الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفريع أبواب السترة
100- باب ما يستر المصلّي
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر " الصحيح ") ]
101- باب الخطِّ إذا لم يجِدْ عصاً
107-
عن أبي عمرو بن محمد بن حُريْثٍ: أنه سمع جدهُ حريْثاً
يحدث عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا صلّى أحدكم؛ فليجعلْ تِلْقاء وجْهِهِ شيئاً، فإن لم يجِدْ؛
فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً؛ فلْيخطّ خطّاً، ثم لا يضُرُّهُ ما مرّ
أمامهُ ".
(قلت: إسناده ضعيف، وله علتان: جهالة أبي عمرو بن محمد بن حريث
وجده حُريْث. والاضطراب في إسناده اضطراباً شديداً. ولذلك قال
الدارقطني: " لا يصح ولا يثبت ". وقال أحمد: " ضعيف ". وقال النووي:
" لم يثبت، قال البغوي وغيره: هو حديث ضعيف، وأشار إلى تضعيفه سفيان
ابن عيينة والشافعي والبيهقي وغيرهم ". وضعفه أيضاً ابن الصلاح والعراقي.
ومن وجوه اضطرابه الرواية الآتية) .
إسناده: حدثنا مُسدّد: ثنا بِشْرُ بن المُفضًلِ: ثنا إسماعيل بن أُمية: حدثني
أبو عمرو بن محمد بن حريث
…
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأ ولى: جهالة أبي عمرو هذا وجده؛ ففي " التهذيب ":
" قال الطحاوي: أبو عمرو وجده مجهولان، ليس لهما ذكر في غير هذا
الحديث ". وقال الذهبي:
" أبو عمرو بن محمد بن حريث لا يُعْرفُ ".
وكذلك قال الحافظ في " التقريب " فيه، وفي جده حريث.
والأخرى: الاضطراب في إسناده، كما يأتي بيانه.
وقد أورده ابن الصلاح في " علوم الحديث " من أمثلة الحديث المضطرب،
وقال:
" الاضطراب مُوجِبٌ ضعف الحديث؛ لإشعاره بأنه لم يضبط ".
والحديث أخرجه البيهقي (2/270) من طريق المصنف، ومن طريق أخرى عن
مُسدد
…
به.
وابن خزيمة (812) من طريق آخر عن بشر. وقال البيهقي:
" وكذلك رواه روح بن القاسم ووهيب وعبد الوارث عن إسماعيل. وابن عيينة
في إحدى الروايتين عنه عن إسماعيل ".
قلت: قد وصله عن ابن عيينة بالروايتين الإمام أحمد، فقال (2/249) : ثنا
سفيان عن إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو بن حُريث العُذْرِيِّ- قال
مرة: عن أبي عمرو بن محمد بن حريث- عن جده. سمعت أبا هريرة
…
به.
ورواه ابن ماجه (1/301) عن ابن عيينة وعن حميد بن الأسود عن
إسماعيل
…
بالوجه الأول.
فهذان وجهان من وجوه الاضطراب فيه، قد جمعهما أحمد في روايته هذه
عن سفيان.
وقد روى الوجه الأخر عن سفيان: عليّ بن المديني أيضاً؛ أخرجه المصنف،
وهو:
108-
عن أبي محمد بن عمروبن حُريْثِ عن جدِّه حُريْث- رجًلٍ من
بني عُذْرة- عن أبي هريرة عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكر حديث
الخط.
(قلت: إسناده ضعيف؛ لما سبق قبله. وقد أشار المصنف إلى تضعيفه وإلى
بعض الاضطراب الذي في إسناده بقوله، وهو متصل بإسناد الحديث: " قال
سفيان: لم نجد شيئاً نشُد به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه. قال
- يعني: علي بن المديني-: قلت لسفيان: إنهم يختلفون فيه؟ فتفكّر ساعةً،
ثم قال: ما أحفظ إلا أبا محمد بن عمرو. قال سفيان: قدِم هنا رجل بعدما
مات إسماعيل بن أمية، فطلب هذا الشيخ أبا محمد، حتى وجده، فسأله
عنه؟ فخُلِط عليه ") .
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: حدثنا علي- يعني: ابن المديني-
عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو بن حُريْث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، كما سبق بيانه في الحديث المتقدم، وذكرت ثمة
أن في هذه الرواية وجهاً ثانياً من وجوه الاضطراب في إسناد الحديث، حيث قال
سفيان في الرواية الأولى: عن إسماعيل عن أبي عمرو بن محمد بن حريث: رواه
ابن خزيمة (811) .
وهنا قال: عن إسماعيل عن أبي محمد بن عمرو بن حريث. وكذا رواه ابن
حبان في " صحيحه "(2355- الإحسان) . قال البيهقي:
" وهكذا رواه الشافعي والحميدي وجماعة عن سفيان ". قال:
" ثم روى عنه أنه شك فيه ".
ثم ساق هذه الرواية التي في الكتاب من طريق عثمان بن سعيد الدارمي:
سمعت علياً- يعني: ابن عبد الله بن المديني-
…
به أنم منه؛ ففيه:
قال علي: قلت لسفيان: إنهم يختلفون فيه؛ بعضهم يقول: أبو عمرو بن
محمد. وبعضهم يقول: أبو محمد بن عمرو؟ فتفكر ساعة، ثم قال: ما أحفظه إلا
أبا محمد بن عمرو.
قلت لسفيان: فابن جريج يقول: أبو عمرو بن محمد، فسكت سفيان ساعة،
ثم قال: أبو محمد بن عمرو، أو أبو عمرو بن محمد. ثم قال سفيان: كنت أراه
أخاً لعمرو بن حريث، وقال مرة: العذْري. قال علي: قال سفيان: كان جاءنا
إنسان بصري كلم عتبة (وفي نسخة: عقبة) ذاك أبو معاذ، فقال: إني لقيت هذا
الرجل الذي روى عنه إسماعيل- قال علي: ذلك بعد ما مات إسماعيل بن أمية-
فطلب هذا الشيخ حتى وجده، قال عتبة: فسألته عنه؟ فخلطه علي. قال سفيان:
ولم تجد شيئاً يشد هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه. قال سفيان: وكان
إسماعيل إذا حدث بهذا الحديث يقول: عندكم شيء تشًدونه به؟ " 0
وفي الحديث وجه ثالث من الاضطراب؛ قال أحمد (2/249) : ثنا سفيان
عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي هريرة
…
يرفعه
فذكر معناه.
وقال عبد الرزاق: أنا معمر والثوري عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن
حريث عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه
…
فذكر الحديث.
وقال في موضع آخر من " المسند "(2/266) : ثنا عبد الرزاق
…
به.
وأخرجه البيهقي من طريق الحسيْنِ بن حفص عن سفيان: حدثني إسماعيل
ابن أمية
…
به.
وتابعهما حُميْدُ بن الأسود عن إسماعيل بن أمية
…
به؛ إلا أنه قال: عن
أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليْمٍ عن أبيه.
أخرجه البيهقي.
لكن تقدم أنه عند ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ: عن جده.. قال الحافظ
العراقي في " شرح علوم الحديث ":
" فإما أن يكون قد اختلف فيه على حميد بن الأسود- في قوله: عن أبيه، أو
عن جده-، أو يكون ابن ماجه قد حمل رواية حميد بن الأسود على رواية سفيان
ابن عيينة، ولم يبين الاختلاف الذي بينهما، كما يقع في الأسانيد ".
وفي هذا الإسناد أوجه أخرى من الاضطراب، ذكرها الحافظ العراقي في
" شرح علوم الحديث "(ص 105- 106) ، فمن شاء؛ فليراجعها فيه.
ومن الممكن حصر هذا الاختلاف على إسماعيل بن أميهْ في موضعين من
هذا الإسناد:
الموضع الأول: أبو عمرو بن محمد بن حريث.. أو: أبو محمد بن عمرو بن
حريث.
والأول منهما هو الصحيح؛ لاتفاق جميع الرواة عن إسماعيل بن أمية عليه؛
إلا ابن عيينة في إحدى الروايتين عنه.
والموضع الأخر: عن جده.. أو: عن أبيه.
والأول: هو رواية الأكثرين عن إسماعيل- مثل بِشْرِ بن المُفضل وروْحِ بن
القاسم ووُهيْبٍ وعبد الوارث وابن عيينة وحميد بن الأسود- في إحدى الروايتين
عنهما-.
والقول الثاتي: هو رواية الثوري ومعمر وابن عيينة وحميد- في الرواية الأخرى
ومثل هذا الاضطراب مما يصعب الترجيح فيه؛ فإن في كل من القولين أو
الروايتين من المرجِّحات ما ليس في الأخرى.
فالرواية الأولى عن جده تترجح بكثرة رواتها- وهم بشر بن المفضل ومن معه-.
والأخرى تترجح بأن من رواتها سفيان الثوري- وهو أحفظهم-؛ ولذلك رجحها
بعضهم على الرواية الأولى، ونازع- بسبب ذلك- ابن الصلاح في ذكره الحديث
مثالاً للمضطرب، ذلك لأن ابن الصلاح نفسه ذكر أنه إنما يسمى الحديث مضطرباً
إذا تساوت الروايتان. فأما إذا ترجحت إحداهما على الأخرى فلا يسمى مضطرباً.
قال:
" وهذا قد رواه الثوري- وهو أحفظ من ذكرهم- فينبغي أن ترجح روايته على
غيرها، ولا يسميه مضطرباً ".
وأيضاً؛ فإن الحاكم وغيره صحح الحديث المذكور.
وكأن الحافظ ابن حجر رحمه الله كان يذهب إلى هذا؛ فقد قال في
" التلخيص "(4/132) :
" قلت: وأورده ابن الصلاح مثالاً للمضطرب. ونوزع في ذلك، كما بينته في
" النكت "
…
". وقال في " بلوغ المرام " (1/204) :
" وصححه ابن حبان ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن "!
وأجاب عن ذلك شيخه الحافظ العراقي في " شرح علوم الحديث " - بعد أن
أورد اعتراض المعترض على ابن الصلاح، الذي نقلنا معنى كلامه آنفاً- فقال:
" والجواب: أن الوجوه التي يرجّح بها متعارضة في هذا الحديث: فسفيان
الثوري- وإن كان أحفظ من سمّاه الصنف- فإنه انفرد بقوله: عن أبي عمرو بن
حريث عن أبيه.. وأكثر الرواة يقولون: عن جده- وهم بشر بن المفضل وروح بن
القاسم ووهيب بن خالد وعبد الوارث بن سعيد-، وهولاء من ثقات البصريين
وأئمتهم، ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفيين: سفيان بن عيينة. وقولهم
أرجح: لوجهين: أحدهما: الكثرة، والثاني: أن إسماعيل بن أمية مكي، وابن
عيينة كان مقيماً بمكة، ومما يرجح به كون الراوي عنه من أهل بلده، وبكثرة الرواة
أيضاً ". قال:
" فتعارضت حينئذ الوجوه القتضية للترجيح، وانضم إلى ذلك جهالة راوي
الحديث- وهو شيخ إسماعيل بن أمية-، فإنه لم يرو عنه- فيما علمت- غير
إسماعيل بن أمية، مع هذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه، وهل يرويه عن أبيه،
أو عن جده، أو هو نفسه عن أبي هريرة؟
وقد حكى أبو داود في " سننه " تضعيفه عن ابن عيينة، فقال: قال سفيان:
لم تجد شيئاً نشد به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه. وقد ضعفه أيضاً
الشافعي والبيهقي. وقول من ضعفه أولى بالحق من تصحيح الحاكم له، مع هذا
الاضطراب والجهالة براويه ".
قلت: وهذا هو الحق: أن الحديث ضعيف؛ لما ذكر. وإن كان في تضاعيف
كلام العراقي ما لا يخلو عن اعتراض، كقوله: " إن الثوري انفرد بقوله: عن أبي
عمرو بن محمد عن أبيه "!
مع أنه قد تابعه معمر، وسفيان بن عيينة- في إحدى الروايتين عنه- كما
نقلناه في أول البحث عن " مسند أحمد ".
ومن وجوه الاضطراب: ما علقه ابن حبان في ترجمة (محمد بن عمرو بن
سعيد بن العاص) (7/398) عن أبيه عن أبي هريرة قال
…
فذكره موقوفاً عليه.
قال ابن حبان:
" رواه يزيد بن هارون عن نصْرِ بن حاجب القرشي عن إسماعيل بن أمية
قلت: وهذا الوجه منكر- أو شاذ على الأقل-، والعلة من نصْرٍ؛ فإنه مختلف
فيه. وقد قال النسائي فيه:
" ليس بثقة ".
وقد يؤكد هذا أنه خالف كل الثقات الذين قالوا: عن إسماعيل عن أبي عمرو
ابن محمد بن حريث، أو: أبي محمد بن عمرو بن حريث؛ فقال هذا: عن محمد
ابن عمرو بن سعيد بن العاص!
ثم إنه لو سلمنا أن الحديث غير مضطرب، ورجحنا رواية الثوري- أو المخالفين-:
له، فإن العلة الأخرى- وهي الجهالة- لا تزال قائمة.
ولذلك نرى أن قول الحافظ- فيما سبق-: " بل هو حسن "!
غير حسن؛ لا سيما وقد عارضه جماعة من المتقدمين من الأئمة كما سلف؛
وقد ذكر هو نفسه في " التهذيب " عن أحمد أنه قال:
" الخط ضعيف ". وقال الدارقطني:
" لا يصح ولا يثبت ". وقال الشافعي في " سنن حرملة ":
" ولا يخط المصلي بين يديه خطاً؛ إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت
فيُتّبع " أ. هـ. وقال مالك:
" الخط باطل ". كذا في " المدونة "(1/113) .
قلت: وفي قول الشافعي هذا رد على النووي؛ حيث قال في " المجموع "
(3/248) :
" والمختار استحباب الخط؛ لأنه وإن لم يثبت الحديث؛ ففيه تحصيل حريم
للمصلي. وقد قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال- دون الحلال والحرام-، وهذا من نحو فضائل الأعمال "!!
قلت: وفيما قاله نظر من وجهين:
الأول: استحبابه الخط، مع اعترافه بضعف الحديث!
وهذا أمر غريب؛ فإن الاستحباب حكم شرعي، لا بد له من دليل تقوم به
الحجة، والحديث الضعيف لا يثبت به أي حكم شرعي. فلا جرم أن ذهب إمامه
إلى عدم مشروعية الخط إلا أن يثبت الحديث. فلو أنه تبع إمامه في ذلك؛ لكان
أصاب الحق.
اقول هذا؛ مع العلم أن ما ذهب إليه النووي كان مذهب الشافعي في القديم،
ثم رجع عنه في الجديد إلى ما نقلناه عنه آنفاً، وذلك حين ظهر له ضعف
الحديث، كما أشار إلى ذلك البيهقي.
والوجه الآخر: نقْفه اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف!
وهذا غير صحيح؛ فإن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال، ذكرها الشيخ
القاسمي في " قواعد التحديث "(ص 94) أولاها- وهي عندي أوْلاها-: أنه لا
يعمل به مطلقاً، لا في الأحكام ولا في الفضائل، حكاه ابن سيد الناس في
" عيون الأثر " عن يحيى بن معين، ونسبه في " فتح المغيث " لأبي بكر بن العربي.
وهو مذهب ابن حزم، كما صرح به في كتبه، منها: " الإحكام في أصول
الأحكام " (1/136) .
وكيف يجوز العمل به، وقد اتفقوا جميعاً على أن الحديث الضعيف لا يفيد
إلا الظن- والظن المرجوح- وهو أكذب الحديث بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم؟! وقد نعى الله
تعالى على قوم قبلنا عملهم بالظن، فقال: (إنْ يتبعون إلا الظن وما تهوى
الأنفس) ، وقال تعالى:(وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) .
ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن رواية الحديث عنه إلا بعد العلم بصحته؛
فقال:
" اتقوا الحديث عنِّي إلا ما علمتم ".
أفيجيز لهم العمل به قبل أن يعرفوا صحته، وقد نهاهم عن روايته؟! اللهم! لا.
وهذا بين لا يخفى، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في المقدمة (*) .
على أن حديث الباب ليس من الفضائل، بل هو في الأحكام؛ لأن فيه الأمر
بالخط، وهو يفيد الوجوب عند عدم القرينة، ولا قرينة هنا.
وكأن النووي رحمه الله لاحظ ما ذكرنا، فاحتاط في عبارته، فقال- كما تقدم-:
" وهذا من نحو فضائل الأعمال "!
هذا؛ وقال النووي (3/246) - بعد أن عزا الحديث للمصنف وابن ماجه-:
(*) لم نجد في مقدمة " الصحيح " من هذه " السنن " ما يشير إلي هذا المعنى، ولم يجعل
الشيخ لـ " الضعيف " مقدمة في أصله المخطوط، ومراده مبثوث في كتبه انظر مثلا مقدمات
" السلسلة الضعيفة " ومقدمة الطبعة الأولى من " صحيح الترغيب والترهيب ".