألا وإن الوعاء لا يحرم شيئا، وكل مسكر حرام» .
وأخرج البخاري، ومسلم عن ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد، عن ابن عياض، عن عبد الله بن عمر، فقال:«لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قالوا: ليس كل الناس يجد سقاء فأرخص لهم في الجر غير المزفت"، وفي لفظ: "فأذن" بدل "فأرخص» .
وأخرج أبو داود عن شريك، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض، عن عبد الله بن عمرو، قال:«ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير، فقال أعرابي: إنه لا ظروف لنا، قال: "اشربوا ما حل"، وفي لفظ ليحيى بن آدم، عن شريك فقال: "اجتنبوا ما أسكر» .
وأخرج البخاري من حديث جابر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف، فقالت الأنصار: إنه لا بد لنا منها، فقال: فلا إذا» وأخرج البيهقي من حديث يحيى بن محمد بن حبان
وقال ذلك بعدما أخبر عن النهي عنه، فكان ناسخا له. وإنما ينتبذ فيه بعد تطهيره، فإن كان الوعاء عتيقا يغسل ثلاثا
ــ
[البناية]
بن واسع بن حسان حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نهيتكم عن النبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحل مسكرا» قوله: ولا تقولوا: " هجرا " بضم الهاء، وسكون الجيم، وهو الإفحاش في النطق والخناء.
م: (وقال ذلك بعدما أخبر عن النهي عنه، فكان ناسخا له) ش: أي قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انتبذوا واشربوا في كل ظرف» بعدما أخبر عن الانتباذ في الظروف، فكان أمره بذلك ناسخا لنهيه المتقدم، ففيه دليل على جواز نسخ السنة بالسنة، والمراد من النهي: هو ما رواه البخاري، ومسلم، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد عن علي رضي الله عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء، والمزفت.»
وروى مسلم من حديث سعيد بن جبير، «عن ابن عمر، وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أنهما شهدا: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت» . وروي أيضا من حديث الزهري أخبرني أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتبذوا في الدباء، والمزفت» وروي أيضا عن حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تنتبذوا في الدباء، ولا المزفت» .
وروى أيضا: ثم يقول أبو هريرة: اجتنبوا الحناتم، والنقير، وروي أيضا من حديث شعبة، أخبرني عمرو بن مرة، سمعت زادان يقول: قلت لابن عمر: أخبرنا بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية، أخبرنا بلغتكم، وفسره لنا بلغتنا، قال: نهى عن الحنتم وهي الجرة، ونهى عن المزفت وهو النقير، ونهى عن الدباء وهو القرع، ونهى عن النقير وهي أصل النخلة ينقر نقرا ويمسح مسحا، وأمر أن ينتبذ في الأسقية.
قالوا: إنما نهى عن هذه الأوعية على الخصوص؛ لأن الأنبذة تشتد في هذه الظروف أكثر مما تشتد في غيرها، وفيه دليل واضح لأبي حنيفة، وأبي يوسف على إباحة شرب النبيذ الشديد دون المسكر، وعلى حرمة ما يقع به السكر.
فإن قلت: ما كان المعنى في النهي في زيارة القبور؟
قلت: كانوا في ابتداء الإسلام إذا زاروا المقابر يقربون عنه، ويقولون "هجرا" على رسمهم في الجاهلية، ويصفون موتاهم بالبطالة وسفك الدماء وشرب الخمر، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور فطاما لهم عن الهجر، فلما انتهوا على ذلك أباح لهم زيارة القبور بعد ذلك.
م: (وإنما ينتبذ فيه بعد تطهيره) ش: إن كان فيه خمر م: (فإن كان الوعاء عتيقا يغسل ثلاثا
فيطهر، وإن كان جديدا لا يطهر عند محمد رحمه الله لتشرب الخمر فيه، بخلاف العتيق. وعند أبي يوسف يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة، وهي مسألة ما لا ينعصر بالعصر، وقيل: عند أبي يوسف: يملأ ماء مرة بعد أخرى، حتى إذا خرج الماء صافيا غير متغير يحكم بطهارته. قال: وإذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء يطرح فيها، ولا يكره تخليلها.
ــ
[البناية]
فيطهر) ش: لأنها تشرب كما لو نجس الظرف بالدم أو البول، فإنه يطهر بالغسل ثلاثا م:(وإن كان جديدا لا يطهر عند محمد رحمه الله لتشرب الخمر فيه، بخلاف العتيق) ش:.
م: (وعند أبي يوسف: يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة، وهي مسألة ما لا ينعصر بالعصر) ش: والخلاف فيه مشهور، فإن عند محمد: إذا تنجس ما لا ينعصر بالعصر لا يطهر أبدا. وعند أبي يوسف رحمه الله: يطهر بالغسل ثلاث مرات مع تجفيفه في كل مرة، وقد مر مستوفى في: كتاب الطهارة.
وقال شيخ الإسلام: هذا مثل ظرف الخمر بعدما صب منه الخمر، أما إذا لم يصب منه الخمر حتى صار الخمر خلا ما حال الظرف لم يذكر محمد هذا في " الأصل ". وقد حكي عن الحاكم أبي نصر محمد بن مهرويه أنه كان يقول: ما يواري الإناء من الخل لا شك أنه يطهر، لأن ما يواري الإناء من الخل فيه أجزاء الخل، وإنه طاهر. فأما على الجب الذي انتقض من الخمر.
وقيل: صيرورته خلا: فإنه يكره؛ لأن ما تداخل أجزاء الجب من الخمر لم يصر خلا؛ بل يلبث فيه كذلك جزءا، فيكون نجسا، فيجب أن يغسل أعلاه بالخل حتى يطهر الكل؛ لأن غسل النجاسة الحقيقية بما سوى الخمر من المائعات التي تزيل النجاسة جائز عندنا فإذا غسل الجب بالخل صار ما حل فيه من أجزاء الخمر خلا من ساعته، فيطهر الجب بهذا الطريق، فإذا لم يفعل كذا حتى ملأ به من العصر بعد ذلك فإنه ينجس العصير ولا يحل شربه؛ لأنه عصير خالطه الخمر، إلا أن يصير خلا، فكذا قاله خواهر زاده - رحمة الله عليه -.
م: (وقيل عند أبي يوسف: يملأ ماء مرة بعد أخرى، حتى إذا خرج الماء صافيا غير متغير يحكم بطهارته) ش: أشار بهذا القول أنه إذا لم يجفف في كل مرة من الغسل، ولكن ملأ ماء مرة بعد أخرى إلى آخره ما ذكره، فإنه يطهر ولا يحتاج إلى التجفيف في كل مرة من الغسل.
م: (قال: وإذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء يطرح فيها، ولا يكره تخليلها) ش: أي قال القدوري في "مختصره": أراد أن التخليل يجوز مطلقا، سواء صارت خلا بنفسها أو بعلاج، كإلقاء الملح أو بغير الملح كالنقل من الظل إلى الشمس أو بالعكس أو
وقال الشافعي رحمه الله: يكره التخليل ولا يحل الخل. الحاصل به إن كان التخليل بإلقاء شيء فيه قولا واحدا، وإن كان بغير إلقاء شيء فيه فله في الخل. الحاصل به قولان له: أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول، والأمر بالاجتناب ينافيه. ولنا: قوله عليه الصلاة والسلام: «نعم الإدام الخل» .
ــ
[البناية]
بإيقاد النار بالقرب منه. ولا يكره هذا الغسل عندنا، (وقال الشافعي رحمه الله: يكره التخليل ولا يحل الخل. الحاصل به إن كان التخليل بإلقاء شيء فيه قولا واحدا) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -.
م: (وإن كان بغير إلقاء شيء فيه فله) ش: أي فللشافعي رحمه الله م: (في الخل الحاصل به) ش: أي بإلقاء شيء م: (قولان) ش: في قول: يحل كقولنا، وفي قول: لا يحل، وبه قال مالك وأحمد أما إذا صار خلا بطول المدة بدون علاج يحل بلا خلاف لهم.
م: (له) ش: أي للشافعي رحمه الله م: (أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول، والأمر بالاجتناب ينافيه) ش: بيانه أن سبحانه وتعالى أمر بالاجتناب على الخمر بقوله سبحانه وتعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] والأمر للوجوب، وفي التخليل اقتراب منه، وبينهما منافاة فلا يجوز.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «نعم الإدام الخل» ش: هذا الحديث رواه الجماعة من الصحابة الأول جابر رضي الله عنه أخرج حديثه الجماعة إلا البخاري ومسلم والنسائي عن طلحة بن نافع والباقون عن محارب بن دثار رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم الإدام الخل» ، أخرجه النسائي في الوليمة والباقون في الأطعمة.
الثاني: عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الإدام الخل» ، قال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، لا يعرف من حديث هشام بن عروة إلا عن سليمان بن بلال.
الثالث: أم هانئ رضي الله عنها أخرج حديثها الحاكم في " المستدرك " في الفضائل عن عطاء بن عباس «عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك طعام آكله وكان جائعا؟ فقلت: إن عندي كسرة يابسة، وإني أستحي أن أقربها إليك، فقال: هلميها، فكسرتها ونثرت عليها الملح، فقال: هل من إدام؟ فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عندي إلا شيء من خل، فقال: هلميه، فلما جئته به صبه على
ولأن بالتخليل يزول الوصف المفسد، وتثبت صفة الصلاح من حيث تسكين الصفراء وكسر
ــ
[البناية]
طعامه فأكل منه ثم حمد الله تعالى ثم قال: نعم الإدام الخل يا أم هانئ، لا يفتقر بيت فيه خل» .
الرابع: أيمن رضي الله عنه أخرج حديثه البيهقي في " شعب الإيمان " عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: «نزل بجابر ضيوف فجاءهم بخبز وخل، فقال: كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم الإدام الخل، هلاك بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم، وهلاك بالرجل أن يحتقر ما في بيته أن يقدمه إلى أصحابه» .
الخامس: أم سلمة رضي الله عنها أخرج حديثها الدارقطني في "سننه" عن فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة «عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها كانت لها شاة تحتلبها ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما فعلت الشاة؟ "، قالوا: ماتت، قال: "أفلا انتفعتم بإهابها؟ "، فقلنا: إنها ميتة، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن دباغها يحل كما يحل خل الخمر» . وقال الدارقطني: تفرد به فرج بن فضالة وهو ضعيف روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري أحاديث لا يتابع عليها.
حديث آخر: «خير خلكم: خل خمركم» . قال البيهقي في " المعرفة " رواه المغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير خلكم خل خمركم» تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي. وجه الاستدلال بهذا الحديث: أنه عام يتناول جميع ما يطلق عليه اسم الخل، لأنه لم يفصل بين خل وخل.
م: (ولأن بالتخليل يزول الوصف المفسد) ش: وهو الخمرية، لأن التخليل إصلاح لجوهر فاسد، فيجوز، لأن الجوهر خمر فاسد، فإصلاحه بإزالة صفة الخمرية عنه، والتخليل إزالة لتلك الصفة، فيكون إصلاحا م: (وتثبت صفة الصلاح من حيث تسكين الصفراء وكسر
الشهوة والتغذي به والإصلاح مباح، وكذا الصالح للمصالح اعتبارا بالمتخلل بنفسه وبالدباغ والاقتراب لإعدام الفساد، فأشبه الإراقة، والتخليل لما فيه من إحراز مال يصير حلالا في الثاني: فيختاره من ابتلي به
ــ
[البناية]
الشهوة والتغذي به) ش: ذكر في ثبوت صفة الصلاح ثلاثة أشياء: الأول: تسكين الصفراء، لأن الجوهر البارد فيه أكثر من الجوهر الحار، لأنه مركب من جوهرين مختلفين، أعني من جوهر حار وجوهر بارد، وكلاهما لطيف، ولهذا فيه تخفيف بليغ، حتى إنه من التخفيف في الدرجة الثالثة عند منتهاها إذا كان خلا ثقفا.
الثاني: فيه كسر الشهوة لما قلنا: إن فيه تخفيفا بليغا، ذكر أصحاب الطبائع: أنه يفيق الشهوة.
الثالث: فيه التغذي، لأنه صالح للمعدة، والجوع يصلح من هيجان الحرارة في المعدة، وهو أسرع إلى إطفاء الحرارة وحدته، قالوا: إنه يضعف البصر م: (والإصلاح مباح) ش: أي إصلاح المفسد يباح كالدباغ، وهذا بالإجماع.
م: (وكذا الصالح للمصالح) ش: وكذا مباح الصالح للمصالح وهو جمع مصلحة والمصالح هي الأشياء المذكورة ونحوها م: (اعتبارا بالمتخلل بنفسه) ش: أي قياسا على التخلل بنفسه، فإنه يباح بالإجماع لأجل المصالح المذكورة وغيرها.
وكذا الذي يحل بالعلاج ونحوه م: (وبالدباغ) ش: أي واعتبارا بالدباغ أيضا، فإن عين الجلد نجس، ولهذا لا يجوز بيعه كالثوب النجس والدبغ إصلاح له من حيث إنه يعصمه من النتن والفساد وقد جاز الدباغ فيجوز التخليل قياسا عليه م:(والاقتراب لإعدام الفساد) ش: وهذا جواب عن قول الشافعي: أن في التخليل اقترابا من الخمر على وجه التمول. ووجهه: لا نسلم أنه على جهة التمول، بل المنظور إليه إعدام الفساد م:(فأشبه الإراقة) ش: فإن فيها اقترابا أيضا م: (والتخليل أولى) ش: أي من الإراقة مع وجود الاقتراب في كل منهما م: (لما فيه) ش: أي في التخليل م: (من إحراز مال يصير حلالا في الثاني) ش: أي في الزمن الثاني م: (فيختار من ابتلي به) ش: أي فيختار التخليل على الإراقة من ابتلي بالخمر، كما إذا درت خمرا مثلا.
فإن قلت: هي لنجس العين فيحرم التصرف فيها قياسا على الميتة والبول والدم؟.
قلت: ليس كذلك فذاتها ذات العصير وهو طاهر قبل التخمر، والنجاسة باعتبار الشدة وما هي عينها بل وصفها وهو يقبل الزوال كالصبي في الصبي، ولهذا لو تخللت بنفسها يحل.
فإن قلت: ما تقول فيما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الخمر أيتخذ خلا، قال:"لا".» وروي أيضا عن أنس «أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا، قال: "أهرقها"، قال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: "لا» .
وروى المزني أيضا في كتاب " العلل ": «أن أبا طلحة كان في حجره يتامى فاشترى لهم خمرا فنزل تحريم الخمر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: أفنخللها؟، قال: "لا، ولكن أهرقها» ، قال المزني: فلو كان التخليل جائزا لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإراقة، لأن فيها يضيع مال اليتيم، بل كان يأمره بالتخليل خصوصا كان الخمر ليتامى. قالوا: أو لأن الصحابة أراقوها حين نزلت آية التحريم كما ورد في الصحيح، فلو جاز التخليل لبينه صلى الله عليه وسلم كما بين لأهل الشاة الميتة على دباغها.
قلت: أما الجواب عن الحديث الأول: أن المعنى لا يستعملوها استعمال الخل بأن تؤدم ويوضع على المائدة كما يوضع الخل، وهو نظير ما روي عنه صلى الله عليه وسلم:«أنه نهى عن تحليل الحرام وتحريم الحلال، وأن يتخذ الدواب كراس» ، المراد الاستعمال. «ولما نزل قوله سبحانه وتعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31](التوبة: الآية 31) . قال عدي بن حاتم: ما عبدناهم قط، فقال صلى الله عليه وسلم:"أليس كانوا يأمرون وينهون وتطيعونهم؟ "، قال: نعم، فقال: "هو ذاك» فقد فسر الإلحاد بالاستعمال.
وأما عن الثاني: فقد أجاب الطحاوي - رحمة الله عليه - بأنه محمول على التغليظ والتشديد، لأنه كان في ابتداء الإسلام كما ورد ذلك في سؤر الكلب، بدليل أنه ورد في بعض طرقه الأمر بكسر الدبار وتقطيع الزقاق. ورواه الطبراني في "معجمه" حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مشدد حدثنا معتمر حدثنا ليث عن يحيى بن عباد عن أنس رضي الله عنه «عن أبي طلحة قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري؟، فقال:"أهرق الخمر واكسر الدنان".»
وروى أحمد في "مسنده" حدثنا الحاكم بن نافع حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن حمزة بن حبيب عن ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم شق زقاق الخمر بيده في أسواق المدينة» ، وهذا صريح في تغليظ الأمر، لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكنه الإراقة بدون كسر الدنان وشق الزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد ليكون أبلغ في الردع، وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه حرق بيت خمار، كما رواه ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا يزيد بن