الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَفَارَقَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ، وَسَاوَوْهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يَحْمِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «حَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ.
(وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ لَهُ) أَيْ: لِذَلِكَ الْحَامِي نَقْضُهُ (وَ) جَازَ (لِلْإِمَامِ غَيْرُهُ نَقْضُهُ) ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّة اجْتِهَادٌ فِي حِمَاهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ دُونَ غَيْرِهَا (وَ) يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ (يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ بِالْأَحْيَاءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ.
(وَلَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ» .
(وَمَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ إمَامٌ عُزِّرَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَام (وَظَاهِرُهُ: وَلَا ضَمَانَ) عَلَى مَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ الْإِمَامُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ فَقَطْ.
وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " شَرَّكَ النَّاسَ فِيهِ " قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ فَإِنْ خَصَّ بِهِ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ، وَفَقِيرُهُمْ، وَمُنِعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ، وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ.
[بَابُ الْجَعَالَةِ]
ِ بِتَثْلِيثِ الْجِيم رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَعْلِ، بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ يُسَمِّي الْجَعْلَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ الْعَمَلَ، أَوْ مِنْ الْجَعْلِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ يُقَالُ: جَعَلْتُ لَهُ كَذَا أَيْ: أَوْجَبْتُ، وَيُسَمَّى مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ: جَعْلًا، وَجَعَالَةً، وَجَعِيلَةً قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] ،
وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ (وَهِيَ جَعْلُ شَيْءٍ) مِنْ الْمَالِ (مَعْلُومٍ كَأُجْرَةٍ) بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ.
وَ (لَا) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا إنْ كَانَ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ (مَجْهُولًا) كَثُلُثِ مَالِ فُلَانٍ الْحَرْبِيِّ، وَنَحْوِهِ، لِمَنْ يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ (لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلًا مُبَاحًا) مُتَعَلِّقٌ بِجَعْلٍ.
(وَلَوْ) كَانَ الْعَمَلُ الْمُبَاحُ (مَجْهُولًا) كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ لَمْ يَصِفْهَا، وَرَدِّ لُقَطَةٍ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ لَهُ جَائِزَةٌ لِكُلِّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُلْزِمَهُ مَجْهُولًا بِخِلَافِ إجَارَةٍ.
(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُجَاعِلَ (عَلَى) أَنْ يَعْمَلَ لَهُ (مُدَّةً، وَلَوْ مَجْهُولَةً) كَمَنْ حَرَسَ زَرْعِي فَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا (سَوَاءٌ جَعَلَهُ لِمُعَيَّنٍ، بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ تَصِحُّ إجَارَتُهُ) ، وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ لِزَيْدٍ مِثْلًا (إنْ رَدَدْتَ لُقَطَتِي فَلَكَ كَذَا، فَ) يَسْتَحِقُّهُ إنْ رَدَّهَا، وَ (لَا يَسْتَحِقُّ مَنْ رَدَّهَا سِوَاهُ) أَيْ: سِوَى الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا لَمْ يُجَاعِلْهُ عَلَى رَدِّهَا.
وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ إنْسَانٍ فَجَعَلَ لَهُ مَالِكُهَا جُعْلًا لِيَرُدَّهَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ ذِكْرُهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(أَوْ) جَعَلَهُ لِ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ لُقَطَتِي أَوْ وَجَدَهَا) فَلَهُ كَذَا (أَوْ) مَنْ (بَنِي لِي هَذَا الْحَائِطَ أَوْ) مَنْ (رَدَّ عَبْدِي) الْآبِقَ (فَلَهُ كَذَا، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ) مَعَ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا.
(وَيَسْتَحِقُّ) الْعَامِلُ (الْجُعْلَ بِالرَّدِّ) أَيْ: بِعَمَلِ مَا جُوعِلَ عَلَيْهِ كَرَدِّ اللُّقَطَةِ أَوْ الْعَبْدِ، وَبِنَاءِ الْحَائِطِ، وَنَحْوِهِ (وَلَوْ كَانَ) الْمُسَمَّى فِي رَدِّ الْآبِقِ (أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) فِضَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى الْجَاعِلِ بِالْفِعْلِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُسَمَّى (أَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا (فَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (فِي) رَدِّ (الْعَبْدِ) الْآبِقِ (مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ) دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَتُلْغَى التَّسْمِيَةُ قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُبْدِعِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ شَيْئًا مُقَدَّرًا مِنْ الْمَالِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَامِلًا بِوُجُودِ سَبَبِهِ، كَأَدَاءِ رُبُعِ مَالِ الْكِتَابَةِ لِلْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَدَائِهِ مَالَ كِتَابَتِهِ، وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقّ إلَّا الْمُسَمَّى قَالَ فِي التَّنْقِيحِ، وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُنْتَهَى.
(فَمَنْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الْمُسَمَّى عَلَيْهِ الْجُعْلُ (بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ اسْتَحَقَّهُ كَدَيْنٍ) أَيْ: كَسَائِرِ الدُّيُونِ عَنْ الْمُجَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَاسْتَحَقَّ مَا جُعِلَ لَهُ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ.
(وَ) مَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: أَثْنَاءِ الْعَمَلِ الَّذِي سُمِّيَ الْجُعْلُ لِمَنْ عَمِلَهُ (يَسْتَحِقُّ) مِنْ الْجُعْلِ (حِصَّةَ تَمَامِهِ)
أَيْ: الْعَمَلِ إنْ أَتَمَّهُ بِنِيَّةِ الْجُعْلِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ، وَقَعَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَنْهُ عِوَضًا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنَافِعَهُ مُتَبَرِّعًا بِهَا،، وَيَأْتِي مَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ.
(مَثَلًا وَالْجَمَاعَةُ) إنْ فَعَلَتْ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ (تَقْتَسِمُهُ) أَيْ: الْجُعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي الْعَمَلِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ هَذَا الثَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ، فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ دُخُولًا كَامِلًا بِخِلَافِ رَدِّ اللُّقَطَةِ، وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَدًّا كَامِلًا، وَمِنْ نَحْوِ ذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَنْ نَقَبَ السُّورَ فَلَهُ دِينَارٌ فَنَقَبَهُ ثَلَاثَةٌ نَقْبًا وَاحِدًا اشْتَرَكُوا فِي الدِّينَارِ، وَإِنْ نَقَبَ كُلُّ وَاحِدٍ نَقْبًا اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِينَارًا.
(وَإِذَا رَدَّ) الْعَامِلُ اللُّقَطَةَ أَوْ الْعَبْدَ، وَنَحْوَهُمَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحَبْسُ) أَيْ: حَبْسُ الْمَرْدُودِ (عَلَى الْجُعْلِ) فَإِنْ حَبْسَهُ عَلَيْهِ، وَتَلِفَ ضَمِنَهُ.
(وَإِنْ تَلِفَ الْجُعْلُ) بِيَدِ الْمُجَاعِلِ (كَانَ لَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا (فَقِيمَتُهُ) إذَا رَدَّ.
(فَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ) أَيْ: بَيْنَ الْجَمَاعَةِ الْعَامِلِينَ (فَجَعَلَ لِ وَاحِدٍ) عَلَى رَدِّهِ (دِينَارًا، وَ) جَعْلَ (الْآخَرِ) دِينَارَيْنِ (اثْنَيْنِ، وَ) جَعَلَ (لِآخَرَ ثَلَاثَةَ) دَنَانِيرَ (جَازَ) عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ (فَإِنْ) رَدَّهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ جُعْلَهُ، وَإِنْ (رَدَّهُ الثَّلَاثَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ جُعْلِهِ) ، وَإِنْ رَدَّهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ جُعْلِهِ.
وَإِنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمْ دِينَارًا دِينَارًا وَلِلْآخَرَيْنِ عِوَضًا مَجْهُولًا فَرَدُّوهُ، فَلِصَاحِبِ الدِّينَارِ ثُلُثُهُ، وَلِلْآخَرَيْنِ أُجْرَةُ عَمَلِهِمَا.
(وَإِنْ جَعَلَ) رَبُّ الْعَبْدِ الْآبِقِ مِثْلًا (لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ) كَزَيْدٍ (شَيْئًا فِي رَدِّهِ فَرَدَّهُ) ، زَيْدٌ (هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ، وَقَالَا: رَدَدْنَاهُ مُعَاوَنَةً لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ مَثَلًا (اسْتَحَقَّ) زَيْدٌ (جَمِيعَ الْجُعْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا تَبَرَّعَا بِعَمَلِهِمَا (وَإِنْ قَالَا: رَدَدْنَاهُ لِنَأْخُذَ الْعِوَضَ لِأَنْفُسِنَا، فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا عَمِلَا مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ (وَلَهُ) أَيْ: زَيْدٍ (ثُلُثُ الْجُعْلِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ ثُلُثَ الْعَمَلِ.
(وَإِنْ نَادَى غَيْرُ صَاحِبِ الضَّالَّةِ، فَقَالَ مَنْ رَدِّهَا فَلَهُ دِينَارٌ، فَرَدَّهَا رَجُلٌ) أَوْ امْرَأَةٌ (فَالدِّينَارُ عَلَى الْمُنَادِي؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ) أَيْ: الْتَزَمَ (الْعِوَضَ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُنَادِي غَيْرِ رَبِّ الضَّالَّة (فِي النِّدَاءِ قَالَ فُلَانٌ مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ دِينَارٌ) دِينَارٌ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّهَا قَالَ ذَلِكَ (فَرَدَّهَا رَجُلٌ لَمْ يَضْمَنْ الْمُنَادِي) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ (الْعِوَضَ) ، وَالرَّادُّ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ.
(وَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ: الْعَبْدَ، وَنَحْوَهُ (مَنْ دُونِ الْمَسَافَةِ الْمُعَيَّنَةِ، كَأَنْ قَالَ) رَبُّ آبِقٍ مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ بَلَدِ كَذَا فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّهُ إنْسَانٌ (مِنْ بَعْضِ طَرِيقِهِ) أَيْ: طَرِيقِ الْبَلَدِ الْمُسَمَّى (فَ) إنَّهُ يَسْتَحِقُّ (بِالْقِسْطِ) مِنْ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي رَدَّ مِنْهُ نِصْف الْمَسَافَةِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِهِ.
(وَ) إنْ رَدَّهُ (مِنْ) مَوْضِعٍ (أَبْعَدَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْبَلْدَةِ الْمُسَمَّاةِ (لَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَلزَّائِدَ عَلَى الْمَسَافَةِ عِوَضًا، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الرَّادُّ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئًا.
(وَإِنْ رَدَّهُ) الْعَامِلُ (مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الْمُسَمَّى) الْمُسَمَّى وَمِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ (فَلَا شَيْءَ
لَهُ) ؛ لِأَنَّ رَبَّهُ لَمْ يَجْعَل عَلَى رَدِّهِ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ عِوَضًا، فَالرَّادُّ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ (كَمَا لَوْ جَعَلَ) رَبُّ آبِقَيْنِ (لَهُ فِي رَدِّ أَحَدِ عَبْدَيْهِ) كَسَالِمٍ شَيْئًا (مُعَيَّنًا، فَرَدَّ) الْعَبْدَ (الْآخَرَ) فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنَ قُلْت بَلْ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ، وَكَذَا الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ آبِقَيْنِ: (مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ فَلَهُ كَذَا، فَرَدَّ أَحَدَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ الْجَعَالَة) ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ نِصْفَهَا، وَيَأْتِي لَوْ هَرَبَ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا.
(وَمَنْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْعَمَلَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ (قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ لَمْ يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ: الْجَعْلَ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِعَمَلِهِ (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (أَخْذُهُ) أَيْ: الْجَعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ.
(وَسَوَاءٌ رَدَّهُ) قَبْل بُلُوغِ الْجُعْلِ أَوْ بَعْدَهُ؛ إذْ الْجُعْلُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ لَا التَّسْلِيمِ أَيْ: سَلَّمَ الْمَرْدُودَ، وَنَحْوَهُ.
(وَيَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ) كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ خَاطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ فَلَهُ كَذَا، فَإِنْ أَتَى بِهِ فِيهَا اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فِيهَا، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ بِخِلَافِ الْإِجَارَة، فَالْجَعَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَوْعَ إجَارَةٍ، لَكِنْ تُخَالِفُهَا فِي أَشْيَاءَ، مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَمِنْهَا أَنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْفِعْلَ، وَأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَقَعُ لَا مَعَ مُعَيَّنٍ، كَمَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا.
(وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْإِجَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْجَعَالَةِ) فَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ لِعَامِلِ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ، كَاسْتِئْجَارِهِ بِذَلِكَ مُفْرَدًا أَوْ مَعَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، وَتَزِيدُ الْجَعَالَةُ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ، وَتَقَدَّمَ.
(وَكُلّ مَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَعْمَالِ جَازَ أَخْذُهُ) أَيْ: الْعِوَضِ (عَلَيْهِ فِي الْجَعَالَةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ كَالْغِنَاءِ، وَالزَّمْرِ، وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .
(وَالْعُدْوَانِ وَمَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ) بِأَنْ اشْتَرَطَ إسْلَامَ فَاعِلِهِ (مِمَّا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُعْلِ عَلَيْهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ (فَأَمَّا مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَالْأَذَانِ، وَنَحْوِهِ) كَتَعْلِيمِ فِقْهٍ، وَقُرْآنٍ، وَقَضَاءٍ، وَإِفْتَاءٍ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ، وَرُقْيَةٍ (فَيَجُوزُ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (وَتَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ) مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ جَعَلَ) لِمَنْ عَمِلَ لَهُ عَمَلًا (عِوَضًا مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ نِصْفُهُ أَوْ مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ ثُلُثُهَا أَوْ فَلَهُ ثَوْبٌ، وَنَحْوُهُ) مِنْ الْمَجْهُولَاتِ (أَوْ) جَعَلَ لَهُ عِوَضًا (مُحَرَّمًا كَالْخَمْرِ فَلَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ.
(وَإِنْ قَالَ مَنْ دَاوَى لِي هَذَا) الْجَرِيحَ (حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ) دَاوَى هَذَا الْمَرِيضَ حَتَّى يَبْرَأ مِنْ (مَرَضِهِ أَوْ)
دَاوَى هَذَا الْأَرْمَدَ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ (رَمَدِهِ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ فِيهَا مُطْلَقًا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَغَيْرِهِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْجَعَالَةُ (عَقْدٌ جَائِزٌ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْجَاعِلِ، وَالْمَجْعُولِ لَهُ الْمُعَيَّنَ (فَسْخُهَا) مَتَى شَاءَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ.
(فَإِنْ فَسَخَهَا الْعَامِلُ) ، وَلَوْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْعَمَلِ (لَمْ يَسْتَحِقَّ) لِمَا عَمِلَهُ (شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِمَا شُرِطَ عَلَيْهِ، كَعَامِلِ الْمُسَاقَاةِ.
(وَإِنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ) قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ) مِثْلِ (عَمَلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَكَانَ لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَمَا عَمِلَهُ بَعْد الْفَسْخِ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ.
وَإِنْ زَادَ الْجَاعِلُ أَوْ نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ جَازَ، وَعُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ فَجَازَ فِيهِ ذَلِكَ كَالْمُضَارَبَةِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلِ) أَيْ: التَّسْمِيَةِ بِأَنْ أَنْكَرَهَا أَحَدُهُمَا (فَقَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) أَيْ: الْجُعْلِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ (الْمَسَافَةِ) بِأَنْ قَالَ الْجَاعِلُ: جَعَلْتُ ذَلِكَ لِمَنْ رَدَّهُ مِنْ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ، فَقَالَ الْعَامِلُ: بَلْ مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ مَثَلًا (فَقَوْلُ جَاعِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْعَامِلُ زِيَادَةً عَمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْن الْعَبْدِ الَّذِي جُعِلَ الْعِوَضُ فِي رَدِّهِ.
(وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِغَيْرِ جُعْلٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنْفَعَتَهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الْعَامِلُ (مُعَدًّا لِأَخَذِ الْأُجْرَةِ فَإِنْ كَانَ) مُعَدًّا لِذَلِكَ (كَالْمَلَّاحِ، وَالْمُكَارِي، وَالْحَجَّامِ، وَالْقَصَّارِ، وَالْخَيَّاطِ، وَالدَّلَّالِ، وَنَحْوِهِمْ) كَالنَّقَّادِ، وَالْكَيَّالِ، وَالْوَزَّانِ، وَشِبْهِهِمْ (مِمَّنْ يَرْصُدُ نَفْسَهُ لِلتَّكَسُّبِ بِالْعَمَلِ، وَأَذِنَ لَهُ) الْمَعْمُول فِي الْعَمَلِ (فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ (وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي الْإِجَارَةِ) .
(إلَّا فِي تَخْلِيصِ مَتَاعِ غَيْرِهِ مِنْ بَحْرٍ أَوْ فَمِ سَبْعٍ أَوْ فَلَاةٍ، وَلَوْ) كَانَ الْمُخَلَّصُ (عَبْدًا فَلَهُ) أَيْ: الْعَامِلِ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى هَلَاكَهُ، وَتَلَفُهُ عَلَى مَالِكِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ فَخَلَّصَ قَوْمٌ الْأَمْوَالَ مِنْ الْبَحْرِ فَتَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُلَّاكِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا، وَتَرْغِيبًا فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْهَلَكَةِ، فَإِنَّ الْغَوَّاصَ إذَا عَلِمَ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ، وَبَادَرَ إلَى التَّخْلِيصِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ.
(وَإِلَّا فِي رَدِّ آبِقٍ مِنْ قِنٍّ مَثَلًا وَمُدَبَّرٍ مَثَلًا وَأُمِّ وَلَدٍ إذَا كَانَ) الرَّادُّ (غَيْرَ الْإِمَامِ فَلَهُ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ دِينَارٌ، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مُرْسَلًا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا» ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَصِيَانَةُ الْعَبْدِ عَمَّا يُخَافُ مِنْ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَعَلَى الْأُوَلِ فَإِنْ رَدَّهُ الْإِمَامُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي رَدِّهِ نَصًّا لِانْتِصَابِهِ لِلْمَصَالِحِ، وَلَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى ذَلِكَ (سَوَاءٌ رَدَّهُ) أَيْ: الْآبِقَ (مِنْ دَاخِلِ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ) الْآبِقُ (يُسَاوِي الْمِقْدَارَ) الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِعُ (أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ) الرَّادُّ (زَوْجًا لِلرَّقِيقِ) الْآبِقِ (أَوْ ذَا رَحِمٍ فِي عِيَالِ الْمَالِك أَوْ لَا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ " تَنْبِيهٌ " يُقَالُ: أَبَقَ الْعَبْدُ، إذَا هَرَبَ مِنْ سَيِّدِهِ - بِفَتْحِ الْبَاء - يَأْبِق، بِكَسْرِهَا، وَضَمِّهَا فَهُوَ آبِقٌ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: فِي سِرِّ اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ آبِقٌ إلَّا إذَا كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا كَدٍّ فِي الْعَمَلِ، وَإِلَّا فَهُوَ هَارِبٌ.
(وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ وُصُولِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) إلَيْهِ (عَتَقَا) إنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ: لِرَادِّهِمَا فِي نَظِيرِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَتِمْ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ لَا يُسَمَّى آبِقًا (وَيَأْخُذُ) رَادُّ الْآبِقِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ تَرِكَتِهِ (مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ) .
(وَ) مَا أَنْفَقَ عَلَى (دَابَّةٍ) يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا " (فِي قُوتٍ، وَعَلَفٍ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ) الْمُنْفِقُ (الْمَالِكَ) فِي الْإِنْفَاقِ (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الِاسْتِئْذَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، لِحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَحَثًّا عَلَى صَوْنِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، وَنَحْوِهَا (حَتَّى، وَلَوْ هَرَبَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ وَاجِدِهِ (فِي طَرِيقِهِ أَوْ مَاتَ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ هَرَبِهِ) أَوْ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ مَأْذُونٌ فِيهَا شَرْعًا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا كَرَدِّهِ مِنْ غَيْرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ أَوْ هَرَّبَهُ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ (مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ) فَلَا نَفَقَةَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِالْعَمَلِ التَّبَرُّعَ، وَلَا أُجْرَة لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، وَنَحْوِهَا (لَكِنْ لَا جُعْل لَهُ إذَا هَرَبَ) الْآبِقُ مِنْهُ (قَبْلَ تَسْلِيمِهِ) لِسَيِّدِهِ (أَوْ مَاتَ) الْآبِقُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ.
(وَلَوْ أَرَادَ) وَاجِدُ الْآبِقِ (اسْتِخْدَامَهُ بَدَلَ النَّفَقَةِ لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ (كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ) ، وَأَوْلَى.
(وَمَنْ أَخَذَ الْآبِقَ أَوْ) أَخَذَ غَيْرَهُ مِنْ الْمَالِ الضَّائِعِ لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ (فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إنْ تَلِفَ) قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ رَدِّهِ (مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ) ، وَلَا تَعَدٍّ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِأَخْذِهِ.
(وَإِنْ وَإِنْ وَجَدَ)