الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
29- باب الرجل يؤذِّن ويقيم آخر
81-
عن حمّادِ بن خالد: ثنا محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الله
عن عمِّهِ عبد الله بن زيد قال:
أراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أشياء لم يصْنعْ منها شيئاً. قال: فأُري
عبد الله بن زيد الأذان في المنام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:
" ألقه على بلال ". فألقاه عليه، فأذّن بلال، فقال عبد الله: أنا رأيتُهُ،
وأنا كنت أريده! قال:
" فأقِمْ أنت ".
(قلت: هذا سند ضعيف،؛ محمد بن عبد الله لا يُعْرفُ إلا في هذه
الرواية. ومحمد بن عمرو: هو الأنصاري الواقِفِيُ، وهو ضعيف اتفاقاً، وقد
اضطرب في إسناده، ففي هذه الرواية قال: عن محمد بن عبد الله عن عمه
عبد الله بن زيد
…
وفي الرواية الآتية يقول: سمعت عبد الله بن محمد قال:
كان جدي عبد الله بن زيد
…
وقال المنذري: " ذكر البيهقي أن في إسناده
ومتنه اختلافاً ". وقال الحافظ: " فيه ضعف ") .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا حماد بن خالد.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ للأسباب المذكورة أعلاه، وهما ثلاثة: الضعف،
والجهالة، والاضطراب.
أما الأول: فهو من قِبل محمد بن عمرو هذا.
وفي الرواة اثنان، كل منهما اسمه محمد بن عمرو الأنصاري؛ أحدهما:
مدني، والآخر: بصري، يكنى أبا سهل الواقفي.
وقد اختلف في راوي هذا الحديث:
فذهب المزي إلى أنه الأول؛ حيث ذكر أنه روى حديث الأذان عن عبد الله بن
محمد عن عبد الله بن زيد، وأنه من رجال أبي داود. وتبعه على ذلك الذهبي؛
حيث قال بعد أن ترجم للواقفي:
" فأما محمد بن عمرو (د) الأنصاري؛ فآخر لا يكاد يُعْرفُ، له حديث الأذان
عن شيخ، رواه عنه حماد بن خالد وعبد الرحمن بن مهدي؛ فحكمه العدالة ".
قال الحافظ:
" يعني: لرواية ابن مهدي عنه ".
وكأن عمدتهما فيما ذهبا إليه: ما حكاه الدارقطني عن المصنف- بعد أن روى
الحديث من طريقه-، فقال:
" وقال أبو داود: محمد بن عمرو مدني، وابن مهدي لا يحدث عن البصري "!
كذا قال المصنف رحمه الله! وهو يخالف ما في " تهذيب التهذيب "؛ حيث
ذكر في الرواة عن البصري عبد الرحمن بن مهدي، فقد روى ابن مهدي عنهما
كليهما؛ فلا بد من النظر في أمور أخرى؛ لتعيين المراد منهما.
وقد ؤجِد الدليل القاطع على أنه البصري؛ خلافاً لما ذهبوا إليه، فقال الحافظ
- عقب كلمته السابقة-:
" وقرأت بخط ابن عبد الهادي: أنه أبو سهل الذي أفرده المزي بعده، واستدل
لذلك بأن الحديث الذي أخرجه أبو داود له في الأذان وقع في " مسند أحمد " من
الطريق المذكورة؛ فوقع مُكنّىً: أبا سهل ".
قلت: وهو في " المسند "(4/42) ، لكن وقعت فيه زيادة في إسناده أفسدته؛
ونصه: ثنا زيد بن الحُبابِ أبو الحسين العُكْلِيّ قال: أخبرني أبو سهل عن محمد
ابن عمرو قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن زيد عن عمه عبد الله بن زيد- رائي
الأذان- قال
…
فذكر الحديث.
والظاهر أن حرف (عن) بين (أبو سهل) و (محمد بن عمرو) زيدت خطأً
من بعض النساخ، كما يشهد لذلك ما نقله الحافظ عن ابن عبد الهادي.
وقال الطيالسي في " مسنده "(رقم 1103) : ثنا محمد بن عمرو الواقفي عن
عبد الله بن محمد الأنصاري
…
به.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (1/399)، ثم فال:
" هكذا رواه أبو داود عن محمد بن عمرو. ورواه معن عن محمد بن عمرو
الواقفي عن محمد بن سيرين عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عبد الله بن زيد.
قال البخاري: فيه نظر ".
فقد اتفق زيد بن الحُبابِ والطيالسي ومعْنٌ: على أنه ليس هو المدني؛ بل هو
البصري الواقفي أبو سهل.
وإذ الأمر كذلك؛ فيبقى النظر في ترجمة حاله، وقد ساق في " التهذيب "
أقوال العلماء فيه، وكلُها مجتمعة على تضعيفه، وضعفه يحيى بن سعيد جداً.
وأما السبب الثاني- وهو الجهالة-: فهو من قِبل محمد بن عبد الله؛ فإنه
ليس يعرف إلا في هذه الرواية، وفد قال عبد الرحمن بن مهدي- كما في الرواية
الأخرى الآتية في الكتاب-: ثنا محمد بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن
محمد
…
فرواه على القلب! قال في " التهذيب ":
" وهو الصواب ".
قلت: وكذلك رواه زيد بن الحباب والطيالسي عن محمد بن عمرو عن عبد الله
ابن محمد
…
كما تقدم.
وأما الاضطراب: فهو ما ذُكِر من الاختلاف في اسم الراوي عن عبد الله بن
زيد.
وفيه اختلاف آخر، هو أن حماد بن خالد قال: عن عمه عبد الله بن زيد
…
وكذلك قال ابن الحباب والطيالسي.
وأما عبد الرحمن بن مهدي فقال:
سمعت عبد الله بن محمد قال: كان جدي
…
فجعله من رواية عبد الله بن محمد عن جده، لا عن عمه.
وهو الصواب أيضاً؛ لأن عبد الله بن محمد جدّه عبد الله بن زيد، وليس هو
عمه.
وخالفهم جميعاً معْن فقال: عن محمد بن عمرو الواقفي عن محمد بن
سيرين عن محمد بن عبد الله بن زيد عن عبد الله بن زيد
…
فأدخل- بين الواقفي ومحمد بن عبد الله-: محمد بن سيرين، لكنه وافق
حماد بن خالد في اسم محمد بن عبد الله.
ولست أشك أن هذا الاضطراب إنما هو من قبل الواقفي نفسه؛ لأن الرواة عنه
كلهم ثقات، وذلك مما يدل على ضعفه.
من أجل ذلك؛ ضعّف الحديث البيهقيّ، كما نقله المنذري في " مختصره "،
وترى كلامه في ذلك آنفاً، والحافظ في " بلوغ المرام ". وقال البيهقي في " سننه ":
" وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه يضعف هذا الحديث بما سبق
ذكره [يعني: من الاضطراب] وبما أخْبرناه
…
".
قلت: ثم ساق- بإسناده- الحديث المذكور في الكتاب الأخر (رقم 511) ؛
وفيه:
أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً؛ لجعله رسول
الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً.
82-
وعن عبد الرحمن بن مهدي: ثنا محمد بن عمرو- شيخ من أهل
المدينة من الأنصار- قال: سمعت عبد الله بن محمد: قال: كان جدِّي
عبد الله بن زيد يحدث
…
بهذا الخبر؛ قال: فأقام جدِّي.
(قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضاً؛ لما ذكرنا في الرواية السابقة من حال
محمد بن عمرو الواقفي، واضطرابه فيها. وعبد الله بن محمد غير مشهور.
وقال البخاري: " فيه نظر؛ لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض ") .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري: ثنا عبد الرحمن بن مهدي
…
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير محمد بن عمرو- وهو
الأنصاري البصري أبو سهل- وهو متفق على تضعيفه، كما سبق بيانه قريباً.
وعبد الله بن محمد: هو ابن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري المدني
الخزرجي، وقد قال البخاري فيه
…
ما هو مذكور آنفاً. وقال في " التهذيب ":
" وفي إسناد حديثه اختلاف. وذكره ابن حبان في " الثقات "
…
". وقال
الحافظ في " التقريب ": إنه
" مقبول " يعني: حيث يتابع، وإلا؛ فليّن الحديث.
ولم نجد له متابعاً، فكان حديثه ضعيفاً.
ولذلك صرح الحافظ بضعفه، كما سبق، وهو علة الحديث؛ فإن للراوي عنه
قد تابعه عليه ثقة- كما يأتي-، فبرأت عهدته منه.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص 91) من طريق المصنف من الوجهين؛ ثم قال:
" وقال أبو داود: محمد بن عمرو مدني، وابن مهدي لا يحدث عن البصري "!
كذا قال المصنف رحمه الله! وقد حققنا القول- عند الكلام على الرواية الأولى-
أن محمد بن عمرو إنما هو البصري، وأنه يروي عنه أيضاً ابن مهدي؛ فراجعه.
ثم لعل هذه الجملة المعترضة: (شيخ من أهل المدينة) إنما هي من المصنف
رحمه الله؛ فإننا لم تجد من ذكر أن محمد بن عمرو البصري مدني أيضاً! والله أعلم.
ثم إنه- أعني: البصري- لم يتفرد به؛ بل تابعه أبو العُميْس- وهو عتبة بن
عبد الله المسعودي- لكنه خالفه في إسناده فقال: عن عبد الله بن محمد بن
عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده
…
فزاد فيه: عن أبيه.
أخرجه الطحاوي (1/85) ، والبيهقي (1/399) ، والحازمي في " الاعتبار "
(ص 44)، وقال:
" هذا حديث حسن، وفي إسناده مقال من حديث محمد بن عمرو ". وقال
البيهقي:
" هكذا رواه أبو العميس. وروي عن زيد بن محمد بن عبد الله عن أبيه عن
جده كذلك ". وقال الحافظ في " التلخيص " (3/202) - ما مختصره-:
" قال ابن عبد البر: إسناده حسن أحسن من حديث الإفريقي [قلت: يعني:
الآتي في الكتاب عقب هذا] . قال الحاكم: رواه الحفاظ من أصحاب أبي العميس
عن زيد بن محمد بن عبد الله بن زيد 0 وله طريق أخرى أخرجها أبو الشيخ في
" كتاب الأذان " من حديث الحكم عن مِقْسم عن ابن عباس قال: كان أوّل من أذن
في الإسلام بلال، وأوّل من أقام عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ. وإسناده منقطع بين الحكم
ومقسم؛ لأن هذا من الأحاديث التي لم يسمعها منه ".
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف؛ لأن رواته: محمد بن عمرو الواقفي وأبا
العميس وأصحابه اضطربوا في إسناده، ولأن مداره على محمد بن عبد الله- وهو
غير معروف-؛ أو عبد الله بن محمد- وهو غير مشهور- كما سبق ذلك- أو زيد بن
محمد بن عبد الله- ولم أجد من ترجمه-!
والشاهد المذكور عن ابن عباس؛ فيه ذلك الانقطاع المتضمن لواسطة مجهول،
فلم تطمئن نفسي لتقوية الحديث به؛ لا سيما وأن الحديث قد ورد من طرق عن
صاحب القصة عبد الله بن زيد في الكتاب الآخر (رقم 512- 514) - وليس في
شيء منها ما في هذا الحديث من إقامة عبد الله بعد أذان بلال، بل في بعضها ما
ينفي ذلك، كما نقلناه عن البيهقي قُبيْل هذه الرواية. والله أعلم.
ويخالفه حديث الإفريقي الذي أشار إليه ابن عبد البر؛ وهو:
83-
عن عبد الرحمن بن زياد- يعني: الافريقي-: أنه سمع زياد بن
نعيم الحضرمي: أنه سمع زياد بن الحارث الصدائِيّ قال:
لما كان أول أذانِ الصُّبْحِ؛ أمرني- يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت؛ فجعلت
أقول: أُقِيم يا رسول الله؟! فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر،
فيقول:
" لا "، حتى إذا طلع الفجر؛ نزل فبرز، ثم انصرف إلي- وقد تلاحق
أصحابه-؛ يعني: فتوضأ، فأراد بلال أن يقيم، فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم:
" إن أخا صُداء هو أذّن، ومنْ أذن فهو يقيم ". قال: فأقمت.
(قلت: إسناده ضعيف؛ من أجل الافريقي هذا؛ فإنه ضعيف من قِبلِ
حفظه. وقال النوي: " قال الترمذي والبغوي: في إسناده ضعف ". ونص
كلام الترمذي: " إنما نعرفه من حديث الافريقي، وهو ضعيف عند أهل
الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد: لا أكتب حديث
الافريقي. قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوِّي أمره، ويقول: هو مُقارِبُ
الحديث ". وأشار الببهقي إلى أن الحديث ضعيف لا يصح) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسْلمة قال: ثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن
عبد الرحمن بن زياد- يعني: الإفريقي-.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير الإفريقي هذا، وهو
مختلف فيه، ويظهر من مجموع كلمات الأئمة فيه: أنه في نفسه ثقة، ولكنه
ضعيف في حفظه، وقد ضعفه يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد وابن
معين والجوزجاني وصالح بن محمد وابن خزيمة وابن خِراش والنسائي والساجِي
وغيرهم، وتجد كلماتهم فيه في " التهذيب ". وقال يعقوب بن شيبة:
" ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق، رجل صالح ". وقال يعقوب بن سفيان:
" لا بأس به، وفي حديثه ضعف ". وقال أبو العرب القيرواني:
" كان من أجلة التابعين، عدلا في قضائه، صلْباً، أنكروا عليه أحاديث ذكرها
البُهْلُولُ بن راشد: سمعت الثوري يقول: جاءنا عبد الرحمن بِسِتةِ أحاديث،
يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم أسمع أحداً من أهل العلم يرفعها [قلت: فذكرها؛
وفيها هذا الحديث] ". قال أبو العرب:
" فلهذه الغرائب ضعّف ابن معين حديثه ". وقال الغلابي:
" يضعفونه، ويكتب حديثه، ذكره ابن البرْقِي في باب من نسب إلى
الضعف ". وقال الحاكم أبو أحمد:
" ليس بالقوي عندهم ". وقال أبو الحسن بن القطان:
" كان من أهل العلم والزهد- بلا خلاف بين الناس-، ومن الناس من يوثقه
ويربأ به عن حضيض رد الرواية. والحق فيه أنه ضعيف؛ لكثرة روايته المنكرات،
وهو أمر يعْتري الصالحين ".
وقد ذكر بعض هذه المنكرات الذهبيُ في " الميزان "، ثم قال:
" فهذه مناكير غير محتملة ".
وفي الطرف المقابل لهؤلاء: أحمد بن صالح، فقال المصنف:
" قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم. قلت: صحيح
الكتاب؟ قال: نعم ". وقال البخاري- كما مرّ آنفاً-.
" هو مقارب الحديث ".
ووثقه يحيى بن سعيد- في رواية عنه-.
وليست بمخالفة عندي للرواية السابقة؛ لأنه قد يكون الرجل ثقة ضعيف
الحديث في ان واحد؛ وقد صرح بهذا يعقوب بن شيبة- في المترجم نفسه كما
سبقا-.
ومن ذلك يتبين أن ما ذهب إليه الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر
في تعليقه على " الترمذي "(1/76 و 384) أن عبد الرحمن هذا:
" ثقة، وأن من ضعفه فقد أخطأ "! وأن الحديث صحيح!
غير صحيح؛ لأنه مخالف للقواعد الحديثية التي فيها أن الجرح المفسّر مقدم
على التوثيق، وقد رأيت من كلمات المضعفين ما فيه بيان للسبب، وهو كثرة روايته
للمنكرات، فيسقط الاحتجاج بحديثه ولا يصح؛ بل ولا يحسن ما تفرد به-
ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه:
" ضعيف في حفظه ".
ولذلك ضعف حديثهُ هذا الترمذيُ والبغويُّ- كما في " المجموع "(3/111) -،
وأشار إلى ضعفه البيهقي؛ حيث قال (1/400) :
" ولو صح حديث عبد الله بن زيد [يعني: الذي قبل هذا] وصح حديث
الصدائي؛ كان الحكم لحديث الصدائي؛ لكونه بعد حديث عبد الله بن زيد ".
ثم إن الحديث أخرجه الترمذي (1/383- 384) ، وابن ماجه (4/241) ،
والطحاوي (1/85) ، والبيهقي في (1/399) ، والحازمي (ص 45) ، وأحمد
(4/169) من طرق عن الإفريقي
…
به مختصراً.
وضعفه الترمذي؛ وقد ذكرنا نص كلامه آنفاً.
وأما الحازمي فقال:
" هذا حديث حسن "!
ثم حكى أنه أقوم إسناداً من حديث عبد الله بن زيد.
وعكس ذلك ابن عبد البر- كما ذكرناه عند الكلام على حديث عبد الله-
وكيفما كان الأمر؛ فكلا الحديثين ضعيف، ولا حجة في شيء منهما.
نعم؛ ذكر البيهقي شاهداً من طريق سعيد بن راشد المازني: ثنا عطاء بن أبي
رباح عن ابن عمر:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير له، فحضرت الصلاة، فنزل القوم، فطلبوا بلالا
فلم يجدوه، فقام رجل فأذن، ثم جاء بلال، فقال القوم: إن رجلاً قد أذن، فمكث
القوم هوْناً، ثم إنْ بلالاً أراد أن يقيم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
" مهلأ يا بلال! فإنما يُقِيمُ منْ أذن ".
وأخرجه الطبراني أيضاً في " الكبير "، والعقيلي في " الضعفاء " من هذا الوجه.
لكن قال البيهقي:
" تفرد به سعيد بن راشد، وهو ضعيف ". وقال الحافظ في " التلخيص "
(3/201) :
" وسعيد بن راشد هذا ضعيف، وضعف حديثهُ هذا أبو حاتم الرازي وابن
حبان في " الضعفاء "
…
".
قلت: ونص كلام أبي حاتم- كما في " العلل " لابنه، قال (رقم 336) -:
" قال أبي: هذا حديث منكر، وسعيد ضعيف الحديث. وقال مرة: متروك
الحديث ".
قلت: وقال البخاري فيه:
" منكر الحديث ". وقال يحيى بن معين:
" ليس بشيء ". وقال النسائي:
" متروك ".
قلت: فمثله لا يصلح حديثه للشواهد والمتابعات؛ لشدة ضعفه، فلا يعضد به
حديث الباب؛ خلافاً لما ذهب إليه الصنعاني في " سبل السلام "(1/181) !
على أني قد وجدت لحديثه طريقاً أخرى مختصراً: أخرجه الخطيب في
" تاريخه "(14/60) من طريق أبي محمد عبْدان بن محمد بن عيسى المرْوزِي
الفقيه: حدثنا الهيثم بن خلف- ببغداد-: حدثنا الهيثم بن جميل: حدثنا
عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
…
مرفوعاً؛
بلفظ:
" من أذن فهو يقيم ".
قال عبدان: دخلت مع أحمد بن السّكّرِي على هذا الشيخِ (يعني: الهيثم بن
خلف) ، فساله عن هذا الحديث؟ وسمعته منه، واستغربه جدّا.
أورده الخطيب في ترجمة الهيثم بن خلف هذا، ولم يذكر فيه شيئاً غير
قوله:
" وما أظنه إلا الهيثم بن خالد الذي ذكرته آنفاً؛ غير أن في الرواية الهيثم بن
خلف- بالفاء-؛ فالله أعلم ".
قلت: إن صح أن الهيثم هذا هو ابن خالد- المترجم فما " التاريخ " قبل هذا؛
وهو أبو الحسن القرشي-: فالإسناد حسن؛ لأن القرشي هذا له ترجمة في
" التهذيب " - تمييزاً- ووثقه.
لكن في الطريق إليه أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المُعدل الهرويُ:
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن المنكدر المنكدري.
ولم أجد من ترجمهما! والله أعلم.