الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكرناه.
قال رحمه الله: ويكره أن يجعل الرجل في عنق عبده الراية، ويروى الداية وهو طوق الحديد الذي منعه من أن يحرك رأسه، وهو معتاد بين الظلمة؛ لأنه عقوبة أهل النار، فيكره كالإحراق بالنار ولا يكره أن يقيده؛ لأنه سنة المسلمين في السفهاء، وأهل الدعارة. فلا يكره في العبد تحرزا عن إباقه، وصيانة لماله.
قال: ولا بأس بالحقنة يريد به التداوي؛ لأن التداوي مباح بالإجماع، وقد ورد بإباحته الحديث.
ــ
[البناية]
وقيام الحجر، ومع هذا لو أجر نفسه ولا فرغ من العمل صح استحسانا، لأنه انقلب نفعا محضا، م:(وقد ذكرناه) ش: أي في باب إجارة العبد.
[الرجل يجعل في عنق عبده الراية]
م: (قال: رحمه الله: يكره أن يجعل الرجل في عنق عبده الراية) ش: أي قال في " الجامع الصغير ": بالراء المهملة وهو ما يجعل في عنق العبد من الحديد علامة على أنه آبق م: (ويروى الداية) ش: بالدال المهملة. قال الشراح هذا غلط من الكتاب.
قلت: بتاني غلط الكاتب في نفس حرف الداية، بأن تصحيف الراء دالا.
وأما قوله: ويروي كيف يزيله من عنده، وبعضهم قد صحح هذه اللفظة. م:(وهو طوق الحديد الذي منعه من أن يحرك رأسه، وهو معتاد بين الظلمة؛ لأنه عقوبة أهل النار، فيكره كالإحراق بالنار) ش: لأنه أمر محدث وشر الأمور محدثاتها. وقال صلى الله عليه وسلم: «وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .
وقال الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير ": وكان هذا في الزمن الأول، أما في زماننا هذا فقد جرت العادة في الراية إذا خيف منه، وقد يحتاج إليه وخاصة في العبد الهندي. م:(ولا يكره أن يقيده) ش: أي العبد م: (لأنه سنة المسلمين في السفهاء، وأهل الدعارة) ش: بالدال المهملة المفتوحة، وهو الفساد والخبث، ومنه الداعر الخبيث المفسد من دعر، يدعر، دعارة. م:(فلا يكره في العبد تحرزا عن إباقه وصيانة لماله) ش: أي لأجل الاحتراز عن هربه، ولأجل الصيانة أي لحفظ ماله.
[حكم التداوي]
م: (قال: ولا بأس بالحقنة) ش: أي قال في " الجامع الصغير "، م:(يريد به التداوي) ش: أي: يريد المحتقن بالحقنة التداوي قيد به، لأنه إذا أراد بها التسمين لا يباح. وعن أبي يوسف رحمه الله: لا بأس به لأن الإزال إذا تناهى يورث السل، وإنما ذكر الضمير في: به على تأويل الاحتقان.
م: (لأن التداوي مباح بالإجماع، وقد ورد بإباحته الحديث) ش: يشير بذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
«تداووا؛ فإن الله عز وجل جعل لكل داء دواء» . وقد رواه ستة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -:
الأول: عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أخرج حديثه إسحاق بن راهويه رحمه الله وعبد بن حميد في " مسنديهما " قال: الأول: حدثنا الفضل بن موسى. وقال الثاني: حدثنا محمد بن عبيد، قالا: حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس تداووا فإن الله عز وجل لم يخلق داء إلا وقد خلق له شفاء إلا السام» . والسام: الموت.
ورواه الطبراني في " معجمه " عن طلحة بن عمرو. به ورواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان) من طريق عبد الله بن وهب، عن طلحة.
الثاني: عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرج حديثه البيهقي في " شعب الإيمان "، حدثنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، حدثنا الحسن بن علي بن المتوكل، حدثنا أبو الربيع، حدثنا أبو وكيل الجراح بن مليح، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:«قال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتداوى. قال: " نعم تداووا، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء» .
وقال البيهقي: وقد تابعه أبو حنيفة رحمه الله، وأيوب بن عابد عن قيس في دفعه.
قلت: كذلك أخرجه أبو نعيم في كتابه المفرد في " الطب " عن أبي حنيفة رحمه الله النعمان بن ثابت الكوفي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وأيوب بن عابد الطائي عن قيس رحمه الله منه مرفوعا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الثالث: أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج القضاعي حديثه في " مسند الشهاب "، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الصفار، أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا سعيد بن غياث بن أبي سمينة، حدثنا ابن بكار، حدثنا شعبة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تداووا فإن الله عز وجل أنزل الداء وأنزل الدواء» . رواه أبو نعيم في كتاب " الطب " من حديث معتمر بن سليمان، عن طلحة بن عمر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
رحمه الله، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعا نحو هذا سواء.
الرابع: أسامة بن شريك - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه الأربعة، عن زياد بن علاقة، «عن أسامة بن شريك، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من هنا وها هنا فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟. فقال: " تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء الهرم» قال الترمذي رحمه الله: حديث حسن صحيح.
ورواه أحمد وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم "، ولفظ ابن راهويه فيه:«فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل الله له دواء إلا الموت ". قالوا: يا رسول الله فما أفضل ما أعطي العبد. قال: " خلق حسن ". قال: فلما قاموا من عنده جعلوا يقبلون يده. قال شريك: فضممت يده إلي فإذا أطيب من المسك» .
وبلفظ السنن رواه البخاري في كتاب " المفرد من الأدب "، والطبراني في " معجمه " وابن حبان رحمه الله في " صحيحه ". والحاكم في " المستدرك " في كتاب العلم وقال: حديث صحيح، ولم يخرجاه.
وعلته عندهما أن أسامة بن شريك، لا يروي عنه غير زياد بن علاقة، قال: وله طرق أخرى نذكرها في كتاب " الطب " عن مسعر بن كدام، عن زياد بن علاقة به، وقال: صحيح الإسناد.
وقد رواه عشرة من أئمة المسلمين وثقاتهم عن زياد بن علاقة، مالك بن مغول، وعمر بن قيس الملائي وشعبة ومحمد بن حجادة، وأبو حمزة محمد بن ميمون السكري، وأبو عوانة، وسفيان بن عيينة، وعثمان بن حكيم الأودي، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي وورقاء بن عمر والسكري وزهير بن معاوية، وإسرائيل بن يونس السبيعي، ثم أخرج أحاديثهم الجميع.
ثم قال: فانظر هل يترك مثل هذا الحديث اشتهاره، وكثرة رواته بأن لا يوجد له عن الصحابي إلا تابعي واحد. قال: وسألني الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني: لم أسقط الشيخان حديث أسامة بن شريك من الكتابين؟. فقلت له: لأنهما لم يجدا لأسامة بن شريك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
راويا غير زياد بن علاقة. فقال لي أبو الحسن وكتبه لي بخطه: قد أخرجا جميعا حديث قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه على عمل» الحديث، وليس لعدي بن عميرة راو غير قيس.
وأخرجا أيضا حديث الحسن عن عمرو بن تغلب، وليس له راو غير الحسن. وأخرجا أيضا حديث مجزأة بن زهير الأسلمي، عن أبيه، عن «النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن لحوم الحمر الأهلية» . وليس لزهير راو غير مجبرا.
وقد أخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم «يذهب الصالحون أسلافا» وليس لمرداس راو غير قيس. وقد أخرج البخاري أيضا حديثين عن زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام بن زهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لعبد الله راو غير زهرة رحمه الله.
وحديث أسامة بن شريك أصح وأشهر وأكثر رواة من هذه الأحاديث، مع أن أسامة بن شريك قد روى عنه، عن علي بن الأقمر ومجاهد. وقال الحاكم في " المستدرك في كتاب الإيمان "، في حديث أبي الأحوص عن أبيه مرفوعا:«إن الله تعالى إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن ترى عليه» .
لم يخرج الشيخان هذا الحديث إلا أن مالك بن نضلة ليس له راو غير ابنه أبي الأحوص وقد أخرج عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وليس له راو غير أبيه، وكذلك ابن مالك الأشجعي عن أبيه، وليس له راو غير أبيه.
الخامس: أبو الدرداء، أخرج حديثه أبو داود رحمه الله في " سننه " عن إسماعيل بن عياش عن ثعلبة بن مسلم، عن ابن عمر، عن الأنصاري عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بالحرام» .
السادس: أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أخرج حديثه أحمد في " مسنده "، وابن أبي شيبة رحمه الله، في " مصنفه "، قالا: حدثنا يونس بن محمد، حدثنا حرب بن ميمون قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل
ولا فرق بين الرجال والنساء إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل المحرم كالخمر ونحوها؛ لأن الاستشفاء بالمحرم حرام.
ــ
[البناية]
حيث خلق الداء خلق الدواء، فتداووا» . وعن ابن أبي شيبة رواه يعلى رحمه الله في " مسنده ".
م: (ولا فرق بين الرجال والنساء) ش: لعموم الآثار فلذلك لم يفرق بين الرجال والنساء. وفي " الجامع الصغير " فيجوز لهما التداوي جميعا بالحقنة لأنه لا يستعمل المحرم فيها. م: (إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل المحرم كالخمر ونحوها؛ لأن الاستشفاء بالمحرم حرام) ش: لما مر، لأن في حديث أبي الدرداء رحمه الله:«ولا تتداووا بالحرام» .
وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله -، وفي " التهذيب " للبغوي: يجوز للتعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن شفاءه فيه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. وإن قال الطبيب يتعجل شفاؤك؟ فيه وجهان، وهل يجوز شرب القليل من الخمر للتداوي؟ فيه وجهان، انتهى.
وقال فخر الإسلام البزدوي رحمه الله: فعل الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء، أما إذا علم أن فيه شفاء وليس له دواء آخر غيره، يجوز الاستشفاء به.
وقال في " الفتاوى ": التداوي بلبن الأتان إذا أشار إليه لا بأس به. وفي " خلاصة الفتاوى " رجل استضعف بدنه ورمدت عيناه فلم يعالج حتى أضعفه ومات لا إثم عليه بخلاف ما إذا صام ولم يأكل وهو قادر حتى مات فإنه يأثم وذلك لأن الأكل قدر قوته فرض فإذا ترك متلفا نفسه والصحة بالمعالجة غير معلومة لا يقال: إن التداوي ينافي التوكل، ونحن أمرنا بالتوكل، لأنا نقول الأمر بالتوكل محمول على اكتساب الأسباب. قال الله سبحانه وتعالى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] والله سبحانه وتعالى يقدر على أن يرزقها من غير هذا، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بقوله شعر:
توكل على الرحمن ثم اطلب الغنى
…
فإني رأيت الفخر في ترك الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم
…
وهزي إليك الجذع تساقط الرطب
ولو شاء مال الجذع من غير هزها
…
إليها ولكن الأمور لها سبب
توكل على الرحمن في كل حاجة
…
ولا تتركن الجهد في كثرة التعب