الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92- باب في الجنب يصافح
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر " الصحيح ") ]
93- باب في الجنب يدخل المسجد
32-
عن جسْرة بنتِ دجاجة قالت: سمعت عائشة تقول:
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوهُ بيوتِ أصحابِهِ شارعة في المسجد-،
فقال:
" وجِّهوا هذه البيوت عن المسجد ".
ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً؛ رجاء أن ينزل فيهم
رخصة؛ فخرج إليهم فقال:
" وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا
جنب ".
(قلت: إسناده ضعيف؛ من أجل جسرة بنت دجاجة، قال البخاري:
" عندها عجائب ". وقد ضعف الحديث جماعة، كما قال الخطابي، ومن
هؤلاء: البيهقي وابن حزم، فقال:" هذا باطل "، وأبو محمد عبد الحق،
فقال: " لا يثبت ") .
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا عبد الواحد بن زياد قال: ثنا أفْلتُ بن خليفة
قال: حدثتني جسْرةُ بنت دِجاجة.
قال أبو داود: " وهو فُليْت العامري ".
قلت: ورجاله ثقات؛ غير جسرة بنت دجاجة؛ وليست بالمشهورة ثقةً وعدالةً،
ولم يوثقها أحد من المتقدمين ممن يوثق بتوثيقهم، بل قد غمزها البخاري؛ ففي
" المجموع "(2/160) :
" رواه أبو داود وغيره، قال البيهقي: ليس هو بقوي. قال: قال البخاري: عند
جسرة عجائب، وقد خالفها غيرها في سد الأ بواب. وقال الخطابي: ضعف
جماعة هذا الحديث وقالوا: أفلت مجهول. وقال عبد الحق: هذا الحديث لا
يثبت. فلت: وخالفهم غيرهم، فقال أحمد بن حنبل: لا أرى بأفلت بأساً. وقال
الدارقطني: هو كوفي صالح. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: جسرة تابعية ثقة.
وقد روى أبو داود هذا الحديث ولم يضعفه، وقد قدمنا أن مذهبه أن ما رواه ولم
يضعفه، ولم يجد لغيره فيه تضعيفاً؛ فهو عنده صالح، ولكن هذا الحديث ضعفه
من ذكرنا "!
قلت: قد بينا في مقدمة هذا الكتاب أنه لا يصح أن يعتمد على سكوت
المصنف عن الحديث؛ لأسباب: منها كثرة الأحاديث الضعيفة في الكتاب-؛ مما
سكت عنها أبو داود، وهاك الكتاب بين يديك شاهداً على ذلك.
وعلة الحديث ليست هي أفلت؛ بل هي جسرة، وهي- وإن وثقها العجلي
وكذا ابن حبان- فهما من المتساهلين في التوثيق، فلا يطمئن القلب لتوثيقهما؛ لا
سيما مع تضعيف من ذكِر لحديثها؛ فلولا أنها غير حجة عندهم لما ضعفوه.
ثم إنها لم يرو عنها من المعروفين غير أفلت هذا، وقد ذكر في " التهذيب "
فيمن روى عنها غيره:
" قدامة بن عبد الله العامري، ومحدوج الذهلي، وعمر بن عمير بن محدوج ".
وكل هؤلاء مجهولون، بل قيل: إن قدامة هذا هو أفلت نفسه.
وقد أشار البخاري لى أنها غير حجة؛ لمخالفتها غيرها في هذا الحديث. ونص
كلامه في ذلك- كما نقله البيهقي (2/443) -:
" قال البخاري: وعند جسرة عجائب، وقال عروة وعباد بن عبد الله عن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: " سُدُوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر "؛
وهذا أصح ". قال البيهقي:
" وهذا إن صح؛ فمحمول في الجنب على المكث فيه، دون العبور؛ بدليل
الكتاب ".
قلت: لكن قد جاءت أحاديث عن غير واحد من الصحابة في سدِّ الأبواب
في المسجد إلا باب علي؛ وقد أخرجها الحافظ في " الفتح "(7/11- 12) ، وساق
ألفاظها وطرقها، ثم قال.
" وكل طريق منها صالح للاحتجاج- فضلاً عن مجموعها- ".
ثم جمع بينها وبين حديث عائشة المذكور؛ فليراجع.
والمقصود هنا: أنه ليس في شيء من هذه الأحاديث المشار إليها ما في هذا
الحديث من سد الأبواب كلها دون استثناء باب أبي بكر أو علي، كما أنه ليس
فيها ما فيه من تعليل ذلك بقوله: " فإني لا أحل
…
" إلخ.
فهذا مما يوهن من شأن هذا الحديث عندي؛ وإن كنت لم أجد من صرح بذلك
قبلي.
ثم إن له علة أخرى، وهي الاضطراب على جسرة كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (2/442) من طريق المصنف.
وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير "، وفيه زيادة- كما قال المنذري-.
قلت: ومن طريق البخاري: أخرجه البيهقي أيضاً: عن موسى بن إسماعيل
عن عبد الواحد
…
والزيادة:
" إلا لمحمد وآل محمد ".
وأخرجه ابن ماجه (1/222) ، وابن أبي حاتم في " العلل "(1 رقم 269) من
طريق أبي نعيم: ثنا ابن أبي غنِية عن أبي الخطاب الهجرِي عن محْدُوج الذهلِي
عن جسرة قالت: أخبرتني أم سلمة قالت:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرْحة هذا المسجد، فنادى بأعلى صوته:
" إن السجد لا يحِل لجنب ولا لحائض "؛ زاد ابن أبي حاتم:
" إلا للنبي، ولأزواجه، وعلي، وفاطمة بنت محمد ". ثم قال:
" قال أبو زرعة: يقولون: عن جسرة عن أم سلمة. والصحيح: عن عائشة ".
قال:
" قد روى أفلت بن خليفه عن جسرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
هذا
الحديث؛ غير أنه لم يذكر فيه: " إلا للنبي ولأزواجه "؛ وإنما يدل (كذا! ولعل
الأصل: قال) : " لا يصلح لجنب ولا لحائض " فقط ".
قلت: قد ثبتت هذه الزيادة في رواية البخاري كما سبق؛ وهي مما تزيد
الحديث وهناً على وهن؛ فإن ابن القيم في " التهذيب " ذهب إلى أنها موضوعة.
وأوردها ابن حزم في " المحلى "(2/185) من طريق أبي الخطاب الهجري، ثم
قال:
" وأما محدوج؛ فساقط، يروي المعضلات عن جسرة. وأبو الخطاب الهجري
مجهول ".
ثم إن في قول أبي زرعة المتقدم: " يقولون: عن جسرة " إشارة إلى أن محدوجاً
لم يتفرد بهذا الإسناد، وهو كذلك، فقد ذكره ابن حزم من طريق عبد الوهاب عن
عطاء الخفاف عن ابن أبي غنية عن إسماعيل عن جسرة بنت دجاجة
…
به؛
وفيه الزيادة. ثم أعله ابن حزم بقوله:
" وأما عطاء الخفاف؛ فهو عطاء بن مسلم، منكر الحديث، وإسماعيل
مجهول ".
قلت: هكذا في " المحلى ": " عبد الوهّاب عن عطاء الخفاف "، وقال مصححه
الشيخ أحمد محمد شاكر:
" في الميمنية: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وهو خطأ ".
قلت: وما في هذه النسخة: هو الموافق لما نقله ابن القيم عن ابن حزم؛ ولذلك
أخذ يرد على ابن حزم تضعيفه إياه، ظناً منه أنّه عبد الوهاب بن عطاء، لا عطاء
والد عبد الوهاب، ونقل كلمات الأئمة في الثناء عليه! وهو بلا شك أحسن حالاً
من أبيه.
لكن الصواب أن الراوي هنا إنما هو والده عطاء، كما في النسخ الصحيحة من
" المحلى "، وهو ضعيف لسوء حفظه، وقد قال فيه ابن معين:
" ليس به بأس، وأحاديثه منكرات ".
وهذا عمدة ابن حزم في قوله فيه: " منكر الحديث ".
وعليه؛ فكلام ابن القيم غير وارد على ابن حزم. على أنه قد ختم تعقيبه
عليه بقوله:
" وبعد؛ فهذا الاستثناء باطلٌ موضوع من زيادة بعض غلاة الشيعة، ولم
يخرجه ابن ماجه في الحديث ".
قلت: قد أخرجه البخاري وابن أبي حاتم وابن حزم من الطرق الثلاث؛ فهي
بلا شك ثابتة في الحديث؛ ومدارها كلها على جسرة، وقد عرفت حالها. وقد قال
ابن حزم عقبها:
" وهذا كله باطل ".
ومما تقدم بيانه؛ تعلم أن قول الشوكاني في " نيل الأوطار "(2/200) :
" إن الحديث صحيح " - تبعاً لابن خزيمة-!
غير صحيح. وقوله:
" قال ابن سيد الناس: ولعمري إن التحسين لأقل مراتبه؛ لثقة رواته، ووجود
الشواهد له من خارج "!
ففيه نظر بين؛ لأن الشواهد المشار إليها: كلا شواهد؛ لأن مدارها- كما
علمت- على جسرة، ولم يرد من غير طريقها من وجه مقبول؛ وإلا لذهبنا إليه.
فقد رواه ابن حزم من طريق محمد بن الحسن بن زُبالة عن سفيان بن حمزة
عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يجلس في المسجد، ولا يمر فيه وهو
جنب؛ إلا علي بن أبي طالب.
وهذا- مع أنه مرسل-؛ فإن ابن زبالة؛ قال المصنف وابن معين:
" كذاب ". زاد الأخير: