الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنه واجب الاجتناب، وفي الانتفاع به اقتراب
والثامن: أن يحد شاربها وإن لم يسكر منها لقوله عليه الصلاة والسلام: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه»
ــ
[البناية]
سقيها للدواب، فإن سقى شاة فذبحت من ساعته أكل لحمها لأنه لم يؤثر في لحمها، فإن اعتادت شرب الخمر، وصارت بحال يوجد ريح الخمر من حلقها، فإن كان إبلا، يحبس شهرا ثم يؤكل، وإن كان بقرا يحبس عشرين يوما، وإن كان شاة يحبس عشرة أيام، والدجاجة تحبس ثلاثة أيام. فإن صب في حنطة، لم يؤكل، كما لو صب فيها بول، فإن غسلت فطبخت حل أكلها إذا لم يوجد ريح الخمر، وطعمها لزوال النجاسة.
قالوا: هذا إذا لم تنتفخ، فإن انتفخت هل تطهر بالغسل؟.
على قول أبي يوسف: تطهر إذا غسلت ثلاث مرت وجففت في كل مرة. وعلى قول محمد: لم تطهر أبدا. وعلى قول أبي يوسف: تغلى ثلاث مرات بماء طاهر، وتبرد في كل مرة. كذا ذكره قاضي خان في " شرح الجامع الصغير "، م:(ولأنه واجب الاجتناب) ش: أي ولأن الخمر واجب الاجتناب بالنص لكونه حراما م: (وفي الانتفاع به اقتراب) ش: وهو خلاف النص.
[الحد في شرب الخمر]
م: (والثامن) ش: أي الموضع الثامن م: (أن يحد شاربها وإن لم يسكر منها) ش: أي من الخمر؛ لأن حرمتها لعينها، فلا يشترط فيه السكر م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه» .
ش: هذا الحديث رواه أبو داود عن عاصم، عن أبي صالح، عن معاوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم» .
حدثنا موسى، حدثنا حماد، عن حميد بن يزيد، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بهذا المعنى، قال: وأحسبه قال في الخامسة: «إن شربها فاقتلوه» .
وروى أبو داود، والنسائي أيضا، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة رضي الله عنه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه» .
وقال أبو داود: وكذا حديث عمر بن أبي سملة عن أبيه، وقال: «فإن عاد في الرابعة
إلا أن حكم القتل قد انتسخ فبقي الجلد مشروعا،
ــ
[البناية]
فاضربوا عنقه» . وكذا حديث سهل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إن شربوا الرابعة فاقتلوهم ". وكذا حديث ابن أبي نعيم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذا حديث عبد الله بن عمر، والمريد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث [....] عن معاوية مرفوعا: «وإن عاد في الثالثة [فاجلدوه] ، والرابعة فاقتلوه» م: (إلا أن حكم القتل قد انتسخ) ش: بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث
» الحديث.
ورواه البيهقي من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه " فأتي برجل قد شرب الخمر فجلدوه، ثم أتي به فجلدوه، ثم أتي به في الرابعة فجلده فرفع القتل عن الناس» وكانت رخصة.
ورواه الشافعي عن سفيان، وفيه:«فإن شرب فاقتلوه» لا يدري الزهري بعد الثالثة أو الرابعة. وقال في آخره: ووضع القتل، وصارت رخصة. وروي أيضا من حديث محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن قبيصة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، وإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ". فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من الأنصار يقال: له نعيمان، فضربه أربع مرات، فرأى المسلمون أن القتل قد أخر وأن الضرب قد وجب» .
وروى الحاكم، وقال: أخبرنا ابن أبي دارم الحافظ بالكوفة، حدثنا المنذر بن محمد القابوسي، حدثنا أبي، حدثنا الحسن بن صالح، عن محمد بن إسحاق رضي الله عنه عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن المنكدر، عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيمان أربع مرات في الخمر، فرأى المسلمون حرجا عظيما أن الحد قد وقع، وأن القتل أخر م:(فبقي الجلد مشروعا) ش: بالأحاديث المذكورة، وقد مر بيانه مستوفى في كتاب الحدود، فإن شربها إنسان لخوف العطش لا بأس به كما لو شرب البول. وقال الشافعي: يكره، فإن شربها بهذه الصورة لم يحد؛ لأن الضرورة كما أثرت في الشرب أثرت في سقوط الحد. فإن زاد على قدر الحاجة فسكر حد لانعدام الضرورة، وكذا إذا أكره على شرب الخمر فسكر لم يحد، فأما إذا خلط الماء بالخمر، فإن كان الماء أقل، أو كان الماء سواء يحد شاربه إذا دخل إلى جوفه. وإن كان الغلبة للماء فلا يحد شاربه إلا إذا سكر.
وعليه انعقاد إجماع الصحابة رضي الله عنهم
ــ
[البناية]
كذا في " شرح الطحاوي " م: (وعليه انعقد إجماع الصحابة رضي الله عنهم) ش: أي على أنها حرام، ويحد بشرب قليلها. كذا قاله الكاكي. والصواب أن يقال: أي وعلى الجلد انعقد الإجماع من الصحابة؛ لأن بين انعقاد الإجماع على تحريمها فيما قضي من قريب وهو قوله: وقد جاءت السنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر، وعليه انعقد الإجماع. قال الكاكي: وما حكي عن قدامة بن مظعون، وعمرو بن معد كرب، وابن حدل بن سهم، بأنهم قالوا بحلها.
فقد روى الجوزجاني بإسناده إلى ابن عباس: أن قدامة بن مظعون، وعمرو بن مظعون شرب الخمر، وقال له عمر: ما حملك على ذلك. فقال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] وأتي بالمهاجرين الأولين من أهل بدر، فقال عمر: أجيبوا الرجل. فسكتوا. فقال لابن عباس: أجبه. فقال: إنما أنزل الله عذرا للماضين لمن شربها قبل أن تحرم. ثم سأل عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن الجلد فيها. فقال علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، فعليه حد المفترين ثمانين جلدة. فجلده عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثمانين، فقال: أخطأت التأويل.
وروي أن أناسا شربوا الخمر بالشام، فقال لهم يزيد بن أبي سفيان: شربتم الخمر، قالوا: نعم، بقوله سبحانه وتعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 93] الآية. فكتب فيهم إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فكتب عمر: أن ابعثهم إلي سريعا لئلا يفتنوا عباد الله. فبعث بهم إلى عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال لعلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: ما ترى؟. فقال: أرى إن زعموا أنها حلال، شرعوا في دين الله فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدوهم ثمانين. فجلدهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثمانين. ورجعوا إلى تحريمها فانعقد الإجماع. انتهى.
قلت: انعقاد الإجماع على تحريم الخمر كان قبل ذلك بالكتاب، والسنن المشهورة. وهؤلاء الذين ذكرهم إنما شربوا الخمر متأولين بالآية المذكورة مع كونهم مخطئين في هذا التأويل. فلهذا قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لقدامة: أخطأت التأويل. ولم يكونوا مخالفين للصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حتى يكون الإجماع وقت إقامة الحد عليهم على أن هذا الخبر لم ينته إلى الصحة. وقد رواه البيهقي في " سننه " من طريق سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن فليح، أخذ محمد، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -:" أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني بالأيدي، والنعال، والعصي - ".