الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْوَلَاءِ لِمَوَالِيهَا وَهُمْ أُخْتُهَا الصُّغْرَى وَمَوَالِي أُمِّهَا مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لِمَوَالِي الْأُمِّ نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبْعُ، وَلِلصُّغْرَى نِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبْعُ فَهَذَا الرُّبْعُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مَالِ الصُّغْرَى إلَى مَوَالِي أُخْتِهَا الْكُبْرَى ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِنِصْفِ أُخْتِهَا وَهَذَا هُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ فَيَكُونُ لِمَوَالِي الْأُمِّ) .
وَلَوْ اشْتَرَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ أَبَاهَا وَحْدَهَا عَتَقَ عَلَيْهَا وَجَرَّ إلَيْهَا وَلَاءَ أُخْتِهَا فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ فَلِابْنَتَيْهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَالْبَاقِي لِمُعْتِقِهِ بِالْوَلَاءِ فَإِنْ مَاتَتْ الَّتِي لَمْ تَشْتَرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَا لَهَا لِأُخْتِهَا نِصْفُهُ بِالنَّسَبِ وَنِصْفُهُ بِالْوَلَاءِ لِكَوْنِهَا مَوْلَاةُ أَبِيهَا وَلَوْ مَاتَتْ الَّتِي اشْتَرَتْهُ فَلِأُخْتِهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِمَوَالِي أُمِّهَا.
(وَلَوْ اشْتَرَى ابْنُ) مُعْتِقِهِ (وَبِنْتُ مُعْتِقِهِ أَبَاهُمَا) نِصْفَيْنِ (عَتَقَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ (وَثَبَتَ وَلَاؤُهُ لَهُمَا نِصْفَيْنِ) لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ بِحَسَبِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ (وَجَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ تَابِعٌ لِوَلَاءِ الْوَالِدِ (وَيَبْقَى نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ وَلَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (لِمَوَالِي أُمِّهِ) أَيْ أُمِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ (فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَرِثَاهُ) أَيْ ابْنُهُ وَبِنْتُهُ (بِالنَّسَبِ أَثْلَاثًا) لِأَنَّ عَصَبَةَ النَّسَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ وَمِيرَاثُ النَّسَبِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَبِ (وَرِثَهَا أَخُوهَا بِالنَّسَبِ) لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلَاءِ (فَإِذَا مَاتَ أَخُوهَا) بَعْدَهَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا مِنْ النَّسَبِ (فَمَالُهُ لِمَوَالِيهِ وَهُمْ) أَيْ مَوَالِيه (أُخْتُهُ وَمَوَالِي أُمِّهِ فَلِمَوَالِي أُمِّهِ النِّصْفُ وَلِمَوَالِي أُخْتِهِ النِّصْفُ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (وَهُمْ) أَيْ مَوَالِي الْأُخْتِ (الْأَخُ وَمَوَالِي الْأُمِّ، فَلِمَوَالِي أُمِّهَا نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ النِّصْفِ (وَهُوَ الرُّبْعُ) أَيْ رُبْعُ التَّرِكَةِ لِأَنَّ وَلَاءَ الْأُخْتِ بَيْنَ الْأَخِ وَمَوَالِي الْأُمِّ نِصْفَيْنِ (يَبْقَى) مِنْ التَّرِكَةِ (الرُّبْعُ وَهُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ) مِنْ الْوَلَاءِ (لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ تَرِكَةِ الْأَخِ وَعَادَ إلَيْهِ فَيَكُونُ لِمَوَالِي أُمِّهِ) وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ دَائِرًا أَنَّهُ يَدُورُ أَبَدًا فِي كُلِّ دَوْرَةٍ يَصِيرُ لِمَوَالِي الْأُمِّ نِصْفُهُ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْفَدَ كُلُّهُ إلَى مَوَالِي أُمِّهِ.
[كِتَابُ الْعِتْقِ]
(كِتَابُ الْعِتْقِ)(وَهُوَ) لُغَةً الْخُلُوصُ وَمِنْهُ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَعِتَاقُ الطَّيْرِ، أَيْ خَالِصِهَا وَسُمِّيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ عَتِيقًا لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَشَرْعًا (تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنْ الرِّقِّ)
وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعِتْقُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَإِذَا عَتَقَ صَارَ كَأَنَّ رَقَبَتَهُ أُطْلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَعْتَقْته، فَهُوَ عَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَهُمْ عُتَقَاءُ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ وَعَتِيقَةٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ وَسَنَدُهُ مِنْ الْكِتَابِ: قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92](1) وَقَوْلُهُ {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13](2) وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ وَالْفَرْجُ بِالْفَرْجِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ سِوَى هَذَا (وَهُوَ) أَيْ الْعِتْقُ (مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَكَفَّارَةً لِلْأَيْمَانِ وَجَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنْ النَّارِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ وَمِلْكَهُ نَفْسَهُ وَمَنَافِعَهُ، وَتَكْمِيلُ أَحْكَامِهِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ عَلَى حَسَبِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: هُوَ أَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(وَأَفْضَلُ الرِّقَابِ) لِمَنْ أَرَادَ الْعِتْقَ (أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) أَيْ أَعْظَمُهَا وَأَعَزُّهَا فِي نَفْسِ أَهْلِهَا (وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرَةً وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ، لَكِنْ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ قَالَ فِي الْفُنُونِ: لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ وَاحْتَجَّ بِهِ وَبِرِقِّ الذُّرِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ بَلْ مِحْنَةٌ وَبَلْوَى (وَعِتْقُ الذَّكَرِ وَلَوْ لِأُنْثَى) أَيْ وَلَوْ كَانَ مُعْتِقُ الذَّكَرِ أُنْثَى (أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى) لِفَضْلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى (وَهُمَا) أَيْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (فِي الْفِكَاكِ مِنْ النَّارِ إذَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ سَوَاءٌ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً» - الْحَدِيثَ " وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفِكَاكُ مِنْهَا بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ قُلْنَا يُثَابُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَالتَّعَدُّدُ فِي الْعِتْقِ) وَلَوْ مِنْ إنَاثٍ (أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْوَاحِدِ) وَلَوْ ذَكَرًا (بِذَلِكَ الْمَالِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ عَدَدٍ مَعْصُومٍ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ.
(وَيُسْتَحَبُّ عِتْقُ) مَنْ لَهُ كَسْبٌ وَدِينٌ لِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ كَسْبِهِ بِالْعِتْقِ (وَ) يُسْتَحَبُّ (كِتَابَةُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ وَدِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَلِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ كَسْبِهِ بِالْعِتْقِ.
(وَيُكْرَهُ عِتْقُ مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ وَلَا كَسْبٌ)
لِسُقُوطِ نَفَقَتِهِ بِإِعْتَاقِهِ فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْمَسْأَلَةِ وَكَذَا كِتَابَتُهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الرَّقِيقُ (مِمَّنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرْكِ إسْلَامِهِ، أَوْ) يُخَافُ عَلَيْهِ (الْفَسَادُ مِنْ قَطْعِ طَرِيقٍ وَسَرِقَةٍ أَوْ يُخَافُ عَلَى الْجَارِيَةِ الزِّنَا وَالْفَسَادُ كُرِهَ إعْتَاقُهُ) لِئَلَّا يَكُونَ وَسِيلَةً إلَى مُحَرَّمٍ (وَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ) أَيْ الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرْكُ الْإِسْلَامِ أَوْ الْفَسَادُ مِنْ قَطْعِ طَرِيقٍ وَسَرِقَةٍ أَوْ الزِّنَا (مِنْهُ) أَيْ الرَّقِيقِ حُرِّمَ عِتْقُهُ (أَوْ ظَنَّهُ) أَيْ ظَنَّ السَّيِّدُ وُقُوعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الرَّقِيقِ (حُرِّمَ) عِتْقُهُ، لِأَنَّ التَّوَسُّلَ إلَى الْمُحَرَّمِ حَرَامٌ.
(وَ) إنْ أَعْتَقَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ ذَلِكَ مِنْهُ (صَحَّ) الْعِتْقُ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَنَفَذَ كَعِتْقِ غَيْرِهِ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ وَاسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً) كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا صَحَّ كَبَيْعِهِ كَذَلِكَ (أَوْ) أَعْتَقَهُ وَ (اسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ) لِلْمُعْتِقِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَحَّ) مَا ذَكَرَ مِنْ الْعِتْقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ «أُمَّ سَلَمَةَ أَعْتَقَتْ سَفِينَةَ وَاشْتَرَطَتْ خِدْمَتَهُ لَهُ صلى الله عليه وسلم مَا عَاشَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِمَّنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ) قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ زَادَ فِي الْفَائِقِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ يَصِحُّ عِتْقُ مَنْ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَالَ النَّاظِمُ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَطَعَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا عِتْقَ لِمُمَيِّزٍ وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ خِلَافٍ مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَأَثْبَتَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْخِلَافَ.
(وَلَا يَصِحُّ) الْعِتْقُ (مِنْ سَفِيهٍ) كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مِنْهُ (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (مِنْ مَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُهُ (وَلَا) يَصِحُّ عِتْقٌ أَيْضًا (مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِإِذْنِهِ) كَبَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَصَدَقَةٍ بِهِ (وَلَا أَنْ يُعْتِقَ) أَبٌ (عَبْدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ك) مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ وَلَدِهِ (الْكَبِيرِ وَلَا) عَبْدَ وَلَدِهِ (الْمَجْنُونِ وَلَا) أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ (يَتِيمِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (عِتْقُ) الْعَبْدِ (الْمَوْقُوفِ) وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ مَنْ يَأْتِي مِنْ الْبُطُونِ بَعْدَهُ بِهِ.
(وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ) أَوْ امْرَأَةٌ (لِعَبْدِ غَيْرِهِ) أَوْ أَمَتِهِ (أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي فَلَغْوٌ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا يَمْلِكُ مَالَ غَيْرِهِ بِبَذْلِ عِوَضِهِ (فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ مَالِي (فَهُوَ مَمْلُوكُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَعْلِيقٌ لِعِتْقِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا نَذْرَ لِعِتْقِهِ.
(وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ وَ) يَحْصُلُ أَيْضًا (بِالْمِلْكِ) لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَبِاسْتِيلَادٍ إذَا مَاتَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَبِالتَّمْثِيلِ وَيَأْتِي وَ (لَا) يَحْصُلُ (بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ،
فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ كَالطَّلَاقِ (فَأَمَّا الْقَوْلُ ف) لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَ (صَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَ) لَفْظُ (الْحُرِّيَّةِ) لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِمَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا (كَيْفَ صُرِفَا، نَحْوَ) قَوْلِهِ لِرَقِيقِهِ (أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ) أَنْتَ (مُحَرَّرٌ) أَوْ حَرَّرْتُك (أَوْ) أَنْتَ (عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ) قَالَ لَهُ (أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا (الْمَكَانِ) أَوْ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَيُعْتَقُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان لَا يَعُودُ رَقِيقًا فِي غَيْرِهِمَا (أَوْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ (أَعْتَقْتُك) فَيُعْتَقُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ) كَانَ (هَازِلًا) كَالطَّلَاقِ (وَلَوْ تَجَرَّدَ) مَا سَبَقَ مِنْ لَفْظِ الصَّرِيحِ (عَنْ النِّيَّةِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ فَإِذَا هِيَ جَارِيَتُهُ قَالَ: قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ: مُرُّوا أَنْتُمْ أَحْرَارٌ وَكَانَ فِيهِمْ أُمُّ وَلَدٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا قَالَ: هَذَا بِهِ عِنْدِي تُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِهِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ الْعِتْقُ (مِنْ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمُبَرْسَمٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ مَا يَقُولُونَ قَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت نِيَّةُ قَصْدِ اللَّفْظِ مُعْتَبَرَةٌ تَحَرُّزًا مِنْ النَّائِمِ وَنَحْوِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ النَّفَاذِ وَلَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ فَيَقَعُ عِتْقُ الْهَازِلِ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ: نِيَّةُ قَصْدِ اللَّفْظِ أَيْ إرَادَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ فَلَا عَتَاقَ لِحَاكٍ وَفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ وَنَائِمٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ التَّصَرُّفِ لَفْظَ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَاسْمِ فَاعِلٍ) فَمَنْ قَالَ لِرَقِيقِهِ حَرِّرْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ، أَوْ أُحَرِّرُهُ أَوْ أُعْتِقُهُ، أَوْ هَذَا مُحَرِّرٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَوْ هَذَا مُعْتِقٌ بِكَسْرِ التَّاءِ لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبٌ وَوَعْدٌ وَخَبَرٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهَا صَالِحًا لِلْإِنْشَاءِ وَلَا إخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فَإِنْ قَالَ: أَنْتَ عَاتِقٌ، فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ يُعْتَقُ بِذَلِكَ.
(وَإِنْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ أَنْتَ حُرٌّ، وَ (قَصَدَ بِلَفْظِ الْحُرِّيَّةِ عِفَّتَهُ وَكَرَمَ أَخْلَاقِهِ) لَمْ يُعْتَقْ (أَوْ) قَصَدَ (بِقَوْلِهِ) لِرَقِيقِهِ (مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) غَيْرَ مَعْنَاهُ كَأَنْ (يُرِيدَ بِهِ عَدَمَ طَاعَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَقْ) قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، أَوْ كَلَامٌ شِبْهُ هَذَا: رَجَوْت أَنْ لَا يُعْتَقَ وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ وَبَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا أَرَادَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ تُمْدَحُ بِمِثْلِ هَذَا يُقَالُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ، يَعْنُونَ عَفِيفَةً وَتُمْدَحُ الْمَمْلُوكَةُ أَيْضًا بِذَلِكَ وَيُقَالُ لِكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ حُرٌّ قَالَتْ سُبَيْعَةُ تُرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ:
وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ
…
وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ
(وَلَوْ أَرَادَ الْعَبْدُ إحْلَافَهُ) أَيْ إحْلَافَ سَيِّدِهِ أَنَّهُ نَوَى بِحُرِّيَّتِهِ مَا ذَكَرَ (فَلَهُ ذَلِكَ) فَيَحْلِفُ السَّيِّدُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْعَبْدِ فَعَلَى هَذَا إنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ.
(وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الْعِتْقِ (خَلَّيْتُك وَالْحَقْ بِأَهْلِك وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْت، وَأَطْلَقْتُك وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَلَا سَبِيلَ) لِي عَلَيْك (وَلَا مِلْكَ) لِي عَلَيْك (وَلَا رِقَّ) لِي عَلَيْك (وَلَا سُلْطَان) لِي عَلَيْك (وَلَا خِدْمَةَ لِي عَلَيْك، وَفَكَكْت رَقَبَتَك، وَأَنْتَ مَوْلَايَ، وَأَنْتَ لِلَّهِ وَوَهَبْتُك لِلَّهِ، وَرَفَعْت يَدِي عَنْك إلَى اللَّهِ، أَنْتِ سَائِبَةٌ، وَمَلَّكْتُك نَفْسَك وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ) أَنْتِ (حَرَامٌ) فِي الِانْتِصَارِ: وَكَذَا اعْتَدِّي وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الظِّهَارِ.
(وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِكِبَرِهِ أَوْ صِغَرِهِ وَنَحْوِهِ) كَكَوْنِهِ مَمْسُوحًا (أَنْتَ ابْنِي أَوْ) أَنْتَ (أَبِي فَلَا يُعْتَقُ) بِهَا أَيُّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْكِنَايَاتِ (مَا لَمْ يَنْوِ عِتْقَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ فَلَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
(وَإِنْ) قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ أَبِي أَوْ ابْنِي وَ (أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ عَتَقَ) نَوَاهُ أَوْ لَا (وَلَوْ كَانَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ) لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.
(وَإِنْ قَالَ) لِرَقِيقِهِ (أَعْتَقْتُك مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ أَوْ) قَالَ لَهُ (أَنْتَ حُرٌّ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ وَنَحْوَهُ) مِمَّا هُوَ مَعْلُومُ الْكَذِبِ لَمْ يُعْتَقْ (أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتَ ابْنِي، أَوْ لِعَبْدِهِ: أَنْتِ ابْنَتِي لَمْ يُعْتَقْ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُحَالٌ مِنْ الْكَلَامِ وَكَذِبٌ يَقِينًا قُلْت: وَإِنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ عَتَقَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ: أَنْتَ ابْنِي.
(وَإِنْ أَعْتَقَ) أَمَةً (حَامِلًا عَتَقَ جَنِينُهَا) لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَتَبِعَهَا فِي الْعِتْقِ (إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ) أَيْ الْحَمْلَ فَلَا يُعْتَقُ لِإِخْرَاجِهِ إيَّاهُ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْحَمْلِ فِي الْعِتْقِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْعِتْقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَيُفَارِقُ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْمُعَوَّضِ، لِيُعْلَمَ هَلْ قَامَ مَقَامَ الْعِوَضِ أَوْ لَا؟ وَالْعِتْقُ تَبَرُّعٌ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمُعْتَقِ وَلَا تُنَافِيه الْجَهَالَةُ بِهِ وَيَكْفِي الْعِلْمُ بِوُجُودِهِ وَقَدْ وُجِدَ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا) بِأَنْ قَالَ: أَعْتَقْت حَمْلَك (عَتَقَ) حَمْلُهَا (وَحْدَهُ) وَلَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ إلَى أُمِّهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ) أَيْ الْمُعْتِقُ (مُوسِرٌ) بِقِيمَةِ الْحَمْلِ (ك) الْحَمْلِ (الْمُوصِي بِهِ) إذَا أَعْتَقَ الْوَارِثُ الْمُوسِرُ أَمَتَهُ (عَتَقَ الْحَمْلُ) تَبَعًا لِأُمِّهِ بِالسِّرَايَةِ.
(وَضَمِنَ) الْمُعْتِقُ (قِيمَتَهُ) لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ، لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ قُلْت: وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ وَضْعِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتٍ يَتَأَتَّى تَقْوِيمُهُ فِيهِ.
(وَأَمَّا الْمِلْكُ) الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ (فَمَنْ مَلَكَ) مَنْ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَغَيْرُهُ
(ذَا رَحِمٍ) أَيْ قَرَابَةٍ (مَحْرَمٍ) وَهُوَ الَّذِي لَوْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى حُرِّمَ نِكَاحُهُ عَلَيْهِ لِلنَّسَبِ بِخِلَافِ وَلَدِ عَمِّهِ وَخَالِهِ وَلَوْ كَانَ أَخَاهُ مِنْ رَضَاعٍ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالرَّضَاعِ لَا بِالنَّسَبِ.
(وَلَوْ) كَانَ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (مُخَالِفًا لَهُ فِي الدِّينِ) وَقَوْلُهُ (بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ جَعَالَةٍ وَنَحْوِهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَلَكَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْلُوكُ الْمَحْرَمُ بِالْقَرَابَةِ (حَمْلًا) كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَةَ ابْنِهِ الْأَمَةَ الَّتِي هِيَ حَامِلٌ مِنْ ابْنِهِ (عَتَقَ عَلَيْهِ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سُمْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فَيَشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ بِشِرَائِهِ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ وَالضَّرْبُ هُوَ الْقَتْلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَحْصُلُ بِهِ الْعِتْقُ تَارَةً دُونَ أُخْرَى جَازَ عَطْفُ صِفَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: ضَرَبَهُ فَأَطَارَ رَأْسَهُ وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ أَنَّهُ أَيْ الْعِتْقَ بِالْمِلْكِ آكَدُ مِنْ التَّعْلِيقِ فَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ ذِي رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ عَلَى مِلْكِهِ فَمَلَكَهُ عَتَقَ بِمِلْكِهِ لَا بِتَعْلِيقِهِ.
وَ (لَا) يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ ذُو رَحِمٍ (غَيْرُ مَحْرَمٍ) كَوَلَدِ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَوَلَدِ خَالِهِ وَخَالَتِهِ (وَلَا) يُعْتَقُ أَيْضًا بِالْمِلْكِ (مَحْرَمٌ بِرَضَاعٍ) كَأُمِّهِ مِنْهُ وَأُخْتِهِ مِنْهُ وَعَمَّتِهِ مِنْهُ وَخَالَتِهِ مِنْهُ (أَوْ) مَحْرَمٌ بِ (مُصَاهَرَةٍ) كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَحَلَائِلِ عَمُودِيِّ النَّسَبِ فَلَا يُعْتَقُونَ بِالْمِلْكِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي عِتْقِهِمْ وَلَا هُمْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فَيَبْقَوْنَ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَإِنْ مَلَكَ) إنْسَانٌ (وَلَدَهُ وَإِنْ نَزَلَ) مِنْ زِنًا لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ (أَوْ) مَلَكَ (أَبَاهُ) وَإِنْ عَلَا (مِنْ الزِّنَا لَمْ يُعْتَقْ) عَلَيْهِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ وَوُجُوبُ الْإِنْفَاقِ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا فِي كَوْنِهِ أَبًا وَلَا فِي كَوْنِهِ ابْنًا فَكَذَا فِي الْعِتْقِ.
(وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا) أَيْ جُزْءًا وَإِنْ قَلَّ (مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ) مُتَعَلِّقٍ بِمِلْكٍ (وَهُوَ) أَيْ الْمَالِكُ لِجُزْءٍ مِنْ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ (مُوسِرٌ) بِقِيمَةِ بَاقِيه (عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ الَّذِي مَلَكَ جُزْأَهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ سَبَبَ الْعِتْقِ اخْتِيَارًا مِنْهُ وَقَصَدَ إلَيْهِ فَسَرَى عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مُشْتَرَكٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا قِيمَةَ النِّصْفِ وَرَدَّهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَحْمَدَ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَلْ يَقُومُ كَامِلًا وَلَا عِتْقَ فِيهِ، أَوْ قَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي
قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيمَا أَظُنُّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ إنَّمَا هُوَ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لَا قِيمَةِ النِّصْفِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَرَادَ الْبَيْعَ فَإِنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ انْتَهَى وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَعْتَقَ شِرْكًا فِي عَبْدٍ وَهُوَ مُوسِرٌ عَلَى مَا يَأْتِي قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيه كُلِّهِ (عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ) مِمَّنْ مَلَكَ جُزْأَهُ بِغَيْرِ إرْثٍ (وَالْمُوسِرُ هُنَا الْقَادِرُ حَالَةَ الْعِتْقِ عَلَى قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِالسِّرَايَةِ (وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ (كَفِطْرَةٍ) أَيْ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ يَوْمَ الْعِتْقِ وَلَيْلَتَهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الَّذِي مَلَكَ جُزْءًا مِنْ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ (مُعْسِرًا) فَلَمْ يَمْلِكْ مِنْ قِيمَةِ بَاقِيه شَيْئًا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ سِوَى مَا مَلَكَهُ (أَوْ مَلَكَهُ) أَيْ جُزْءًا مِنْ رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ (بِالْمِيرَاثِ وَلَوْ) كَانَ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ بَاقِيه (لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَلَكَ) مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَى إعْتَاقِهِ لِحُصُولِ مِلْكِهِ بِدُونِ فِعْلِهِ وَقَصْدِهِ.
(وَإِنْ مَثَّلَ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: مَثَّلْت بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ تَمْثِيلًا إذَا قَطَعْت أَطْرَافَهُ وَبِالْعَبْدِ إذَا جَدَعْت أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ وَنَحْوَهُ (بِرَقِيقِهِ وَلَوْ) كَانَ تَمْثِيلُهُ بِهِ (بِلَا قَصْدٍ فَقَطَعَ أَنْفَهُ، أَوْ) قَطَعَ (أُذُنَهُ، أَوْ) قَطَعَ (عُضْوًا مِنْهُ) كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ (أَوْ جَبَّهُ) بِأَنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ (أَوْ خَصَاهُ) بِأَنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْهِ (أَوْ خَرَقَ) عُضْوًا مِنْهُ (أَوْ أَحْرَقَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (عُضْوًا مِنْهُ) أَيْ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ (أَوْ وَطِئَ) سَيِّدٌ (جَارِيَتَهُ الْمُبَاحَةَ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا) أَيْ خَرَقَ مَا بَيْن سَبِيلِهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ: أَوْ اسْتَكْرَهَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ) أَيْ لَوْ فَعَلَ الْمَالِكُ الْفَاحِشَةَ أَيْ اللِّوَاطَ بِعَبْدِهِ مُكْرَهًا (عَتَقَ) الرَّقِيقُ بِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ بِهِ (بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ زِنْبَاعًا أَبَا رَوْحٍ وَجَدَ غُلَامًا لَهُ مَعَ جَارِيَةٍ فَقَطَعَ ذَكَرَهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ فَأَتَى الْعَبْدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا حَمَلَك عَلَى مَا فَعَلْت قَالَ: فَعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَالِاسْتِكْرَاهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ فِي مَعْنَى التَّمْثِيلِ.
وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْتَقُ بِالتَّمْثِيلِ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّيِّدِ أَوْ الْعَبْدِ الَّذِي مُثِّلَ بِهِ (دَيْنٌ) وَلَوْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِالْقَوْلِ (وَلَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ الَّذِي مَثَّلَ بِرَقِيقِهِ (وَلَاؤُهُ) لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَكَمَا لَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ وِلَاؤُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
(وَلَا عِتْقَ) حَاصِلٌ (بِضَرْبِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (وَخَدْشِهِ وَلَعْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْعِتْقِ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ