الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَوْ الْغُرُوبِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَكَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْأَخَوَيْنِ (بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ وَرِثَ الَّذِي مَاتَ بِالْمَغْرِبِ مِنْ الَّذِي مَاتَ بِالْمَشْرِقِ) حَيْثُ، لَا حَاجِبَ وَلَا مَانِعَ (لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا تَزُولُ وَتَطْلُعُ وَتَغْرُبُ فِي الْمَشْرِقِ قَبْلَ) زَوَالِهَا وَطُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا فِي الْمَغْرِبِ قُلْتُ: وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّ الزَّوَالَ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ وَهَذَا وَاضِحٌ.
[بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ]
(بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ)، جَمْعُ مِلَّةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19] وَقَالَ {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] وَاخْتِلَافُ الدِّينِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ فَ (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ الْكَافِرُ) لِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(إلَّا بِالْوَلَاءِ) فَيَرِثُ الْمُسْلِمُ عَتِيقَهُ الْكَافِرَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ، لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ الرِّقِّ، فَوَرِثَهُ بِهِ كَمَا يَرِثُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ (وَلَا) يَرِثُ (الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ إلَّا بِالْوَلَاءِ) فَيَرِثُ الْكَافِرُ عَتِيقَهُ الْمُسْلِمَ بِالْوَلَاءِ قِيَاسًا عَلَى عَكْسِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ يُسْلِمَ) الْكَافِرُ (قَبْلَ قَسْمِ مِيرَاثِ قَرِيبٍ مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» .
وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ زَيْدِ بْنِ قَتَادَةَ الْعَنْبَرِيِّ " أَنَّ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِهِ
مَاتَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَوَرِثَتْهُ أُخْتِي دُونِي وَكَانَتْ عَلَى دِينِهِ ثُمَّ إنَّ جَدِّي أَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا فَتُوُفِّيَ، فَلَبِثْتُ سَنَةً وَكَانَ تَرَكَ مِيرَاثًا ثُمَّ إنَّ أُخْتِي أَسْلَمَتْ فَخَاصَمَتْنِي فِي الْمِيرَاثِ إلَى عُثْمَانَ، فَحَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مِيرَاثٍ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ فَلَهُ نَصِيبُهُ فَقَضَى بِهِ عُثْمَانُ فَذَهَبَتْ بِذَلِكَ الْأَوَّلِ وَشَارَكَتْنِي فِي هَذَا "، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ انْتَشَرَتْ وَلَمْ تُنْكَرْ فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ) كَانَ الَّذِي أَسْلَمَ (مُرْتَدًّا) عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ (أَوْ) كَانَ الْوَارِثُ (زَوْجَةً) وَأَسْلَمَتْ (فِي عِدَّةٍ) قِيَاسًا عَلَى مَا سَبَقَ وَ (لَا) يَرِثُ إنْ كَانَ (زَوْجًا) وَأَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجَتِهِ لِانْقِطَاعِ عُلَقِ النِّكَاحِ عَنْهُ بِمَوْتِهَا بِخِلَافِهَا.
(وَلَا) يَرِثُ إنْ كَانَ (قِنًّا) وَ (عَتَقَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ مَوْتِ قَرِيبِهِ) مِنْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ أَوْ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (أَوْ) عَتَقَ (مَعَ مَوْتِهِ كَتَعْلِيقِهِ الْعِتْقَ عَلَى ذَلِكَ) بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إذَا مَاتَ أَبُوكَ أَوْ نَحْوُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ.
وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ لَمْ تُقْسَمْ بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَعْظَمُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّأْلِيفِ عَلَيْهِ، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بِتَأْلِيفِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْعِتْقُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ وَلَوْلَا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَثَرِ فِي تَوْرِيثِ مَنْ أَسْلَمَ لَكَانَ النَّظَرُ أَنْ لَا يَرِثَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ حِينَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَسْتَحِقُّونَهُ، فَلَا يَبْقَى لِمَنْ حَدَثَ شَيْءٌ لَكِنْ خَالَفْنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ لِلْأَثَرِ وَلَيْسَ فِي الْعِتْقِ أَثَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ (أَوْ دَبَّرَ ابْنَ عَمِّهِ ثُمَّ مَاتَ) وَخَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ فِي آخِرِ حَيَاتِي عَتَقَ وَوَرِثَ) لِأَنَّهُ حِينَ الْمَوْتِ كَانَ حُرًّا (وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا فَمَتَى تَصَرَّفَ فِي التَّرِكَةِ وَاحْتَازَهَا فَهُوَ كَقَسْمِهَا) بِحَيْثُ لَوْ أَسْلَمَ قَرِيبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُشَارِكْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَاقْتَسَمُوا (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ بَعْضِ الْمَالِ وَرِثَ) مَنْ أَسْلَمَ (مِمَّا بَقِيَ) دُونَ مَا قُسِمَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ وَهُمْ مِلَلٌ شَتَّى مُخْتَلِفَةٌ، فَلَا يَرِثُونَ مَعَ اخْتِلَافِهَا) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَالْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ وَالنَّصْرَانِيَّةُ مِلَّةٌ وَالْمَجُوسِيَّةُ مِلَّةٌ وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِلَّةٌ وَعَبَدَةُ الشَّمْسِ مِلَّةٌ.