الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكرنا الوجه من قبل. قالوا: والأصح أنه يحد، فإنه روي عن محمد رحمه الله فيمن سكر من الأشربة: أنه يحد من غير تفصيل، وهذا لأن الفساق يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم على سائر الأشربة، بل فوق ذلك،
وكذلك المتخذ من الألبان إذا اشتد فهو على هذا وقيل: إن المتخذ من لبن الرماك لا يحل عند أبي حنيفة اعتبارا بلحمه، إذ هو متولد منه. قالوا: والأصح أنه يحل؛ لأن كراهة لحمه لما في إباحته من قطع مادة الجهاد أو لاحترامه فلا يتعدى إلى لبنه.
-: وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلال وإن اشتد،
ــ
[البناية]
م: (وقد ذكرنا الوجه من قبل) ش: أشار به إلى قوله: لأن قليله يدعو إلى كثيره. وقيل: يجوز أن يكون هذا إشارة إلى قوله: " بمنزلة النائم "، وهو مذهب عقله بالبنج، ولبن الرماك.
وقيل: يجوز أن يكون إشارة إلى المعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: «الخمر من هاتين الشجرتين» ، يعني أن هذه الأنبذة ليست بمتخذة مما هو أصل الخمر.
م: (قالوا: والأصح أنه يحد) ش: أي قال المشايخ: الأصح: أنه يحد، وهو قول الحسن بن زياد؛ م:(فإنه روي عن محمد رحمه الله فيمن سكر من الأشربة: أنه يحد من غير تفصيل) ش: بين شراب وشراب، كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".
م: (وهذا) ش: يعني كون وجود الحد صحيحا م: (لأن الفساق) ش: بضم الفاء جمع فاسق م: (يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم) ش: بنصب العين على نزع الخافض، أي كاجتماعهم م:(على سائر الأشربة، بل فوق ذلك) ش: أي: بل يجتمعون على المتخذ من هذه الأشياء فوق اجتماعهم على غيره من الأشربة، وهذا بالمشاهدة ظاهر في كل البلاد، وذلك إما لسهولة حصوله، وإما لكثرته، وإما لاعتقادهم إباحته.
[المتخذ من الألبان إذا اشتد هل يحد بشربه]
م: (وكذلك المتخذ من الألبان إذا اشتد فهو على هذا) ش: أي على اختلاف الروايتين، قيل: يحد، وقيل: لا يحد، يعني: إذا سكر، قوله " من الألبان " عام يتناول سائر الألبان التي شرب م:(وقيل: إن المتخذ من لبن الرماك لا يحل عند أبي حنيفة اعتبارا بلحمه) ش: لأنه يؤكل عنده، واللبن هو اللحم، أشار إليه بقوله: م: (إذ هو متولد منه) ش: أي لأن اللبن متولد من اللحم.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (والأصح أنه يحل؛ لأن كراهة لحمه لما في إباحته من قطع مادة الجهاد أو لاحترامه، فلا يتعدى إلى لبنه) ش: أي لا يتعدى هذا التعليل إلى لبنه، لأن كلا من الوجهين لا يوجد في اللبن. وفي " فتاوى قاضي خان "، وعامة المشايخ قالوا: هو مكروه كراهة التحريم، إلا أنه لا يحد شاربه.
[حكم شرب عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه]
م: (قال: رحمه الله: وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه حلال وإن اشتد) ش:
وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -، وقال محمد ومالك والشافعي رحمهم الله: حرام، وهذا الخلاف فيما إذا قصد به التقوي، أما إذا قصد به التلهي لا يحل بالاتفاق. وعن محمد مثل قولهما. وعنه أنه كره ذلك، وعنه أنه توقف فيه. لهم في إثبات الحرمة قوله عليه الصلاة والسلام:«كل مسكر خمر» ، وقوله عليه الصلاة والسلام:«ما أسكر كثيره فقليله حرام» .
ــ
[البناية]
أي قال القدوري: وهذا هو المدعو بالمثلث العنبي م: (وهذا) ش: أي كونه حالا م: (عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -) ش: م: (وقال محمد ومالك والشافعي رحمهم الله: حرام) ش: وبه قال أحمد، وأبو عبيد، وأبو ثور، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، وطاوس، وأصحاب الظواهر. وفي " النوازل ": وبقول محمد نأخذ.
م: (وهذا الخلاف فيما إذا قصد به) ش: أي بشرب المثلث م: (التقوي) ش: في البدن واستمر الطعام م: (أما إذا قصد به التلهي لا يحل بالاتفاق) ش: لأنه يكون للمعصية، وسئل أبو حفص الكبير عنه، فقال: لا يحل شربه، فقيل له: لما خالفت أبا حنيفة، وأبا يوسف؟، فقال: لأنهما يحلان للاستمرار، والناس في زماننا يشربون للفجور والتلهي، فعلم أن الخلاف فيما إذا قصد التقوي، وإذا قصد التلهي لا يحل بالاتفاق، وعن أبي يوسف في " أماليه ": لو أراد أن يشرب بها للسكر: فقليله وكثيره حرام، وقعوده لذلك حرام، ومشيه إليه حرام.
م: (وعن محمد مثل قولهما) ش: أي روي عن محمد مثل قول أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهم الله، وفي " نوادر هشام ": وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه حلال شربه في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، كذا في " الأجناس ".
وبهذا القول أخذ محمد في " الآثار "، والمشهور من مذهبه أنه كرهه، أشار إليه بقوله: م: (وعنه أنه كره ذلك) ش: روي عن محمد أنه كره المثلث العنبي م: (وعنه أنه توقف فيه) ش: أي روي عن محمد أنه يوقف في حكم المثلث العنبي. وقال: لا أحرمه، ولا أبيحه، لتعارض الآثار.
م: (لهم) ش: أي لمحمد، ومالك، والشافعي م: (في إثبات الحرمة قوله عليه الصلاة والسلام: «كل مسكر خمر» ش: فقدم في أول الباب أن هذا الحديث أخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن نافع، عن ابن عمر قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما بعث أبا موسى، ومعاذا إلى اليمن قال لأبي موسى: إن شرابا يصنع بأرضنا من العسل يقال له: النقيع، ومن الشعير يقال له: المزر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر» .
م: (وقوله عليه الصلاة والسلام: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» ش: هذا الحديث رواه ثمانية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
الأول: عبد الله بن عمرو بن العاص، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما أسكر كثيره فقليله حرام» .
ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا عبد الله بن عمرو عن عمرويه.
والثاني: جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن داود بن بكير، عن محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعا نحوه سواء. وقال الترمذي: حديث حسن غريب من حديث جابر.
وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به، وداود بن بكير بن أبي الفرات الأشجعي قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به، ليس بالمتين، وقد تابعه موسى بن عقبة كما أخرجه ابن حبان.
الثالث: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أخرج حديثه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن الوليد بن كثير عن الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره» .
ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وقال المنذري: أجود أحاديث هذا الباب حديث سعد، فإنه من رواية محمد بن عبد الله الموصلي، وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير، وقد احتج به الشيخان عن الضحاك، وقد احتج به مسلم عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد، وقد احتج بهما الشيخان.
الرابع: علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه الدارقطني في " سننه " عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره، فقليله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
حرام» . وعيسى بن عبد الله عن آبائه متروك.
الخامس: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أخرج حديثها أبو داود، والترمذي، عن أبي عثمان بن عمرو بن سالم الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق فملء الكف منه حرام» . وفي لفظ الترمذي: " فالحشوة منه "؛ قال الترمذي: حديث حسن.
ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وأحمد في " مسنده "، وقال المنذري: رجاله كلهم محتج بهم في " الصحيحين " إلا عثمان سالم الأنصاري، وهو مشهور لم أجد فيه كلاما.
قلت: قال ابن القطان في كتابه، وأبو عثمان: هذا لا يعرف حاله، وتعقبه صاحب " التنقيح "، فقال: وثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في " الثقات "، انتهى. وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طرق أخرى عديدة كلها ضعيفة.
السادس: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخرج حديثه إسحاق بن راهويه في " مسنده ": أخبرنا أبو عامر العقدي، حدثنا أبو معشر، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن بن عبد الله بن محمد، عن أبيه مرفوعا:«ما أسكر كثيره، فقليله حرام» . ورواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا علي بن سعيد الرازي: حدثنا أبو مصعب، حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة به.
ورواه في " الوسط ": من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمرو من طريق ابن إسحاق عن نافع به.
السابع: خوات بن جبير أخرج حديثه الحاكم في " المستدرك " في كتاب الفضائل عن عبد الله بن إسحاق بن صالح بن خوات بن جبير حدثني أبي عن أبيه عن جده خوات بن جبير
ويروى عنه عليه الصلاة والسلام: «ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام» ولأن المسكر يفسد العقل، فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر. ولهما: قوله عليه الصلاة والسلام: " حرمت الخمر لعينها "، ويروى " بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب " خص السكر بالتحريم في غير الخمر، إذ العطف للمغايرة،
ــ
[البناية]
مرفوعا نحوه سواء وسكت عنه. ورواه الطبراني في " معجمه "، والدارقطني في " سننه "، والعقيلي في " ضعفائه "، وأعله بعبد الله بن إسحاق هذا، وقال: لا يتابع عليه بهذا الإسناد، والحديث معروف بغير هذا الإسناد.
الثامن: زيد بن ثابت رضي الله عنه أخرج حديثه الطبراني في " معجمه " حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المروزي، حدثنا يحيى بن سليمان المدني حدثنا إسماعيل بن قيس عن أبيه عن خارجة بن زيد عن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت مرفوعا نحوه سواء.
قلت: خوات بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الواو في آخره تاء مثناة من فوق، وجبير بضم الجيم، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء مهملة.
م: (ويروى عنه عليه الصلاة والسلام: «ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام» ش: هذه رواية غريبة بهذه اللفظة، ولكن معناها في حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقدم آنفا. م: (ولأن المسكر يفسد العقل، فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر) ش: بيانه أن ما يؤدي إلى الحرام يكون حراما، ألا ترى أن القليل، وإن لم يكن مسكرا فهو مؤد إليه، وما يؤدي إلى الحرام يكون حراما. ألا ترى أن القليل من البازن المشتد، والمنصف المشتد حرام وإن كان القليل منه لا يسكر؛ لأنه يؤدي إلى السكر، فكذا هذا.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة، ولأبي يوسف -رحمهما الله -، وفي بعض النسخ: ولنا م: (قوله عليه الصلاة والسلام: «حرمت الخمر لعينها» ، ويروى «بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب» ش: تقدم الكلام عليه في هذا الباب أنه روي عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا، والوقف أصح م: (خص السكر بالتحريم في غير الخمر، إذ العطف للمغايرة) ش: تقريره أنه: صلى الله عليه وسلم أطلق الحرمة في الخمر حيث قال: حرمت الخمر لعينها فاقتضى أن يكون قليلها، وكثيرها حراما، بخلاف غيرها من الأشربة، فإنه خص بالتحريم فيها حيث قال: «والسكر من كل