الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن الإحياء سبب الملك إلا أن عند أبي حنيفة رحمه الله إذن الإمام من شرطه فيستويان فيه كما في سائر أسباب الملك حتى الاستيلاء على أصلنا. قال: ومن
حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين
أخذها الإمام ودفعها إلى غيره؛ لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به؛ لأن الإحياء إنما هو العمارة، والتحجير الإعلام سمي به لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله، أو يعلمونه
ــ
[البناية]
صلى الله عليه وسلم: «موات الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم» فيجعل الموات بعده للمسلمين، ولأن موات الدار من حقوقها والدار للمسلمين فكان مواتها لهم للمرافق المملوكة وقوله صلى الله عليه وسلم:«عادي الأرض لله ورسوله ثم لكم بعدي» رواه سعيد بن منصور وهو مرسل كما قدمنا.
قال الكاكي: والعجب من الشافعي رحمه الله أنه لم يعمل بالمرسل وقد عمل به؟، قلت: له أن يستدل بحديث جابر الذي أخرجه الترمذي وغيره: «من أحيا أرضا ميتة فهي له فيها أجر وما أكلت العاقبة منها فله صدقة» والصدقة لا تكون إلا لمسلم وقد ذكرنا هذا فيما مضى عن قريب، ولنا: أن النصوص لم تفصل والذمي إنما يعقد الذمة ليصير من أهل دارنا، وله مرافق دار الإسلام فيملك بالإحياء كما يملك لمباحاتها وإنما قضى في الدار إلى المسلمين لكون الغلبة لهم.
م: (لأن الإحياء سبب الملك إلا أن عند أبي حنيفة رحمه الله إذن الإمام من شرطه فيستويان فيه) ش: أي يستوي المسلم والذمي في الإحياء م: (كما في سائر أسباب الملك) ش: مثل الشفعة ونحوها م: (حق الاستيلاء على أصلنا) ش: أي حتى إن الكافر إذا استولى على مال المسلم يملكه على أصلنا كما يملكه المسلم خلافا للشافعي.
[حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين]
م: (قال: ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره) ش: أي قال القدوري: قوله حجر - بتشديد الجيم - يجوز أن يكون من الحجر -بفتح الجيم - ويجوز أن يكون من الحجر -بسكون الجيم - فعلى الأول: معناه أعم بوضع الأحجار حوله، لأنهم كانوا يفعلون ذلك وعلى الثاني: معناه يمنع الغير من إحيائها، لأن الحجر في اللغة: المنع فكان التحجير ما هو إلا الأعلام على ما يشير إليه المصنف الآن.
م: (لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به) ش: أي بالتحجير م: (لأن الإحياء إنما هو العمارة والتحجير الإعلام سمي به) ش: أي بالتحجير. م: (لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله) ش: أشار بهذا إلى أن معنى التحجير من الحجر بفتح الجيم م: (أو يعلمونه
لحجر غيرهم عن إحيائه، فبقي غير مملوك كما كان هو الصحيح، وإنما شرط ترك ثلاث سنين لقول عمر رضي الله عنه: " ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق
ــ
[البناية]
لحجر غيرهم عن إحيائه) ش: وأشار بهذا إلى أن معنى التحجير من الحجر -بسكون الجيم - الذي معناه المنع أي يعلمونه لمنع غيرهم عن إحياء الموات الذي احتاط عليه.
م: (فبقي غير مملوك كما كان) ش: أي إذا كان الأمر كذلك بقي الموات حال كونه غير مملوك كما كان أولا إذا لم يفد بحجره م: (هو الصحيح) ش: احترز عما روي عن بعض مشائخنا: أنه يصير مملوكا للحجر، ذكره في " المحيط " وذكر خواهر زاد: أن التحجير ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين. وبه قال الشافعي رحمه الله في الأصح وأحمد، ويصير هو أحق به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:«من سبق إلى مال لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» . رواه أبو داود.
وقال الأترازي: ثم الاحتجار هل يفيد الملك أم لا؟ فيه اختلاف المشائخ قيل: يفيد ملكا مؤقتا إلى ثلاث سنين وقيل: لا يفيد وثمرة الخلاف تظهر في إذا جاء إنسان آخر قبل مضي ثلاث سنين فأحياه من قال إن الأحجار لا يفيد ملكا قال ملكه الثاني، ومن قال يفيد لا يملكه الثاني ويزرعه الأول في يده، احتج من قال بإفادة الملك بما روي عن عمر رضي الله عنه أشار إليه المصنف بقوله:
م: (وإنما شرط ترك الثلاث سنين لقول عمر رضي الله عنه ليس لمحتجر بعد ثلاث سنين حق) ش: فيكون له الحق من ثلاث سنين والحق إذا أطلق يراد به الملك لا مجرد الحق من غير ملك بدليل ما قال في كتاب الإقرار: إذا قال: لفلان حق في هذه الدار وبين شيئا من حقوقها، لأن حق الرقبة لا يصدق المقر في ذلك وجه من قال لا يفيد ملك إن الاحتجار ليس بإحياء وإنما هو بمنزلة الاستيام على الإحياء فلا يفيد ملكا كاستيام في باب البيع، إلا أنه يكره إحياء الثاني قبل مضي ثلاث سنين مراعاة لحق الحجر ونفيا للوحشة عنه، ثم أثر عمر رضي الله عنه رواه أبو يوسف في " كتاب الخراج " حدثني الحسن بن عمارة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين.
والحسن بن عمارة ضعيف وسعيد عن عمر فيه كلام.
ورواه أيضا في " سننه " أن عمر رضي الله عنه قال: من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فغمروها فهم أحق بها. ورواه البيهقي في " سننه الكبرى " من حديث معمر
ولأنه إذا أعلمه لا بد من زمان يرجع فيه إلى وطنه، وزمان يهيئ أموره فيه ثم زمان يرجع إلى ما يحجر، فقدرناه بثلاث سنين لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك، وإذا لم يحضر بعد انقضائها، فالظاهر أنه تركها. قالوا: هذا كله ديانة فأما إذا أحياها غيره قبل مضي هذه المدة ملكها؛ لتحقق الإحياء منه دون الأول فصار كالاستيام، فإنه يكره، ولو فعل يجوز العقد، ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة، أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من الشوك، أو خضد
ــ
[البناية]
عن ابن نجيح عن عمرو بن شعيب: أن عمر رضي الله عنه جعل التحجر ثلاث سنين فإن تركها حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها. والاحتجار: من احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا أو علمت علما في حدودها للخيار.
م: (ولأنه إذا أعلمه) ش: أي ولأن المحيي إذا أعلم الموات م: (لا بد من زمان يرجع فيه إلى وطنه وزمان يهيئ أموره فيه ثم زمان يرجع إلى ما يحجر، فقدرناه بثلاث سنين لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك) ش: أي بما ذكرنا من الرجوع إلى وطنه لتهيؤ أمره إلى الزراعة ورجوعه إلى ما يحجره، لأن دار الإسلام من أدناها إلى أقصاها يقطع في سنة للعلة، إنما حجر في أقصى طرق دار الإسلام وبلده في الطرف الآخر من دار الإسلام. ولاصطلاح أموره في بلده سنة وللرجوع إلى ذلك الموضع سنة فلا ينبغي أن يشتغل بإحياء ذلك الموضع غيره إلى ثلاث سنين وينظره، وبعد هذا المعنى الظاهر أنه قد بدا له ولا يريد الرجوع إليها فجاز إحياؤه غيره.
م: (وإذا لم يحضر بعد انقضائها، فالظاهر أنه تركها) ش: وقد ذكرناه، م:(قال: وا: هذا كله ديانة) ش: قالت المشائخ: هذا الذي ذكرناه من اشتراط الترك ثلاث سنين لإحياء غيره ديانة، يعني فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى.
وأما في الحكم: إذا أحياها إنسان قبل مضي هذه المدة فهي أشار إليه بقوله: م: (فأما إذا أحياها غيره) ش: أي غير المحتجر م: (قبل مضي هذه المدة) ش: أي ثلاث سنين م: (ملكها لتحقق الإحياء منه دون الأول) ش: وهو الحجر م: (فصار كالاستيام) ش: في باب البيع م: (فإنه يكره) ش: لورود النهي. م: (ولو فعل) ش: أي الاستيام م: (يجوز العقد) ش: فكذا هنا وإن كان يكره ولكنه إذا أحياها يملكها. م: (ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة) ش: أي بأن نصب حول الأرض الموات أغصانا يابسة م: (أو نقى الأرض) ش: من الحصى والشوك، لأنهما يمنعان الزراعة.
وأشار إلى معنى قوله " نقى الأرض " بقوله: م: (وأحرق ما فيها من الشوك) ش: حيث عطف أحرق على نقى للتفسير م: (أو خضد) ش: أي قطع بالخاء والضاد المعجمتين ومنه قوله
ما فيها من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها وجعل التراب عليها من غير أن يتم المثناة؛ ليمنع الناس من الدخول، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين، وفي الأخير ورد الخبر،
ولو كربها وسقاها فعن محمد رحمه الله: أنه إحياء، لو فعل أحدهما يكون تحجيرا، ولو حفر أنهارا ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن كان سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين، ولو حوطها أو سمنها بحيث
ــ
[البناية]
سبحانه وتعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة: 28] م: (ما فيها) ش: أي في أرض الموات م: (من الحشيش أو الشوك وجعلها حولها وجعل التراب فوقها من غير أن يتم المثناة) ش: وهي ما يبنى للسائل ليرد الماء م: (ليمنع الناس من الدخول، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين) ش: فكل ذلك بحجر.
م: (وفي الأخير) ش: أراد بالأخير ما إذا حفر من بئر ذراعا أو ذراعين م: (ورد الخبر) ش: قالت الشراح: أراد به قوله صلى الله عليه وسلم: «من حفر من بئر ذراعا فهو متحجر» قال الزيلعي في " تخريجه ": هذا الحديث ما رأيته ولا أعرفه ولم أر من ذكره.
قلت: لا يلزم من عدم معرفة الزيلعي أن لا يكون هذا حديثا ولا يلزم أيضا أن يكون ما ذكره الشراح هو مراد المصنف في قوله: وفي الأخير ورد الخبر، بل يجوز أن يكون مراده ما رواه الشافعي عن عبد الرحمن بن حسن بن القاسم الأزرقي عن أبيه عن علقمة بن نضلة: أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال: سيام الأرض أن لها سياما ما زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا أعرف حقي من حقه لي بياض المردة وله سوادها ولي ما بين كذا إلى كذا، فبلغ ذلك عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فقال: ليس لأحد إلا ما أحاطت عليه جدرانه، إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو حفرا أو يخلط بالجدارات. ورواه البيهقي في " سننه " من طريق الشافعي.
فهذا عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جعل الحفر من جملة التحجير، والحفر في الموات غالبا لا يكون إلا في البئر، وإنما قيد المصنف بذراع أو ذراعين شبها على أن خروج الماء من البئر، ليس بشرط التحجير فإنه بالحفر يصير محجرا سواء خرج ماء أو لا. وعند أحمد رحمه الله: ما لم يخرج الماء فهو متحجر، وإن خرج لا يكون. فهذا هو التحقيق في هذا الموضع الذي غض الشراح كلهم أبصارهم [عنه] .
م: (ولو كربها) ش: من كرب الأرض إذا قلبها للحراثة م: (وسقاها فعن محمد أنه إحياء، ولو فعل أحدهما) ش: بأن كربها ولم يسقها م: (يكون تحجيرا، ولو حفر أنهارها ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن كان سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين) ش: أي السقي والحفر م: (ولو حوطها) ش: أي جعل لها حائطا م: (أو سنمها) ش: أو جعل لها السنام مأخوذ من سنام البعير م: (بحيث