الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ إحْيَاء الْأَرْضِ الْمَوَاتِ]
فَصْلٌ وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ (أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ مَنِيعٍ) بِحَيْثُ (يَمْنَعُ) الْحَائِطُ (مَا وَرَاءَهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ وَلَهُمَا مِثْلُهُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ.
(وَيَكُونُ الْبِنَاءُ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْبِنَاءُ بِهِ مِنْ لَبِنٍ، أَوْ آجُرٍّ أَوْ حَجَرٍ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ أَرَادَهَا) الْمُحْيِي (لِبِنَاءٍ، أَوْ زَرْعٍ، أَوْ) أَرَادَهَا (حَظِيرَةَ غَنَمٍ، أَوْ) حَظِيرَةَ (خَشَبٍ وَنَحْوَهُمَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْإِحْيَاءِ (تَسْقِيفٌ) وَلَا نَصْبُ بَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ، وَالسُّكْنَى مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ (أَوْ) أَنْ (يُجْرِيَ لَهَا مَاءً بِأَنْ يَسُوقَ إلَيْهَا) مَاءَ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ (إنْ كَانَتْ لَا تُزْرَعُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ الْمَسُوقِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ نَفْعَ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْحَائِطِ (أَوْ) أَنْ (يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا يَكُونُ فِيهَا مَاءٌ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي) تَفْصِيلُهُ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ.
وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ تَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ طَيُّهَا (أَوْ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا) بِأَنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِلْغِرَاسِ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا، أَوْ نَحْوِهَا، فَيُنَقِّيهَا وَيَغْرِسُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ كَالْحَائِطِ (أَوْ) أَنْ (يَمْنَعَ) عَنْ الْمَوَات (مَا لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا إلَّا بِحَبْسِهِ عَنْهَا، كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ) ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَزْرَعهَا وَيَسْقِيَهَا.
(وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ زَرْعِهَا كَثْرَةُ الْأَحْجَارِ كَأَرْضِ اللَّجَأَةِ) نَاحِيَةٌ بِالشَّامِ (فَإِحْيَاؤُهَا بِقَلْعِ أَحْجَارِهَا وَتَنْقِيَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غِيَاضًا وَأَشْجَارًا كَأَرْضِ الشَّعْرِ فَبِأَنْ يَقْلَعَ أَشْجَارَهَا، وَيُزِيلَ عُرُوقَهَا الْمَانِعَةَ مِنْ الزَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا.
(وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ (وَلَا) يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ أَيْضًا (بِخَنْدَقٍ يَجْعَلُهُ عَلَيْهَا) أَيْ حَوْلَ الْأَرْضِ الَّتِي يُرِيدُ إحْيَاءَهَا (أَوْ) بِ (شَوْكٍ وَشِبْهِهِ يُحَوِّطُهَا بِهِ وَيَكُونُ تَحَجُّرًا) ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا وَيُحَوِّطُ عَلَى رَحْلِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ حَفَرَ) فِي مَوَاتٍ (بِئْرًا عَادِيَّةً) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى عَادٍ وَلَمْ يُرِدْ عَادًا بِعَيْنِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ فَلِذَا قَالَ.
(وَهِيَ
الْقَدِيمَةُ الَّتِي انْطَمَّتْ وَذَهَبَ مَاؤُهَا، فَجُدِّدَ حَفْرُهَا وَعِمَارَتُهَا أَوْ انْقَطَعَ مَاؤُهَا فَاسْتَخْرَجَهُ مَلَكَهَا وَمَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَ) الْبِئْرُ (غَيْرُ الْعَادِيَّةِ) حَرِيمُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَرِيمِ الْعَادِيَّةِ فَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ " السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْبَدِيءُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ " وَرَوَى الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ: أَنَّ الْبِئْرَ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَارُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ (وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ) مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا (خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) قُلْتُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِذِرَاعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (وَحَرِيمُ نَهْرٍ مِنْ حَافَتَيْهِ مَا يَحْتَاجُ) النَّهْرُ (إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ) أَيْ مَا يُلْقَى مِنْهُ طَلَبًا لِسُرْعَةِ جَرْيِهِ.
(وَطَرِيقِ شَاوِيهِ) أَيْ: قَيِّمِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَالْكِرَايَةُ وَالشَّايُ لَمْ أَجِدْ لَهُمَا أَصْلًا فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَعَلَّهُمَا مُوَلَّدَتَانِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّامِ (وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ) ، وَكَذَا مَا يَرْتَفِقُ بِدُخُولِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعُ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوِهِمَا) قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَالَ:، وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُسَنَّاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ، أَيْ فِي تَنْظِيفِهِ ضَرُورَةً (وَحَرِيمُ شَجَرَةٍ قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا وَ) الْحَرِيمُ (فِي النَّخْلِ)(مَدُّ جَرِيدِهَا) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «اُخْتُصِمَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرَائِدِهَا فَذُرِعَتْ فَكَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، أَوْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَقَضَى بِذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَحَرِيمُ أَرْضٍ) أُحْيِيَتْ (لِزَرْعٍ) قَدْرَ (مَا يَحْتَاجهُ) زَارِعُهَا (لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمَصْرِفِ مَائِهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا (وَحَرِيمُ دَارٍ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ تُرَابٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ وَمَاءٍ وَمِيزَابٍ وَمَمَرٍّ إلَى بَابِهَا) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَرْتَفِقُ بِهِ سَاكِنُهَا.
(وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكِ الْغَيْرِ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ مِنْ الْمَرَافِقِ وَلَا يَرْتَفِقُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ بِهِ (وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (فِي مِلْكِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ بِحَسْبِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَإِنْ تَعَدَّى) الْعَادَةَ (مُنِعَ) التَّعَدِّي، عَمَلًا بِالْعَادَةِ.
(وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا) أَيْ شَرَعَ فِي إحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّهُ (بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَائِهَا، أَوْ أَدَارَ حَوْلَ الْأَرْضِ) الَّتِي أَرَادَ إحْيَاءَهَا (تُرَابًا أَوْ أَحْجَارًا، أَوْ جِدَارًا صَغِيرًا) لَا يَمْنَعُ مَا وَرَاءَهُ (أَوْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرْنُوبِ وَنَحْوِهِمَا
فَشَفَاهُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ أَيْ قَطَعَ الْأَغْصَانَ الرَّدِيئَةَ لِتَخْلُفَهَا أَغْصَانٌ جَيِّدَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ وَأَطَالَ فِيهِ وَذَكَرْنَاهُ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى.
(وَأَصْلَحَهُ وَلَمْ يَرْكَبْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ) بِأَنْ خَنْدَقَ حَوْلَ الْأَرْضِ أَوْ حَرَثَهَا، أَوْ أَدَارَ حَوْلَهَا شَوْكًا أَوْ نَحْوَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ (أَوْ أَقْطَعَهُ لَهُ إمَامٌ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِحْيَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَهُوَ) أَيْ الْمُتَحَجِّرُ (أَحَقُّ بِهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَقَ إلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَ) كَذَا (وَارِثُهُ بَعْدَهُ) يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَرَكَ حَقًّا، أَوْ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُوَرِّثِ فَقَامَ وَارِثَهُ مَقَامَهُ فِيهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَكَذَا مَنْ يَنْقُلُهُ) الْمُتَحَجِّرُ، أَوْ وَارِثُهُ (إلَيْهِ بِغَيْرِ بِيَعٍ) فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَقَامَهُ مَقَامَهُ فِيهِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُتَحَجِّرِ أَوْ وَارِثِهِ أَوْ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِهِمَا بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَشَرْطُ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا.
(فَإِنْ فَإِنْ، أَيْ أَطْعَمَ الزَّيْتُونَ وَالْخَرْنُوبَ) بَعْدَ أَنْ شَفَاهُ وَأَصْلَحَهُ (مَلَكَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَهَيَّأَ بِذَلِكَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ فَهُوَ كَسَوْقِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ (وَ) مَلَكَ أَيْضًا (حَرِيمَهُ) تَبَعًا لَهُ وَتَقَدَّمَ.
(فَإِنْ لَمْ يَتِمّ إحْيَاؤُهُ) أَيْ إحْيَاءُ مَا تَحَجَّرَ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ عُرْفًا كَنَحْوِ ثَلَاثِ سِنِينَ قِيلَ لَهُ) أَيْ: الْمُتَحَجِّرِ (إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ) فَتَمْلِكَهُ (أَوْ تَتْرُكَهُ) لِمَنْ يُحْيِيهِ (إنْ حَصَلَ مُتَشَوِّفٌ لِلْإِحْيَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ، أَوْ مَشْرَعَةِ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ لَا يَنْتَفِعُ وَلَا يَدَعُ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ.
(فَإِنْ طَلَبَ) الْمُتَحَجِّرُ (الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ أُمْهِلَ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً، أَوْ أَقَلَّ عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ) ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَلَا يُمْهَلُ) بَلْ يُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَعْمُر وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَك فَإِنْ لَمْ يَعْمُرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا.
(وَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُتَحَجِّرِ (فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ أَوْ قَبْلَهَا لَمْ يَمْلِكُهُ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» ؛ وَلِأَنَّهُ إحْيَاءٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى.
(وَ) إنْ أَحْيَاهُ أَحَدٌ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ (مَلَكَهُ) مَنْ أَحْيَاهُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا مِلْكَ لَهُ، وَحَقُّهُ زَالَ بِإِعْرَاضِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِمْهَالِ.
(وَمَنْ)(نَزَلَ عَنْ وَظِيفَةٍ) مِنْ إمَامَةٍ إمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ وَنَحْوِهِ (لِزَيْدٍ وَهُوَ) أَيْ زَيْدٌ (لَهَا) أَيْ الْوَظِيفَةِ (أَهْلٌ لَمْ يَتَقَرَّرْ غَيْرُهُ فِيهَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا (فَإِنْ قَرَّرَ هُوَ) أَيْ قَرَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالنَّاظِرِ تَمَّ الْأَمْرُ لَهُ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَرِّرْهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ
(فَهِيَ) أَيْ: الْوَظِيفَةُ (لِلنَّازِلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ (وَقَالَ الشَّيْخُ: لَا يَتَعَيَّنُ الْمَنْزُولُ لَهُ، وَيُوَلِّي مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا) وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ نُزُولُهُ بِعِوَضٍ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَكَلَامُ الشَّيْخِ فِي قَضِيَّةِ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَنْزُولَ لَهُ لَيْسَ أَهْلًا، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النُّزُولَ يُفِيدُ الشُّغُورَ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِشُغُورِهِ إذْ السَّاقِطُ لَا يَعُودُ وَقَوْلُهُ: فِي قَضِيَّةِ عَيْنٍ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَقَالَ فِي الْمُوَضِّحِ: مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: يَسْتَحِقُّهَا مَنْزُولٌ لَهُ إنْ كَانَ أَهَلًا وَإِلَّا فَلِنَاظِرٍ تَوْلِيَةُ مُسْتَحِقِّهَا شَرْعًا انْتَهَى.
وَمِمَّا يُشْبِهُ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ: النُّزُولُ عَنْ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ نُزُولٌ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ يَخْتَصُّ بِهِ لِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ لَهُ اسْتِغْلَالَهُ أَشْبَهَ مُسْتَحِقَّ الْوَظِيفَةِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْخُلْعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ قُلْتُ:، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ النُّزُولُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا بَذَلَهُ مِنْ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.
(وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَمَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ كَالْمُسْتَأْجَرِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَقَرَّهَا بِأَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا كُلَّ عَامٍ، فَمَلَكُوا مَنَافِعَهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَبْذُلُونَهُ (وَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ) فَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِهَا بِالْخَرَاجِ (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخَذُهَا مِنْهُ) أَيْ: مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ وَلَا مِنْ وَرَثَتِهِ (وَدَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ (وَإِنْ نَزَلَ عَنْهَا، أَوْ آثَرَ بِهَا) أَحَدًا (فَالْمَنْزُولُ لَهُ) أَحَقُّ بِهَا (وَالْمُؤْثَرُ أَحَقُّ بِهَا) مِنْ غَيْرِهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ.
(وَمِثْلُهُ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُ لَوْ آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ) أَيْ الْمُؤْثَرِ (سَبْقُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ أَشْبَهَ مَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا، أَوْ سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَوَاتِ (أَوْ آثَرَ بِهِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ سَبْقُهُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ، أَيْ الْمُتَحَجِّرِ فِي أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ وَمَنْ يَنْقُلُهُ إلَيْهِ فِي نُزُولٍ مُسْتَحِقٍّ عَنْ وَظِيفَةٍ لِزَيْدٍ، هَلْ يَتَقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُ؟ (فَمُرَادُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِالتَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النُّزُولُ الْمَذْكُورُ، إمَّا لِسُكُونِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ مَنْ الْمَنْزُولِ لَهُ، أَوْ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ إذَا كَانَ النُّزُولُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْإِمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ الْمُتَحَجِّرَ فَيَجْرِي فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ أَمَّا إذَا تَمَّ النُّزُولُ إمَّا بِالْقَبُولِ) .
مِنْ الْمَنْزُولِ لَهُ (أَوْ الْإِمْضَاءِ) مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ (وَوَقَعَ) الْمَنْزُولُ (الْمَوْقِعَ) لِأَهْلِيَّةِ الْمَنْزُولِ لَهُ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ (فَلَيْسَ لِأَحَدٍ التَّقَرُّرُ) عَنْ الْمَنْزُولِ لَهُ (وَلَا) لِنَاظِرٍ وَلَا غَيْرِهِ (التَّقْرِيرُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَنْزُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَى الْمَنْزُولِ لَهُ عَاجِلًا بِقَبُولِهِ.
وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ نَاظِرٍ وَلَا مُرَاجَعَتِهِ،