الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الرمي
ومن سمع حسا ظنه
حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا
ثم تبين أنه حس صيد حل المصاب، أي صيد كان؛ لأنه قصد الاصطياد. وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه خص من ذلك الخنزير
ــ
[البناية]
[فصل في الرمي]
[حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا]
م: (فصل في الرمي) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الرمي قد مر أنه ذكر أن هذا الكتاب مشتمل على فصلين، الأول: الجوارح وقد بينه، وهذا هو الثاني في الرمي ونوه عن حكم الآلة الحيوانية، ثم شرع في بيان حكم الآلة الجمادية والمزيد الحيوان على الجماد، قدم ذاك على هذا، والآلة ما يستعان به على تحصيل أمر.
م: (ومن سمع حسا) ش: قد وقع في بعض النسخ هاهنا لفظة "قال" وليس ينتفي ذكرها، لأن هذه المسائل من أول الفصل إلى قوله: وإذ سمى الرجل عند الرمي أكل ليست بمذكورة في " البداية "، لأنها لم تذكر في " الجامع الصغير " و" مختصر القدوري رحمه الله " وأما ما ذكره القدوري في " شرح مختصر الشيخ أبو الحسن الكرخي "، وذكره المصنف رحمه الله تكثيرا للفائدة، فعرفت أن لفظة "قال" ليس له محل هاهنا، لأنه لم يذكره إلا إذا كان عن القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كان كناية عن نفسه والحس الصوت الخفي وكذلك الحسيس م:(ظنه) ش: أي ظن ذلك الحس م: (حس صيد فرماه أو أرسل كلبا أو بازيا عليه فأصاب صيدا) ش: أي غير الذي سمع صوته لأن النكرة إذا أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول.
م: (ثم تبين أنه حس صيد) ش: أي ثم ظهر أن الحسن الذي سمعه حس صيد م: (حل المصاب) ش: أي الصيد المصاب بالرمي أو بالكلب أو بالبازي م: (أي الصيد كان) ش: يعني سواء كان مأكول اللحم أو غيره، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و" المحيط "، وبه قالت الثلاثة، وكلمة "أي" منصوب على أنه خبر كان مقدما.
وقال السغناقي: لا بد هاهنا من قيد وإلا يلزم على إطلاقه ما لو كان المسموع حس سمكة فظنه طير الماء أو حس جراد فظنه صيدا ثم أصاب الرمي الصيد: لم يحل المصاب ذكره في " المغني "، وذلك المقيد هو أن يقال: تبين أنه حس صيد يحتاج في حل أكله إلى ما يشترط ذبحه أو جرحه من الصيود م: (لأنه قصد الاصطياد) ش: أي لأن الرمي أو المرسل قصد برميه أو إرساله الاصطياد.
م: (وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه خص من ذلك الخنزير) ش: يعني لو كان الحس حس
لتغليظ التحريم، ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه. بخلاف السباع؛ لأنه يؤثر في جلدها، وزفر رحمه الله خص منها ما لا يؤكل لحمه؛ لأن الإرسال فيه ليس للإباحة، ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص المأكول فوقع الفعل اصطياد، وهو فعل مباح في نفسه، وإباحة التناول ترجع إلى المحل فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا، وقد لا تثبت إذا لم يقبله
ــ
[البناية]
خنزير: لا يحل المصاب، بخلاف سائر السباع. وقال تاج الشريعة: يعني ظن أن المسموع حس الخنزير، فرمى فإذا هو ظبي فرمي: لا يحل الصيد المصاب، لأنه بناء عليه م:(لتغليظ التحريم) ش: يعني حرمه الخنزير تغليظه لا يجوز الانتفاع به بوجه.
م: (ألا ترى أنه لا تثبت الإباحة في شيء منه) ش: هذا توضيح لتغليظ التحريم منه، أي من الخنزير م:(بخلاف السباع) ش: يعني بخلاف ما لو كان من السباع، حيث يؤكل الصيد م:(لأنه يؤثر في جلدها) ش: أي لأن الاصطياد يؤثر في طهارة جلده، وكان ينبغي أن يقول: في جلدها على ما لا يخفى، فإذا أثر الاصطياد في طهارة جلدها جاز أن يؤثر في إباحة لحم ما أصابه، كذا في " الذخيرة" و" المحيط ".
م: (وزفر رحمه الله خص منها ما لا يؤكل لحمه) ش: أي خص من جملة المسموع حس ما لا يؤكل لحمه. يعني إذا كان الحس حس صيد لا يؤكل لحمه كالسباع وما أشبهها لا يؤكل المصاب؛ م: (لأن الإرسال فيه ليس للإباحة) ش: أي لأن الإرسال فيما لا يؤكل لحمه لا يتعلق له حكم الإباحة، فكان هو والآدمي سواء.
م: (ووجه الظاهر: أن اسم الاصطياد لا يختص بالمأكول) ش: قال الشاعر:
صيد الملوك أرانب وثعالب
…
وإذا ركبت فصيدي الأبطال
م: (فوقع الفعل اصطيادا) ش: فعل الرمي أو المرسل م: (وهو فعل مباح في نفسه) ش: أي الاصطياد فعل مباح في نفسه لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] والاصطياد: أخذ الصيد، والصيد اسم لممتنع متوحش في الأصل فكانت الآية دليلا بعمومها على إباحة عموم الاصطياد، إلا أن الاصطياد إذا كان فيما حل أكله كان الغرض منه الانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه أو دفع أذنيه، وهذا معنى قوله: م: (وإباحة التناول ترجع إلى المحل، فتثبت بقدر ما يقبله لحما وجلدا) ش: أي يثبت التناول بقدر ما يقبل المحل المتناول من حيث اللحم ومن حيث الجلد يعني إذا كان يقبل المحل تناول اللحم يثبت تناول من اللحم، وإذا كان يقبل تناول الجلد، لأن اللحم يثبت ذلك: ينتفع بجلده. وإن لم يقبل تناولهما جميعا كما في الخنزير، فحينئذ يكون الاصطياد لدفع أذنيه، فإذا كان الاصطياد مباحا حل المصاب إذا كان مأكول اللحم، وإن كان المسموع حسه لا يحل أكله م:(وقد لا تثبت إذا لم يقبله) ش: أي وقد لا يثبت التناول إذا لم
وإذا وقع اصطيادا صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره. وإن تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا يحل المصاب، لأن الفعل ليس باصطياد. والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي والظبي الموثق بمنزلته لما بينا. ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش. ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا، لا يحل الصيد لأن الأصل فيه الاستئناس.
ــ
[البناية]
يقبله المحل وقد بيناه.
م: (وإذا وقع اصطيادا) ش: أي إذا وقع قبله قوله "اصطيادا" م: (صار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره) ش: أي غير الصيد الذي رمى إليه م: (وإن تبين أنه حس آدمي) ش: أي وإن ظهر أن الحس حس آدمي م: (أو حيوان أهلي لا يحل المصاب؛ لأن الفعل ليس باصطياد) ش: لأنه رمى أو شل إلى غير صيد فلم يتعلق به حكم الإباحة، فصار كأنه رمى إلى صيد فأصاب غيره، أي غير الصيد الذي رمى إليه إلى آدمي يعلم به فأصاب صيد البر يؤكل.
فإن قلت: أليس قصد الاصطياد؟.
قلت: فعله ليس باصطياد وإن كان قصده الاصطياد بناء على ظنه، لأن الرمي إليه صيد، لأن المحل لا يقبل الاصطياد لنفي ظنه.
م: (والطير الداجن الذي يأوي البيوت أهلي) ش: الداجن من دجن قوله "يأوي البيوت: "، أي يسكنها وينزل فيها، وقوله "أهلي" أي حكمه حكم الأهلي في أنه لا يحل المصاب، لأن ما آواه البيوت وقد ثبت اليد عليه م:(والظبي الموثق) ش: أي المشدود يقال: وثقه أي شده بالوثاق م: (بمنزلته) ش: أي بمنزلة الآدمي. وقيل بمنزلة الطير الداجن م: (لما بينا) ش: أشار به إلى قوله: لأن الفعل ليس باصطياد وحل الصيد لوجود فعل الاصطياد.
م: (ولو رمى إلى طائر فأصاب صيدا ومر الطائر ولا يدري وحشي هو أو غير وحشي: حل الصيد؛ لأن الظاهر فيه التوحش) ش: أي لأن الظاهر في الطائر التوحش حتى يعلم الاستئناس فتعلق برميه الإباحة.
م: (ولو رمى إلى بعير فأصاب صيدا ولا يدري ناد هو أم لا) ش: أي البعير ناد أم لا من ند البعير ندا، وندودا، إذا ذهب على وجهه شاردا، كذا في الجمهور م:(لا يحل الصيد، لأن الأصل فيه الاستئناس) ش: وهو لا يحل في الصحر في العقر إلا إذا علم أنه ناد فحينئذ يحل المصاب لأنه حينئذ يحل بالعقر.
ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف لأنه صيد، وفي أخرى عنه لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما. ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد يحل؛ لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه.
ــ
[البناية]
م: (ولو رمى إلى سمكة أو جرادة فأصاب صيدا يحل في رواية عن أبي يوسف؛ لأنه صيد) ش: أي لأن كل واحد من السمك والجراد صيد، وإن كان لا ذكاة لهما، وهذه رواية ابن مالك، وهي الصحيحة نص عليها قاضي خان.
م: (وفي أخرى عنه) ش: أي عن أبي يوسف رحمه الله رواها عنه ابن رستم: أنه م: (لا يحل؛ لأنه لا ذكاة فيهما) ش: فالرمي وعدمه سواء وبه قالت الثلاثة، ولو رمى إلى بعير أو بقر أو معز أهلي أو آدمي فأصاب صيدا لا رواية في الأصل لهذا. ولأبي يوسف قولان: في قول: يحل، وفي قول: لا يحل، وبه قالت الثلاثة لعدم قصده إلى الإرسال إلى الصيد.
م: (ولو أصاب المسموع حسه وقد ظنه آدميا فإذا هو صيد: يحل) ش: أي ولو أصاب السهم المسموع حسه والحال أنه قد كان ظنه آدميا، فإذا ظهر صيدا: يحل.
وقال مالك وأحمد ومحمد في رواية: لا يحل، وقال الشافعي رحمه الله في الرمي: يحل في الكلب وجهان، وكذا لو ظنه خنزيرا أو كلبا لا يحل المصاب عندهم م:(لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه) ش: اصطيادا حقيقة، والحقيقة لا تعين بالظن.
فإن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة وبين التي تقدمت، وهي أن من سمع حسا ظنه صيدا فرماه فأصاب صيدا ثم تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي لا تحل المصاب مع أنه لم يقصد إلا رمي الآدمي، وفي هذه المسألة قصد رمي الآدمي، ورمي الآدمي ليس بالاصطياد وقد حل المصاب، والقياس إما شمول الحل أو شمول عدمه وانعكاس الجواب في المسألتين، وذلك لأنه لما حصل المصاب مع اقتران ظنه بأنه آدمي، فعنها: إذا اقترن ظنه بأنه صيد أوله، أو لأنه لم يقع فعله اصطياد نظرا إلى قصده فلا يحل المصاب هاهنا، كما لا يحل هاهنا نظرا إلى قصده وحل هناك كذلك؟.
قلت: أشار المصنف إلى الفرق بقوله: "لأنه يعتبر بظنه مع تعيينه"، أي تعيين كونه صيدا، بيانه أن المسألة الأولى أصاب السهم غير المسموع حسه، وكان قصده إلى المسموع حسه، والمسموع حسه ليس بصيد، فكان فعله متوجها إلى غير الصيد نظرا إلى فعله الذي توجه إلى المسموع وهو ليس بصيد، فلم يكن بفعله اصطيادا، وحل الصيد إنما يحصل بوجود فعل الاصطياد؛ فلم يحل أكله لانعدام فعل الاصطياد.