الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم لا بد من التعليم؛ لأن ما تلونا من النص ينطق باشتراط التعليم والحديث به وبالإرسال ولأنه إنما يصير آلة بالتعليم ليكون عاملا له فيترسل بإرساله ويمسكه عليه، قال: و
تعليم الكلب
أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته وهو مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما،
ــ
[البناية]
(الأنعام: الآية 145)، والرجس: النجس، والانتفاع بالنجس حرام.
[تعليم الكلب]
م: (ثم لا بد من التعليم؛ لأن ما تلونا من النص ينطق باشتراط التعليم) ش: وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4](المائدة: الآية 4) م: (والحديث به) ش: بالجر عطفا على قوله: النص باشتراط التعليم، أي: وما ذكرنا من الأحاديث وهو حديث عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أي بالتعليم، أي من اشتراط الحديث بالتعليم م:(وبالإرسال) ش: أي وباشتراط الحديث أيضا بالإرسال، وهو «قوله صلى الله عليه وسلم لعدي: "إذا أرسلت كلبك المعلم» ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر الإرسال والتعليم جميعا.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الحيوان م: (إنما يصير آلة بالتعليم ليكون عاملا له) ش: أي آلة الاصطياد بتعليمه إياه ليكون عاملا للصيد، أو عاملا للصائد بما يريد من الصيد م:(فيترسل بإرساله) ش: بالنصب عطفا على ليكون م: (ويمسكه عليه) ش: أي ويمسك الصيد على صاحبه لا لنفسه.
م: (قال: وتعليم الكلب أن يترك الأكل ثلاث مرات، وتعليم البازي أن يرجع ويجيب إذا دعوته) ش: أي قال القدوري م: (وهو مأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما) ش: أي لفظ الرواية مأثور عنه، وما رواه محمد في كتاب " الآثار "، وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: "ما أمسك عليك كلبك فإن كان عالما فكل، فإن أكل فلا تأكل منه، فإنه أمسك على نفسه"
وأما الصقر والبازي فكل وإن أكل، فإن تعليمه إذا دعوته أن يجيبك فلا يستطيع ضربه حتى تفرغ الأكل، قال محمد: وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، انتهى.
وفي " صحيح البخاري ": وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده، إنما أمسك على نفسه، والله سبحانه وتعالى يقول:{تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4](المائدة: الآية 4) ، فيضرب ويعلم حتى يترك الأكل.
وروى ابن جرير الطبري في "تفسيره" في سورة المائدة: حدثنا أبو كريب ثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل، فكل، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد، فإن
ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه؛ ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة آية تعليمه، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه، وهو الأكل والاستلاب، ثم شرط ترك الأكل ثلاثا، وهذا عندهما، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن فيما دونه مزيد الاحتمال، فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا، فإذا
ــ
[البناية]
تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه، وليس يضرب فإن أكل من الصيد، ونتف الريش، فكل.
م: (ولأن بدن البازي لا يحتمل الضرب وبدن الكلب يحتمله فيضرب ليتركه) ش: أي يترك الأكل، وتعذر ترك الأكل في البازي؛ لأنه لا يحتمل الضرب حتى يترك، فأقيم مقامه ما يدل عليه، وهو الإجابة عند الدعي.
م: (ولأن آية التعليم ترك ما هو مألوف عادة، والبازي متوحش متنفر، فكانت الإجابة) ش: عند الدعي م: (آية) ش: لأنه آية التعليم م: (تعليمه، وأما الكلب فهو ألوف يعتاد الانتهاب فكان آية تعليمه ترك مألوفه، وهو الأكل والاستلاب) ش: لأن حقيقة التعليم، والجهل في الحيوان أمر مستبطن، فأقيم تبدل العادة المألوفة مقام العلم، والجري على العادة الأصلية مقام الجهل، وذلك في الكلب يترك الأكل، والمسك على صاحبه لا بالإلف والإجابة لصاحبه داعيا ومرسلا؛ لأن الكلب في الأصل ألوف بحيث إذا دعي أجاب. والبازي متنفر بطبعه، فالإجابة علامة علمه لأنه خلاف طبعه.
وقيل: وفيه نظر؛ لأن هذا العرف لا يتأتى في الفهد، والنمر، فإنه متوحش كالبازي، ثم الحكم فيه، وفي الكلب سواء، فالمعتمد هو الأول؟.
أجيب: بأنه غير وارد؛ لأنه إنما ذكره فرق بين الكلب والبازي لا غير، وذلك صحيح، وإذا أريد الفرق عموما فالعمدة هو الأول، ثم ترك الأكل ليس بشرط في الطير عند العامة، وبه قال ابن عباس، ونص الشافعي: أنه يشترط كالكلب في تحريم ما أكل من صيده؛ لأن مجالدا روى عن السيفي عن عدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أكل الكلب والبازي: فلا تأكل» ولنا إجماع الصحابة على ما ذكرنا. وقال أحمد: روايات مجالد غير صحيحة.
م: (ثم شرط ترك الأكل ثلاثا) ش: أي ثم شرط القدوري ترك أكل الكلب ثلاث مرات م: (وهذا) ش: أي هذا الشرط م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله) ش: أي قولنا رواية عن أبي حنيفة م: (لأن فيما دونه) ش: أي فيما دون ثلاث مرات م: (مزيد الاحتمال) ش: أي زيادة الاحتمال، وبين ذلك بقوله م:(فلعله تركه مرة أو مرتين شبعا) ش: أي فلعل الكلب ترك الأكل مرة أو مرتين لأجل الشبع فلا يدل على ترك علمه م:
تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له، وهذا لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإيلاء الأعذار كما في مدة الخيار، وفي بعض قصص الأخيار ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم دون القليل والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها، وعند أبي حنيفة رحمه الله على ما ذكر في الأصل: لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ولا يقدر بالثلاث؛ لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا ولا سمع فيفوض إلى رأي المبتلى به كما هو أصله
ــ
[البناية]
(فإذا تركه ثلاثا دل على أنه صار عادة له) ش: لعلة الاحتمال في الثلاث جدا.
م: (وهذا) ش: بمعنى دلالة الثلاث على كونه عادة له م: (لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار) ش: أي الامتحان م: (وإيلاء الأعذار كما في مدة الخيار) ش: لأنها ثلاثة أيام م: (وفي بعض قصص الأخيار) ش: أراد به موسى، والخضر - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حيث قال موسى للخضر في المرة الثالثة:{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] وأمثال ذلك كثيرة، قال سبحانه وتعالى:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] وقال سبحانه وتعالى في قصة زكريا عليه السلام: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41](آل عمران: الآية 41) . وروى أبو داود بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع» .
وروى القدوري في "شرحه" عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يربح فليشغل إلى غيره» وتقدير مدة المسافر، وإمهال المرتد، ومدة أقل الحيض، ونحو ذلك
م: (ولأن الكثير هو الذي يقع أمارة على العلم) ش: وفي بعض النسخ على العلم م: (دون القليل) ش: أي لا يقع القليل عالة على ذلك م: (والجمع هو الكثير وأدناه الثلاث فقدر بها) ش: يعني أدنى الجمع هو الثلاث؛ لأن ما فوقه من أفراد الجمع ليس بعضه أولى من بعض، فقدرنا الأدنى لأنه متيقن.
م: (وعند أبي حنيفة رحمه الله على ما ذكر في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (لا يثبت التعليم ما لم يغلب على ظن الصائد أنه معلم ولا يقدر بالثلاث؛ لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل نصا وسماعا) ش: أي بل يعرف من حيث النص من الشارع ومن حيث السماع منه م: (ولا سمع) ش: أي ولا سماع موجود هاهنا، وفي بعض النسخ: ولا سمع؛ م: (فيفوض إلى رأي المبتلى به) ش: أي إذا كان ذلك فيفوض أمر التعليم إلى رأي الصياد؛ لأنه هو الذي ابتلي به م: (كما هو أصله
في جنسها. وعلى الرواية الأولى عنده يحل ما اصطاده ثالثا، وعندهما: لا يحل؛ لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث. وقبل التعليم غير معلم فكان الثالث صيد كلب جاهل، وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى. وله: أنه آية تعليمه عنده فكان هذا صيد جارحة معلمة بخلاف تلك المسألة؛ لأن الإذن إعلام ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة.
ــ
[البناية]
في جنسها) ش: أي كما هو أصل أبي حنيفة في جنس المقادير نحو حبس الغريم، وحد التقادم، وتقدير ما غلب في نزح البئر العين، ولم يقدر أصحاب الشافعي رحمه الله عدد المرات؛ لأن التقدير بالتوقيف ولا توقيف، بل قدروه بما يصير به معلما في العرف، وبه قال أحمد، إلا أنه قال: أقل ذلك ثلاث، وحكي عن مالك، وربيعة: لا يعتبر الأكل. وقال بعض أصحاب أحمد: لا يشترط التكرار في المعلم؛ لأنه خنقه فلا يعتبر فيه التكرار كسائر الصنائع. ولنا: أن ترك الأكل ثلاث مرات دليل علمه.
م: (وعلى الرواية الأولى) ش: وهي التي قدر بالثلاث وهي رواية القدوري م: (عنده) ش: أي عند أبي حنيفة، م:(يحل ما اصطاده ثالثا) ش: يعني إذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم أخذ ثانيا فلم يأكل، ثم أخذ ثالثا فلم يأكل يحل أكل الثالث عند أبي حنيفة م:(وعندهما: لا يحل) ش: أكل الثالث، ويحل أكل ما بعده. وقال في " المجرد " عن أبي حنيفة رحمه الله: لا يأكل أول ما يصيد، ولا الثاني، ثم يحل الثالث وما بعده، وهو رواية محمد بن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة م:(لأنه إنما يصير معلما بعد تمام الثلاث) ش: أي لأن الكلب إنما يصير معلما بعد تمام ثلاث مرات عن ترك الأكل.
م: (وقبل التعليم غير معلم، فكان الثالث صيد كلب جاهل) ش: لأنه إنما حكم بتعليمه عين ترك الأكل من الثلاث، وما صاده قبل الثلاث ليس بصيد كلب معلم م:(وصار كالتصرف المباشر في سكوت المولى) ش: يعني إذا رأى المولى العبد يتصرف فسكت يكون إذنا له فيما بعد، والتصرف الذي يباشره غير صحيح بالاتفاق.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه آية تعليمه عنده) ش: أي ترك الأكل علامة تعليمه عند الثلاث؛ لأنه إنما يحكم بكونه معلما بطريق تعيين إمساكه. الثالث على صاحبه، وإذا حكمنا أنه أمسكه على صاحبه، وقد أخذه بعد إرسال صاحبه فيحل؛ م:(فكان هذا صيد جارحة معلمة) ش: فيحل أكله م: (بخلاف تلك المسألة) ش: أراد بها مسألة ما إذا رآه المولى يتصرف فسكت م: (لأن الإذن إعلام) ش: بفك الحجر م: (ولا يتحقق دون علم العبد وذلك بعد المباشرة) ش: أي علم العبد لا يكون إلا بعد المباشرة، وما باشره قبل العلم يكون تصرف محجور فلا ينفذ.